في ضيافه الرياض اجتمع رؤساء الخليج مجددًا على طاولة واحدة لتصفية ما حدث بينهم من اختلاف في وجهات النظر دام أكثر من ثمانية أشهر وأسفر عن سحب سفراء دول الخليج من الدوحة.
وكانت قمة الرياض الاستثنائية التي عُقدت الأحد 16 نوفمبر الجاري، الباب الذي دخل منه زعماء الخليج لكي يضعوا حدًا لما كان بينهم من قطع للعلاقات، وقد حضر الاجتماع كل من أمير الكويت الشيخ “صباح الأحمد الجابر الصباح”، ونائب رئيس الإمارات حاكم دبي الشيخ “محمد بن راشد آل مكتوم”، ويرافقه ولي عهد أبوظبي الشيخ “محمد بن زايد آل نهيان”، وأمير قطر الشيخ “تميم بن حمد آل ثاني”، والعاهل البحريني الملك “حمد بن عيسى آل خليفة”.
وقد قررت دول الخليج عودة سفراءها إلى العاصمة القطرية بعد أن تعهدت قطر بعدم التدخل في شئون دول المجلس ووقف الحملات الإعلامية، والتزامها بتطبيق اتفاق الرياض.
الجدير بالذكر أن كل من السعودية والإمارات والبحرين قررت سحب سفراءها من الدوحة مطلع مارس الماضي مع اتهامات عديدة للعاصمة القطرية بالتدخل في الشئون الداخلية لدول مجلس التعاون الخليجي ودعمها لما وصفتهم الدول الثلاثة بالإرهابيين.
كانت أبرز الإتهامات الموجّهة لقطر هي العمل على تهديد الاستقرار السياسي والأمني لدول الخليج عبر تقديم الدعم المالي واللوجستي لجماعة الحوثيين في اليمن، وأنها أصبحت ملجأ لأشخاص يهاجمون أنظمة الحكم في السعودية والإمارات مثل “يوسف القرضاوي” الأب الروحي لجماعة الإخوان المسلمين – التي صنفتها السعودية من الجماعات الإرهابية آنذاك – الذي تطاول على الإمارات فردت قطر بإذاعه خطبه على قنواتها الرسمية.
وقد نتج عن تلك الاتهامات بيان مشترك صدر من السعودية والإمارات والبحرين يعرض فيه ما توصلت إليه الدول الثلاثة من تهديد الدوحة لأمنها وبناء عليه صدر قرار بسحب سفراء تلك الدول من العاصمة القطرية، وكان رد قطر وقتها أن كل ماحدث مجرد اختلاف في السياسات الخارجية بينها وبين دول مجلس التعاون الخليجي والذي لا يجب أن يؤثر على العلاقات بينهم.
جاءت قمة الرياض قبل انعقاد قمة مجلس التعاون الخليجي ديسمبر القادم في الدوحة لتؤكد على قوة العلاقات الخليجية وأن مجلس التعاون الخليجي يجب ألا يتأثر بما يستجد من اختلافات بسيطة بين الدول الأعضاء حتى يستطيع المجلس التنسيق والتشاور حول ما يهدد المنطقة من تحديات يأتي في مقدمتها تحدي محاربة الإرهاب ووضع حلول عاجلة لمشكلة “داعش”.
وعلى صعيد آخر، أجرى “سامح شكري” وزير الخارجية المصري على مدار اليومين الماضيين اجتماعات منفصلة مع وزيرى خارجية الإمارات الشيخ “عبد الله بن زايد آل نهيان” ووزير خارجية البحرين الشيخ “خالد الأحمد”، وذلك خلال تواجد شكري في الإمارات للمشاركة في منتدى “صير بني ياس” بالإمارات.
وقد تجمع وزراء الخارجية العرب والأمين العام لجامعة الدول العربية الحالي “نبيل العربي” والأمين السابق “عمرو موسى” بالإضافة للعديد من السياسيين البارزين مع كبار رجال الأعمال في الدورة الخامسة لمنتدى “صير بني ياس” الدولي لبحث شئون الأمن والسلام في الشرق الأوسط، وهو تعاون مشترك بين وزارة الخارجية الإماراتية والمركز الدولي للدراسات الاستراتيجية.
وخلال المؤتمر اتفق كل من “سامح شكري” ونظيره السعودي “سعود الفيصل” على الاجتماع في العاصمة الفرنسية باريس خلال جولة الأول في أوروبا هذا الأسبوع، وسيكون اللقاء للتنسيق والسعي على ضم مصر لاتفاق الرياض بعد تأكيد الثاني على أن قمة الرياض قد آتت ثمارها وفتحت صفحة جديدة بين دول الخليج من جهة وقطر من جهة أخرى.
وفي هذا اللقاء المرتقب، من المفترض أن يبلغ “الفيصل” نظيره المصري بتفاصيل قمة الرياض وما إذا كانت هناك التزامات على قطر بشأن مصر وهل سيتغير موقفها تجاه مصر أم لا.
لكن الدلائل تؤكد على أن العلاقة المصرية القطرية ستبقى على ما هو عليه، فسياسة قطر تجاه مصر واضحة وعند الضغط عليها تقدم بعض التنازلات البسيطة لكنها لا تغيّر من سياستها الخارجية العامة مع مصر والحال نفسه إذا تحدثنا عن الحملات الإعلامية القطرية ضد مصر.
فقمة الرياض كانت ستصل لحل وتسوية بشكل أو بآخر لأن الظرف يفرض على دول الخليج كلها أن تتنازل وتتفق كي تعقد قمة مجلس التعاون الخليجي في المكان والزمان المحدد لها خصوصًا بعد التهديدات الخطيرة التي جدت في المنطقة.
الأمر في الخليج يخضع لقواعد العلاقات الدولية، مجرد تبادل للمصالح، أما بالنسبة لمصر، فلا يوجد ما يجبر قطر على الرضوخ وتقديم تنازلات ملموسة خصوصًا وأن قطر لن تستفيد شيئًا من هذا، وفي المقابل فإن مصر ستقابل ما تفعله قطر بالتحفظ لدور قطر القوي في دعم الإخوان.
يمكن أن يُنتج الضغط الخليجي على قطر بعض التنازلات الصورية والمناورات السياسية القطرية مثل قرار ترحيل سبع من القيادات الإخوانية عن الدوحة سبتمبر الماضي، لكن الواقع يقول إنها تأوي عشرات آخريين وتدعمهم، فقطر ليست لها أي مصالح مشتركة مع مصر الآن.