مع تواصل الحرب الروسية ضد أوكرانيا وتزايد العقوبات المسلطة على موسكو للضغط عليها، انطلقت العديد من الدول الأوروبية في البحث عن بدائل للغاز الروسي، وقد بدأت بعض الدول اتصالاتها الرسمية مع جهات عديدة لمدها بالغاز، فما هذه البدائل التي يمكن الاعتماد عليها؟ وما التحديات التي قد تعرقل الاعتماد على تلك البدائل؟
البديل الجزائري
تبدو الجزائر الوجهة المثلى للأوروبيين كبديل عن الروس بحكم قربها الجغرافي من أوروبا، وتعتبر هذه الدولة العربية عاشر أكبر منتج للغاز في العالم، كما أنها تحتل المرتبة الثالثة بين مصدري الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا، إذ تصدر لإيطاليا وفرنسا وإسبانيا والبرتغال وألمانيا.
تصدر الجزائر الغاز الطبيعي عبر ثلاثة خطوط أنابيب، وقد تم غلق واحد منها بعد تأزم العلاقات مع المغرب، وهو ما يمثل مشكلة إذا أرادت الجزائر مد الأوروبيين بكميات أكبر من الغاز، فباقي الأنابيب لا تكفي الحاجة ولا يمكن أن توفر حاجيات الأوروبيين.
لدى الجزائر عشرات المشروعات التي تتوقع الحكومة أن تدر إنتاجًا جديدًا وتساهم في استقرار تدفق صادرات الغاز إلى أوروبا، فهي قادرة على رفع قدرتها الإنتاجية لتلبية حاجات إضافية، لكنها تعاني من مشاكل النقل، وهو ما يكبحها عن أداء الدور الذي يريده الأوروبيون.
صحيح أن قطر تمتلك أكبر حقل غاز طبيعي في العالم، لكن لا يمكنها تلبية احتياجات أوروبا في الوقت القريب
إلى جانب ذلك، توجد العديد من العراقيل الأخرى منها القانونية، إذ لا يمكن للجزائر أن تبيع غازها لكامل الدول الأوروبية وذلك بسبب بنود اتفاقية أبرمتها مع الاتحاد الأوروبي تمنعها من أن تبيع غازها مباشرة، لذلك على الاتحاد الأوروبي تغيير هذا “القانون” لكي يتيح للجزائر أن تساهم في تعويض الغاز الروسي.
وتمنع اتفاقية التجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي، الجزائر من بيع الغاز بشكل مباشر من جميع العقود الراهنة والمستقبلية بين شركات من الاتحاد الأوروبي وشركة سوناطراك النفطية الجزائرية الحكومية، لكن حتى إن تم تجاوز كل هذه الإشكاليات لا يمكن للجزائر وحدها أن تعوض الغاز الروسي، فإنتاجها أقل بكثير من الروس، فأقصى نسبة يمكن أن تصلها الجزائر بخصوص سد الطلب الأوروبي هي 20%، وهي الآن تقارب 12%.
البديل القطري
إلى جانب الجزائر، يمكن لقطر أن تكون بديلًا عن الغاز الروسي، وسبق أن أبلغ وزير الطاقة القطري سعد الكعبي مفوضة الطاقة في الاتحاد الأوروبي كادري سيمسون أن بلاده مستعدة لمساعدة أوروبا “عند الحاجة”، وكانت الولايات المتحدة قد أثارت إمكانية قيام قطر، أحد أكبر منتجي الغاز في العالم، بتزويد دول أوروبا بالغاز.
صحيح أن قطر تمتلك أكبر حقل غاز طبيعي في العالم، لكن لا يمكنها تلبية احتياجات أوروبا في الوقت القريب، ذلك أن الدول الأوروبية مجهزة لاستقبال الغاز عبر أنابيب بينما قطر تصدر الغاز عبر شاحنات ضخمة من الغاز المسال، ما يعني أن الأوروبيين بحاجة لمنشآت خاصة لإعادة تحويل الغاز من الحالة السائلة إلى الغازية قبل استخدامه.
ليس هذا فحسب، فقطر ترسل معظم شحناتها إلى آسيا بموجب عقود طويلة الأجل لا يمكنها كسرها، وهي لا تريد التنازل عن تلك الشراكات الآسيوية حتى لو كان ذلك سيحصد مكاسب مالية وسياسية في أوروبا والولايات المتحدة.
جدير بالذكر أن قطر تصدر كميات صغيرة من الغاز الطبيعي المسال لأوروبا، فمنذ منتصف ديسمبر/كانون الأول الماضي، شحنت قطر 6 شحنات فقط إلى شمال غرب أوروبا (أكبر سوق في المنطقة)، فيما سلمت الولايات المتحدة 42 شحنة خلال نفس الفترة، وهي كميات لا يمكن أن تحدث فارقًا كبيرًا.
اعتادت الدول الأوروبية شراء الغاز في صفقات قصيرة المدى للاستفادة من الأسعار المتدنية، عكس الدول الآسيوية – على غرار اليابان والصين وكوريا الجنوبية – التي ترتبط بعقود طويلة مع قطر تمتد لفترات تتراوح بين 20 و25 سنة.
البديل النيجيري
يضع الأوروبيون أعينهم أيضًا صوب الغاز النيجيري، فقد بلغت احتياطات نيجيريا من الغاز الطبيعي 5.5 ترليون متر مكعب نهاية 2020 (أكبر احتياطي للغاز في إفريقيا)، وفق بيانات شركة بريتيش بتروليوم، مقابل 2.3 ترليون متر مكعب بالنسبة للجزائر.
يأمل الأوروبيون في الاستفادة من الغاز النيجيري بعد توتر علاقاتهم مع روسيا، وتعتبر فرنسا وإسبانيا والبرتغال أكبر المشترين للغاز الطبيعي المسال النيجيري في أوروبا – وهي البلدان التي لديها محطات للغاز الطبيعي المسال -، وقد استوردت أوروبا خلال سنة 2019 نحو 108 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي المسال، منها أكثر من 12 مليار من نيجيريا.
تحتل مصر المرتبة 11 عالميًا بين أكبر الدول المنتجة للغاز الطبيعي
بدأت نيجيريا بالفعل في مد الأنابيب نحو أوروبا لزيادة صادرتها، لكن هناك العديد من العراقيل، أهمها غياب البنية التحتية اللازمة لإيصال غاز نحو أوروبا وانعدام التمويلات المالية لإنجاز هذه البنى التحتية التي تتطلب أموالًا طائلةً.
أيضًا لا ننسى المسألة الأمنية، فمسار الخط الغاز المبرمج بين نيجيريا وأوروبا يعبر من عدة نقاط أمنية ساخنة، بدايةً من دلتا نهر النيجر جنوب نيجيريا، الذي تنشط به عدة مجموعات مسلحة بينها “منتقمو دلتا النيجر”، التي تستهدف أنابيب نقل الغاز والنفط بالمنطقة، وأيضًا جماعة بوكو حرام وتنظيم داعش في غرب إفريقيا.
البديل المصري
رابع الدول التي يمكن أن تكون منقذًا للأوروبيين هي مصر، خاصة بعد الاستثمارات الكبيرة التي خصصتها القاهرة في هذا المجال خلال السنوات الأخيرة، إذ توسعت مصر بشكل كبير وضخّت استثمارات ضخمة في استخراج وتجديد وزيادة كفاءة حقول الغاز الطبيعي، ولديها احتياطات تقارب 200 تريليون متر مكعب.
وتحتل مصر المرتبة 11 عالميًا بين أكبر الدول المنتجة للغاز الطبيعي، وإذا عملت بكل طاقاتها سيصل إنتاجها من الغاز الطبيعي يوميًا إلى 8 مليارات قدم مكعبة، وقد حققت صادرات الغاز المسال المصرية قفزة عالمية في معدل النمو خلال عام 2021، وفق بيانات رسمية.
وفقًا لتقرير صادر عن منظمة الدول العربية المصدرة للنفط (أوابك)، سجلت القاهرة أكبر نمو على مدار السنة في صادرات الغاز الطبيعي المسال في شرق إفريقيا بـ1.4 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال في الربع الثاني مقارنة بعدم وجود صادرات للغاز الطبيعي المسال في نفس الفترة من العام السابق.
لكن لا يبدو أن مصر ستتجه بسهولة نحو أوروبا، فهي تُحبّذ العقود طويلة الأمد والتعامل خاصة مع الصين التي عرضت عليها عقودًا طويلة الأجل بشروط جيدة، لذلك فإن القاهرة ترى في بكين مورّدًا موثوقًا به وتسعى للحفاظ عليه، عكس الأوروبيين.
البديل الأذربيجاني
هناك حلول في أوروبا أيضًا، إذ يمكن للأوروبيين التوجه نحو أذربيجان، وسبق أن صرح نائب وزير الطاقة الأذربيجاني النور سلطانوف، أن بلاده لديها احتياطات كافية من الغاز الطبيعي وبمقدورها تصدير المزيد منه إلى أوروبا.
وتصدر أذربيجان حاليًّا نحو 10 مليارات متر مكعب من الغاز إلى أوروبا، ويمكنها أن تصدر المزيد بفضل خط أنابيب الغاز “عبر أدرياتيك (تاب)”، إذ سيكون لخط الأنابيب هذا إمكانات كافية لنقل الغاز الأذربيجاني إلى السوق الأوروبية، وسيتيح إنشاء بنية تحتية لخطوط أنابيب الغاز المعقدة في أوروبا.
ارتفع عدد شحنات الغاز المتجه من أمريكا إلى أوروبا طيلة الأشهر الثلاث الماضية
يذكر أن خط الأنابيب عبر البحر الأدرياتيكي قد نقل أكثر من 8.1 مليار متر مكعب من الغاز الأذربيجاني إلى أوروبا، في السنة الماضية، ذهب 6.8 مليار متر مكعب منها إلى إيطاليا، كما صدرت أذربيجان أكثر من 11 مليار مكعب من الغاز، السنة الماضية، إلى دول أخرى.
يمكن لأذربيجان أن ترسل وفق العديد من التقارير المزيد من الغاز الطبيعي إلى أوروبا من خلال تطوير المرحلة الثالثة من مكامن حقل شاه دنيز، كما أن منطقة أبشيرون بها احتياطات كافية، وكذلك الوضع بالنسبة لحقل غاز شفق أسيمان وأحواض أوميد وبابك، لكن شرط أن يشجع الأوروبيون شركاتهم للاستثمار في حقول الغاز الأذربيجانية، وضمان شراء الغاز الطبيعي من أذربيجان من خلال إبرام عقود طويلة الأجل.
البديل الأمريكي
يبدو الغاز الأمريكي مغريًا للأوروبيين أيضًا، فطيلة الأشهر الثلاث الماضية ارتفعت عدد شحنات الغاز المتجهة من أمريكا إلى أوروبا، وأظهرت بيانات “رفينيتيف” لتتبع السفن أن أوروبا ظلت مستوردًا رئيسيًا للغاز الطبيعي المسال في الولايات المتحدة، ويُتوقع أن تبقى أكبر وجهة للشحنات الأمريكية للشهر الثالث على التوالي.
أشارت تقارير إلى أن نحو ثلاثة أرباع شحنات الغاز المسال الأمريكي ذهبت إلى أوروبا في يناير/كانون الثاني، إذ أدّت زيادة حادة في الطلب إلى ارتفاع الأسعار والصادرات، فيما بلغ إجمالي صادرات الغاز المسال الأمريكي في شهر يناير/كانون الثاني الماضي 7.3 مليون طن.
نتيجة تنامي الطلب الأوروبي على الغاز الأمريكي، أصبحت الولايات المتحدة في يناير/كانون الثاني الماضي أكبر مُصدِّر للغاز الطبيعي المسال في العالم، للمرة الأولى على الإطلاق، وفاق الإنتاج الأمريكي في ديسمبر/كانون الأول إنتاج قطر بعدما قفزت الصادرات من منشآت سابين باس وفريبورت.
توجد كل هذه البدائل وغيرها أيضًا ممن يمكن أن تعوض الغاز الروسي المتجه نحو أوروبا، لكن العديد من العراقيل تحول دون ذلك، ما يصعب المهمة على دول القارة الأوروبية خاصة تلك التي تعتمد على الأنابيب للحصول على الغاز، فهل يكون الغاز الوسيلة الروسية الأقوى للضغط على الغرب؟