في الوقت الذي أطلقت فيه روسيا العنان لغزو واسع النطاق لأوكرانيا، نقلت وسائل الإعلام عن مستشار وزارة الداخلية الأوكرانية أنطون جيراتشينكو نبأ هروب السياسي الأوكراني الموالي لروسيا والمتهم بـ”الخيانة” فيكتور ميدفيدتشوك من موقع الإقامة الجبرية المفروضة عليه منذ العام الماضي.
وفي وقت تتزايد فيه التكهنات عن سعي موسكو لتنصيب حكومة موالية لها بدلًا من حكومة الممثل الكوميدي السابق فولوديمير زيلينسكي، فإن موقع ميدفيدتشوك كأحد السياسيين الأوكرانيين المفضلين للكرملين قد يدفعه إلى الصدارة في الأسابيع المقبلة.
رجل بوتين المفضل
كان ميدفيدتشوك صديقًا مقربًا لبوتين منذ أكثر من 20 عامًا، بدأت هذه العلاقة في مطلع القرن الـ21، وقدمهما لبعضهما السياسي الروسي ألكسندر فولوشين، وسرعان ما أدرك الاثنان أن لديهما وجهات نظر متقاربة للعالم.
زار ميدفيدتشوك الزعيم الروسي في منزله خارج موسكو وسوتشي، وانضم إليه لمشاهدة سباقات “الفورمولا 1” وبطولات السامبو القتالية، كما كانا يقضيان الإجازات معًا على البحر الأسود، ويديران الأعمال، فهما مهووسان بالروابط بين بلادهما والقوى الغربية التي يرونها تفككهما.
في مقابلة مع “إذاعة أوروبا الحرة”، قال ميدفيدتشوك: “قضيت إجازتي لأول مرة في شبه جزيرة القرم في وقت ما في أوائل التسعينيات واستمررت في هذا التقليد منذ ذلك الحين، لقد كانت مثالية: بحر دافئ ودرجة حرارة لطيفة وموقع رائع”.
قال ميدفيدتشوك إن قصة صداقته مع بوتين تعود إلى السنوات الأولى لرئاسته روسيا، فقد كان ميدفيدتشوك رئيسًا لموظفي الرئيس الأوكراني الأسبق ليونيد كوتشما، وكثيرًا ما كانا يلتقيان في المناسبات الرسمية، وفي ذلك الوقت، كان لروسيا كل النفوذ الذي تريده في أوكرانيا التي اعتمد اقتصادها على روسيا للحصول على الغاز الرخيص والقروض الأرخص، ولم يكن لدى قادتها النية للانضمام إلى أي تحالفات غربية.
لتعزيز علاقتهما بالزعيم الروسي، طلب ميدفيدتشوك وزوجته أوكسانا مارشينكو، مذيعة الأخبار الشهيرة في أوكرانيا، من بوتين أن يكون الأب الروحي لمولودتهما الجديد، داريا، خلال تعميدها وفقًا للتقاليد الأرثوذكسية، لقد ظلوا قريبين منذ ذلك الحين.
في إحدى المقابلات التي أذاعها التليفزيون الروسي الحكومي، يتذكر ميدفيدتشوك كيف كان بوتين يحب داريا، الشابة الأوكرانية بابتسامة خجولة وعيون بنية كبيرة، حيث أحضر لها باقة من الزهور ودبًا عندما زار ميدفيدتشوك في الفيلا الخاصة بهم في شبه جزيرة القرم.
منذ ذلك الحين، ساعد ميدفيدتشوك في تشكيل السياسات الأوكرانية بطريقة يقول المنتقدون إنها تصب في مصلحة بوتين مباشرة، ويشيرون إلى مشاركته في صياغة اتفاقية الغاز المثيرة للجدل لعام 2010 التي وقعها بوتين، رئيس الوزراء آنذاك، ونظيرته الأوكرانية يوليا تيموشينكو، كمثال على توسطه في صفقة لصالح موسكو.
يدين الأوليغارشي الأوكراني البالغ من العمر 67 عامًا والمؤيد لبوتين بثروته القائمة على النفط لعلاقاته بالزعيم الروسي
لم يقدم ميدفيدتشوك أي اعتذار عن تطور علاقته ببوتين، على العكس تمامًا، قال في مقابلة أجراها عام 2016، إنه لشرف عظيم أن يُحسب بين أصدقاء بوتين، مضيفًا “أولئك الذين يتحدثون عن ذلك، يبدو لي أنهم يشعرون بالغيرة مني فقط”، وأشار إلى أنه ليس لديه ما يخفيه عن هذا الموضوع “لأن عملي شفاف”.
يعتقد ميدفيدتشوك أن علاقته برئيس روسيا تساعده في إنجاز مصالح أوكرانيا، ويقول: “أستخدمها حيثما كان ذلك ممكنًا”، ويضيف في مقابلة نادرة مع مجلة “التايمز” الربيع الماضي في كييف، بالقرب من بداية المواجهة الحاليّة بين روسيا والغرب بشأن أوكرانيا: “لا أريد أن أقول إنني أستغل هذه العلاقة، لكن يمكنك القول إنها كانت جزءًا من ترسانتي السياسية”.
يمكن لبوتين أن يقول الشيء نفسه عن ميدفيدتشوك، فخلال السنوات الـ21 التي قضاها في السلطة، كان الرئيس الروسي يرى أوكرانيا “دولة شقيقة مرتبطة بروسيا بأواصر الإيمان والأسرة والسياسة وألف عام من التاريخ المشترك”.
ادعى الصحفي الروسي ميخائيل زيغار، مؤلف كتاب “كل رجال الكرملين”، أن بوتين يعتقد أنه لا يمكن حل أي مسألة تتعلق بأوكرانيا دون ميدفيدتشوك، فقد أمضى السنوات السبعة الماضية في استخدام كل أداة تحت تصرفه، بما في ذلك الإكراه والغزو المباشر، للحفاظ على تلك الروابط، وثني الأوكرانيين عن التوجه بشكل متزايد نحو الغرب.
نمت صداقة ميدفيدتشوك وبوتين أكثر بعد عام 2014، عندما مزقت الثورة الأوكرانية أو ثورة الميدان الأوروبي بلدانهم، بنى المتظاهرون معسكرًا في ساحة كييف المركزية في ذلك الشتاء، لمطالبة القادة الأوكرانيين بمحاربة الفساد والاندماج مع الغرب، وانتهت الاشتباكات التي استمرت أكثر من شهرين مع الشرطة في صباح بارد من أيام فبراير/شباط عندما فتحت قوات الأمن النار على المتظاهرين وقتلت العشرات منهم في الشوارع.
يدين الأوليغارشي الأوكراني البالغ من العمر 67 عامًا والمؤيد لبوتين بثروته القائمة على النفط لعلاقاته بالزعيم الروسي، فقد تحول إلى قطب النفط والإعلام، وكان معروفًا بأنه أحد أقطاب كييف السبع، ووفقًا لمجلة “فوربس”، فإن ثروة ميدفيدتشوك تبلغ نحو 620 مليون دولار.
خلال عام 2020، كشف مجموعة من الصحفيين عن تضخم ثروة عائلة ميدفيدتشوك، وأن ثروته ارتفعت بمقدار 7.5 مليون يورو بعد التدقيق في التصريح عن الممتلكات التي أفصح عنها خلال عامي 2019 و2020، وأوضحوا أنه كان يدَّخر ثروته بعملتي الهيرفنيا واليورو، لكنه تحول إلى الروبل الروسي عام 2020 من خلال حسابات زوجته في أحد بنوك بيلاورسيا، التي أصبحت مالكة لشركتين مرتبطتين بأعمال نفطية.
مؤخرًا، انضم فيكتور ميدفيدتشوك، مع يخته الضخم “رويال رومانس” الذي تبلغ تكلفته 200 مليون دولار، إلى صفوف المليارديرات ويخوتهم الفاخرة، ويعتقد أن اليخت الضخم الذي يرسو في مدينة رييكا الساحلية بكرواتيا بُني في هولندا عام 2014، وهو نفس العام الذي غزت فيه روسيا شبه جزيرة القرم، ووفقًا للتقارير، فإن صيانته مكلفة للغاية، ربما تصل إلى مليون دولار شهريًا.
أمير الظلام
منذ أكثر من عقدين من الزمان، أصبح فيكتور ميدفيدتشوك معروفًا باسم “الكاردينال الرمادي” بسبب نفوذه الذي لا مثيل له في أروقة السلطة بأوكرانيا، وقبل سيطرة روسيا على شبه جزيرة القرم، لقب المنتقدون المليونير والسياسي في الغرفة الخلفية مع علاقات شخصية وثيقة ببوتين، بـ”أمير الظلام”.
عندما كان نائبًا في البرلمان الأوكراني بين عامي 1997 و2002، غالبًا ما كان يتحدث جيدًا عن أوروبا وخاصة بولندا، حيث كان يتمتع بعلاقات عمل وثيقة مع المسؤولين الحكوميين، يقول أولئك الذين يعرفونه إنهم لاحظوا تحولًا في الآراء المؤيدة لروسيا عندما عمل مدير مكتب ليونيد كوتشما من عام 2002 إلى عام 2005.
كان ميدفيدتشوك قوة من وراء الكواليس في السياسة الأوكرانية منذ رئاسة ليونيد كوتشما، عندما شغل منصب مدير مكتب الرئيس من 2002 إلى 2005، لم يشغل ميدفيدتشوك أي منصب بارز بعد الثورة البرتقالية المؤيدة للديمقراطية، ويقول إنه لا يريد منصبًا، وفي مقابلة أجريت معه، قال إنه يشعر بمزيد من الحرية والفعالية دون قيود المنصب السياسي، وبدلًا من ذلك، ركز على التجارة.
من كييف إلى واشنطن، لطالما اعتبر الكثيرون ميدفيدتشوك “عميلًا روسيًا”
لكن بحلول عام 2013، عاد ميدفيدتشوك إلى الساحة السياسية ليقود حملة ضد دخول بلاده الاتحاد الأوروبي، وقدم في سبيل ذلك – كما ذكر بيان للبيت الأبيض – دعمًا ماليًا أو ماديًا أو تقنيًا إلى فيكتور يانوكوفيتش – الرئيس الذي أٌطيح به من السلطة وفرَّ إلى روسيا بعد اندلاع الاضطرابات في أوكرانيا – عن طريق إلغاء خطط لاتفاقية شراكة بعيدة المدى مع الاتحاد الأوروبي.
كان هذا القرار متماشيًا مع السياسات التي دافع عنها ميدفيدتشوك، فقد طالب لسنوات بتوثيق العلاقات مع روسيا، وفي عام 2012، دفعت مجموعته السياسية غير الربحية “الاختيار الأوكراني” Ukrainian Choice لإجراء استفتاء على انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الجمركي الأوراسي الذي تقوده موسكو، وهو أحد تجمعات الجمهوريات السوفيتية السابقة التي يبدو أن بوتين يراها كموازنة الاتحاد الأوروبي.
لعبت “Ukrainian Choice” أيضًا دورًا في إثارة المشاعر المعادية للاتحاد الأوروبي قبل قمة نوفمبر/تشرين الثاني 2013 في العاصمة الليتوانية فيلنيوس، التي تولى خلالها الرئيس السابق فيكتور يانوكوفيتش مهمة التوقيع على اتفاقية الشراكة، وأطلق حملة وطنية، تضمنت لوحات إعلانية تظهر أزواجًا من نفس الجنس يمسكون بأيدي بعضهم البعض، وكتب تحتها “الارتباط مع الاتحاد الأوروبي يعني الزواج من نفس الجنس”.
لكن نفوذ ميدفيدتشوك الضخم تلاشى مرة أخرى بسبب الاضطرابات التي ضربت أوكرانيا منذ أن طرد المتظاهرون الرئيس بترو بوروشنكو الموالي لموسكو من السلطة في فبراير/شباط 2014، وردت روسيا بالاستيلاء على شبه جزيرة القرم وإثارة الاضطرابات في شرق أوكرانيا، ما أدى إلى اندلاع حرب بين كييف والانفصاليين المدعومين من روسيا وقتلوا أكثر من 9500 شخص.
من كييف إلى واشنطن، لطالما اعتبر الكثيرون ميدفيدتشوك “عميلًا روسيًا”، نتيجة لذلك، عندما استولت روسيا على شبه جزيرة القرم في مارس/آذار 2014، اتخذت إدارة أوباما موقفًا متشددًا ضد عملاء روسيا في كييف، وكان على رأس القائمة السوداء ميدفيدتشوك الذي فرضت عليه الولايات المتحدة عقوبات “لتهديد السلام والأمن والاستقرار والسيادة وسلامة أراضي أوكرانيا، وتقويض المؤسسات والعمليات الديمقراطية في أوكرانيا”.
لكن مع تدهور العلاقات واندلاع الصراع مع الانفصاليين الذين تدعمهم موسكو في شرق أوكرانيا بعد أشهر، عينت القيادة الأوكرانية الجديدة الموالية للغرب ميدفيدتشوك في يونيو/حزيران ليكون بمثابة الوسيط الرئيسي في التعامل مع روسيا، وكان الأمل في أن العلاقات بين الكرملين ورجل جعل بوتين عرابًا لابنته ستكون مثمرةً، لا سيما في التفاوض على تبادل الأسرى مع المسلحين.
لكن اتصالات ميدفيدتشوك بالكرملين تعني أنه بينما تم الاحتفال بتنصيبه في موسكو، قوبل بقلق وشك على نطاق واسع من الجمهور الأوكراني، وبعد أكثر من عامين، لم يختف هذا الحذر الذي يؤكده أن “ميدفيدتشوك لديه اتصال مباشر ببوتين” كما يقول رئيس المخابرات الأوكراني.
كسب ميدفيدتشوك في كثير من الأحيان إطلاق سراح أسرى الحرب، إذ عاد العديد من الأوكرانيين المسجونين في روسيا إلى أوطانهم في صفقات تبادل، بما في ذلك الملازم أول في القوات المسلحة الأوكرانية ناديجدا سافتشينكو التي انتخبت عضوة في المجلس الأعلى الأوكراني، وهي واحدة من أوائل الجنديات الأوكرانيات والأولى التي تتعلم قيادة قاذفة “سو-24” ومروحية “مي-24″، في 25 مايو/أيار 2016، مقابل روسيين تقول كييف إنهما كانا ضابطين في المخابرات العسكرية.
يدعي ميدفيدتشوك أنه سهَّل الإفراج عن مئات المحتجزين بشكل غير قانوني منذ ديسمبر/كانون الأول 2014، ويتفاخر بالقول إنه “الشخص الوحيد الذي يجري مفاوضات مع الانفصاليين المدعومين من روسيا”، ويسارع إلى الترويج لأهميته بالقول: “عندما يقول الناس إنني ساعدت في إطلاق سراح 481 شخصًا، هذا فقط من الجانب الأوكراني، فإن الأرقام الإجمالية تتراوح بين 800-900″، لكن منذ ذلك الحين، توقفت عمليات التبادل، ولا يزال كل جانب يحتجز عشرات الأشخاص وراء القضبان.
بالإضافة إلى كونه وسيطًا رئيسيًا بين كييف وموسكو في ترتيب تبادل الأسرى، أصبح ميدفيدتشوك مهندسًا لاتفاق مينسك، الذي ساعد في إبرامه لشرق أوكرانيا في العاصمة البيلاروسية مينسك الاتفاق الأول في 5 سبتمبر/أيلول 2014، لكن لم يتم الالتزام به، بل خرق بعد ساعات فقط من توقيعه بسبب المعارك التي دارت في إقليمي لوغانسك ودونيتسك بمنطقة دونباس.
بحلول نهاية عام 2018، حققت الأحزاب الموالية لروسيا تقدمًا ملحوظًا في أوكرانيا، وشكَّلت تحالفًا يسمى “منصة المعارضة من أجل الحياة”، وبدعم من أصحاب المليارات المتعاطفين مع موسكو، امتلكوا ثلاث شبكات تليفزيونية في أوكرانيا، وكان رئيس حزبهم صديق بوتين القديم ميدفيدتشوك.
رغم هذه الانفراجة السياسية، انتهى دور الوسيط الذي لعبه ميدفيدتشوك بشكل مفاجئ مع فوز الممثل والكوميدي فولوديمير زيلينسكي في الانتخابات الرئاسية الأوكرانية عام 2019، وبعد ثلاثة أشهر، فاز حزب زيلينسكي السياسي بأغلبية في البرلمان، لكن فصيل ميدفيدتشوك جاء في المرتبة الثانية، ما جعله أكبر قوة معارضة في البلاد.
في فبراير/شباط 2021، وقع زيلينسكي على مرسوم اتهم ميدفيدتشوك بتمويل الإرهاب وتجميد أصوله، وبسبب قلق الرئيس بشكل خاص من القنوات التليفزيونية لحزب المعارضة، حظر المرسوم بث ثلاث محطات تليفزيونية مرتبطة بميدفيدتشوك ومتهمة ببث دعاية مؤيدة للكرملين.
عملت قنوات ميدفيدتشوك التليفزيونية على تآكل القاعدة الانتخابية للرئيس زيلينسكي وإضعاف أداء الحكومة، لا سيما استجابتها لوباء “كوفيد 19” وفشلها في تأمين إمدادات اللقاح من الحلفاء الغربيين.
على سبيل المثال، عندما أطلقت روسيا لقاحها الخاص في أغسطس/آب 2020، كان ميدفيدتشوك وزوجته وابنتهما داريا من بين أول من حصلوا عليه، ثم سافروا إلى موسكو للتحدث مع بوتين، كان هذا أول لقاء علني للزعيم الروسي مع أي شخص – دون ارتداء كمامة أمام الكاميرا، ودون مسافة اجتماعية – منذ أن بدأ الوباء، وأسفرت محادثاتهم في ذلك اليوم عن صفقة لروسيا لتزويد أوكرانيا بملايين الجرعات من لقاحها، والسماح للمختبرات الأوكرانية بإنتاجه مجانًا.
قد يوفر حزب “منصة المعارضة من أجل الحياة” بزعامة ميدفيدتشوك مجموعة من السياسيين الذين سيجمع الكرملين منهم حكومة ترضيه أكثر
عندما قدم ميدفيدتشوك العرض إلى كييف، رفضته الحكومة، وكذلك فعلت وزارة الخارجية الأمريكية، التي اتهمت روسيا باستخدام لقاحها كأداة للتأثير السياسي، لكن مع ارتفاع عدد الوفيات في أوكرانيا وعدم وصول أي شحنات لقاح من الغرب ابتعد الناخبون عن زيلينسكي بأعداد كبيرة، وبحلول خريف عام 2020، انخفضت معدلات تأييده إلى أقل من 40%، مقارنة بأكثر من 70% قبل عام، وفي بعض استطلاعات الرأي التي أجريت في ديسمبر/كانون الأول، كان حزب ميدفيدتشوك في المقدمة.
بعد نحو أسبوعين من ملاحقة ميدفيدتشوك، في 19 فبراير/شباط، أعلنت أوكرانيا أنها استولت على أصول عائلة ميدفيدتشوك، وقالت إن من بين أهمها خط الأنابيب الذي يجلب النفط الروسي إلى أوروبا، ويثري ميدفيدتشوك وعائلته – بما في ذلك داريا ابنة بوتين – ويساعد في تمويل حزب ميدفيدتشوك السياسي.
خلال العام الماضي، تعرض حزب ميدفيدتشوك السياسي – أكبر قوة معارضة في البرلمان – للهجوم، ووجه المدعون الأوكرانيون إلى ميدفيدتشوك تهمة “الخيانة العظمى” بزعم الاستفادة من الاحتلال الروسي لشبه جزيرة القرم وتمويله انفصاليين في شرق أوكرانيا وإبرام صفقات غاز في شبه جزيرة القرم وكشف معلومات أمنية حساسة لروسيا، وهو ما ينفيها جميعًا.
أمرته إحدى المحاكم ببقائه قيد الإقامة الجبرية في انتظار المحاكمة وعزله عن ناخبيه ومنعه من حضور جلسات البرلمان، وهي التحركات التي أدانتها موسكو، واتهمته الولايات المتحدة وحلفاءه بالتخطيط لانقلاب بمساعدة الجيش الروسي، ما دفع الرئيس الروسي إلى وصف الهجوم على وكلائه بأنه “تطهير واضح تمامًا للحقل السياسي يمكن أن يحول أوكرانيا إلى نوع من مناهضة روسيا”، مشيرًا إلى أن “كل من يعمل مع روسيا سيواجه الآن محاكمة جنائية في أوكرانيا”.
هل تنجح خطة بوتين؟
في نهاية فبراير/شباط 2022، تمكن السياسي الأوكراني الموالي لروسيا من الهرب في وقت تزحف فيه القوات الروسية نحو العاصمة كييف، ويُعتقد أن ميدفيدتشوك موجود في روسيا أو في منتجعات القرم الفخمة، لكن على الرغم من خضوعه لعقوبات في الولايات المتحدة، فإن الاتحاد الأوروبي لا يزال على علاقة ودية معه، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن المسؤولين هناك يعتقدون أنه قد يكون وسيطًا مفيدًا للسلام كما كان في الماضي.
ومع تسارع الأحداث، قد يؤدي الغزو الروسي إلى عودة ميدفيدتشوك إلى واجهة الأحداث، فقد أمضى بوتين السنوات السبعة الماضية في استخدام كل أداة تحت تصرفه، بما في ذلك الإكراه والغزو المباشر، للحفاظ على العلاقة مع أحد أهم وكلائه في أوكرانيا، وثني الأوكرانيين عن التوجه بشكل متزايد نحو الغرب.
من دون حرب، فإن أفضل الطرق التي يمكن لبوتين من خلالها التأثير على أوكرانيا هي من خلال ميدفيدتشوك وحزبه السياسي، لذلك لا ينبغي أن يكون مفاجئًا أن المواجهة العسكرية بين روسيا والغرب قد تصاعدت بالتزامن مع الحملة ضد صديقه.
في العام الذي سبق تصاعد الأزمة، التقى ميدفيدتشوك بوتين عدة مرات في مقر إقامته بالقرب من موسكو، رغم بروتوكولات الوباء التي أبقت الزعيم الروسي معزولًا عن جميع مساعديه باستثناء كبار مساعديه، ولم يكن السؤال الذي احتل عناوين الصحف في جميع أنحاء العالم: ماذا يريد بوتين؟ مسألة تخمين بالنسبة لأقرب أصدقائه في كييف.
وبحسب المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، فإن بوتين ينظر إلى ميدفيدتشوك على أنه سياسي أوكراني “يؤمن، على عكس كثيرين غيره، بضرورة تطبيع العلاقات ذات المنفعة المتبادلة بين روسيا وأوكرانيا”.
في هذا الصدد، نقلت صحيفة “نيوزويك” عن مسؤولين أمريكيين قولهم إن العاصمة الأوكرانية كييف قد تسقط قريبًا في أيدي الروس، ما يشير إلى أن خطة بوتين “المزعومة” قيد التنفيذ، ويتوقع هؤلاء أنه إذا تولى بوتين السيطرة الكاملة على أوكرانيا في المستقبل القريب، فمن المحتمل أن يريد زعيمًا ينفذ تلك الخطة.
في هذه الحالة، قد يوفر حزب “منصة المعارضة من أجل الحياة” بزعامة ميدفيدتشوك مجموعة من السياسيين الذين سيجمع الكرملين منهم حكومة ترضيه أكثر، وكما هو الحال، يبدو أن الأوليغارشي الأوكراني الروسي ميدفيدتشوك هو الخيار المحتمل لبوتين لتولي منصب رئيس الدولة الجديد في البلاد.
يقول الخبير في شؤون أوكرانيا وروسيا بجامعة دايتون، جارو بيلوكيركوفيتش: “أعتقد أنه إذا كان بوتين يختار، فإن ميدفيدتشوك سيكون خياره، حتى لو لم يكن رقم واحد، فقد يكون كذلك، حتى لو اُضطر لوضعه كحاكم خلف الأضواء”.
أمَّا مصير زيلينسكي إذا قام بوتين بتنصيب ميدفيدتشوك رئيسًا للدولة فيبقى غير مؤكد، ومع ذلك قد يواجه تداعيات خطيرة من الحكومة الروسية، التي تتطلع إلى تصويره على أنه “شخصية استبدادية ارتكب إبادة جماعية ضد الروس”.