جاءت الجلسة التي عقدها مجلس الأمن الدولي بطلب من روسيا للحديث عن المختبرات البيولوجية في أوكرانيا، لتُعيد ذات السيناريو الذي أخرجته الولايات المتحدة في احتلالها للعراق عام 2003، عندما حاول وزير الخارجية الأمريكي الأسبق كولن باول حشد الدعم الدولي خلف العملية العسكرية الأمريكية ضد العراق، وخلق أساس مشروع للحرب بذريعة امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل، ليتضح كذب الادعاءات الأمريكية فيما بعد.
شهدت جلسة مجلس الأمن الدولي إسهاب واضح من مندوب روسيا لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، عبر تأكيده المستمر على أن أوكرانيا قلصت بشكل كبير برنامجها البيولوجي، إلى جانب تأكيده أيضًا وجود شبكة تتألف من 30 مختبرًا بيولوجيًا في أوكرانيا، تعمل على تعزيز خصائص الأمراض الفتاكة، ومحذرًا من مخاطر وقوع مواد خطيرة من هذه المختبرات البيولوجية في أوكرانيا في أيدي الإرهابيين.
هذا الإصرار الروسي على تأكيد شرعية الحرب التي تخوضها في أوكرانيا، يشير إلى أن هناك حالة عدم رضا على مسار العمليات العسكرية من جهة، فضلًا عن بدء تداعيات العقوبات المفروضة على الداخل الروسي من جهة أخرى، وهذا ما يبدو واضحًا عبر سلسلة من الإجراءات السياسية التي اعتمدتها موسكو في الأيام الماضية، منها حظر العديد من وسائل التواصل الاجتماعي، من أجل عزل الداخل الروسي عن البيئة الخارجية، هذا إلى جانب محاولة جعل ذريعة امتلاك أوكرانيا للسلاح البيولوجي، عنصر داعم لخطاب مكافحة النازية، التي أكدها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل بدء هذه الحرب، من أجل إعطاء مشروعية أكبر لآلة الحرب الروسية للمضي قدمًا في الداخل الأوكراني.
نفي الادعاءات الروسية
أكد الرئيس الأوكراني فلودويمير زيلينسكي أن المختبرات البيولوجية في بلاده تعود للحقبة السوفيتية ونشاطها علمي بحت، وقال زيلينسكي في فيديو نشره على قناته بتطبيق “تيليغرام”: “معظم المختبرات من الحقبة السوفيتية، وتنشط في العلوم العادية لا العسكرية”، ونفى تقارير عن إنتاج أسلحة دمار شامل في أوكرانيا، قائلًا: “نحن محترمون.. أنا رئيس بلد محترم، وشعب محترم، لا أحد يطور أي أسلحة بيولوجية أو أسلحة دمار شامل أخرى على أرضنا”.
البنتاغون: “هناك إشارات أن روسيا قد تستخدم ادعاءاتها التي تتحدث عن مساعدتنا لأوكرانيا في تطوير أسلحة بيولوجية، لاختلاق حدث بيولوجي يبرر أنشطتهم العدائية”
كما نفت مندوبة الولايات المتحدة في مجلس الأمن الدولي امتلاك أوكرانيا أي مختبرات بيولوجية تدعمها واشنطن، معربة عن قلق بلادها من استخدام روسيا أسلحة كيماوية أو بيولوجية في أوكرانيا، وأضافت “القوات الروسية استخدمت القنابل العنقودية ضد المدنيين في أوكرانيا، وينبغي التحقيق في جميع انتهاكات حقوق الإنسان بأوكرانيا ومحاسبة المسؤولين عنها”.
وتأتي تصريحات المندوبة الأمريكية في مجلس الأمن الدولي، بعد تأكيدات من وزارة الخارجية الأمريكية، أن “وزارة الدفاع الأمريكية لا تمتلك أو تدير مختبرات بيولوجية في أوكرانيا”، مشيرة إلى أن “روسيا تواصل اختراع ذرائع كاذبة لتبرير أفعالها المروعة في أوكرانيا”.
وقال مسؤول رفيع في البنتاغون الأمريكي: “هناك إشارات أن روسيا قد تستخدم ادعاءاتها التي تتحدث عن مساعدتنا لأوكرانيا في تطوير أسلحة بيولوجية، لاختلاق حدث بيولوجي يبرر أنشطتهم العدائية”، وذكر أن “القوات الروسية تستهدف التجمعات السكنية ما يخلف خسائر بشرية وأضرارًا كبيرة، لكن لا يمكن تأكيد استخدام قنابل حرارية في أوكرانيا حتى الآن”.
الرئيس بوتين يلوح بالحرب المفتوحة
استبق الرئيس بوتين جلسة مجلس الأمن الدولي بتصريحات إعلامية خلال لقائه بمجلس الأمن القومي، تحدث فيها عن ترحيب روسيا بالمقاتلين الأجانب الذين يرغبون القتال إلى جانبها في أوكرانيا، ومساعدتهم على الوصول للجبهات، مشددًا على ضرورة تسهيل إمكانية وصول المتطوعين الراغبين في القتال بأوكرانيا من دول الشرق الأوسط والأقصى.
وردًا على طلب الرئيس بوتين، أكد وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو أن 16 ألف متطوع من الشرق الأوسط جاهزون للقتال إلى جانب الانفصاليين في أوكرانيا، كما أعلن الكرملين، أنه “بإمكان السوريين التطوّع للقتال إلى جانب بلاده في أوكرانيا”.
تدرك موسكو أنها لم يعد لها أي تأثير على كييف باستثناء الموازنة بين الضغط السياسي والقوة العسكرية
يفتح باب التطوع للقتال في أوكرانيا، الباب أمام طول أمد الصراع وتحوله إلى حرب شوارع، وربما تحويل الأراضي الأوكرانية إلى مستنقع جديد للقوات الروسية، على غرار أفغانستان سابقًا في ثمانينيات القرن الماضي، إذ أعلن الجيش الأوكراني وصول أول مجموعة مقاتلين متطوعين من بريطانيا للمشاركة في القتال ضد القوات الروسية، ليكونوا جزءًا مما أسمته كييف “الفيلق الدولي”.
وأضاف الرئيس بوتين خلال الاجتماع “نحن نرى كيف يتوجه المرتزقة من مختلف مناطق العالم للقتال في أوكرانيا بشكل علني”، وفي هذا السياق قال المتحدث باسم البنتاغون الأمريكي جون كيربي: “نعتقد أن المعلومات التي تفيد بأنهم (الروس) يجندون مقاتلين سوريين لتعزيز قواتهم في أوكرانيا صحيحة”.
تدرك موسكو أنه لم يعد لها أي تأثير على كييف باستثناء الموازنة بين الضغط السياسي والقوة العسكرية، ومن ثم فإن روسيا على الأرجح بدأت تنظر إلى أن رفع زخم “شرعية الحرب” لتحقيق تصعيد عسكري كبير الآن، سيكون أقل تكلفة مما قد يكون عليه الوضع في الأيام القادمة، خصوصًا إذا استمرت أوكرانيا في تعزيز قدراتها العسكرية، وفشلت الجولات التفاوضية القادمة في تحقيق وضع محايد لأوكرانيا أو حتى نزع سلاحها، ولعل هذا ما يظهر حجم الاندفاع الروسي الكبير نحو العاصمة كييف، من أجل تدارك أي مفاجآت عسكرية في الأيام المقبلة، خصوصًا بعد تحول مجريات الصراع نحو الاستنزاف والتعقيد.