ترجمة حفصة جودة
في عام 1916، التقت القوى الاستعمارية لفرنسا وبريطانيا العظمى سرًا لصياغة اتفاقية سايكس بيكو التي ستؤثر على الشرق الأوسط سياسيًا واجتماعيًا وثقافيًا للأبد، قرر البيروقراطيون الاستعماريون تقسيم الشرق الأوسط فيما بينهم بدلًا من السماح للسكان في المنطقة بحق تقرير المصير مثلما اتفقوا أولًا، وبدأوا عملية الاستحواذ الاستعماري تحت غطاء نظام الانتداب الذي دعمته عصبة الأمم.
بتقسيم تلك الأراضي عكس رغبة السكان الأصليين للشرق الأوسط، خلقت القوات الاستعمارية ما هو أكثر من الحدود المادية بينهم، فقد حولت ثقافة سكان المنطقة من إحساسهم بهويتهم وحتى لغتهم.
فبعد عدة قرارات اتخذها أشخاص قادمون من مكان يبعد عن هنا مئات الأميال، أصبح لسكان الشرق الأوسط هويات وطنية جديدة فرقتهم عن جيرانهم الذين شاركوهم تلك المنطقة الواسعة وثقافتها لقرون.
تكشف الصورة في الأعلى مدينة يافا من البحر الأبيض المتوسط بين عامي 189 و1900، حيث تركزت الثقافة الفلسطينية والشامية حول المدن الساحلية، والآن لا يذهب ملايين الفلسطينيين إلى البحر الأبيض المتوسط بسبب الاحتلال الإسرائيلي.
تزودنا السجلات التاريخية بمواد غنية تمكننا من إعادة تخيل تاريخ لا يعرفه الناس اليوم خاصة المنفيين في الشتات المتزايد، أو المحاصرين بين الحدود الاصطناعية التي قسمتهم جسديًا خلال القرن الماضي.
من الصعب أن نتخيل أن واقعنا اليوم يشبه المستقبل الذي تخيله الأشخاص الذين عاشوا في الشرق الأوسط قبل عقد من الزمان، فاليوم يستطيع الناس الوصول بشكل أقل لبعضهم البعض، تلك العزلة التي تردد صداها منذ اتفاقية سايكس بيكو، في عالم اليوم أصبحت الخطوط المرسومة على الخريطة تقسمنا أكثر من المحيطات والجبال.
في تلك الصورة، يسير القطار على خط سكة حديد الحجاز الذي أسسته الإمبراطورية العثمانية وكان من المفترض أن يمر من دمشق حتى المدينة مع خط فرعي لحيفا على البحر الأبيض المتوسط، توقف إنشاء خط السكة الحديد عقب اندلاع الحرب العالمية الأولى، واليوم أصبحت تلك الخطوط خارج نطاق الخدمة.
يحكى بعض سكان المنطقة الأكبر سنًا عن قصص زيارتهم لمدن مثل حيفا وبيروت ودمشق برًا في يوم واحد، لكن القيود وصعوبة الوصول بين المدن اليوم يجعل تلك القصص تبدو مستحيلة، هذه الصورة لحافلة تسير على الطريق بين حيفا وبيروت في عشرينيات القرن الماضي.
في تلك الصورة التي التقطت في ثلاثينيات القرن الماضي، ينتظر الركاب للصعود على متن الحافلة المسافرة من العاصمة العراقية بغداد إلى العاصمة السورية دمشق.
تكشف تلك الخريطة الطرق الجوية بين فلسطين ومصر والعراق ولبنان وتركيا وإيران والسعودية وغيرهم عام 1947، بالنسبة للكثيرين فإن التفكير في حجز رحلة جوية للسفر إلى دولة مجاورة قرار يمكن اتخاذه بسهولة نسبية، لكن في الشرق الأوسط يملك المواطنون وصولًا محدودًا للدول المجاورة وأحيانًا لا يستطيعون دخولها نتيجة قوانين التأشيرة الصارمة.
كانت مجتمعات الشرق الأوسط مدركة لطموحات الاستعمار الأوروبي وحاولت بشدة مواجهة سيطرة الاستعمار على أراضيهم ومستقبلهم، في يوم 2 يوليو/تموز 1919 اجتمع ممثلون منتخبون من لبنان وسوريا وفلسطين والعراق في دمشق لصياغة مذكرة رسمية تعلن عن تطلعهم لتوحيد الأمم السورية والفلسطينية واللبنانية تحت قيادة حكومة ديمقراطية واحدة.
جُهزّت المذكرة لتُقدم إلى اللجنة الدولية الأمريكية برئاسة وودرو ويلسون، أمضت اللجنة أكثر من شهر في المنطقة واستمعت لالتماسات آلاف الناس الذين أيدوا سوريا موحدة، ورغم تلك الجهود دعمت اللجنة نظام الانتداب الذي قسّم سوريا وفلسطين ولبنان.
في تلك الصورة مظاهرة في يافا ضد الانتداب البريطاني لفلسطين عام 1919، كُتب على اللافتة “فلسطين جزء من سوريا”.
في عام 1917 أصبح رونالد ستورس الحاكم العسكري للقدس بعد هزيمة الإمبراطورية العثمانية، خلال الاحتلال البريطاني، فُرضت مجموعة من الإجراءات المشددة للسيطرة على القدس وإعادة تنظيمها وفقًا لمصالح الاستعمار.
أُرسلت تلك الملاحظة في الصورة لجميع سكان المدينة تخبرهم بأنه لم يعد مسموحًا التواصل بلغات غير المعروفة رسميًا للمحتلين الاستعماريين البريطانيين، كان هناك أكثر من 15 لغة يتحدثها الناس في المدينة، ما يكشف ثقافتها الفريدة والواسعة، كان هذا الإعلان مثال من بين عدة أمثلة عن تجريد تلك المدينة المتنوعة من هويتها العالمية من خلال الاستعمار.
في تلك الصورة التي التُقطت عام 1926، الشيخ يعقوب بوخير رئيس التكية النبقشندية (طريقة صوفية)، كانت التكية مقرها القدس في وقف زاوية الأفغاني بشارع السلطان برقوقة.
بُني الوقف في الأصل عام 1043 ميلاديًا لخدمة المسافرين والحجاج من منطقة أفغانستان وأوزباكستان، وجد إحصاء سكان القدس عام 1905 أن نحو 94 شخصًا من تلك المنطقة يقيمون في القدس، وبالإضافة إلى الأفغان والأوزبك، عاشت العديد من المجموعات الأخرى من جميع أنحاء العالم في القدس.
في تلك الصورة طلاب الكلية السورية البروتستانتية كما نشرتها “ناشونال جيوجرافك” عام 1919، كان عنوان تلك الصورة “صورة عالمية من سوريا” حيث إن الطلاب في تلك الصورة سوريون ومصريون وأتراك وأرمن ويونانيون ويهود.
كتب الفيلسوف فرانز فانون قائلًا: “عند كتابة التاريخ يجب أن نفعل ذلك بنية الانفتاح على المستقبل وتعزيز الأمل، إن إعادة فحص تاريخنا من خلال تلك النظرة قد يسمح لنا بتخيل المستقبل دون حواجز أو عزلة”.
المصدر: ميدل إيست آي