ترجمة وتحرير نون بوست
تمر بين الحين والآخر في الخرطوم قوافل طويلة من سيارات الفور باي فور السوداء ذات الزجاج المُعتِم، وتشق طريقها من قلب المدينة حتى تبتعد عن الأنظار، ولا تعود إلا أثناء طريقها إلى المطار. لا ينزل ركاب تلك السيارات أبدًا إلى قلب المدينة، ولا يكلمون أحدًا. أولئك هم صيّادو الخليج.
لا نسمع كثيرًا عن الصيادين السعوديين الذين يخيّمون في الصحراء هنا، ويجلبون معهم كل ما يحتاجونه للصيد من طعام ومعدّات، ويقومون باصطياد الغزلان، والوعول النوبية، وحيوان المها، ليأخذوا كل تلك الغنائم معهم إلى حيث أتوا. تقول بعض الروايات أنهم أحيانًا لا يستخدمون أصلًا مطار الخرطوم، بل طياراتهم العسكرية الضخمة من طراز سي-130، والتي تُعَد لها خصيصًا ساحات هبوط مؤقتة حيث شاءوا في الصحراء، ويتم تفكيكها حين يعودون إلى أوطانهم.
بالطبع، بعيدًا عن الأنظار، هناك من يشاركهم من السودان تلك اللعبة، ويحصل على الأموال في المقابل. من هُم هؤلاء؟ وكيف يعدون لتلك الرحلات؟ ومن بالضبط يحصل على الأموال من جراء تلك المهام في الدول الأفريقية المضيفة؟ تلك الأسئلة تظل لغزًا — ولكن أيًا من ذلك لن يحدث دون ضلوع الحكومة السودانية.
قد تكون الكثير من قصص صيد الأثرياء تلك مبالغ فيها، ولكن القصة التي وصلت مؤخرًا من تنزانيا حقيقية. ففي واحدة من أكبر مغامرات الصيد التي يقوم بها سيّاح الخليج في أفريقيا، تراجعت الحكومة التنزانية عن الوعد الذي قطعته بعدم تخصيص أرض تعيش عليها قبائل الماساي لشركة من دبي ترتّب رحلات لأسرة دبي الحاكمة، وقد منحت الحكومة حوالي 570 ألف دولار لقاطني الأرض كتعويض. نتيجة للضغط الإعلامي المتزايد، أصبح الضوء يسلّط على عالم الصيد الخليجي القبيح في أفريقيا — عرب يأتون بأموالهم ونظاراتهم الفاخرة وبنادقهم على حساب قبائل الماساي المقهورة.
من الممكن أن ننظر لهذه المهازل باعتبارها مثالًا على قهر أصحاب المال والنفوذ المعتاد على حساب حقوق غيرهم، ولكن المسألة في الواقع أكثر تعقيدًا من ذلك. إذ لا يمكن لتلك الرحلات أن تتم دون موافقة الحكومات المعنية، بل ولا يمكن أن تتم بدون تشجيع منها أصلًا، فهي مصدر سهل للحصول على الأموال لملأ خزانات الدول الأفريقية المُفلِسة. لا يُبدي الصيادون أبدًا احترامًا لتقاليد أصحاب الأرض ونمط حياتهم الذي يدمرونه، ولكن الأسوأ هو سياسيّو تنزانيا اللاهثون لأجل إبرام الصفقات وتهجير الآلاف للحصول على المال، وهي علاقة لا شك موجودة على مستوى الدولة مع الخليج، خاصة في بلدان شرق وشمال أفريقيا، حيث يتم منح مبالغ هائلة من الأموال دون أسباب واحدة.
حين لجأ أسامة بن لادن للخرطوم في الماضي — وقد كان هو أيضًا من هواة الصيد في السودان — ظن كثيرون أن النظام السوداني يرسل إشارات تعاطف مع أفكاره، ولكن الحقيقة هي أن الحكومة السودانية كانت تريد أمواله. في وقت لاحق، أصبح بن لادن أكبر صاحب أراضٍ في سودان، وحين تم طرده، أعادت الدولة سيطرتها على تلك الأراضي دون تعويضه. هناك آراء منتشرة في بعض الدول الأفريقية، مفادها أنه يمكن بسهولة تكرار ذلك مع أثرياء الخليج بأي حجة، نظرًا لكثرة أموالهم على أي حال.
على الناحية الأخرى، ينظر السكان المحليون لهؤلاء الصيادين باعتبارهم الحلقة الأخيرة من سلسلة الأغنياء والمستعمرين والمستكشفين البيض، التي تعيث فسادًا وتدمر بيئتهم باستخدام السلطة والمال، أو كليهما. والحقيقة أن العديد من البلدان التي لا تملك من الثروات سوى أرضها، تكون حكومتها مستعدة لجلب المال عن طريق التضحية بالطبيعة.
للجزيرة العربية تاريخ طويل مع شرق أفريقيا، لا سيما انتقال الإسلام واللغة العربية مع التجار من الشرق إلى الغرب، والثقافة واللغة السواحيلية أبرز تجلٍ لذلك. بيد أنه كانت هناك دومًا جوانب مُظلِمة لتلك العلاقة بين الطرفين، خاصة فيما يخص استغلال الثروات الطبيعية وتجارة الرقيق. للأسف، تتفشى بين الكثير من أثرياء الخليج نظرة تجاه شرق أفريقا مفادها أن ثروات شرق أفريقيا حق جغرافي وتاريخي لهم بشكل أو آخر، وهي رؤية يعززها طمع الحكومات الأفريقية.
المصدر: الغارديان