ترجمة وتحرير: نون بوست
أخبر مسؤولون إيرانيون وعراقيون موقع “ميدل إيست آي” بأن الهجوم الصاروخي الباليستي الذي استهدف أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق ذاتي الحكم، يعتبر ردًا على الهجوم الإسرائيلي السابق الذي استهدف مصنعًا إيرانيًا للطائرات المُسيّرة في مدينة تبريز. وأوضحوا أن الاقتراحات التي تربط هذا الهجوم بالمفاوضات المتعلقة بشأن تشكيل الحكومة العراقية المقبلة لا أساس لها من الصحة.
في حوالي الساعة الواحدة فجرًا من يوم الأحد، اُطلق 12 صاروخًا باليستيا من الأراضي الإيرانية باتجاه العراق. وقال مسؤولون أكراد إن معظمها ضرب مزرعة على بعد 30 كيلومترًا شمالي أربيل. وقد تبنى الحرس الثوري الإيراني الهجوم الصاروخي، وادعى أن الصواريخ استهدفت مواقع تابعة للموساد في أربيل، وأن أمن إيران وسلامها “خط أحمر” لا يُسمح لأحد بتهديده.
أفاد مسؤول إيراني بارز لموقع “ميدل إيست آي” بأن الهجوم كان ردًا على هجوم إسرائيلي سابق شُنّ من كردستان العراق استهدف مصنعًا للطائرات المُسيّرة في مدينة تبريز شمال غرب إيران قبل بضعة أسابيع.
ويُذكر أن إحدى أهم القواعد الجوية التكتيكية الإيرانية تقع في تبريز وتضم قاعدة طيران للجيش وأسطولًا من مقاتلات إف-5 ومحطة رادار. لم يذكر المسؤول الإيراني مزيدًا من التفاصيل بشأن الهجوم المزعوم على تبريز لكن وسائل إعلام إيرانية أبلغت في الأسابيع الأخيرة عن وقوع انفجارين كبيرين في المدينة.
وقع الانفجار الأول في الرابع من فبراير/ شباط في مبنى من ثلاثة طوابق في منطقة يوسف أباد عباسي شرق تبريز. وصرحت السلطات المحلية في ذلك الوقت بأن سبب الانفجار غير واضح وأن ثلاثة أشخاص على الأقل قُتلوا فيما تضررت خمسة مبان. أما الانفجار الثاني فوقع في الثامن من آذار/ مارس، وطال عدة مبان في منطقة أحمد آباد، وأسفر عن إصابة أربعة أشخاص. وصرّحت السلطات المحلية مرة أخرى بأن سبب الهجوم غير واضح.
تكهّن البعض في ذلك الوقت بأن الانفجار وقع بسبب تسرب الغاز، لكن الصور التي نشرتها وسائل الإعلام الإيرانية أظهرت حجم الدمار الكبير الذي سببه كلا الانفجارين، وهو ما يدحض رواية تسرّب غاز.
قالت السلطات الكردية إنه لم يتم تسجيل إصابات جراء الهجوم الصاروخي الذي وقع يوم الأحد. ولكن مسؤولًا إيرانيًا أشار إلى أن الهجوم أسفر عن مقتل ضابطين إسرائيليين. وأخبرت وزارة الخارجية الإسرائيلية موقع “ميدل إيست آي” بأنها لن تعلق على هجوم أربيل.
رسالة مضمونة الوصول
سقطت الصواريخ بالقرب من عدة مبان قيد الإنشاء تابعة للقنصلية الأمريكية، التي كانت بصدد الانتقال إلى الموقع. كما تضرر مبنى قناة “كوردستان 24” التلفزيونية والعديد من المنازل المجاورة. وكانت جميع المباني المتضررة تقع داخل نفس المجمّع.
يوم الإثنين، صرحت وزارة الخارجية الأمريكية بأن الهجوم لم يكن يستهدف الولايات المتحدة ولم يستهدف أيًا من منشآتها في أربيل، مؤكدة عدم تعرّض أي من مواطنيها أو المتعاقدين معها لإصابات.
لحق الضرر الأكبر فيلا كبيرة من طابقين في مزرعة تقع في المجمع تعود ملكيتها للشيخ باز رؤوف عبد الكريم، المدير التنفيذي لمجموعة كار. وتعتبر مجموعة كار شركة مملوكة للقطاع الخاص تأسست سنة 1999 في أربيل وتركز بشكل أساسي على مشاريع الطاقة يقع مقرها الرئيسي في أربيل لكن لها مكاتب في تركيا والأردن والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة.
أوضح مسؤولون عراقيون أن هذه الشركة مملوكة لعائلة مسعود بارزاني، الرئيس السابق لكردستان العراق ووالد رئيس الوزراء الحالي للإقليم وعمّ الرئيس.
صرح الحرس الثوري الإيراني بأن المواقع المستهدفة استخدمها الموساد لإدارة وإطلاق عمليات تهدد الأمن القومي الإيراني دون تقديم أي دليل يدعم هذه الرواية.
يوم الإثنين، أجرى عبد الكريم ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي جولة في الفيلا المدمرة. ودعا الكاظمي إيران لإثبات أن المبنى كان موقعًا تابعًا لخلية الموساد. من جهته، قال عبد الكريم إن منزله لا يحتوي على شيء سوى ذكريات عائلته: “قصفوا منزلي بالصواريخ لمحو كل ما بداخله.. لم يبق شيء من ذكرياتنا وأرشيف عائلاتنا.. كل شيء دُفن تحت الأنقاض”.
نفى المسؤولون الأمريكيون الادعاء القائل إن الفيلا كان يستخدمها الموساد. في هذا الصدد، أوضح مسؤول أمريكي مقيم في العراق لموقع “ميدل إيست آي أن “الفيلا تقع في نفس مجمع القنصلية الأمريكية الجديدة، التي لا تزال قيد الإنشاء، وهو موقع مفتوح يسهل مراقبته ولا يزال يتواجد في موقع البناء عشرات العمال”. وأضاف “يكتنف هذه القضية الكثير من الغموض. من غير الواضح ما إذا كان الحرس الثوري الإيراني قد أخطأ الهدف حقًا، أو ما إذا كان في ذلك رسالة ضمنيّة”. ويعتقد المسؤول الأمريكي أن الفرضية الأخيرة هي الأكثر ترجيحًا، مؤكدا أنها “كانت رسالة مضمونة الوصول”.
كان الهجوم مدبّرًا مسبقًا
صرح مسؤولون إيرانيون وقادة الفصائل العراقية المسلحة المدعومة من قبل إيران ومسؤولون عراقيون مقرّبون من طهران لموقع “ميدل إيست آي” بأن هجوم أربيل لم يكن “عشوائيًا” أو “انفعاليًا”. وذكروا أنه رغم معرفتهم منذ أسابيع بأنها “مواقع” تابعة للموساد، فقد تم تأجيل الرد على هجوم تبريز بسبب التقدم الإيجابي الذي أحرزته المحادثات النووية مع الولايات المتحدة والقوى العالمية الأخرى في فيينا.
توقفت محادثات فيينا التي استمرت 11 أسبوعًا يوم الجمعة بعد مطالب روسية جديدة ومصادرة الولايات المتحدة شحنات النفط الإيرانية وتغيير واشنطن المزعوم لموقفها.
أخبر المسؤول الإيراني البارز موقع “ميدل إيست آي” بأنّه “كان من المقرر تنفيذ الهجوم قبل أسابيع، لكنّ الخوف من التأثير على سير المفاوضات عرقل تنفيذه”. وأضاف أن “الحرس الثوري الإيراني غير مقتنع بجدوى هذه المفاوضات أو جدية الأمريكيين في منح إيران ما تريده. ويعتقدون أنهم صبروا كثيرًا وأعطوا المخابرات الإيرانية الوقت الكافي لتنفيذ المتفق عليها”.
حسب ما أطلعت عليه مصادر موقع “ميدل إيست آي” فإنّ مصادرة الولايات المتحدة لناقلة نفط إيرانية في جزر الباهاما ورفضها الإفراج عنها رغم المطالب الإيرانية زاد من غضب قادة الحرس الثوري تجاه مسؤولي المخابرات الإيرانية، وهو ما كان الدافع الرئيسي للتصعيد حسب ما أفاد به أحد المسؤولين.
فيينا وليس بغداد
بعد فترة وجيزة من الهجوم، تضاربت الروايات بشأن أسبابه. أشارت بعضها إلى أنّ الهجوم له علاقة بعملية تشكيل الحكومة العراقية حيث يعمل الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة بارزاني مع مقتدى الصدر (الفائز الأكبر في انتخابات تشرين الأول/ أكتوبر 2021) لتشكيل ائتلاف برلماني كبير من شأنه تهميش جميع الفصائل المدعومة من إيران أو معظمها. لذلك، اعتبر البعض الهجوم تحذيرًا للحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يسيطر على أربيل وحكومة إقليم كردستان من استبعاد الأحزاب المدعومة من إيران في الحكومة المقبلة. لكنّ مسؤولين إيرانيين وعراقيين ودبلوماسيين غربيين استبعدوا هذه الفرضية.
ذكر قيادي عراقي بارز مُقرّب من إيران في تصريح لموقع “ميدل إيست آي” أنّ الإيرانيين لن يهدروا الكثير من الصواريخ الباليستية على شأن عراقي داخلي، مضيفًا أن الهجوم الأخير ليس له علاقة بالتنافس السياسي داخل العراق بقدر ما يتعلق بمحادثات فيينا.
وأضاف أنّ “الإيرانيين أرسلوا في هجومهم عدة رسائل: الأولى إلى إسرائيل، والثانية إلى الولايات المتحدة، والثالثة إلى تركيا، والرابعة إلى زعماء إقليم كردستان”.
قال مسؤولان أمريكيان إنّ تركيا محاصرة على الأرجح في الخلاف بسبب شائعات عن مشاركتها في اجتماع حاول فيه سفير روسيا في العراق إقناع المسؤولين الأتراك والقطريين بعدم مساعدة الغرب على إيجاد بدائل للغاز الروسي بعد غزو أوكرانيا.
إيران وروسيا حليفتان، لكنها رغم تلك الشراكة تعرضت للضغط بسبب المطالب الروسية الجديدة في فيينا. وقال المسؤول العراقي البارز إنّ الإيرانيين “أخبروا إسرائيل والولايات المتحدة بوضوح أنّ مصالحهم وحلفاءهم في مرمى النيران الإيرانية، وأنّ الوقت قد حان لاستعادة الحرس الثوري الإيراني عجلة القيادة من جهاز المخابرات الإيرانية”.
واعتبر القيادي العراقي أنّ “ما حدث تجسيد للصراع بين الحرس الثوري الإيراني والمخابرات الإيرانية حول كيفية إدارة العلاقات الخارجية الإيرانية. ومن الواضح أنّ الحرس الثوري الإيراني يعود بالقوة خاصة إذا لم تنقذ الولايات المتحدة محادثات فيينا في الوقت الذي تواصل فيه إسرائيل استهدافها للمنشآت العسكرية الإيرانية”.
المصدر: ميدل آيست آي