ترجمة حفصة جودة
ربما لا يكون الأمر جزءًا معروفًا على نطاق واسع من تاريخ أوكرانيا الغني، لكن في وقت ما، كان هناك ما يقرب من 1500 مسجد في الدولة السوفيتية سابقًا، تراجع هذا الرقم الآن لكن ما زال هناك عدد من المساجد البارزة القديمة والحديثة التي صمدت خلال قرن من الحرب والثورات والاضطهاد الديني.
دخل الإسلام رسميًا أوكرانيا عندما اعتنق حكامها المغول – المعروفون باسم خانية القبيلة الذهبية – الإسلام في أوائل القرن الـ14، لكن مع انهيار دولتهم في أواخر القرن الـ15 صعدت خانية القرم تلك الدولة التي حكمها التتار أحفاد المغول.
كانت خانية القرم دولةً مستقلةً ثم أصبحت تحت حكم الإمبراطورية العثمانية قبل أن تضمها الإمبراطورية الروسية، بعد اندماجها في الإمبراطورية الروسية، بدأت المجتمعات المسلمة في القرم بالانتقال إلى أجزاء أخرى من أوكرانيا خاصة المدن الجنوبية والشرقية مثل مدن دونيتسك ولوهانسك وكذلك خاركيف – مركز الحرب الروسية على أوكرانيا اليوم – التي استقر فيها التتار بدايات عام 1840.
تحظى مدينة أوديسا بأهمية خاصة كذلك لأنها مركز الانطلاق إلى رحلة الحج في الحجاز – السعودية الآن -، ومع ذلك فبعد الانضمام للإمبراطورية الروسية عام 1783، أدت سياسة إضفاء الصبغة الروسية إلى حملة مكثفة للحد من تأثير الإسلام في المنطقة.
بعد سقوط الاتحاد السوفيني وتأسيس أوكرانيا المستقلة، عاد مسلمو البلاد إلى الظهور وأُعيد افتتاح المساجد وسُمح للمنفيين بالعودة إلى بلادهم
تحولت بعض المساجد إلى كنائس مثل مسجد المفتي الجامع في مدينة ثيودوسيا الواقعة على البحر الأسود، فقد تحول تحت حكم الروس إلى كنيسة كاثوليكية أرمانية لفترة من الوقت قبل أن يعود إلى أصله كمسجد عام 1998.
ضمت أوكرانيا نحو 1474 مسجدًا قديمًا مقارنة بـ160 مسجدًا فقط اليوم وفقًا لما تقوله المؤرخة الفنية نيكول نور كانكال، واجه المسلمون وجماعات دينية أخرى مثل المسيحيين الاضطهاد تحت حكم البلاشفة بعد ثورة أكتوبر/تشرين الأول عام 1917.
في أثناء حكم القائد السوفيتي جوزيف ستالين أُغلقت المساجد وطُرد تتار القرم إلى وسط آسيا، بعد سقوط الاتحاد السوفيني وتأسيس أوكرانيا المستقلة، عاد مسلمو البلاد إلى الظهور وأُعيد افتتاح المساجد وسُمح للمنفيين بالعودة إلى بلادهم.
ورغم أن عدد المسلمين في البلاد ما زال صغيرًا، فيصل إلى 1% من السكان وفقًا للإحصاءات الرسمية، فما زال للدين حضور ظاهر بالمساجد المنتشرة في أنحاء البلاد.
إليكم بعض أهم المساجد في أوكرانيا:
مسجد أوزبك هان، مدينة ستاري قرم
بُني المسجد عام 1314 في أثناء حكم القائد المغولي أوزبك هان، ويعد أقدم مساجد شرق أوروبا، تزامن بناء المسجد مع التحول الكبير للمغول في أوروبا الشرقية والشرق الأوسط إلى الإسلام.
يختلف المؤرخون بشأن سبب اختيارهم لهذا الدين، لكن الأسباب تتراوح بين أسباب روحية إلى منافع سياسية، وفي بعض الحالات، كان الحلفاء الترك للقادة المغول مسلمين بالفعل.
يشتهر مسجد أوزبك هان بالمدرسة التي أُلحقت بالحائط الجنوبي له التي بُنيت بعد 18 عامًا من البناء الأصلي، يبدو البناء ذو الطوب الرمادي البسيط كحظيرة ريفية لولا الهيكل المقرنص (أحد أشكال العمارة الإسلامية) في مدخل المسجد.
بعد تحول المسجد إلى أنقاض خلال الحكم السوفيتي، بدأت أعمال الترميم عام 2017 مع بلاط جديد لسطحه ومنبر مرمم ونقوش عربية جديدة.
جامع الجمعة، مدينة يفباتوريا
بنى قائد القرم وحليف العثمانيين دولت كراي الأول جامع الجمعة في منتصف القرن الـ15، الذي كان مثالًا مبكرًا للعمارة المتأثرة بالعثمانية، بعد سلسلة من النكسات العسكرية ضد القوات الروسية في أثناء حكمه، اشتهر كراي بحملته ضد موسكو، فقيل إنه دمرها بشكل كبير بعد أن أشعل النار في المدينة.
استخدم كراي المعمار العثماني الشهير معمار سنان لبناء المسجد، الذي بنى مسجد السليمانية في إسطنبول وجسر موستار في البوسنة، انتهى بناء الهيكل متعدد القباب – وهو الوحيد من نوعه في القرم – عام 1564.
تضم القبة الرئيسية 16 نافذة تسمح بدخول الضوء لقاعة الصالة، كما ينتشر الضوء أيضًا من خلال صفين من النوافذ بطول الجدران، أُعيد ترميم البناء عدة مرات بما في ذلك الترميم الأخير الكبير في أثناء حكم السوفييت عام 1970.
حول حكام أوكرانيا الشيوعيون المسجد إلى متحف حتى عاد إلى وظيفته الدينية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1990.
مسجد السلطان سليمان، مدينة ماريوبول
بُني المسجد على شرف السلطان العثماني سليمان وزوجته الأوكرانية روكسيلانا المعروفة بالسلطانة حُرُم، يجمع المسجد بين العمارة العثمانية والعمارة التتارية المحلية، ويعد أكثر المساجد المنمقة في أوكرانيا ويقع بجانب بحر آزوف في مدينة ماريوبول.
في أثناء الغزو الروسي الحديث على أوكرانيا، وردت تقارير غير دقيقة عن تضرر المسجد نتيجة القصف الروسي، ثم أكد مسؤولو المسجد لاحقًا أن القنابل وقت على بعد 700 متر من المجمع الفعلي وليس فوق المسجد نفسه.
يُقال إن المسجد تأثر بمسجد السليمانية في إسطنبول، وقد موّل رجل الأعمال التركي صالح جيهان المسجد حتى فتح أبوابه للمصلين عام 2007 وعُين إمامه من مديرية الشؤون الدينية التركية.
مسجد الرحمة، مدينة كييف
بُني المسجد في العاصمة الأوكرانية عام 2001، ثم ضم ملحقًا موسعًا ومدرسةً عام 2011، يتسع المسجد لنحو 3000 مُصلٍ، ويقع على مساحة 3200 متر مربع ويضم 3 قاعات، وترتفع مئذنته حتى 27 مترًا في السماء.
بُني المسجد على منحدرات جبل شيكافيتسا في حي تارتاركا الذي يعيش فيه مجتمع نيجني نوفغورد الترتري منذ عام 1840.
اعتاد هذا المجتمع الصلاة في منزل الإمام المحلي، لكن في عام 1913 يُقال إن الحاكم المحلي ميخائيل سوكوفكين وضع حجر الأساس لأول مسجد في كييف بشارع جوجوليفسكا.
ومع ذلك فقد أخرّت عقود من الحرب والثورة والبيروقراطية إتمام العمل، وبدأ البناء الفعلي عام 1994 بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.
مسجد كاتدرائية خاركيف، مدينة خاركيف
بُني مسجد كاتدرائية خاركيف عام 2006 على موقع مسجد سابق بُني عام 1906، دمره الاتحاد السوفيتي عام 1936، يتشكل المجتمع المسلم في المدينة من أحفاد التتار وجنود الباشكير الذين انتشروا في المنطقة في أثناء الحرب الروسية التركية عام 1877 واختاروا البقاء هناك.
في أثناء حكم ستالين، ادّعى المسؤولون الشيوعيون أن المسجد يعيق تدافع نهر لوبان ويجب إزالته، وبُنيت منازل سكنية في المنطقة بدلًا منه، وفي عام 1999 بدأت أعمال إعادة بناء المسجد في نفس موقع المسجد السابق وبنفس التصميم المعماري احترامًا للمسجد الأصلي.
مسجد السلام والمركز الثقافي العربي، مدينة أوديسا
يُقال إن مدينة أوديسا بُنيت في موقع مستعمرة للتتار في العصور الوسطى تُسمى “حاجباي” تيمنًا باسم مؤسسها خان القرم في القرن الـ15 الحاج آي جيراي، أصبحت المدينة حصنًا عثمانيًا بين القرن الـ16 والـ18 وازدهر حينها المجتمع المسلم.
في القرن الـ19، أسس المعماري الأذريبجاني البارز كربلاي صافي خان كارباخي مسجدًا وسط المدينة وتحولت الأرض المجاورة له إلى مقبرة للمسلمين.
دُمر المسجد الأصلي في أثناء العصر السوفيتي، حتى عام 1992 عندما عاد تتار القرم من منفاهم وأسسوا جمعية إسلامية في أوديسا التي تسبق المركز الحاليّ والمسجد.
افتتح المسجد الجديد عام 2001 الذي صُمم على الطراز المعماري المغربي والأقواس الحجرية والخطوط المعقدة، وقد موله رجل الأعمال السوري كيفان عدنان، وإلى جانب ساحة الصلاة يضم المركز فصولًا لتعليم اللغة العربية.
جامع بويوك جمعة، مدينة سيمفيروبول
رغم أن العمل بدأ في جامع بويوك جمعة عام 2015 بعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، فإن الخطط بدأت منذ عام 1996، بعد أعوام من التأجيل البيروقراطي، أسس المجتمع التتاري المحلي مدينة خيام في موقع المسجد عام 2008 وبدأوا في نقل الحجر الجيري إلى الموقع.
كانت تلك الخطوة احتجاجًا من المجتمع على تأخير البناء، لكن الأحجار أيضًا كانت بمثابة نُصب تذكارية لأسلاف المجتمع، حيث كتب الكثيرون أسماء أجدادهم وأقاربهم المتوفيين على كل حجر.
ومع تكفل تركيا بالكثير من تكلفة البناء التي تصل إلى 10 ملايين دولار، فإن المسجد الضخم سيصبح أكبر مؤسسة إسلامية في شبه جزيرة القرم عند افتتاحه، يغطي المكان مساحة 1400 متر مربع ويتسع لنحو 4000 مُصلٍ.
سيحيط بقبته الضخمة التي يبلغ ارتفاعها 28 مترًا، 4 مآذن طولها 50 مترًا، وقد صُممت الساحة الداخلية على الطراز العثماني لتضم منطقة وضوء تقليدية بالإضافة إلى 24 عمودًا حول الحافة الخارجية.
يزين داخل المسجد زهور التوليب الصفراء المرسومة يدويًا، تكريمًا لقصيدة شاعر تتار القرم نعمان جلبي جهان “التوليب الأصفر”.
المصدر: ميدل إيست آي