ترجمة حفصة جودة
هل أحس بوريس جونسون بوميض إنذار عندما كشفت الأخبار عن إعدام السعودية لـ81 رجلًا قبل أيام من رحلته للقاء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان؟ لا يشتهر رئيس الوزراء بأنه صاحب ضمير حي، لكنه يفهم جيدًا علم البصريات، وبالتأكيد يعلم أن مصافحة حاكم مستبد أشرف للتو على عملية قتل جماعي سيضر بالمكانة الأخلاقية لبريطانيا على الساحة العالمية، في وقت لا يوجد فيه أهم من ذلك.
فمنذ خداع جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية بإسطنبول عام 2018 وقتله، ابتعد قادة الغرب بشكل كبير عن المملكة وتجنبوا أي صورة تجمعهم بولي العهد.
لكن خلال أسابيع من بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، بدا أن الحسابات تغيرت، فوزراء الحزب المحافظ وإعلاميوهم يقولون إن على الحكومة فعل كل ما يلزم لتخفيف اعتماد بريطانيا على الغاز الروسي، وكما قال مدير معهد أبحاث الأزمات مارك ألموند في صحيفة “دايلي ميل”: “عليهم الاتفاق مع الشيطان”.
لكن توقيت الإعدامات كان مخيفًا، فقبل أقل من أسبوعين نشرت صحيفة “أتلانتك” لقاءً مطولًا مع ولي العهد السعودي يروج فيه لتحديثات شاملة في نظام العدالة الجنائية السعودية، لذا فالقيام بأكبر عملية إعدام جماعية في تاريخ البلاد بعد فترة وجيزة من ذلك اللقاء، يمثل عرضًا إجراميًا للإفلات من العقاب، يبدو كأنه يسأل: ما الذي ستفعلونه حيال ذلك؟ ويبدو أن الجواب: ليس الكثير.
كان عُمر عبد الله الحويطي 14 عامًا عندما عُذب للاعتراف بجريمة لا يستطيع ارتكابها، وحُكم عليه بالإعدام للمرة الثانية
بزيارة المملكة العربية السعودية هذا الأسبوع، يبدو أن جونسون يؤكد أن السلطات السعودية يمكنها قتل من تشاء وقتما تشاء وكيفما تشاء، وسوف يتجاهل الغرب الأمر، إنه يضمن بالفعل أن المزيد من الناس الذين كانت جريمتهم الوحيدة تحدي الوضع الراهن سيُقتلون، فرجل مثل حسن المالكي – رجل الدين – يواجه عقوبة الإعدام حاليًّا بسبب محتويات مكتبته.
يبدو أن عمليات الإعدام الأخيرة كانت بقطع الرأس، لكن نظام العدالة السعودي كصندوق أسود لا يمكن التأكد مما بداخله أبدًا، فحتى المنظمة السعودية الأوروبية لحقوق الإنسان “ESOHR” التي تحتفظ بسجلات شاملة لعقوبات الإعدام في السعودية لا تعلم شيئًا عن 69 حالةً منهم، هؤلاء الرجال أُدينوا وحُكِم عليهم وأُعدِموا في سرية تامة.
من بين 12 شخصًا منهم نعرفهم يقينًا، عُذب ثلاثة على الأقل للإدلاء باعترافات كاذبة عن هجمات إرهابية بعد مشاركتهم في مظاهرات مؤيدة للديمقراطية، احتُجز عقيل الفرج – من عائلة بارزة منشقة في القطيف – في زنزانة منفردة وضُرب كثيرًا في كل أنحاء جسده وعُذب بالكهرباء وأعقاب السجائر، وسُجن لمدة 5 سنوات دون أن يتمكن من الاتصال بمحامٍ قبل المحاكمة.
كتب المقررون الخاصون بالأمم المتحدة إلى السلطات السعودية بشأن محمد الشاخوري وأسعد شبر، وعبروا عن قلقهم إزاء المحاكمات غير العادلة، واعتماد أحكام الإعدام على اعترافات تحت التعذيب وحقيقة استهدافهم كأفراد أقلية دينية.
هذه هي حقيقة عقوبة الإعدام السعودية، صنفت السلطات هؤلاء الرجال كإرهابيين، لكن هناك معتقلين سياسيين ومجرمي مخدرات غير عنيفين وأشخاصًا اعتقلوا وهم أطفال وينتظرون حكم الموت، كان عُمر عبد الله الحويطي 14 عامًا عندما عُذب للاعتراف بجريمة لا يستطيع ارتكابها، وحُكم عليه بالإعدام للمرة الثانية.
وصلت حالات الإعدام إلى أكثر من 900 حالة في السعودية منذ 2015
في 2014، وقعت حكومتا بريطانيا والسعودية “مذكرة تفاهم” بشأن التعاون القضائي، تقدمت منظمة “Reprieve” بطلب حرية نشر معلومات الوثيقة، لكن الطلب رُفض بدعوى احتمالية تأثيره سلبًا على الإدارة الفعالة للعلاقات الدولية، وبسبب تلك السرية لا نملك أي فكرة عما إذا كانت المساعدة البريطانية قد دعمت النظام القضائي الذي يعتمد على التعذيب والإعدامات في السعودية.
ما نعرفه من تقارير منظمة “ESOHR” ومراقبة الإعلام، أنه في وقت توقيع تلك الاتفاقية ازدادت وتيرة الإعدامات في المملكة بقيادة الملك سلمان وولي عهده، فقد وصلت حالات الإعدام إلى أكثر من 900 حالة منذ 2015.
وفي يناير/كانون الثاني الماضي التقى وزير العدل البريطاني دومينيك راب بنظيره السعودية الشيخ وليد السمعاني، وقال إنه سعيد بما سمعه عن تقدم المملكة العربية السعودية في الإصلاحات القضائية وحقوق الإنسان، لقد استغفلوه.
إن زيارة رئيس الوزراء للرياض بعد فترة قصيرة من هذا الإعدام الجماعي عارٌ عليه شخصيًا وعارٌ على بريطانيا، ألن يخبره أحد من دائرته المقربة أن هناك طرقًا محتملةً أفضل للتعامل مع أزمة الطاقة غير تشجيع وتمكين نظام قاتل؟
في يوم الإثنين أدان النواب ونظراؤهم من جميع الأحزاب تلك المذبحة بأقوى العبارات الممكنة وتساءلوا عن إحجام الحكومة عن القيام بالمثل، يجب ألا نُظهر نفورنا من جرائم فلاديمير بوتين الوحشية بمكافأة جرائم محمد بن سلمان.
المصدر: الغارديان