تنشر مجلة فورين بوليسي قائمة سنوية بأبرز مائة مفكر على مستوى العالم، وهي قائمة تشمل مفكرين بشكل عام لا مفكرين بالمعنى الأكاديمي فقط، إذ تشمل صناع قرار وثوار ونشطاء سياسيين واجتماعيين وبيئيين ورجال أعمال ومُبدِعين ومدوّنين ومعالجين وفنانين. من بين هذه الفئات العشرة، نرصد هنا أبرز الشخصيات في قائمة هذا العام، والتي تجدونها كاملة هنا، على موقع المجلة: https://globalthinkers.foreignpolicy.com
أبو بكر البغدادي
القائمة جاء على رأسها أبو بكر البغدادي، حيث أنه “أعاد تعريف الإرهاب العالمي” حسبما تقول المجلة.
تتحدث فورين بوليسي عن الخليفة الذي نصب نفسه على رأس دولة أنشأها على مساحة شاسعة من أراضي العراق وسوريا، وكيف اقتحم بجماعته حدود دول كبرى في الشرق الأوسط. البغدادي يوصف بأنه الرجل الأخطر في العالم، حيث اشتهرت جماعته بفيديوهاتها الوحشية لقتل أعدائها وقطع رؤوس المدنيين الأجانب وحتى المتعاطفين مع ثورات الربيع العربي من عمال الإغاثة أو الصحفيين.
فلاديمير بوتين
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مهمة قومية، على ما يبدو، ولكنها مهمة لا تعترف بحدود روسيا الحالية، والمحصورة بما تبقى منها بعد تفكك الاتحاد السوفيتي الذي يعتبره بوتين كارثة القرن العشرين الجيوسياسية الكبرى. لم يكن انهيار الاتحاد السوفيتي فقط نهاية نظام سياسي، بل انفصام حضارة بأكملها، هكذا يقول، “فالشعوب الروسية اليوم هي واحدة من أكبر الشعوب المنفصلة عن بعضها البعض”.
بالنسبة لبوتين، الشعوب الروسية لا تُعرّف بأي حدود سياسية، ولكن بثقافة ولغة وتاريخ مشترك، والدولة الروسية التي يقودها هي المخوّلة بتوحيدها كلها، بغض النظر عن سيادة أي دول أخرى قد يتم التضحية بها. تلك الرؤية لا تحكم فقط سياسة بوتين الخارجية، ولكن سياساته الداخلية أيضًا، والتي يقمع فيها باستمرار منظمات المجتمع المدني والمعارضين والأقليات، لا دفاعًا عن الأمن أو الاستقرار، ولكن عن القيم الروسية في وجه الليبرالية الغربية.
أنغلا مِركِل
هي موتّي (Mutti) كما يعرفها الألمان، أي الأم. لا تملك مركل كاريزما مثل زعماء كثر، ولكنها مثل ألمانيا، تقود في صمت، والألمان يحبونها لذلك. الدور الأهم الذي قامت به مركل دوليًا هذا العام هو اجتياز أزمة أوكرانيا بأقل خسائر ممكنة على أوربا التي تعاني أزمة اقتصادية، واستمرار سياسة احتواء بوتين الجزئية التي لا تعجب واشنطن.
مركل، أول مستشار ألماني ينحدر من ألمانيا الشرقية، تتحدث الروسية بفصاحة تجعلها تصحح لمترجميها الرسميين، ومثل الكثير ممن عاشوا تحت حكم أو نفوذ موسكو، تفهم الكثير عن الروس أكثر من غيرها من القادة الغربيين. ليس هذا فقط هو ما يتيح لها تواصلًا جيدًا مع بوتين، ولكن ألمانية بوتين الفصيحة أيضًا، والتي تعلمها أثناء سنوات عمله كجاسوس للاستخبارات السوفيتية في ألمانيا الشرقية.
يظن كثيرون أن علاقات ألمانيا الوطيدة مع روسيا تعرقل قدرتها على اتخاذ قرارات صارمة تجاه بوتين، ولكن البعض يرى أن تلك العلاقات في الواقع تعطيها تأثيرًا في موسكو لا تملكه أي عاصمة غربية آخرى. مركل هي المصارع الهادئ للدب الروسي حاليًا باقتصاد بلدها الثقيل وعلاقتها الشخصية مع بوتين، والتي تدفع البعض أحيانًا إلى نظريات المؤامرة، ومفادها أن مركل الألمانية “الشرقية” عملت، وربما لا تزال، لصالح أسيادها في موسكو (!).
نارِندرا مودي
هو رئيس وزراء الهند الذي اكتسح انتخابات أكبر بلد ديمقراطي في العالم بأكثر من نصف مليار صوت، بعد 12 عامًا قضاهًا رئيسًا لولاية كوجرات. كان مودي ممنوعًا من السفر للولايات المتحدة لتسع سنوات، ولأوربا لعشر سنوات، وكان السبب هو أنه، وهو القومي الهندوسي، تغاضى بشكل أو آخر عن مذابح جرت في ولايته عام 2002 تركت أكثر من 1000 قتيل مُعظمهم مسلمين.
لم يثق الكثيرون بمودي على مدار سنوات، ولكن إدارته الكفء لولاية كوجرات، وهبوط شعبية حزب الكونجرس بسبب تفشي الفساد وتراجع النمو، دفعت بمئات الملايين لانتخابه كبديل لدفع الهند قدمًا، لا سيما وهو صاحب كاريزما لا ينكرها أحد. على حد علمنا، مودي هو أول سياسي يستخدم الهولوجرام (جهاز ينتج صور ثلاثية الأبعاد أمام الناس) ليعرض نفسه أثناء المؤتمرات الانتخابية دون أن يحضر بنفسه.
لويس فيدِجاراي
يُعرف فيدجاراي بأنه العقل المدبّر لسياسات الحكومة المكسيكية، والتحوّلات التي يجريها في اقتصاد المكسيك تثبت ذلك، وأبرزها مشروع قانون الطاقة الذي تم تبنيه الصيف الماضي، والذي يسمح باستثمارات أجنبية في قطاع الطاقة لأول مرة منذ 76 عامًا، وهي خطوة ستجلب 20 مليار دولار إضافية سنويًا للمكسيك.
يعكف فيدجاراي على توفير الطاقة الرخيصة للمكسيكيين، وتركز إصلاحاته على المؤسسات الاقتصادية الموجودة وتعزيز فاعليتها واستدامتها، بما فيها الشركات الصغيرة. الأسواق، في النهاية، تحتاج إلى دفعة خفيفة من الدول لتنجح، كما يقول، “الأسواق لا تنفتح من تلقاء نفسها.”
فيدجاراي ليس جديدًا على عالم السياسة، فقد عمل مع الرئيس الحالي إنريكَي بنيا نيتو منذ كان الأخير عضوًا بالبرلمان، وتم تعيينه المسؤول المالي الرئيسي حين أصبح بنيا نيتو محافظًا لمكسيكو سيتي عام 2005.
أيدان أوزأوغوز
أوربا ليست حضارة مفتوحة للمهاجرين كنظيرتها الأمريكية، وقد صارعت لسنوات لاندماج المهاجرين القادمين إليها من بلدان مسلمة بالأساس، وأحيانًا نظرت لهم كخظر ديمغرافي، أو وضعتهم في أحياء مهمّشة. كل ذلك سيبدأ في التغيّر، كما تأمل وزيرة الاندماج الألمانية، أيدان أوزأوغوز.
كما يشي اسمها، أيدان تركية الأصل، ووُلِدت لأبويين تركيين عملا بمدينة هامبورج. بزغ نجمها سريعًا في السياسة الألمانية، وأصبحت أول امرأة مسلمة من أصل تركي تتولى حقيبة وزارية عام 2013، وتم تكليفها بتطبيق قانون جديد مثير للجدل، يعطي الحق لأبناء المهاجرين في حمل أكثر من جواز سفر واحد.
طموح أيدان الحقيقي يتجاوز مجرد تطبيق هذا القانون، فهي تريد من الألمان أن يعيدوا تعريف مفهوم المواطنة ويتبنّوا مفهوم الانتماء للجميع، بغض النظر عن الاسم أو الخلفية الإثنية، كما قالت في إحدى الحوارات، “أن تكون ألمانيًا لا يعني بالضرورة أن تنحدر من سلالة طويلة من الأسلاف الألمان.” لعل الأسماء التركية والعربية والبولندية التي يعج بها المنتخب الألماني، والفائز بكأس العالم هذا العام، يساعدها ولو قليلًا على تحقيق ما تصبو إليه.
ألكساندر دوجين
لو كان لرؤية التوسّع الروسي التي نرى بعض تجلياتها حاليًا أب روحي، لكان أليكساندر دوجين بلا مُنازع، الفيلسوف القومي وكاتم أسرار الدوما الروسي الذي انتشر اسمه في التسعينيات باعتباره مهندس أفكار الهوية الروسية. يقول دوجين أن موسكو والدول التي خرجت من عباءتها، مثل روما في الماضي، ستقف لتحمي ثقافاتها من التفسّخ والانحدار الذي تعاني منه “قرطاج” (أي الغرب اليوم).
منذ استحواذ روسيا على شبه جزيرة القرم ويبدو أن أفكار دوجين قد بدأت تُتَرجَم على أرض الواقع، والذي يُشار له بالعقل المدبّر لعملية الاستحواذ تلك. إبان الأزمة الأوكرانية، قال دوجين أن جنوب وشرق أوكرانيا (أو روسيا الجديدة كما تُسمّى — نوفوروسيا) توسلا لتدخّل موسكو، وهو على اتصال دائم بقائد المتمردين هناك، إيجور ستريلكوف، ويعطي أوامر مباشرة للانفصاليين كما يُشاع. في خطاب للأمريكيين في مارس الماضي قال دوجين، “أوكرانيا التي كانت على مدار 23 سنة من تاريخها لم تعد موجودة. هذا أمر واقع لن يتبدّل.”
ماتيو رِنزي
رنزي هو رئيس الوزراء الإيطالي الجديد، والذي تولى السلطة في فبراير الماضي قاطعًا وعدًا بشطب المنظومة القديمة في إيطاليا بالكامل، بعد سنوات مما يُسمى بمرحلة برليسكوني. رنزي، البالغ من العمر 39 عامًا، يهدف إلى إعادة الحياة إلى الاقتصاد الإيطالي، وأن تعود إيطاليا لدورها الرئيسي على الساحة الأوربية لتتمكن من مواجهة سياسة التقشّف التي يرفضها كثيرون في بلدان جنوب أوربا.
ماتيو، عُمدة فلورنسا السابق، لا يزال يجد صعوبات في خلخلة منظومات المصالح القائمة، من البيروقراطية إلى النقابات العمالية، ولكن إصلاحاته يمكن أن تغيّر ذلك إذا تمكّن من اجتياز امتحان تمريرها في البرلمان، حيث يعارضها حتى بعض أعضاء حزبه. إذا تمكّن رنزي من التمسك بمنصبه — وهو أمر صعب في السياسة الإيطالية — قد يكون بالفعل ما اختاره لأجله الإيطاليون: طوق نجاة إيطاليا من أسوأ أزمة اقتصادية تمر بها منذ ثلاثينيات القرن الماضي.
خوسيه موهيكا ولويس ألماجرو
خوسيه رئيس راديكالي نوعًا ما، فيما يقوم به في بلده الأوروجواي في الداخل، وفي سياسته الخارجية أيضًا. فالرئيس، وهو عضو ميليشيا سابق، يعيش بمزرعة صغيرة بدلًا من القصر الرئاسي الأوروجواياني، ويتبرّع بـ90٪ من راتبه للأعمال الخيرية، وقد رفع الحظر القانوني عن الحشيش، ويرفض هوس النمو الاقتصادي بين الدول المختلفة.
أبرز ما قام به في السياسة الخارجية هذا العام، هو ووزير خارجيته لويس ألماجرو، هو إيواء 42 لاجئًا سوريًا، ليثبت لدول العالم الأكثر تقدمًا أن بلدًا صغيرًا كبلده — تعداده 3 مليون بمتوسط دخل مواطن سنوي يبلغ 14000 دولار — يمكن أن يُحدِث فرقًا في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية الجارية الآن في العالم. تلك المجموعة من السوريين هي أول من يحصل على الجنسية الأوروجوايانية، في تجربة سيتم تطبيقها أيضًا على 78 لاجئًا آخر العام المقبل.