ترجمة وتحرير: نون بوست
يُكثر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من نعت حكومة أوكرانيا بأنها “نازية بشكل علني” و”مؤيدة للنازية” ويسيطر عليها “نازيون صغار”. ويقول أحد كبار المشرعين الروس إن المسؤولين الأمريكيين بقيادة بايدن مسؤولون عن “نازية” أوكرانيا وينبغي محاكمتهم، بينما يرى مشرّع آخر أنّ الوقت قد حان لإنشاء “محاكاة حديثة لمحكمة نورمبرغ” فيما تستعد روسيا “لتجريد أوكرانيا من نازيّتها”.
يوم الأحد الماضي، بثّ البرنامج الإخباري الأسبوعي البارز التابع للكرملين لقطات بالأبيض والأسود تُظهر مشاهد شنق النازيين الألمان في ميدان الاستقلال وسط كييف. سيطر مصطلح “النازية” على لغة الغزو الروسي لأوكرانيا، وهو ادّعاء مُحيّر عن دولة رئيسها ـ فولوديمير زيلينسكي ـ يهودي ووقّع الخريف الماضي قانونًا لمكافحة معاداة السامية. لم يبدأ بوتين استخدام هذا المصطلح بانتظام في وصف الحكومة الحالية في البلاد إلا في الأشهر الأخيرة، على الرغم من أنه أشار منذ فترة طويلة إلى ثورة أوكرانيا الموالية للغرب في سنة 2014 على أنها انقلاب فاشي.
يبدو من الاستخدام المفاجئ للفتنة “النازية” أن بوتين يحاول إسقاط الصور النمطية والحقائق المزيفة والصدمة المستمرة التي تجتاح بلاده منذ الحرب العالمية الثانية لتبرير غزوه لأوكرانيا. يُصوّر الكرملين الحرب على أنها جزء من عملية مستمرة لقتال روسيا ضد الشر في ما يعرف في البلاد باسم “الحرب الوطنية العظمى”، ويعتمد على اعتزاز روسيا بالفوز على ألمانيا النازية لدعم هجومه.
قال مؤرخو الإبادة الجماعية والنازية من جميع أنحاء العالم في رسالة مفتوحة بعد غزو بوتين إنّ “هذا الخطاب خاطئ من الناحية الواقعية ومهين للغاية ومثير للاشمئزاز من الناحية الأخلاقية. وحتى مع وجود جماعات يمينية متطرفة في أوكرانيا، فإنّ هذا لا يبرّر العدوان الروسي والدمار الكبير الذي ألحقه بالبلاد”.
يقول الأوكرانيون إن أهوال الغزو الروسي تُثبت أن الدولة الوحيدة التي يجب نزع النازية فيها هي روسيا، التي تسببت حربها في دمار المدن الناطقة بالروسية مثل خاركيف وماريوبول وأحدثت دمارًا كبيرًا بالعاصمة كييف.
استخدم بوتين في خطاب ألقاه يوم الأربعاء لغة “نحن مقابل هم” ليعلن أن المجتمع الروسي بحاجة إلى “تطهير ذاتي” من “الحثالة والخونة” الموالين للغرب. يعتقد الكثيرون أن تصميم بوتين العلني على “تشويه سمعة” أوكرانيا فيه إشارة إلى هدفه المتمثّل في الإطاحة بالحكومة وقمع النشطاء والجماعات الموالية للغرب، في سيناريو مشابه لاستخدامه الذكرى الروسية لمعاناة الأمة وانتصارها في الحرب العالمية الثانية لعسكرة المجتمع الروسي وتبرير القمع الداخلي والعدوان الأجنبي.
لكن الأوكرانيين وحّدوا الصفوف خلف زيلينسكي ما دفع بوتين إلى تصعيد حربه الوحشية. كتب وزير الإعلام الأوكراني أولكسندر تكاتشينكو على صفحته على فيسبوك أن حملة بوتين لـ “اجتثاث النازية” تعني بشكل متزايد أنه مصمم على “تدمير جميع الأوكرانيين”، واصفًا وحشية عدوانه بأنه “أفظع من النازية”.
قد يبدو من الصعب على الروس العاديين تقبّل مقارنة بوتين لأوكرانيا المجاورة – حيث يعيش ملايين الروس من الأقارب والأصدقاء – بألمانيا النازية التي غزت الاتحاد السوفيتي وأودت بحياة حوالي 27 مليون شخص. لكنّ وصف بوتين لأوكرانيا بأنها “نازية” له صلة كبيرة بالواقع، حيث انتقدت الجماعات اليهودية وغيرها أوكرانيا منذ ثورتها المؤيدة للغرب في سنة 2014 للسماح لمقاتلي الاستقلال الأوكرانيين الذين وقفوا في وقت ما إلى جانب ألمانيا النازية بأن يتم تكريمهم كأبطال قوميين. وتستغل بعض الجماعات القومية الهامشية ـ التي ليس لها تمثيل في البرلمان ـ الخطاب العنصري والرمزية المرتبطة بألمانيا النازية.
قال المدير العام للجنة اليهودية الأوكرانية إدوارد دولينسكي إنّ البعض يشيرون بسخرية إلى تلك الجماعات اليمينية المتطرفة على أنها “نازية” كما يفعل بوتين. وفي السنوات الأخيرة، لفت دولينسكي الانتباه عدة مرات على وسائل التواصل الاجتماعي إلى أمور مثل إعادة تسمية ملعب رئيسي في غرب أوكرانيا باسم رومان شوخيفيتش، وهو زعيم قومي أوكراني قاد القوات التي تورطت في القتل الجماعي لليهود والبولنديين خلال الحرب العالمية الثانية.
قال دولينسكي في مقابلة هاتفية من غرب أوكرانيا بعد أيام قليلة من فراره من كييف إن “هذه المشكلة موجودة ولا تزال قائمة”. لكن هذه القضية لا تضاهي التهديد الذي تشكله روسيا في حربها المزعومة ضد النازية. وكثيرًا ما تمّ تضخيم تصريحات دولينسكي حول قضايا اليمين المتطرف في أوكرانيا من قبل المسؤولين الروس الذين استخدموها كدليل على أن البلاد ترزح تحت سيطرة النازيين. وقد انتقده بعض الأوكرانيين لأن تصريحاته تخدم الدعاية الروسية، لكنه يقول إنه غير نادم ويرفض الدعوات للظهور على التلفزيون الرسمي الروسي.
يزعم المحلل المؤيد للكرملين سيرغي ماركوف، الذي يظهر بشكل متكرر على شاشات التلفزيون الحكومي، أن النازيين في أوكرانيا في العصر الحديث ليسوا معادين لليهود وإنما هم معادون لروسيا، ويدّعي أنّ هذه هي الأجندة التي وضعتها وكالات الاستخبارات الغربية. في الرواية الدعائية الروسية التي تشهد تعقيدًا متزايدًا ـ التي أعاد بوتين صياغتها في خطاباته ـ يُتّهم الغرب بدعم “النازيين” الأوكرانيين لتقويض الإرث الروسي لأوكرانيا واستخدام البلاد كمنصة لتدمير روسيا
قال بوتين: “نحن مقتنعون تمامًا بأن النظام في كييف الذي نصّبه الغرب ليكون عدوانيًا مناهضًا لروسيا هو نظام غير مبالٍ بمصير الشعب الأوكراني نفسه”. وحسب ما أفد به ماركوف فإن الكرملين بدأ في استخدام مصطلح “النازية” لإيصال رسالة إلى السياسيين ووسائل الإعلام الغربية حول ضرورة غزو أوكرانيا. ولكن يبدو أن استخدام هذا المصطلح موجه أيضًا نحو الروس الذين ربما تظل ذكرى انتصار الاتحاد السوفيتي على ألمانيا النازية بالنسبة لهم العنصر الأقوى في بناء هوية وطنية موحدة.
قال ماركوف مرددًا تصريحات الكرملين: “من وجهة نظر المجتمع الروسي، فإن الفاشيين الأوكرانيين اليوم هم خلفاء الفاشية في ذلك الوقت”. وفي الوقت الذي يتجاهل فيه التلفزيون الحكومي الدمار الذي تسببه القوات الروسية في أوكرانيا والحصيلة المتزايدة للضحايا الروس، تطغى التقارير التي تتحدّث عن الجماعات الأوكرانية المتطرفة التي تشغل في الواقع مكانًا هامشيًا في المجتمع الأوكراني. وتتحدث هذه التقارير عن إعادة تسمية شوارع فيس أوكرانيا باسم ستيبان بانديرا، الزعيم القومي الأوكراني الذي وقف في مرحلة ما إلى جانب ألمانيا النازية ضد السوفييت قبل أن ينقلب الألمان عليه ويضعوه في معسكر اعتقال، وهو ما يثير غضب الأجيال الأكبر سنًا من الروس الذين سمعوا عن شرور المتعاونين مع النازيين.
في ظل لعب الجماعات القومية الأوكرانية دورًا مهمًا في الدفاع عن بلادهم ضد الغزو الروسي، كافح المؤيدون الغربيون لأوكرانيا من أجل حماية الحقائق من التشويه. وقالت شركة فيسبوك الأسبوع الماضي إنها تستثني من سياساتها المناهضة للتطرف الثناء على وحدة كتيبة آزوف العسكرية اليمينية المتطرفة في أوكرانيا، مشددة على أنّ ذلك يقتصر على سياق الدفاع عن أوكرانيا وعلى دورها كجزء من الحرس الوطني الأوكراني.
انتهزت وسائل الإعلام الحكومية الروسية خطوة فيسبوك باعتبارها أحدث دليل على دعم الغرب للنازيين في أوكرانيا. وهم يحتجون على عبارة “سلافا أوكراني!” بمعنى “المجد لأوكرانيا!” التي يستخدمها السياسيون الغربيون – مثل رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي في خطابها يوم الأربعاء – في استقبالهم لزيلينسكي، مع العلم أنها تحية جنود بانديرا.
وحسب المؤرخ في مدرسة موسكو للعلوم الاجتماعية والاقتصادية، فلاديمير مالاخوف، فإنه “بالنسبة للأشخاص الذين يعيشون اجتماعيًا في هذه الثقافة السوفيتية، فهذه بالتأكيد ارتباطات سلبية”. وهو يعتبرها “متطرّفة ومُعادية للسامية ولروسيا”. وأشار دولينسكي من اللجنة اليهودية الأوكرانية إلى أنّ هناك العديد من اليهود من بين ثلاثة ملايين أوكراني الذين فرّوا من البلاد، وأن بعضهم قد لا يعود. وعلى حد قوله، فإنّ حرب بوتين قد توجه ضربة مُدمّرة للجالية اليهودية في أوكرانيا.
المصدر: نيويورك تايمز