أسس أستاذ بجامعة هارفارد وآخرون حملة تهدف إلى انتخاب أعضاء في الكونغرس يكونون ملتزمين بإجراء إصلاحات جذرية في القوانين الأمريكية، عن طريق الثورة على نظام تمويل الحملات القائم، بتنفيذ خطة لجمع التبرعات لا تعتمد على مخاطبة كل شخص بعينه، لكنها بدلاً من ذلك، تخاطب الرأي العام، وتدعو الجميع للمشاركة بناء على الأهداف، وليس بناء على الحزب أو الشخص الذي يريدونه أن يصل إلى مجلس النواب الأمريكي.
القوانين الحالية في العديد من دول العالم، ومن ضمنها الولايات المتحدة، تفرض على الشعوب نوع مما يمكن اعتباره “تصفية” لاختيار المرشحين الذين يخوضون الانتخابات، هذا الأمر حدث في هونغ كونغ مؤخرًا، ويحدث في معظم الدول حيث تقرر لجان انتخابية من يرشح نفسه.
الخطة طموحة، ما يريده مؤسسها الأستاذ “لورانس ليسيج“، أستاذ القانون بجامعة هارفارد، هو محاربة الفساد الحكومي عبر تفريق التمويل بين الممولين! حيث لا مسيطر سوى الشعب ومصالحه.
ولورانس ليسيج أكاديمي وناشط سياسي أمريكي ومؤلف لعدة كتب منها كتاب “الثقافة الحرة” جميعها متاحة للتحميل المجاني، عمل أستاذًا للقانون في كلية الحقوق بجامعة ستانفورد، كما أسس مركز ستانفورد للإنترنت والمجتمع، قبل أن يعلن في ديسمبر من العام 2008 الانضمام إلى هيئة التدريس في كلية الحقوق في جامعة هارفارد، ويعد ليسيج أحد أقوى عشر شخصيات مؤثرة في عالم الإنترنت.
وليسيج هو عضو مؤسس لمؤسسة المشاع الإبداعي وعضو مجلس إدارة مركز البرمجيات الحرة وعضو مجلس إدارة سابق بمؤسسة الحدود الإلكترونية، وعُرف بأنه من دعاة تخفيض القيود القانونية المفروضة على حق المؤلف والعلامات التجارية والبث الإذاعي، وخاصة في تطبيقات التكنولوجيا.
وفي فبراير 2008 أنشأ بعض مؤيدي ليسيج مجموعة على موقع فيسبوك لتشجيعه على ترشيح نفسه للكونغرس عن ولاية كاليفورنيا على المقعد الشاغر بوفاة السيناتور “توم لانتوس” إلا أنه اتخذ قرارًا بعدم ترشيح نفسه لملئ المقعد الشاغر بعد دراسة الأمر، ومع ذلك فقد أعلن في مؤتمر صحافي في مارس من نفس العام عن مشروعه لتغيير الكونجرس عبر إطلاق مشروع إنترنتي لتوفير الأدوات التكنولوجية التي تمكن الناخبين من اختيار ممثليهم ومساءلتهم والحد من تأثير المال على السياسة، هذه هي حملة “MayDayPac“.
ما يقوله ليسيج أن المشكلة تتلخص في أن حملات الترشح للكونغرس يتم تمويلها من مساهمين لا يمثلون أكثر من 0.05٪ من إجمالي الشعب الأمريكي.
هذا الاهتمام الذي يوليه المرشحون للكونغرس لهؤلاء الممولين والمتبرعين يعطي الأخيرين قوة هائلة، إما قوة مباشرة إذا كانوا يؤيدون مرشحهم بشخصهم أو بأموال مؤسستهم أو شركتهم، أو قوة غير مباشرة إذا كانوا يقومون بتمويل المرشحين عن طريق دعم جماعة ضغط أو “لوبي” بعينه.
هذا الأمر لا يتعلق بحزب دون آخر، فهو ينطبق على الديمقراطيين والجمهوريين والمستقلين، إذ تمنع الشركات وأصحاب رؤوس الأموال وجماعات الضغط الإصلاحات من قبيل قوانين الحفاظ على المناخ، أو الرعاية الصحية، أو تحسين الضرائب أو تقليص حجم الحكومة، هذه الديناميكية دمرت قدرة الإدارة الأمريكية على الحكم.
لورانس ليسيج يريد إنهاء ذلك! تسير خطة ليسيج على أربعة مراحل:
في البداية سيجربون فكرة دعم المرشحين الذين يؤيدون الإصلاح، بهدف تجربة تحريك الناخبين على أساس الإصلاح.
وبناء على تجربتهم في 2014، سيشاركون في 2016 بهدف الفوز بأغلبية في الكونغرس، وفي 2017 سيضغطون على الكونغرس لتمرير القوانين، وعلى الرئيس لتوقيع التشريعات التي تضمن الإصلاحات لقوانين الانتخابات وقوانين التمويل.
وبعد أن يتم انتخاب الكونغرس بموجب النظام الجديد، سيتم الضغط للحفاظ على المكتسبات، ولتمرير الإصلاحات الدستورية اللازمة.
الأمر شديد التنظيم، وحتى نوفمبر 2014، شارك أكثر من 67 ألف شخصًا في التبرع بـ 10 مليون دولارًا لتمويل الحملات الانتخابية للمرشحين الرافضين للفساد والمستعدين لخوض معركة الإصلاح الجذري.
الحملة في حد ذاتها تطرح أفكارًا شديدة الثورية فيما يتعلق بالحشد والتعبئة، وإن كانت تتشابه في فكرتها المحورية مع فكرة التمويل الجمعي للمشاريع، والتي وفرتها منصات مختلفة على الإنترنت، وأثبتت نجاحًا كبيرًا على مدار الأعوام السابقة.
ولأن ليسيج هو أحد رُسُل الخصوصية والحرية على الإنترنت، فقد طرح طرقًا متعددة يمكن من خلالها تمويل حملته، ومن ضمنها التبرع عبر البت كوين، (يمكنك قراءة المزيد عن بت كوين هنا)، وهو ما سيحفظ للمتبرعين خصوصيتهم بشكل كامل.
ما يقوله ليسيج أنه يمكن للأمريكيين استعادة ديمقراطيتهم، وإعادة الجمهورية مرة أخرى ليد الشعب، عبر تعديل القوانين، وإلغاء سيطرة الأقلية على قرار الأغلبية.
تجربة التمويل الجمعي ثرية للغاية، ونتائجها في هذه الحملة تبدو مبشرة! لا نتحدث فقط عن التمويل، بل نتحدث عن مئات المتطوعين الذين شاركوا في الحملة حتى الآن.
ليسيج استطاع إيجاد 8 مرشحين للكونغرس من المناهضين للفساد، وقرر تمويلهم في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، أحدهم مرشح مستقل لمجلس الشيوخ، واثنين منهم ينتمون للحزب الجمهوري ومن الداعمين للإصلاحات، فيما ينتمي خمسة للحزب الديمقراطي.
شعار الحملة هو “لنستعد ديمقراطيتنا مرة أخرى”، أول مرحلة – تقول الحملة – إنها كانت يوم الثلاثاء، 4 نوفمبر، مع انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، والتي قالت إن مشاركة الحملة فيها كانت قوية بما يكفي لتوصل رسالة للسياسيين المنتخبين بتبعات معارضة الإصلاح.
إلا أن الحملة لم توفق بشكل كبير، حيث نجح اثنين فقط (أحدهما ديمقراطي في أريزونا، والآخر جمهوري في نورث كارولينا) من بين المرشحين الثمانية الذين دعمتهم الحملة، وهو ما أثار تساؤلات وسط الأمريكيين عن جدوى الحملة “التي ستقضي على كل الحملات”، حسبما يصفها ليسيج.
الفكرة التي تطرحها الحملة، طُرحت بأشكال مقاربة في عدد من الفضاءات العربية، ففي أكتوبر 2011، وبعد الإطاحة بالديكتاتور حسني مبارك بعدة أشهر، طرح عدد من المفكرين والإعلاميين المصريين فكرة إنشاء قناة تليفزيونية بالاكتتاب الشعبي، وكان مُقترحا لها اسم “الشعب يريد” كي تتخلص من احتكار رجال الأعمال لتمويل القنوات؛ وبالتالي توفير رأس مال مستمر لضمان حرية المشاركين في القناة وعدم تقيدهم بما يريده الممولون.
إلا أنه لأسباب بيروقراطية متعمدة، لم تر القناة النور.
حملة ليسيج هي نداء استغاثة للشعب، ولهذا تم تسميتها MayDay، وMayday هو نداء استغاثة متعارف عليه دوليًا، يطلق من خلال الاتصالات اللاسلكية (الراديو) للإبلاغ عن خطر جسيم، وهذا ما يريد ليسيج أن يوصله، أنه على قدر الخطر الذي يُهدد الأمة الأمريكية، فإن نداء الاستغاثة يُوجه للأمريكيين جميعًا، وبغض النظر عن النتائج الحالية للحملة، إلا أن ناقوس الخطر الذي دقه لورانس ليسيج، سيظل يؤرق الممولين أصحاب رؤوس الأموال، والناخبين على حد سواء.