بعد سنوات من الجمود والإهمال والمراوحة في المكان في الملفات السورية سياسيًا وعسكريًا، تعود القضية السورية لتتردد في الأوساط الدولية، ورغم أن عودتها إلى أذهان الساسة في العالم يأتي من زاوية ضرب المثال بها في إجرام روسيا وإفلاتها من العقاب، إلا أن هذه العودة خلقت عند كثير من السوريين بريق أمل بأن ينعكس الغزو الروسي لأوكرانيا سلبًا على بوتين وأتباعه في العالم، وعلى رأسهم بشار الأسد.
توقعات إيجابية مشروطة بهزيمة بوتين
رغم ظاهر الوضع في روسيا الذي يشير إلى خسائر عسكرية وسياسية آنية لروسيا وخسائر اقتصادية طويلة المدى، إلا أن تطورات الملف الأوكراني ما زالت مفتوحة الاحتمالات، يقول الدكتور محمود الحمزة الأكاديمي والخبير بالشأن الروسي: “يمكن الاستفادة من الحرب في أوكرانيا بالنسبة للقضية السورية فقط في حال خسارة بوتين، أما انتصاره فليس لصالح قضيتنا، أما إذا تم حل القضية الأوكرانية باتفاقيات فإن بوتين سيكون بحكم المنتصر لأنه حقق بعض أهدافه”.
وعمّا يتوجب على السوريين القيام به لاقتناص المتغير السياسي الدولي يوضّح الدكتور الحمزة: “لكي يحقق السوريون مكاسب مما يجري في أوكرانيا عليهم أن يزيدوا نشاطهم في الأمم المتحدة وأمريكا وأوروبا وغيرها من الدول المؤثرة حتى يهتموا بالملف السوري مثلما يهتمون بأوكرانيا”.
وتتواتر تصريحات وتعليقات غربية عن الوضع السوري بالتزامن مع التحرك الدولي ضد روسيا، ولعل أبرز هذه التصريحات ما صدر عن مسؤولين أمريكيين بأن هذا الشهر هو شهر محاسبة بشار الأسد على جرائمه، ويرى الدكتور الحمزة أن “الكرة الآن في ملعب السوريين، حيث أن على الجاليات السورية خلق ضغط شعبي في مختلف دول العالم، وخاصة على الحكومات والبرلمانات الأوروبية والأمريكية، وتذكيرهم أن واجبهم الأخلاقي يفرض عليهم مساعدة الشعب السوري ضد المجرم بشار الأسد، وخاصة أن العدو الذي يحاربه الغرب الآن وهو روسيا هو ذاته السبب ببقاء بشار الأسد حتى اليوم”.
تحركات من المعارضة السورية السياسية
باشر الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية بالتحرك سياسيًا لإعادة القضية السورية إلى طاولة الاهتمام الدولي، وعن هذا التحرك يقول يحيى مكتبي عضو الهيئة السياسية للائتلاف: “الاستفادة من المشهد الدولي يكون من خلال مخاطبة الدول وإعادة تذكيرها بما جرى في سوريا، وهذا ما حصل حيث تم إرسال العديد من المذكرات والرسائل إلى الدول الصديقة للشعب السوري، وكان هنالك خلال الفترة القريبة الماضية العديد من اللقاءات مع الأمريكيين والفرنسيين، وجرى الإشادة خلالها بموقف الائتلاف الوطني السوري من ما يجري في أوكرانيا، ونحن بالتأكيد نقف بكل قوة مع الشعب الأوكراني في وجه هذه الهجمة الشرسة والإجرامية التي تقوم بها روسيا البوتينية”.
وعن الربط بين الملف السوري والأوكراني يتابع مكتبي: “هذا الأمر بالتأكيد يعطينا فرصة لإعادة لفت النظر إلى أنه لا يمكن أن يكون هنالك حل في سوريا إذا بقيت الأمور على ما هي عليه من حيث استمرار عصابة الأسد في ممارسة الإجرام من خلال الدعم الروسي والإيراني. يجب وضع حد لهذا الإجرام وفتح أفق حقيقي باتجاه عملية سياسية يكون عنوانها الانتقال السياسي وفق القرارات الدولية”.
وأشار مكتبي إلى أن الائتلاف يعمل على هذا “بشكل مكثف، ومنذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا كانت هنالك اجتماعات شبه يومية في الهيئة السياسية للائتلاف ومناقشات لتطورات الأمر، وكيف نستطيع من خلال خطوات سياسية ودبلوماسية إرسال رسائل ومذكرات تعيد الربط ما بين الإجرام الذي يمارس اليوم على الشعب الأوكراني، وما جرى من جرائم قامت بها روسيا دعمًا لنظام الأسد على الشعب السوري”.
تشبيك مع الملف الأوكراني ضمن محاذير
يعتبر الأكاديمي والباحث في العلاقات الدولية الدكتور عبد القادر نعناع أن الولايات المتحدة خصوصًا، والدول الغربية، تسعى إلى توسيع دائرة مواجهة روسيا، لتشمل ساحات عدة، أبرزها الساحة السورية (قانونيًا وإعلاميًا وسياسيًا حتى الآن). وهذا يخلق أمامنا فرصة مهمة للتشبيك مع القضية الأوكرانية في الساحات الدولية، وبالتالي الاستفادة من التوظيف السياسي لقضيتنا، في الحصول على مكاسب يمكن البناء عليها.
لكن نعناع يرى أن هناك محاذير يجب أخذها بعين الاعتبار، ويشرحها قائلًا: “أول المحاذير أن استخدام قضيتنا هو استخدام سياسي/مصلحي، وليس له ذات البعد الأمني/الوجودي الذي يهدد أوروبا، وهذا ليس إشكالًا إن استطعنا الاستفادة من ذلك، أما ثانيها، فهو متعلق بنا، حيث أن هذا يمنحنا فرصة لم نكن نتوقع حصولها، وعليه فإن سوء استغلالنا لهذه الفرصة، سيكون له ارتدادات بالغة السوء علينا، لناحية وسم المعارضة السورية بأنها فاشلة رغم كل الظروف التي خدمتها.”
وأضاف: “نحن مطالبون ببناء برنامج عمل جديد كليًا وبالغ الاستعجال، ومتسق مع التوجهات الدولية لعزل روسيا وحلفائها. أما ثالثها، فهو الارتداد المصلحي في الموقف الغربي/الأمريكي. وهنا نعني أن هناك تغيرات هائلة تقع في الشرق الأوسط حاليًا، لناحية إعادة خلق ترتيبات إقليمية جديدة، هي نتيجة للاتفاق النووي مع إيران (المتوقع خلال فترة قصيرة)، حيث ستكون إيران دولة مارقة مع تمويلات كبيرة، وذراع عسكري (الحرس الثوري) ليس على القائمة الأمريكية للمنظمات الإرهابية، وبتمويل واسع (عائدات النفط الجديدة)”.
ويوضح الدكتور نعناع أن هذا المتغير ناجم عن الحرب على أوكرانيا، وقد يخلق معضلة كبيرة في سوريا، إن لم يكن هناك استدراك مبكر للتحضير لمواجهته، ويضيف: “عدا عن خطورة انكفاء الولايات المتحدة عن مقاطعة الدولة المارقة “إيران وفنزويلا” بهدف إعادتها إلى السوق النفطية الدولية، حيث يشكل لنا هذا تحذيرًا من انكفاء الولايات المتحدة عن خطابها التصعيدي الأخير تجاه الأسد، في مرحلة ما، والعودة نحو بغية استقطابه بعيدًا عن روسيا، في حال لم نستطع التشبيك مع الولايات المتحدة”.
معركة كييف تلقي بظلالها على دمشق
لا يمكن الحديث عن الملف السوري سياسيًا بمعزل عن الجانب العسكري الذي يترجم التفاهمات والخلافات السياسية على أرض الواقع، وعن علاقة الملفين الأوكراني والسوري من الجانب العسكري يقول الخبير العسكري العقيد عبد الجبار العكيدي: “سيكون للغزو الروسي لأوكرانيا تداعيات على القضية السورية من جميع النواحي إن كان السياسية أو العسكرية، دخول روسيا في الحرب سيؤدي إلى إضعافها، خاصة بعد العقوبات الشديدة التي تؤدي إلى ضعف روسيا اقتصاديًا، كما بدأ يتضح ضعف روسيا عسكريًا، حيث لم تستطع مع دخول الحرب أسبوعها الرابع تحقيق تقدم في أوكرانيا بمستوى قوة الجيش الروسي المصنف ثاني أقوى جيش في العالم”.
ويرى العقيد عكيدي أن الأهم الآن هو أن الروس بدؤوا بسحب بعض قوات النظام والميليشيات من سوريا إلى أوكرانيا للقتال إلى جانب الجيش الروسي، وهذا دليل ضعف ومؤشر على عدم تمكن الروس من تحقيق خرق حقيقي على جبهات القتال.
ويضيف: “تكبد الروس خسائر كبيرة جدًا في أوكرانيا من الناحية البشرية أو من ناحية العتاد والسلاح وتدمير دباباتهم وإسقاط طائراتهم. الأهم في هذا الموضوع هو محاولة الغرب إضعاف روسيا في سوريا، وهو أمر غير مؤكد حاليًا لكنه قد يحصل بأن تعيد الدول الغربية دعم الجيش الحر مرة أخرى وتسليحه بشكل جيد وبأسلحة نوعية هذا بالتأكيد سوف يكون يغير المعادلة في سوريا، بالتالي كل الاحتمالات مفتوحة الآن”.
ويربط الدكتور عبد القادر نعناع بين العزلة الدولية الروسية وما على السوريين القيام به لتحقيق مكاسب في قضيهم قائلًا: “إن روسيا باتت شبه معزولة دوليًا، وتتعرض لانتكاسة عالمية في سمعتها كقوة كبرى، هذا يخدمنا في حال قررنا نقض ما ترتب على اتفاق أستانا سياسيًا وعسكريًا، وسنجد كثيرًا من الداعمين لنا في هذا النقض. إذًا، نحن مطالبون بتكثيف برنامج عملنا على الأصعدة: الذاتية، والأمريكية، وفي مواجهة إيران وروسيا. للاستفادة مما تقدمه لنا الفرصة الدولية الناجمة عن اضطراب النظام الدولي ككل”.
يستعيد كثير من السوريين الأمل بتغييرات في قواعد اللعبة في سوريا بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، ورغم المخاوف من خيبات أمل في ظل رفع سقف التوقعات التي تصل إلى إخراج روسيا من سوريا وإسقاط الأسد، إلا الجمود في الملف السوري والمساعي المتعددة لإعادة تعويم النظام يجعل أسوأ الاحتمالات هو بقاء الوضع على ما هو عليه.