رغم الإنجازات التي حققتها حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان، على مدار 20 عامًا، في مجال الرعاية الطبية والخدمات الصحية، وتلك الطفرة الهائلة التي حدثت في هذا القطاع الحيوي التي طالما كانت إحدى مفاخر حزب العدالة والتنمية الحاكم، فإن تلك الإنجازات الهائلة باتت على المحك، بعد أن صارت مهددة بأزمة شائكة قوامها تزايد هجرة الأطباء إلى الخارج، في ظل سخط قطاع واسع منهم من تدني الرواتب وصعوبة ظروف العمل وتعرضهم للعنف.
ظاهرة هجرة الأطباء في تركيا، لم تبدأ اليوم، وإنما ظهرت منذ سنوات، لكنها كانت محدودة للغاية، لكن مع مرور الوقت بدأت الأعداد تتزايد بشكل مقلق يهدد النظام الصحي في تركيا، في ظل توسع الحكومة في بناء المدن الطبية والمستشفيات والمراكز الصحية بمختلف أنحاء البلاد، وحرصها على تطوير وتوسيع الخدمات الصحية لكل المقيمين على أراضيها، والتطلع للتوسع في السياحة العلاجية.
وفي ظل مساعي الحكومة قبيل الانتخابات المقبلة للسيطرة على التضخم ومعالجة آثاره ورفع الحد الأدني للأجور والتوسع في الإعفاءات الضريبية للسيطرة على ارتفاعات الأسعار، حاولت السلطة الحاكمة استرضاء الأطباء عبر إقرار أكثر من زيادة في رواتبهم وتوفير الحماية اللازمة لهم، غير أن القرارات الحكومية لم تكن كافية لمعالجة مشاكل الأطباء الذين بدأوا في المشاركة في العديد من الإضرابات لتحقيق مطالبهم الخاصة بالأجور والبيئة الآمنة للعمل.
ولم تكن أزمة الأطباء وهجرة بعضهم، مجرد أزمة مهنية، بل سرعان ما تم تسيسها، فبينما قلل الرئيس التركي من قدرها، انتهزت المعارضة الفرصة وحاولت الاصطفاف خلف الأطباء، معلنةً دعمهم في مواجهة السلطة.
معدلات هجرة الأطباء
وفقًا لنقابة الأطباء الأتراك، فقد غادر تركيا أكثر من 3 آلاف طبيب خلال العامين الماضيين، كما أن نحو 8 آلاف طبيب وطالب طب يخططون للهجرة من البلاد، وبحسب غرفة الأطباء في إزمير، فإن الأطباء يهاجرون إلى بلدان أخرى بحثًا عن راتب أعلى وحياة أفضل وإنجازات أكثر فائدة، وتعد ألمانيا في المقام الأول مقصد الأطباء المهاجرين.
غادر أكثر من 1400 طبيب تركيا في 2021، مقابل 59 فقط قبل 10 سنوات
وتتبدى المشكلة في أن تكلفة تعليم الطبيب في تركيا تصل إلى نحو مليون دولار، ومن ثم يمثل تزايد معدل هجراتهم وانتقالهم للخارج أزمةً كبيرةً للغاية، وتجسيدًا لظاهرة هجرة الأطباء المتنامية في تركيا، يقول سلجوق كاندانسايار، الأستاذ في كلية الطب بجامعة غازي في أنقرة، إن معظم طلابه ومساعديه يحلمون بمغادرة البلاد، مضيفًا “يأتي أفضل خريجينا لرؤيتي كل أسبوع ليسألوا كيف يمكنهم العمل في الخارج”، مؤكدًا أن 80 طبيبًا تركيًا يغادرون البلاد كل شهر.
ووفقًا للجمعية الطبية التركية فقد غادر أكثر من 1400 طبيب تركيا في 2021، مقابل 59 فقط قبل 10 سنوات، حيث زادات الطلبات التي قدمت بين عامي 2012 و2019 إلى اتحاد الأطباء الأتراك، من الأطباء الراغبين في العمل بالخارج، إذ تقدم 59 طبيبًا فقط بهذه الطلبات في 2012، و90 في 2013، و118 في 2014، و150 في 2015، و245 في 2016، و482 في 2017، و802 عام 2018، و906 عام 2019.
وفي الشهر الأول من عام 2022، لوحظ أن عدد الأطباء الذين تقدموا للحصول على شهادة حسن السيرة والسلوك للسفر إلى الخارج وصل إلى 197، وقد يصل عدد الأطباء الراغبين بترك البلاد، إلى نحو ألفي طبيب هذا العام.
الأمر لم يقتصر على تزايد معدلات الهجرة، وإنما كشفت إحصاءات الجمعية الطبية التركية استقالة نحو 8 آلاف طبيب من المراكز الصحية الحكومية، نحو 10% منهم أطباء أسنان، ما جعل بعض المستشفيات والعيادات العامة دون متخصصين في طب الأسنان، في وقت تهدد فيه تلك الاستقالات بخروج بعض المراكز الصحية العامة من الخدمة.
أسباب هجرة الأطباء
تهافت الكثير من الأطباء على الهجرة من تركيا، يعود بالأساس إلى تدني الأجور إلى جانب العنف الذي يواجهونه من المرضى الغاضبين وأقاربهم، وتفاقم الوضع بسبب كورونا، كما جعل الوباء الوضع أكثر صعوبة للمهنيين الصحيين الذين واجهوا مخاطر أعلى بسبب احتمالات الإصابة بالعدوى والوفاة.
ولعل خطورة الأزمة استرعت اهتمام صحيفة مهمة مثل “نيويورك تايمز” التي نشرت تقريرًا مطولًا في فبراير/شباط الماضي عن هجرة الأطباء في تركيا، مؤكدة أن تدهور الاقتصاد وارتفاع التضخم في تركيا وساعات العمل الطويلة دفعت عددًا كبيرًا من الأطباء إلى البحث عن فرص أفضل خارج البلاد، وأن رواتب بعض الأطباء انخفضت إلى مستوى قريب من الحد الأدنى للأجور، مشيرة الى أن القلق بشأن أوضاع الأطباء ازداد بعد وفاة طبيبة مساعدة العام الماضي إثر اصطدام سيارتها بمؤخرة شاحنة بعد نوبة عمل طويلة، كما زاد على ذلك تزايد العنف ضد الأطباء، إذ أنهى طبيب مساعد مسيرته المهنية بعدما تعرضه للطعن في بطنه ويده من مريض.
في المقابل يؤكد مسؤولون بالحكومة، أن معدلات الهجمات على الأطباء انخفضت بشدة، بسبب قانون تم تمريره مؤخرًا نص على مضاعفة العقوبة لمن يهدد العاملين الصحيين أو إهانتهم أو الاعتداء عليهم جسديًا.
فيما أظهر استطلاع حديث شمل 6000 طبيب من جميع أنحاء البلاد أن 86% منهم كانوا ضحايا لاعتداءات جسدية أو لفظية، بينما اشتكى 76% من أنهم لم يتلقوا مدفوعات العمل الإضافي عن ساعات العمل في أثناء الوباء، وقال نحو 68% إنهم يعانون من عبء العمل الثقيل، في حين أفاد 45% بأن الأجور غير كافية.
وخلال العامين الماضيين، ارتفع العنف ضد المهنيين الطبيين بشكل حاد، فقد قدم أكثر من 13 ألف اختصاصي صحي شكاوى بأنهم تعرضوا للعنف خلال العمل عام 2020، وفقًا للجمعية الطبية التركية.
احتجاجًا على تدني الأجور وتردي ظروف العمل، أضرب الأطباء عن العمل، خلال هذا العام مرتين
ووفقًا لشكاوى بعض الأطباء، فإن الطبيب الواحد بات مضطرًا لتقديم العلاج إلى 100 مريض يوميًا، مع تزايد عبء العمل خلال وباء كورونا والعنف الذي أصبح اعتياديًا في المستشفيات.
ويبدو أثر التضخم وانهيار العملة المحلية، في كلمات هذا الطبيب الشاب الذي هاجر إلى ألمانيا، حيث قال الدكتور فوركان كاجري كورال، 26 عامًا، وهو طبيب مبتدئ غادر تركيا بعد تخرجه بسنتين فقط: “قبل ثلاث سنوات، كنت سأقول إن الراتب عادل، لكنه الآن ليس كذلك”، مضيفًا “يعمل الأطباء في تركيا على مستوى من الاستعباد قياسًا بحجم العمل والمخاطر التي يتعرضون لها”.
وقد ذهب كورال إلى ألمانيا، حيث وجد، بعد 11 شهرًا من تعلم اللغة، وظيفة طبيب مساعد في مدينة كيمنتس، ويستعد لإجراء اختبار معادلة يسمح له بالعمل، مؤكدًا أنه يشجع زملاءه وشقيقته التي تدرس الطب على أن يحذو حذوه.
إضراب الأطباء
احتجاجًا على تدني الأجور وتردي ظروف العمل، أضرب الأطباء عن العمل، خلال هذا العام مرتين، فقد أعلنت نقابة الأطباء في فبراير/شباط الماضي أن أعضاءها، بما في ذلك أطباء الأسرة وأطباء الطوارئ، توقفوا عن العمل، ونشرت صورًا لمنشآت طبية فارغة في العديد من المدن والولايات، على وسائل التواصل الاجتماعي.
“الأطباء مضربون لأنهم لا يعملون في ظروف إنسانية”، هكذا أكدت نقابة الأطباء، مشيرة إلى أن الرواتب التي يتقاضونها تجعلهم تحت خط الفقر، فضلًا عن عبء العمل وتزايد حالات العنف الجسدي التي يتعرضون لها، وقد عاد الأطباء لتنفيذ إضراب شامل استمر يومين تزامنًا مع حلول “يوم الطبيب التركي” الذي يصادف 14 مارس/آذار.
وقد سبق إضراب الأطباء، إضراب محدود نظمه اثنان من الاتحادات العمالية بقطاع الرعاية الصحية خلال شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، حين احتجت نقابة العاملين بقطاع الصحة والعمل الاجتماعي، واتحاد العاملين في الصحة والشؤون الاجتماعية على طول ساعات العمل وانخفاض الأجور ونقص العاملين وظروف العمل المرهقة منذ تفشي وباء كورونا.
مطالب الأطباء
تطالب الجمعية الطبية التركية، بزيادة 150% كحد أدنى في رواتب العاملين في هذا القطاع، بشكل يتناسب مع معدلات التضخم في البلاد، فيما حدد اتحاد أطباء تركيا، مطالبهم في مضاعفة الأجور على الأقل واستحداث قوانين رادعة لمنع العنف في مراكز الخدمات الصحية وزيادة رواتب الأطباء عند التقاعد ومنح جميع الأطباء الحق في مغادرة مراكز عملهم بعد المناوبات الليلية دون خصم رسوم المناوبة ورفع أجور الأطباء المتدرّبين إلى الحد الأدنى للأجور على الأقل.
كما شدد الأطباء على ضرورة تحسين بيئات العمل وظروفه وضرورة قبول إصابة الأطباء وكل العاملين في قطاع الرعاية الصحية بفيروس كورونا كمرضٍ مهني يمنعهم من ممارسة مهامهم مؤقتًا، وتعديل مدة مراجعة المرضى للمراكز الطبية، بحيث يجب تحديد 20 دقيقة على الأقل للمراجع بدلاً من 5 دقائق فقط حاليًّا.
تهديد الإنجازات الصحية
توسيع نطاق الرعاية الصحية الشاملة في تركيا كان أحد إنجازات أردوغان وأحد أهم أسباب دعمه بين مؤيديه، لكن هذا الإنجاز الضخم بات مهددًا بقوة بسبب ظاهرة هجرة الأطباء المتنامية وارتفاع معدل الاستقالات والرحيل من الجيش الأبيض عن المؤسسات الصحية الحكومية.
وتفخر حكومة أردوغان بجودة كليات الطب والعاملين في المجال الطبي في البلاد، وتطوير صناعة الرعاية الصحية الخاصة لتلبية احتياجات آلاف المرضى الدوليين والأتراك، وإنشاء عشرات المستشفيات والمدن الطبية العملاقة لتوسيع نطاق الخدمات الطبية.
“إن البنية التحتية الصحية لبلادنا من حيث العاملين والأدوية والمواد وأسرة العناية المركزة، هي أفضل بمراحل من الدول الأخرى”، هكذا تفاخر أردوغان بإنجازات القطاع الصحي خلال طمأنته للشعب، في بداية مواجهة فيروس كورونا، مؤكدًا وجود 166 ألف طبيب و262 ألف ممرضة/قابلة ومليون و100 ألف عامل في القطاع الصحي وألف و518 مستشفى وألف و147 غرفة عناية مركزة و240 ألف سرير و100 ألف غرفة مريض بسرير واحد و40 ألف سرير للعناية المركزة.
ووفقًا للإحصاءات الحكومية، فقد وصل الإنفاق الصحي عام 2016 إلى 116.7 مليار ليرة تركية، بعدما كان 18.7 مليار في 2002، كما ارتفع عدد الأطباء لكل 100 ألف شخص من 138 طبيبًا عام 2002 إلى 184 عام 2016، وزادت حصة النفقات الصحية من النفقات العامة من 12% إلى 16.1% في الفترة ذاتها، وبلغ عدد المستشفيات ألفًا و520 مستشفى عام 2016، مقابل ألف و156 عام 2002، وارتفع عدد الأسرّة في المستشفيات من 164 ألفًا عام 2002، إلى 232 ألفًا في 2017، بينما وصل عدد غرف العناية المركزة في 2017 إلى 36 ألفًا و609 غرفة، بعدما كان ألفين و214 غرفة عام 2002، وتلقى مليون و21 ألفًا و907 أشخاص خدمة الرعاية الصحية في منازلهم، بين عامي 2011 و2018.
لعل ما يدل على إنجاز أردوغان الصحي أن تركيا في التسعينيات كانت تعاني من انخفاض الإنفاق على قطاع الصحة وعدم وجود نظام مُجزَّأ وغير منصف للتأمين الصحي، وبها أدنى عدد من الأطباء
كما خصصت الحكومة 190 مليار ليرة لوزارة الصحة في ميزانية 2019، ورفعت مخصصات القطاع الصحي في الموازنة العامة للدولة من 11.3% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2002 إلى 17.2% في عام 2020.
كما دشنت الحكومة التركية نظام التغطية الصحية الشاملة عن طريق ضم جميع المسجَّلين ضمن نظام واحد، وجعلت مؤسسة واحدة فقط هي المسؤولة عن النظام الصحي في البلاد، بما يضمن تقديم خدمات الرعاية الصحية للجميع من خلال حزمة واحدة من المزايا.
وأنشأت الحكومة نظام الضمان الاجتماعي الذي يمكّن الجميع من الحصول على رعاية صحية مجانية أو منخفضة التكلفة، كما أصبح في كل حي مركز طبي خاصّ به، يسمى مركز الأسرة الصحي، يوفر الرعاية الطبية المبدئية بالمجان للجميع، لا سيما الأطفال والنساء، وكل ذلك تحت إشراف وزارة الصحة.
وأنشأت الدولة مجمعات صحية عملاقة، أبرزها مستشفى “بيلكنت” في العاصمة أنقرة الذى افتُتح عام 2019، ويُعَدّ أكبر مستشفى في أوروبا والثالث على مستوى العالم، إذ يضم 3 آلاف و633 سريرًا، و131 غرفة عمليات، إضافة إلى 904 عيادات خارجية، كما يتميز بقدرته اليومية على استقبال 30 ألف مريض و8 آلاف حالة طوارئ، وبه أكبر معمل طبي في البلاد، علاوة على منطقتين لهبوط وإقلاع المروحيات.
وبالإضافة إلى المدينة الطبية العملاقة التي افتتحها أردوغان في إسطنبول بمنطقة باشاك شهير التى تضمّ 6 أبنية أقيمت على مساحة مليون متر مربع، وسوف تقدم خدماتها الطبية لـ23 ألفًا و600 مريض، بعدد أسرة يبلغ 3102 سرير منها 520 للعناية مركزة، و90 غرفة عمليات، و1662 غرفة إقامة.
ولعل ما يدل على إنجاز أردوغان الصحي أن تركيا في التسعينيات كانت تعاني من انخفاض الإنفاق على قطاع الصحة وعدم وجود نظام مُجزَّأ وغير منصف للتأمين الصحي، وبها أدنى عدد من الأطباء والممرضات بالنسبة لعدد السكان على مستوى قارة أوروبا، وإحدى أدنى نسب الممرضات إلى الأطباء، ووفقًا للبنك الدولي فإن برنامج التحول الصحي الذي طبقته حكومة أردوغان أسهم في توحيد نظام الضمان الاجتماعي في البلاد وإتاحة خدمات الرعاية الصحية للجميع.
موقف أردوغان
“إذا أرادوا أن يُغادروا، دعوهم يذهبون. نحن أيضًا نوظف أطباءنا حديثي التخرج هنا”، كانت كلمات الرئيس التركي تلك التي قالها في حديثه خلال فعالية “لقاء مع نساء مختارات” يوم 8 مارس/آذار الحاليّ بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، وراء تفجر جدل واسع وجهت خلاله اتهامات لأردوغان بالاستهانة بتلك الأزمة الخطيرة وعدم تقدير الأطباء ومشاكلهم والأسباب التي تدفعهم إلى الهجرة.
وكان الرئيس يحاول طمأنة الناس بشأن تلك الأزمة، قائلًا: “إذا لزم الأمر سندعو سريعًا من يريد العودة لبلادنا من الخارج، لا تقلقوا فهذه الأماكن لن تكون فارغة”، وتابع “انظروا، من بنى هذه المستشفيات الضخمة بالمدينة؟ أليست هي الدولة التي علّمت هؤلاء الأطباء؟”.
لكن عاد أردوغان ثانية مصالحًا الأطباء، وتعهد بتحسين التشريعات الخاصة بمعاقبة كل من يستخدم العنف بحق العاملين في قطاع الخدمات الصحية وزيادة أجور الأطباء وتعديل قانون الأخطاء الطبية لصالح الأطباء وتأمين معيشة أفضل للأطباء عند تقاعدهم وزيادة أجور كل العاملين في قطاع الرعاية الطبية.
“أعتقد أن الأطباء الذين يسافرون إلى الخارج سيعودون قريبًا إلى ديارهم.. هذا البلد يحتاج إلى الأطباء ويقع عليه دين الولاء لهم”، هكذا خاطب الرئيس التركي الأطباء، في خطاب ألقاه بمناسبة يوم الطب في البلاد للاحتفال بالرعاية الصحية، محاولًا إنهاء الأزمة التي تفجرت بسبب تصريحاته الأولى التي هون فيها من شأن هجرتهم.
وقبيل التصريحات الرئاسية كانت الحكومة قد رفعت رواتب الأطباء بنسبة تقارب الـ50% بنهاية عام 2020، كما ضاعفت رواتبهم في بعض شهور كورونا، وعادت لتقر زيادة جديدة مع الإعلان عن رفع الحد الأدنى للأجور في ديسمبر/كانون الأول الماضي حيث وعد الرئيس بزيادة رواتب الأطباء الاختصاصين 5 آلاف ليرة، لكن يبدو أن الإجراءات الحكومية لم تكن كافية لاحتواء غضب الأطباء وتخفيف معاناتهم في ظل تصاعد معدلات التضخم.
موقف المعارضة
“بسبب السياسات الخاطئة للقصر الحاكم، فإن جيشنا الطبي ينزف على مرأى من الجميع”، هكذا هاجم النائب البرلماني بحزب الشعب الجمهوري التركي، فتحي أتشيكيل، الرئيس التركي، مؤكدًا نقص التخطيط الإستراتيجي في النظام الصحي منذ فترة طويلة، والمشاكل الهيكلية، والاستقالات بين المتخصصين في الرعاية الصحية بسبب عدم الرضا المهني، وزيادة نزعة هجرة الأدمغة إلى خارج البلاد.
وكان حزبا الشعب الجمهوري والشعوب الديمقراطية، قد أعلنا تضامنهما مع مطالب الأطباء، موجهين اللوم والانتقاد للحكومة، التي اتهماها بالعجز عن توفير الرواتب اللائقة والعادلة للأطباء وبيئة العمل الآمنة، محملين السلطات الحاكمة مسؤولية هجرة الكوادر والنوابغ العلمية والطبية للخارج.
فيما أكد رئيس حزب الديمقراطية والتقدم علي باباجان، أن “أردوغان هو المسؤول عن هجرة الأطباء من تركيا”، وأن “ازدراءه لهم ولمهنة الطب أحد أهم الأسباب وراء هروبهم”، مشددًا على أنه يقف بجانب الأطباء في نضالهم ضد معاناتهم في تركيا، وأردوغان هو من سيغادر تركيا وليس أطباؤها، بحسب وصفه.
أردوغان: “أعتقد أن الأطباء الذين يسافرون إلى الخارج سيعودون قريبًا إلى ديارهم.. هذا البلد يحتاج إلى الأطباء ويقع عليه دين الولاء لهم”
وعلى ذات المعنى ذهب عمدة إسطنبول أكرم إمام أوغلو، المنتمي للمعارضة والمرشح المحتمل للرئاسة، مشددًا على مساندته للأطباء في مواجهة حكومة أردوغان، قائلًا في تغريدة بمناسبة عيد الطب: “لن يرحلوا إلى أي مكان، وسيعملون داخل هذا البلد بكل سعادة وفي أوضاع جيدة. أهنئ العاملين بالقطاع الطبي الذين يؤدون مهمتهم بتفان في كل الأوضاع بمناسبة عيد الطب”.
كما انضم مطرب البوب التركي الشهير تاركان، المؤيد للمعارضة، إلى قائمة المدافعين عن الأطباء الأتراك، ونشر عبر “تويتر”، تدوينة قال فيها: “الأطباء الذين يعهد الناس إليهم بحياتهم، يجب أن يتم التعامل معهم بالاحترام الذي يستحقونه، ويجب أن تُمنح الحقوق إليهم نظير جهودهم”، مضيفًا “هجرة الأطباء من تركيا، ستكون خسارة كبيرة”، ووصف تاركان الأطباء بأنهم “تاج رأس هذا البلد”.
الخلاصة أن الحكومة أمام تحدٍ كبير للغاية في مواجهة الأزمة الاقتصادية الراهنة وتداعياتها السلبية التي أضرت بفئات كثيرة من بينهم الأطباء، وفيما يسعى الرئيس التركي إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة لمواجهة الأزمة ومعالجة آثارها، فإنه بات مطالبًا بالإسراع بتنفيذ تعهداته وتلبية مطالب الأطباء والعمل على الحد من هجرتهم، حفاظًا على الإنجازات التي حققتها تركيا خلال عشرين عامًا في القطاع الصحي.