ما زالت إزالة المخلفات الحربية والألغام شمال شرق سوريا، تشكل هاجسًا أمام المدنيين، خاصة القرويين منهم، إذ لم تتوقف الخسائر البشرية التي طالتهم، خاصة بين الأطفال والرعاة، منذ انحسار تنظيم داعش عن آخر معقلٍ له في الباغوز بريف دير الزور، مارس/آذار 2019.
ووفق الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فإن أعلى حصيلة لضحايا الألغام في العالم سُجلت في سوريا، وبحسب تقرير أصدره التحالف الدولي لحظر الألغام الأرضية، عام 2021، فقد تم توثيق 2729 ضحيةً (قتلى ومصابين) من أصل 7073 قتلوا أو أصيبوا في العالم أجمع.
كما وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان منذ مارس/آذار 2011 حتى ديسمبر/كانون الأول 2021، مقتل ما لا يقل عن 2773 مدنيًّا، في مختلف المحافظات السورية، بينهم 672 طفلًا و292 سيدةً (أنثى بالغة) و8 من الكوادر الطبية و6 من كوادر الدفاع المدني و9 من الكوادر الإعلامية، في حين سجلت محافظة دير الزور 449، والحسكة 133، وفي الرقة 636.
الرعي والزراعة وموسم الكمأ.. مخاطر قد تسبب الموت
مع اعتماد الأهالي شمال شرق سوريا على تربية المواشي ورعيها والزراعة من جهة، وتوافدهم السنوي لجمع الكمأة مع حلول موسمها في البادية السورية التي تعتبر الموطن الرئيسي لنموها، خاصة بادية الهجين والباغوز ومناطق غرب الفرات وعدة مناطق جنوب شرق الحسكة في (أم غربة ومصلحة الشيخ وعنايات)، تتزايد حالات انفجار الألغام بشكل خاص لمرتادي تلك الأماكن.
إذ أشار إبراهيم الحسين – ناشط صحفي في ريف دير الزور – إلى أن “تنظيم داعش عمل على زراعة الألغام وتفخيخ المنازل وأماكن متفرقة خلال تمركزه فيها، خاصة في البساتين والأراضي الزراعية بالباغوز بريف دير الزور الشمالي”، مضيفًا “أكثر المناطق المزروعة بالألغام هي بادية الهجين وبادية الشعيطات وبادية الباغوز بريف دير الزور الشرقي”.
الأهالي يتعاملون بطرق بدائية عشوائية في تفكيك الألغام الظاهرة، في حين تبقى المشكلة الأساسية في الألغام المدفونة بباطن الأرض
وحذّر الحسين من تزايد انفجار الألغام بالمدنيين خلال هذه الأيام، خاصة مع حلول موسم الكمأة الذي ينتظره المدنيون بفارغ الصبر نتيجة أوضاعهم المعيشية السيئة، وما يرافق مغامرتهم بجمعها من مخاطر جسيمة، مضيفًا “كثير من الأهالي لم يعودوا إلى منازلهم خوفًا من وجود ألغام تحتها، خاصة بعد تسجيل إصابات خطيرة بين الأطفال والنساء داخل منازلهم”.
وعن تعامل الأهالي مع الألغام والمُخلّفات الحربية، لفت الحسين أن “الأهالي يتعاملون بطرق بدائية عشوائية في تفكيك الألغام الظاهرة، في حين تبقى المشكلة الأساسية في الألغام المدفونة بباطن الأرض، إضافة لقلة وعي المدنيين وخاصة الأطفال بالاقتراب منها”، منوهًا “المنطقة تعاني من قلة الفِرق المختصة التي تهتم بإزالة الألغام ومخلفات الحرب باستثناء الفرق الهندسية التابعة لقوات قسد، التي تأتي متأخرة عادةً بعد تبليغ الأهالي”.
ضحايا مدنيون بألغام مخفية
اعتمد تنظيم داعش، خلال توغله بالقرى والمدن، على ما عرف آنذاك بسواتر النار، إذ لجأ إلى زرع ألغام وعبوات ناسفة بشكل طوق حول الأحياء السكنية والأراضي الزراعية التي يتوغل بها بهدف عرقلة تقدّم أي قوة تجاهه، خلال عمليات التحرير، إضافة إلى تفخيخه المنازل السكنية والمحال التجارية.
عبد الرحمن الخليف الرزج، 40 عامًا، أحد ضحايا انفجار لغم زرعه تنظيم داعش في منزله بقرية الكشكية في منطقة الشعيطات بريف دير الزور الشرقي، ففقدَ ساقه اليسرى وأصيبت اليمنى إصابات بليغة، ما سبب له إعاقة دائمة.
يقول عبد الرحمن لـ”نون بوست”: “تعرضت لانفجار لغم أرضي مخفي بعد أسبوع واحد من عودتي إلى قريتي، فقد كنت نازحًا جراء المعارك المشتعلة في المنطقة ضد تنظيم داعش عام 2017″، مضيفًا “الانفجار سبب لي إعاقةً بعد بتر ساقي اليسرى وترميم ساقي اليمنى بثماني عمليات جراحية في مشفى الحسكة، فضلًا عن الألم الشديد الذي رافقني خلال رحلتي العلاجية”.
ولفت عبد الرحمن أنه اضطر بعد عدة محاولات لصنع طرفٍ صناعي له، بهدف متابعة حياته وتمكنه من إعالة أهله مجددًا، لأن وقتها لم تكن هناك منظمات ترعى الحالات الشبيهة بحالته، وفق وصفه، وأضاف عبد الرحمن “منذ ذلك الحين انتقلت لمساعدة مبتوري الأطراف، وبدأت بتصنيع الأطراف الصناعية وتقديمها لهم مجانًا، صنفعت 200 طرف، وبلغ عدد المستفيدين 130 شخصًا فقدوا أطرافهم”.
مشاكل تواجه فِرق إزالة الألغام ومُخلفات الحرب
تعمل المنظمات التي تهتم بإزالة الألغام في المناطق الخاضعة لسيطرة قسد شمال شرق سوريا على حماية المدنيين من أضرار الألغام والمخلفات، كما تحاول المساهمة في زيادة توعية الأهالي بشأن كيفية التعامل مع الألغام ومخاطرها.
أهم ما يعيق عملهم هو قلة الإمكانات من جهة، ووجود خلايا داعش الإرهابية من جهة أخرى
سيامند سيدو، إعلامي منظمة “روج رامكو” المختصة بإزالة الألغام العاملة شمال شرق سوريا، أكد في حديثه لـ”نون بوست”، أن “التهديدات التي تواجه سكان منطقة شمال شرق سوريا، تزايدت بعد انتهاء الحرب على داعش، وتتمثّل بوجود ألغام وذخائر حربية غير متفجرة، تؤدي للقتل والإصابة البليغة بين الناس”.
مشيرًا إلى أن “الألغام تتركز في عدة أماكن من محافظة الرقة والحسكة ودير الزور، خاصة في مضخات المياه والأراضي الزراعية ومقالع الأسفلت وصوامع القمح والمنشآت الحكومية السابقة ونادي النفط السياحي والمدارس وعند البيوت المهجورة، منها قذائف هاون غير متفجرة بكل الأحجام والقياسات وصواريخ كاتيوشا ومواد متفجرة وألغام أرضية على شكل دائري وعبوات ناسفة، وجميعها صناعات مبتكرة محلية الصنع”.
ووفق إحصائية سنوية لعام 2020، قدمها سيموند، فإن “المساحة التي تم تنظيفها من الألغام هي مليون و257 ألف و289 متر مربع، وعدد الألغام المفككة 700 لغمًا، وعدد المستفيدين 54195، في حين سجل العام الفائت للمساحة التي تمّ تنظيفها 307733 متر مربع، وعدد الألغام المفككة 4263 لغمًا، وعدد المستفيدين من الإزالة 47948 مستفيدًا”.
وعن أبرز المعوقات التي تواجه آلية إزالة الألغام، أشار سيموند إلى أن “أهم ما يعيق عملهم هو قلة الإمكانات من جهة، ووجود خلايا داعش الإرهابية من جهة أخرى، إضافة لوجود مناطق وجبال وعرة يصعب اللجوء إليها وتنظيفها، فضلًا عن غياب معرفة كل المناطق الملوثة، كما ويعيق أيضًا تحديد المناطق الملوثة بشكل سريع”، لافتًا إلى إمكانية تلافي هذا الأمر من خلال تكثيف الجهود بالتحري عن المناطق الملوثة، وإجراء مقابلات مع السلطات المحلية في المنطقة والمجالس المحلية لمعرفة المناطق ذات الخطورة.