ترجمة حفصة جودة
على أطراف مخيم للنازحين جنوب الصومال، حُفر قبر صغير في بقعة أرض رملية، كان القبر للطفلة أوبا علي ذات الأربع سنوات حيث يتمدد جسدها الضعيف على بُعد عدة أقدام ملفوفًة في بساط برتقالي وأزرق.
قبل يوم من ذلك أخذتها والدتها الحبلى، جوهرة، إلى عيادة صحية متنقلة في المخيم، كانت الفتاة مريضة لأكثر من شهرين وقد أصابها سوء التغذية بهزال حتى إنها لم تعد تتمكن من تناول أطعمة صلبة دون أن تتقيأ، كانت زيارة الطبيب متأخرةً للغاية، ففي تلك الليلة أُصيبت أوبا بنوبة إسهال شديدة وفي الصباح توقفت أنفاسها.
الآن تخشى جوهرة على حياة أطفالها الثلاث الباقين وطفلها الذي لم يولد بعد، فطفلها الأصغر عبد الفتاح ذو الـ14 شهرًا يتراوح وزنه بين 6 إلى 10 كيلوغرامات، رغم الزيارات المتعددة لعيادة قرب مدينة كيسمايو، تقول جوهرة: “إنني حبلى لكنني لست قلقة على نفسي، أشعر بالقلق فقط على أطفالي”.
مثل آلاف العائلات الأخرى في المخيم الواقع قرب مستوطنة لوجلو في ولاية جوبالاند الصومالية، اقتُلعت العائلة من أرضها بسبب الجفاف، الذي يرى الخبراء أنه بسبب تغير المناخ، فثلاثة مواسم جفاف متتالية حولت أرض جوهرة الزراعية إلى هباء منثور وقتلت ماشيتها وأفلستها.
وصلت جوهرة المخيم قبل أسبوعين بعد سفر 7 أيام حملت فيهم أطفالها على ظهرها، قطع العديد من سكان المخيم سفرًا يمتد حتى 300 كيلومتر، وقد جلب معظمهم ما يستطيعون حمله فقط.
تقول جوهرة: “كان وضع الأطفال أفضل في المنزل، كانوا يشربون الحليب وبصحة جيدة، أما هنا في المخيم فقد تراجعت صحتهم للأسوأ”.
في المجمل، تقدر الأمم المتحدة أن الجفاف يهدد معيشة 13 مليون شخص في القرن الإفريقي، تلك المنطقة الهشة المدمرة بالفعل نتيجة الصراعات وتعرضها بشكل متزايد لظواهر الطقس العنيفة، فالوضع الحاليّ هو الأكثر جفافًا منذ أكثر من 40 عامًا.
كان تأثير ذلك شديدًا على الصومال تحديدًا، فقد اضطر نصف مليون شخص لترك منازلهم بحثًا عن المساعدة والمراعي لماشيتهم، تأثر ثلث السكان البالغ عددهم 15 مليون، إذ تقول نتائج التقييمات الحديثة لمنظمة “انقذوا الأطفال” (Save the Children) إن 700 ألف من الماشية ماتوا في شهرين فقط العام الماضي.
حتى الآن لم تُلب إلا 2.3% فقط من المساعدات الإنسانية (1.46 مليار دولار) التي طالبت بها الأمم المتحدة لأجل الصومال، فقد قالت المنظمات الخيرية إنها قد تضطر لتعليق برامج الإغاثة الطارئة بسبب نقص التمويل، بينما حذرت اليونسيف من أن بعض المناطق على شفا المجاعة.
يقول محمد أحمد مدير العمليات في منظمة “انقذوا الأطفال”: “يواجه الصومال كارثة مناخية، وهي تظهر الآن في نزوح السكان بشكل ضخم وفرارهم من منازلهم بحثًا عن أي مساعدة لإنقاذ حياتهم، إذا لم نحقق استجابة عاجلة فيسموت المزيد والمزيد من الناس”.
ازداد الوضع سوءًا نتيجة أزمة سياسية اشتعلت العام الماضي عندما قرر رئيس البلاد محمد عبد الله محمد – المعروف بـ”فارماجو” – تأجيل الانتخابات التي كان من المقرر عقدها في فبراير/شباط 2021، فقد أدى خلافه مع رئيس الوزراء محمد حسين روبل إلى قيام رجال مسلحين بقذائف صاروخية بمحاصرة القصر الرئاسي في ديسمبر/كانون الأول.
هددت الولايات المتحدة بتقييد تأشيرات السفر نتيجة انعدام الاستقرار، بينما أحجم المانحون عن تحويل الأموال لتلك البلاد المنكوبة، في الشهر الماضي حذر صندوق النقد الدولي من وقف تمويل الصومال إذا تأجلت الانتخابات مرة أخرى.
كانت استجابة الحكومة الصومالية لأزمة الجفاف متراخيةً مع نقص المال ووقوعها في أزمات سياسية، يقول عبد القاني جامع المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء: “الحلقة المفقودة هنا هي القيادة الحكومية، لا بد من حشد الشتات الصومالي والمجتمع الدولي لمعالجة مشكلة الجفاف، لكن الجميع مشتتون بسبب الانتخابات، إذا لم نتحرك الآن، فستكون كارثة”.
في مكتب عبد الرحمن عبدي أحمد في كيسمايو المحاط بجدران عالية تغطيها الأسلاك الشائكة لإحباط هجمات المتفجرين الانتحاريين من جماعة الشباب المتشددة، يقول وزير جوبالاند للشؤون الإنسانية إن مكتبه لا يملك ما يكفي من المال لإغاثة الجفاف إلا نقل الماء بالشاحنات من حين لآخر وتوزيع الطعام.
بدلًا من ذلك، تعتمد وزارته على التبرعات الخيرية من الشتات الصومالي ورجال الأعمال المحليين، بالإضافة إلى صناديق التبرعات في المدارس والمساجد، بينما ينتظر إرسال المانحين الدوليين أموالهم.
يقول السيد أحمد: “يموت الأطفال نتيجة سوء التغذية والوضع يزداد سوءًا كل يوم، لا تملك الحكومة موارد كافية ومنذ تأجيل الانتخابات، تردد المانحون والمجتمع الدولي في التحرك”.
أصبح العديد من الناس التابعين لسلطة الوزارة منعزلين، حيث يعيشون في مناطق تسيطر عليها جماعة الشباب، ولا يملك المسؤولون أي خطة للوصول إليهم، في بعض المناطق تقوم الجماعة المتشددة بعمليات الإغاثة بنفسها من توزيع الماء والطعام، كما يديرون نقاط تفتيش تبعد 6 أميال فقط عن مخيم النازحين في لوجلو.
في المركز الصحي الرئيسي بمدينة كيسمايو يُعالج أكثر من 50 طفلًا من سوء التغذية، أحد هؤلاء الأطفال الفتاة مايدو ذات العشر سنوات التي ترقد بلا حراك تحت ناموسية، وتعاني من الإسهال والقيء المتكرر، ولم تعد قادرة على تناول الطعام الصلب منذ عدة أيام.
تقول والدتها قرطو عدن عبدي إنهم غادروا منزلهم الواقع في منطقة تحت سيطرة جماعة الشباب بعد أن قتل الجفاف ماشيتهم، كانوا أسرة ثرية تملك 300 رأس من الماشية، والآن لم يبق لديهم إلا 20 رأسًا يعانون جميعهم من الجوع والمرض، ما يجعلهم بلا قيمة.
تضيف عبدي “لا توجد خدمات صحية هنا لأن الحكومة لا تستطيع دخول المنطقة، حتى النهر جف والحيوانات تنمو ضعيفة لعدم وجود المراعي أو مياه الشرب”.
قال أبشر عدن محمد – الطبيب بالمستشفى – إن 70% من الأطفال الذين دخلوا العيادة يعودون مرة أخرى على الأقل بعد خروجهم بسبب الظروف التي تزداد سوءًا ونقص الخدمات الصحية في مخيمات النزوح.
يقول الطبيب: “الأمر يزعجني ويؤلمني للغاية، فبعض المرضى الذين أصرح لهم بالخروج لا يستطيعون تحمل تكلفة العودة مرة أخرى، وليس لديهم منشآت صحية في مناطقهم فيموتون بسبب نقص العلاج”.
في المنطقة المحيطة بمدينة كيسمايو، توفي على الأقل 15 طفلًا من الجوع في أول أسبوع من شهر مارس/آذار وفقًا للسلطات المحلية، لكن الأمور تزداد سوءًا.
هناك مخاوف من عدم سقوط الأمطار للموسم الرابع على التوالي في شهر أبريل/نيسان، وفي الوقت نفسه توجه اهتمام المانحين الذين توقفوا بالفعل عن تمويل المشروعات في الصومال إلى الحرب في أوكرانيا، ما أدى إلى تأجيل أو تعليق شحنات قمح ضرورية من أوكرانيا إلى الصومال.
يخشى بعض العاملين في المجال الإنساني من تحول الوضع لما يشبه مجاعة 2011-2012 التي كانت نوعًا ما أسوأ أزمة جوع في القرن الـ21، تُوفي نحو 260 ألف شخص جوعًا بالصومال في أثناء تلك المجاعة، ونصفهم أقل من عمر 5 سنوات.
كان الجفاف الشديد السبب الرئيسي للمجاعة وزاد من تفاقم الأمر الصراع السياسي وإحجام المانحين عن الاستجابة للوضع ووجود جماعة الشباب في عدة مناطق، نفس هذه العوامل تلعب دورًا في أزمة الصومال اليوم.
يقول أحمد من منظمة “انقذوا الأطفال”: “لا بد من زيادة التمويل بشكل عاجل لتجنب كارثة مماثلة”، ويضيف “الأمر متوقف على سرعة الاستجابة ومدى إمكانية الاستمرار في الأنشطة الإنسانية المنقذة للحياة، لم يفت الأوان بعد، ما زال هناك وقت للتحرك”.
المصدر: ذي إندبندنت