“فيه حرب على ديني وإسلامي، حرب على قيَمنا وأخلاقنا وهويتنا، علشان كده أعلنَّا انتفاضة الشباب المسلم”!
إعلان الجبهة السلفية عن موجة ثورية جديدة تحت عنوان “انتفاضة الشباب المسلم” رفضًا للهيمنة الأمريكية وفرضًا للهوية الإسلامية أمرٌ مُبشر في ظاهره، كارثة في فحواه وباطنه، فإعلان ثورة إسلامية خالصة لا تهدف إلّا لفرض الهوية الإسلامية هو أمر في غاية الخطورة سياسيًا وعلى أرض الواقع، فالتظاهرات اليومية في الشارع لا تهتف إلّا بمطالب سياسية بحتة (عودة مرسي – القصاص للشهداء – محاكمة السيسي والمتسببين في أعمال العنف)، ومع ذلك يتم قتل واعتقال العشرات ناهيك عن السحل والتعذيب في الأقسام والمعتقلات، فما بالك بثورة إسلامية، وأترك لنفسك الخيال لتوقع ما سيحدث في دعوات الانتفاضة الدينية!
مع الأخذ في الاعتبار ما حدث في الأيام السابقة وعقب إنطلاق الدعوات من تهديدات وتوعد من كلاب الأمن في الفضائيات وإعلان إحدى الصحف الرسمية عن أنّ الجهات السيادية بدأت في الكشف عن هوية المشاركين في البرومو الدعائي للانتفاضة ورسائل تهديد وصلت لبعض المشاركين، كُل هذا لا يُنذِر بأي خطر!
1دماء وبيانات
لا أعلم ما الذي تنتظره القيادة من الحراك “الدموي” على الأرض!
قتل شبه يومي للثائرين واعتقالات للبنات والأطفال ولا رد سوى التظاهر، تظاهر ودماء وتظاهر ودماء ثم بيانات شجب وتنديد تخرج من أفخم فنادق إسطنبول، وأعظم الاستديوهات القطرية!
الدعوات بالأساس ليست مستقلة ولا شبابية كما يردد المؤيدون لها، فالجبهة السلفية التي تُعتبر جزءًا من التحالف الوطني ويرأس أمانتها العامَّة الدكتور “خالد سعيد” المتحدث باسم التحالف بالقاهرة هي من دعت لتلك الفاعليات وهي صاحبة البيان الأول للانتفاضة وهي التي تقوم بتوجيه الشباب على الفيسبوك.
إسقاط هيمنة؟! .. إبقى تعالى
البيان الأول للجبهة كان يتحدث عن إسقاط الهيمنة الأمريكية عن مصر، أي أنهم يهدفون إلى إسقاط النظام العالمي المتحكم في العالم كله باقتصاداته وسياساته، النظام العالمي الذي أحدث انقلابًا عسكريًا على سلفادور أليندي وقام بتعيين بينوشييه في أواخر التسعينات، وقام بتكرار نفس الخطوات وصنع انقلابًا على الرئيس مرسي بنفس التكنيك والخطة ويقوم السيسي بنفس القمع الذي كان يقوم به بينوشييه وكأن النظام العالمي يوزع كاتالوجات انقلابات في أنحاء الدنيا وينفذها وينجح، ورغم ذلك يظُن أصدقاؤنا في الجبهة السلفية أنهم سيُسقطونه بتظاهرات حاشدة، يا سيدي خروج الملايين في ثورة اجتاحت أنحاء مصر، وخروجهم في 6 استحقاقات دستورية لم يمنع سقوط الدولة العميقة في مصر، وحديثك عن سقوط النظام العالمي الذي يحكم أرجاء المعمورة وإن خرج كل سكان المعمورة لرفضه هراءٌ بيّن!
عليك أولاً أن تعرف ما هو النظام العالمي وتُعلِّم شبابك كيف تتم مجابهته باستراتيجيات عسكرية واقتصادية فعلية، عليك أولاً أن تعلم من هم رؤوس الأموال العالمية المتحكمة اقتصادات العالم كله، وكيف يتم ضرب تلك الاقتصادات وكيف يتم “لَيْ أذرعتهم” المتغلغلة في العالم كله؛ ثم تفكر في خروج تلك المظاهرات لرفض هذه الهيمنة!
مثلاً .. حركة حماس أعلنت رفضها لهذا النظام فعليًا “رغم كونها جزءًا منه”، فمجابهة إحدى الكيانات الهامة جدًا في هذا النظام وهو “الكيان الصهيوني” أمر في غاية التعقيد، قطاعٌ محاصر بلا تمويل ولا دعم ولو حتى “لوجوستيًا” ورغم ذلك نجحت في إثبات قوتها العسكرية والإعلامية وتلقين الكيان الصهيوني دروسًا لا أعتقد أنهم سينسوها، ولكن هذا النجاح لم يأتي بين ليلة وضحاها، سنوات من الإعداد والتدريس والفهم وقبل ذلك تحديد الهدف.
الشعب المتدين بطبعه
أما عن الهوية الإسلامية التي تسعى الانتفاضة لفرضها على المجتمع هو أمر مضحك بالتأكيد، أي مجتمع ستفرض عليه هويتك الإسلامية مجتمع “العناتيل”؟! أم مجتمع اللصوص؟ أم مجتمع المدلسين؟ أم مجتمع الشذوذ؟! بربك أقنعني أي مجتمع ستقوم بفرض دينك وإسلامك عليه! يا سيدي قبل ثورة يناير بعدة أسابيع كانت تتم مناقشة منع الأذان من المساجد في الميكرفونات الخارجية وصمت الشعب كله، واليوم الدعاء للسيسي على المنبر وتبرير قتل المدنيين والأبرياء أصبح أمرًا عاديًا على كل المنابر والمجتمع في ثُبات عميق!
أي هوية ستفرضها وأي مجتمع سيقبلها، وما هي آليات فرضك لتلك الهوية وما هي خططك الزمنية والفكرية لهذا الفرض، وهل مؤيدوك أصلاً يعلمون ما هي الهوية الإسلامية، أم أننا اعتدنا على إطلاق المصطلحات الرنانة والكلمات الفضفاضة والهُتاف بها ويروح ضحية هذا الهرج وقلة التنظيم الأبرياء! أليس فيكم رجلٌ رشيد؟!
نهايةً فقد استتب الأمر الانقلاب وقادته في مصر ولن يسقط الانقلاب أو يترنح بمظاهرات في الشوارع وحرقٍ لبعض السيارات، والخبراء – جميع الخبراء – يُجمعون أن الانقلاب سوف يعيش لعدة سنوات، فخلال هذه السنوات العِدة إمّا أن تجهز نفسك فعليًا كما جهّز لها الناجحون أو تنتهي بلا رجعة إلى النهاية! ولمعرفة كيف يمكن ذلك، يمكنك قراءة مقال: “عن كابوس المصالحة الذي يخشاه الجميع“