ترجمة وتحرير نون بوست
حقيقة واضحة وضوح الشمس: اليابان في حاجة إلى مواطنين شباب دافعين للضرائب، لموازنة التعداد المتزايد من المتقاعدين الذين تدفع لهم معاشات كي يستطيعوا الحفاظ على نفس مستويات معيشتهم. السؤال الآن هو: ما هي السياسات التي يمكن أن تحل تلك الأزمة، وما الذي سيحدث إذا استمر عدد المتقاعدين في الصعود ليتجاوز تعداد القوى العاملة.
تعود الأعداد المتزايدة من المتقاعدين في اليابان إلى أعمار اليابانيين الطويلة — متوسط طول حياة الياباني هو 85 عامًا — والسبب في ذلك هو الرعاية الصحية المدعومة بشكل كبير، والنظام الغذائي منخفض الدهون، ونمط حياة يتضمن المشي لأوقات طويلة. الحياة الطويلة والصحية أمر تُحسَد عليه اليابان، ولكنه يصبح مكلّفًا للغاية حين يتضاءل سنويًا عدد الأطفال المولودين.
تشير إحصاءات الحكومة اليابانية أن التعداد السكاني الحالي يبلغ 127 مليون، وتتوقع أنه سينكمش بحوالي الثُلث بحلول عام 2060 ليصل إلى 87 مليون. بالنظر لأن متوسط نسبة المواليد تقريبًا هو 1.4 طفل لكل امرأة، لا تبدو تلك التوقعات خيالية، خاصة إذا ما عرفنا أن التعداد السكاني كان يقل سنويًا على مدار العقد الماضي. اليوم، تتجاوز أعمار رُبع اليابانيين 65 سنة، وسيكونوا 40٪ بحلول 2040. ما يزيد الطين بلة هو أن اليابان هي واحدة من أكثر البلدان مديونية في العالم، حيث نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي تتجاوز 240 بالمائة. كل تلك المؤشرات تشي بأن هناك قنبلة ستنفجر قريبًا.
على الرُغم من أهمية القيام بخطوات من جانب الحكومة اليابانية لتعزيز المواليد وتقليل الإنفاق على المعاشات، تبدو مقترحات حكومة شينزو أبِه غير مشجعة للقيام بالتغيير المطلوب، وهو أمر سيء نظرًأ لما يمثله الوضع الديمغرافي من خطر، ليس على الاقتصاد فقط، ولكن على أمن اليابان القومي. يؤكد أبِه بين الحين والآخر أنه يدرك التحدي الديمغرافي الذي تواجهه اليابان، وهناك لجنة استشارية بالحكومة وضعت مقترحاتها مطلع هذا العام ووضعت هدف الوصول بمعدل المواليد إلى طفلين لكل امرأة بحلول عام 2034، غير أن هذا لا يكفي، إذ تحتاج اليابان إلى ثورة اجتماعية شاملة لمكافحة اتجاهها نحو الشيخوخة، لا مجرد مراجعات لسياسات الإنفاق على برامج الرفاهة، وزيادة مراكز رعاية الطفل.
هناك أربعة إجراءات رئيسية يمكن اتخاذها لتغيير منظومة القيم الاجتماعية اليابانية بما يكبح جماح الانحدار الديمغرافي الجاري:
أولًا، رُغم قيام اليابان العام الماضي برفع سن التقاعد إلى 61، وهو اتجاه سيستمر حتى 2025 برفعه عام كل ثلاثة سنوات ليصل إلى 65، لا يبدو هذا كافيًا، إذ يظل محصورًا في منظومة التفكير القديمة. بدلًا من ذلك، ينبغي على حكومة أبِه أن تتحرر من منظومة التقاعد التقليدية، وتسمح بقوانين تعيين مرنة في سوق العمل، تشمل القدرة على استمرار من هم فوق الستين في العمل، بما يعنيه ذلك من الحفاظ على أكثر المواطنين إبداعًا وإنتاجية في مسارهم الوظيفي، وكذلك سياسة تسمح لغيرهم بالدخول والخروج بسهولة من العمل، حيث يصعب اليوم على العديد من الشركات اليابانية منح عقود عمل مدى الحياة، بما يتطلبه ذلك من امتيازات. الابتعاد عن السياسة التقليدية بالبحث عن الشباب الخريجين للعمل سنويًا، والبحث بدلًا من ذلك عمّن غيروا مسارهم المهني، أو من لم ينتهوا من دراستهم بعد وحصلوا على عام أو اثنين من الراحة، سيعزز من هذا الاتجاه. دخول وخروج الشباب بشكل مرن من سوق العمل، وكذلك كبار السن، سيخلق مرونة بخصوص متى يتقاعد أي شخص، وكذلك بكيفية تشكيل الشباب لحياتهم المهنية، وهو ما يعني توسيع القاعدة الدافعة للضرائب.
ثانيًا، زيادة تمكين وتمثيل المرأة في سوق العمل على كافة المستويات، وهو هدف رئيس لحكومة أبِه، سيحل جزءًا كبيرًا من المشكلة الحالية. كغيرهن من النساء حول العالم، تخرج اليابانيات من مسارهن المهني لتربية أولادهن، وهو اتجاه تحاول كبحه الحكومة عبر زيادة أعداد مراكز رعاية الاطفال والاستثمار في الأنشطة ما بعد المدرسية. تقع اليابان أسفل السلم فيما يتعلق بنسبة النساء العاملات من سوق العمل، وهي تحل في المركز 123 عالميًا من أصل 189 دولة من ناحية تمثيل النساء في البرلمان، وتحقيق التكافؤ بين الرجال والنساء في السوق يبدو بعيدًا بالنظر للوضع الاجتماعي في اليابان، ولكنه سيعزز كثيرًا من القاعدة الدافعة للضرائب، خاصة وأن نساء اليابان يتلقين تعليمًا عالي المستوى، وهو ما يزيد التنوع والإبداع في سوق العمل، وسيساعد اليابان في المنافسة عالميًا.
ثالثًا، على حكومة أبِه أن تشجع على الزواج والإنجاب — أي تروج للرومانسية قليلًا. فالكثير من نساء اليابان، خاصة المهتمات بمسارهن المهني قبل أي شيء، يترددن في الزواج، نظرًا لأعباء التربية وضرورة البقاء بالمنزل، وهو أمر يزيده عدم تفهم الكثير من اليابانيين الرجال الذين يضعون ضغوطًا كبيرة على النساء فيما يخص البيت والأسرة.
نتيجة لذلك، هبطت معدلات الزواج لأدني مستوياتها منذ الحرب العالمية الثانية، إذ وصل عدد الزيجات الجديدة إلى 661594 فقط بطول البلاد وعرضها. بالنسبة للنساء، يمثل الزواج خيارًا يحرمهن من استقلالهن الشخصي وما حققنه مهنيًا، وهو قرار يجب أن تعمل الحكومة اليابانية على تخفيف تبعاته الجذرية تلك على المرأة اليابانية لتشجيعها على الزواج. منح الإعفاء من الضرائب لوقت معيّن والدعم المالي للأمهات ربما قد يعكس من هذا الاتجاه
رابعًا وأخيرًا، على اليابان أن تفتح باب الهجرة كدول كثيرة حولها. تراجع تعداد المواليد ظاهرة عالمية، وسيكون صعبًا اليوم في السوق العالمي الاستمرار في النمو وتلبية احتياجات سوق العمل بسكانها فقط الواقعين ضمن حدودها. في الحالة اليابانية، سيملأ المهاجرون شرائح كثيرة مطلوبة مثل التمريض ورعاية الأطفال ورعاية المسنين، خاصة إذا ما نجحت سياسات تشجيع النساء على العمل بدوام كامل. على الحكومة إذن أن تعمل على ذلك، خاصة وأن ثورة الروبوتات اليابانية، والتي تساعد أحيانًا فيما يخص متطلبات المسنين، لن تكون كافية كما يأمل كثيرون؛ للتكنولوجيا حدود في نهاية المطاف، بالذات إذا نظرنا إلى الجوانب النفسية للمسنين.
اليابان على شفا كارثة، وحكومة أبِه تملك خيارات سياسية كثيرة لوقف هذا التوجه، وتخفيف آثار تلك الأزمة في السنوات القادمة. البديل الوحيد هو انفجار تلك القنبلة الديمغرافية.
المصدر: دورية جامعة جورج تاون