ترجمة وتحرير: نون بوست
إن مسألة تجريد روسيا من عضويتها في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، التي تُثير جدلًا واسعًا بين أعضاء الكونغرس الأمريكي، هي في الواقع خطوة ليست مستحيلة أو غير مسبوقة.
في سنة 1990، عندما غزا صدام حسين الكويت وحاول مسح هذا البلد من الخريطة اتخذ مجلس الأمن إجراءً طالب فيه صدام بالانسحاب الفوري، وعندما رفض أذِن المجلس باستخدام القوة ضده. أما اليوم، لم يتحرّك مجلس الأمن بشكل كافي لردع بوتين الذي يشكّل غزوه لأوكرانيا تهديدًا أكبر بكثير للسلم والأمن الدوليين.
يرجع ذلك إلى امتلاك روسيا حق النقض في مجلس الأمن الأمر الذي يمنع اتخاذ أي خطوة عملية رادعة ضدها حيال غزوها لأوكرانيا. ومع أن الأمم المتحدة تعتبر الغزو تهديدًا وجوديًا، إلا أن المصداقية التي تتمتع بها في الحفاظ على السلام والنظام في العالم ستُنسَف إذا لم تستطع الرد على فظائع روسيا وعدوانها المتواصل على أوكرانيا.
عندما صاغ الحلفاء في الحرب العالمية الثانية ميثاق الأمم المتحدة، اتفقت هذه الدول على أن يشغل أعضاءها الخمسة الكبار مقاعد دائمة في مجلس الأمن، وحصول كل عضو من الدول الخمس على حق نقض قرارات المجلس المقترحة بشأن المسائل الجوهرية. تحتفظ روسيا بالمقعد الدائم المخصص في سنة 1945 لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية. ومع أنّ إلغاء عضوية روسيا في المجلس ليس سهلاً، إلا أنه ليس مستبعدًا إذا عزمت الأمم المتحدة على ذلك.
إلغاء عضوية بلد ما أو على الأقل نقلها إلى حكومة أخرى خطوة حدثت سابقًا بالفعل. كانت جمهورية الصين الوطنية من بين الأعضاء المؤسسين للأمم المتحدة في سنة 1945. ومنذ سنة 1949، حكم القوميون تايوان وانفصلوا عن جمهورية الصين الشعبية التي تسيطر عليها حكومة شيوعية. ردًا على ذلك، جادل الاتحاد السوفيتي وحلفاء آخرون للجمهورية الشعبية بأن بقاء حكومة تايوان في الأمم المتحدة يعد أمرًا شاذًا. وفي 25 تشرين الأول/ أكتوبر من سنة 1971، منحت الجمعية العامة للأمم المتحدة مقعد جمهورية الصين الوطنية (تايوان) الدائم في مجلس الأمن لجمهورية الصين الشعبية. ومنذ ذلك الوقت، لم يعد لحكومة تايوان مقعد في الأمم المتحدة.
حصلت الجمهوريات ـ بما في ذلك أوكرانيا ـ على تعهد بأن تحترم روسيا سيادتها وسلامة أراضيها. لكن روسيا الآن تضرب بهذا الاتفاق عرض الحائط
إذا كان وجود حكومة تايوان في الأمم المتحدة ـ كما جادل السوفيت ـ أمرًا شاذًا، فإن بقاء روسيا في مجلس الأمن يعد مفارقةً عجيبةً، لا سيما أن العضوية في الأمم المتحدة تتطلب أن يكون العضو “دولة محبة للسلام”. وبما أنه من مسؤولية مجلس الأمن حفظ السلام الدولي، فإن عضوية روسيا فيه ليس أمرًا بغيضًا من الناحية الأخلاقية فحسب، بل إن تمتعها بحق النقض يعيق عمله في مواجهة عدوانها، مما يجعله مؤسسة عديمة الفائدة.
ينبغي على الجمعية العامة أن تُصوّت على مقترح تجريد روسيا من عضويتها في مجلس الأمن. وستكون هذه خطوة أقل صرامة بكثير من القرار الذي اتخذته الجمعية في سنة 1971 عندما طردت تايوان من الأمم المتحدة بالكامل.
على عكس الصين، تمتلك روسيا حكومة واحدة فقط. ولكن هناك حكومة أخرى قد تنقل إليها الجمعية العامة صلاحيات مجلس الأمن الروسي وهي حكومة أوكرانيا. في بدايات الأمم المتحدة، حصل الاتحاد السوفيتي على ثلاثة مقاعد في الجمعية العامة. أشار الدكتاتور السوفيتي جوزيف ستالين – رغم قتله ملايين المواطنين هناك – إلى أن أوكرانيا وبيلاروسيا، التابعتين للاتحاد السوفيتي آنذاك، تكبدتا خسائر فادحة في الحرب ضد النازية. فوافق الحلفاء على منح كلا الجمهوريتين مقعدًا منفصلًا في الأمم المتحدة.
مع أن أوكرانيا وبيلاروسيا لم تحصلا على استقلالهما إلا في سنة 1991، إلا أنهما “عضوان مؤسسان” في الأمم المتحدة. عندما سقط الاتحاد السوفيتي، وافقت الجمهوريات السابقة على أن ترث روسيا الحقوق الدولية للاتحاد السوفيتي وممتلكاته الاستراتيجية الرئيسية، بما في ذلك الترسانة النووية ومنشآت الإطلاق الفضائية وحقوق إنشاء القواعد العسكرية والبحرية في معظم أراضي الاتحاد السابقة، بالإضافة إلى حصولها على مقعد الاتحاد السوفيتي في مجلس الأمن.
اكتسبت روسيا مزايا هائلة من هذا النقل المتفق عليه للحقوق والممتلكات. وفي المقابل، حصلت الجمهوريات ـ بما في ذلك أوكرانيا ـ على تعهد بأن تحترم روسيا سيادتها وسلامة أراضيها. لكن روسيا الآن تضرب بهذا الاتفاق عرض الحائط. ومن هنا سيكون من العدل ومن القانوني أن تعلن الجمعية العامة إلغاء تخصيص المقعد السوفيتي القديم لروسيا في مجلس الأمن.
مسألة تجريد روسيا من عضويتها في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، التي تُثير جدلًا واسعًا بين أعضاء الكونغرس الأمريكي، هي في الواقع خطوة ليست مستحيلة أو غير مسبوقة
في مبادرة حسن نيّة، قد تعلن الجمعية أنّ نقل مقعد مجلس الأمن أمر تفويضي، بحيث يبقى المقعد قائمًا في انتظار أن تلتزم روسيا بالمطلوب منها بموجب مبادئ ميثاق الأمم المتحدة – قولًا وفعلًا. وهذا يعني الانسحاب الكامل من جميع الأراضي الأوكرانية وتحويل مبالغ كبيرة لتمويل عملية إعادة إعمار أوكرانيا التي دمّرها الغزو الروسي غير القانوني وسبب لشعبها معاناةً تفوق الوصف. ستكون هناك حاجة إلى بعض الإجراءات المحددة لاستعادة روسيا لمقعدها. ويتمثل أحد الاحتمالات في إنشاء الجمعية العامة لجنة مخصصة لهذا الغرض لمناقشة قرارها المتعلق بنقل المقعد.
أبدت الجمعية العامة تصميمًا مفاجئًا ضد روسيا. ففي 2 آذار/ مارس، صوتت الجمعية بأغلبية 141 صوتًا مقابل 5 أصوات تنديدًا بالعدوان الروسي على أوكرانيا. وهذا أكثر بكثير من أغلبية الثلثين المطلوبة لتنفيذ قرارات الطرد. على النقيض من ذلك، بالكاد حاز قرار نقل مقعد الصين بأغلبية الأصوات. يجدر بالجمعية العامة التحرّك لإلغاء عضوية روسيا في مجلس الأمن. وإذا فشل مثل هذا التصويت، يجب على الدول المدافعة عن الحرية تقديم مشروع قرار بموجب المادة 6 من ميثاق الأمم المتحدة لطرد روسيا بالكامل من الأمم المتحدة. وستكون هذه الفرصة الأخيرة للأمم المتحدة لإعادة إصلاح نفسها والالتزام بمسؤولياتها.
أي اقتراح بالطرد ـ بخلاف إلغاء العضوية ـ يخضع لحق النقض من قبل روسيا في مجلس الأمن. لذلك، لا شك أن روسيا ستستخدم حق النقض، وربما الصين أيضًا. وبذلك ستكون روسيا الدولة الوحيدة التي قُدم ضدها طلب طرد في كل من الأمم المتحدة وعُصبة الأمم سابقًا.
عندما غزت روسيا فنلندا في سنة 1939، اتخذت عُصبة الأمم المتحدة خطوة جريئة بطردها. إذا لم تقف الأمم المتحدة عند مسؤولياتها حيال العدوان الروسي في أوكرانيا، فإنها ستُثبت مرة أخرى فشلها في تجربة لا ينبغي لأي دولة محبة للحرية الاستمرار في دعمها.
المصدر: بلومبيرغ