ترجمة وتحرير: نون بوست
يستخدم مضيفو نيويورك تايمز وسلسلة بودكاست لإنتاج سلسلة “قضية حصان طروادة” كلمات مثل مُشينة، ومخزية، ومُربكة لوصف الردود على تحقيقهم المتعمق؛ حيث قال برايان ريد، بعد البحث عن الكلمات المناسبة: “أجد الأمر مثيرًا للحيرة حقًا، فبعد سلسلة من التحقيقات العميقة التي تم الإبلاغ عنها والتي تُبين بالتفصيل كيفية استخدام المسؤولين في جميع مستويات الحكومة وثيقة كانوا على علم بزيفها لإجراء تغييرات شاملة لمكافحة قوانين التطرف، لم يكن هناك أي شيء؛ ولم يكن هناك سوى أسئلة قليلة للمتابعة الموجهة إلى المسؤولين المعنيين الذين لا يزال الكثير منهم في مناصبهم بل وقد تمت ترقيتهم. ألا يستدعي ذلك بعض المتابعة؟”.
وأضاف المضيف المشارك حمزة سيد: “ما يؤرقني حقًا، هو أن أربع سنوات ونصف من التحقيقات الاستقصائية تعادل مقال رأي واحد. هذه هي حقيقة الصحافة؛ حيث يمكن لأي شخص قراءة مقال واحد مكتوب في غضون ساعات قليلة واستخدامه لرفض سنوات من البحث والتحقيق”.
وكان سيد يشير بذلك إلى مقال بقلم سونيا سودها في طبعة الأحد لصحيفة الجارديان، الأوبزرفر، الذي يعد بمثابة دراسة للمواضيع ذاتها التي يستكشفها البودكاست حول الإسلاموفوبيا الهيكلية في المملكة المتحدة. وتمثلت فضيحة البودكاست في رسالة، يُزعم أنها تقدم دليلاً على مؤامرة إسلامية للتسلل والاستيلاء على المدارس لنشر رسائل متطرفة، وهو ما يسمى بـ “رسالة حصان طروادة”، وعلى الرغم من سرعة وصف الرسالة بأنها “مزيفة”، إلا أنها لا تزال تثير استجابة على أعلى مستويات الحكومة ومراجعة شاملة لقوانين مكافحة التطرف، والتي يتم الدفاع عنها حتى اليوم على أنها استجابة مشروعة، رغم عدم وجود دليل كامل على هذه “المؤامرة”.
وتطلق مقالة سودها نفس الأعذار لتبرير ردود الفعل العنيفة للغاية التي قامت بها الصحافة والسلطات فيما يتعلق برسالة مليئة بالمؤامرة، فلم يقبل الصحفيون والمسؤولون الذين ردوا أيًّا من الرسائل التي أرادت السلسلة تبليغها، والأسوأ من ردود الفعل السريعة المبنية على التحيز غير المفكر؛ هو حقيقة أن ريد وسيد قدموا ردًا على مقالة الأوبزرفر قبل نشرها، ودحضوا بأدلة مفصلة العديد من نقاط المؤلف، ومع ذلك اختارت سودها المضي قدمًا في نسختها؛ معلنة أن التهديد الحقيقي هو المجتمع المسلم وأن الدفاع عن البودكاست بصرخات “الإسلاموفوبيا” هو خذلان لضحايا القوى المحافظة.
ومن الصعب فهم هذا العمل الصحفي بسوء النية؛ حيث قال سيد: “إذا كنت لا أزال منخرطًا في الصحافة الاستقصائية، فسوف أتابعها، واسألها لماذا تمسكت بمثل هذا الرأي”، وأضاف ريد: “لم تكن مهتمة بإبلاغ القراء بالحقيقة، لقد كانت تحاول سحبنا والبودكاست بكل صراحة إلى حرب ثقافية غريبة وغير مبررة”. وبعد خمس سنوات من العمل، كانت هذه هي النتيجة النهائية؛ استمرار الحرب الثقافية بنفس المواقف التي أدت إلى شيطنة المجتمع المسلم قبل ثماني سنوات.
وعلى هذا؛ فقد تبين أن المظالم الهيكلية التي صورها ريد وسيد بشق الأنفس صعبة الاختراق، ومقاومة للانتقادات الأكثر استدامة والأكثر بحثًا، وأن ثماني ساعات من الأدلة ليست كافية لتغيير القلوب والعقول المتحيزة ذات المصالح الخاصة.
لقد سمع معظم الناس في بريطانيا برسالة حصان طروادة، وهي وثيقة غير موقعة اُرسلت إلى مجلس مدينة برمنغهام في أواخر سنة 2013 تصف مؤامرة إسلامية، وسيتذكر البعض منهم أن الرسالة كانت محض خدعة، ولم يتم العثور على “مؤامرة” على الإطلاق، ورغم ما كشفته سلسلة التحقيقات والاستفسارات من أشكال مختلفة من المخالفات المتعلقة بالتأثير الديني غير المبرر في المدارس، إلا أنه لم يكن هناك قط ما يشير إلى أن المشاكل التي كُشفت مرتبطة بأي شكل من الأشكال بإطار مكافحة الإرهاب الذي استخدمته كل من التحريات والتغطية الإعلامية لاستكشاف الأحداث في مدارس برمنغهام.
وبعد سنوات من التحريات والتقارير الإخبارية المثيرة التي تُفيد بتدريب إرهابيين بيننا، لا يعرف سوى قلة من الناس أن نهاية القضية كانت أكثر صمتًا، ليس فقط لأنه لم يتم الإبلاغ عن ذلك فحسب، بل لأنه كان فشلًا ذريعًا يؤكد سلسلة إخفاقات الحكومة وإنفاذ القانون الذي سبق وأن حدث، كما يوضح البودكاست بتفاصيل مؤلمة أنه لم يكن هناك “نهاية”، ولم يكن هناك إغلاق، لتنتهي بذلك سنوات من التحقيق “بدون حل رسمي”. وعلى حد تعبير ريد؛ انتهت هذه القضية “بفوضى عارمة ومثيرة للغضب”، فلم يتم إلقاء اللوم فيها على المعلمين لكونهم في قفص الاتهام ولا تبرئتهم، ولم يتمكنوا لا من تبرئة أسمائهم، ولا من تحقيق العدالة.
انهارت القضية بسبب التستر والأكاذيب؛ حيث أنكر محامو الحكومة مرارًا اعتمادهم على محاضر سابقة من مقابلات مع شهود شاركوا في تحقيق سابق
ولم يكن على أي أحد في السلطة أن يفسر سبب إنفاق الكثير من الموارد على التحقيقات التي اندثرت ببساطة، فلم يتحمل أي شخص المسؤولية عن سبب إحضار ضباط مكافحة الإرهاب للتحقيق في قضية هيئة إدارة المدرسة، عوضًا عن تطبيق القانون الوطني. نعم، لقد كانت هناك مشكلات، مثل الرسائل المعادية للمثليين والتي تم تمريرها عبر مجموعة واتس آب، ولكن كما نعلم من الفضائح الأخيرة الواقعة في شرطة المملكة المتحدة والكنيسة الكاثوليكية الرومانية، فإن المجتمعات المسلمة لا تتفرد بكراهية المثلية الجنسية، ولكن تم تفعيل نهج مكافحة الإرهاب منطلقًا من مدرسة إسلامية، لأنه في نظر وزير التعليم آنذاك مايكل جوف، وموظفي الخدمة المدنية من الرتب العليا والمنخفضة، والشرطة، والصحفيين وغيرهم؛؛ يؤكد الوضع الافتراضي على رؤية المسلمين على أنهم خطر إرهابي؛ حيث يصف ريد في البودكاست عنوان الرسالة الذي يُظهر نفس الموقف، والذي يشير مصطلح “حصان طروادة” إلى الأعداء المختبئين على مرأى من الجميع، وكان المتهم مشتبهًا به بالفعل في أعين المسؤولين.
وانهارت القضية بسبب التستر والأكاذيب؛ حيث أنكر محامو الحكومة مرارًا اعتمادهم على محاضر سابقة من مقابلات مع شهود شاركوا في تحقيق سابق، وقبل ساعة فقط من قيام اللجنة التأديبية التي تنظر في الادعاءات ضد المعلمين بصياغة قرارها، تبين أن فريق الحكومة كان في الواقع يعتمد على مثل هذه الوثائق وكان يحجبها عن الدفاع، وعندما طلبت اللجنة حضور كبير محامي الحكومة وشرحه الأمر، بدت وكأنها مشغولة، وهو ما جعل أعضاء اللجنة يوقفون القضية، ويصدرون قرارًا جديدًا مفاده: “لقد كان هناك انتهاك للعملية وهو أمر يتسم بالخطورة لدرجة أنه يسيء إلى إحساس اللجنة بالعدالة والاستقامة”.
إن افتقار هؤلاء المتهمين للعدالة هو أمر يمتد في كامل السلسلة، على الرغم من أن العديد من المتضررين كانوا غير مستعدين للتحدث إلى مضيفي البودكاست، سيد وريد، بعد أن أصيبوا بأضرار من لقاءات سابقة مع وسائل الإعلام، ولكن السبب الذي يكمن وراء هذا الافتقار إلى العدالة بالنسبة للكثيرين هو الجوهر الحقيقي لهذا البودكاست؛ المعايير المختلفة تمامًا التي تُطبق على أشخاص مختلفين في هذا البلد، وعبء الإثبات غير المتكافئ لدرجة جعل الإسلاموفوبيا الهيكلية في المملكة المتحدة حقيقة لا يمكن إنكارها.
وأصبحت سو باكر؛ المعلمة في مدرسة بارك فيو، التي كانت في مركز المؤامرة المزعومة في برمنغهام، قلقة بشأن المدرسة قبل وقت طويل من إرسال رسالة حصان طروادة، تحديدًا عندما سمعت عن درس التربية الجنسية (يُدرَّس في فصل العلوم في المملكة المتحدة)، الذي يُخبر فيه المعلم الطلاب بضرورة تلبية الزوجات لرغبات أزواجهن الجنسية كلما كان أزواجهن يردن ذلك، ولكن هذه المعلمة التي أجرت تجمعًا أبلغت المدرسة برأيها، قائلة للطلاب إن الموافقة شرط دائم في الجنس، وأي شيء آخر هو اغتصاب.
ويعد هذا أمرًا جديرًا بالثناء من سو، الذي استجابت له المدرسة بشكل مناسب، من خلال القيام بتصحيح خطأ فادح تم تدريسه في أحد الدروس، واتضح أنه كان ينبغي بذل المزيد من الجهد لأن هذا المعلم أدين لاحقًا بتهمة إغواء واغتصاب فتاة تبلغ من العمر 14 سنة (مدعيا أنهما متزوجان)؛ ومع التأخر في النظر في الحالة، كان من الأفضل إحالته إلى تحقيق خارجي، ولكن ربما يكون من غير المنصف أن نتوقع من المدرسة أن تتنبأ بمثل هذا الامتداد الرهيب لآرائه، نظرًا لأنه في ذلك الوقت – على ما يبدو – كان قد قَبِلَ بكونه مخطئًا.
واستمرت “سو” في الشك والإبلاغ عن انتهاكات أخرى لحقوق الإنسان الأساسية في المدرسة؛ مجددًا، قبل إرسال رسالة حصان طروادة؛ حيث يأخذ البودكاست المستمع عبر تذبذبات لا نهاية لها لما قد يكون حقيقة مدرسة “بارك فيو” ومن يمكنه أن يحدد ماهية هذه الحقيقة.
تبدأ أجراس الإنذار في الرنين مع هذه الصورة النمطية للمرأة المسلمة الوديعة والمضطهدة التي تحتاج إلى منقذ أبيض للتحدث نيابة عنها؛ وهي صورة نمطية تنكرها أصواتهن
لقد قاموا بعمل مقابلة مع “سو” وزوجها “ستيف”، والذي كان مساعد رئيس في “بارك فيو”، في جلسة ملحمية لمدة سبع ساعات في منزلهم، وفي هذه الرحلة الطويلة، بدأنا نتعاطف مع قصة المبلغين: كان لابد من التعامل مع تعليم الأولاد أن الاغتصاب الزوجي لا بأس به، وكانت “سو” هي التي حققت ذلك، ويثير تصويرها للتحقير الروتيني للنساء العاملات ردودًا مماثلة: هذا غير مقبول، وقد كان على أحدهم الإبلاغ عنه.
ولكن القصة تزداد ضبابية؛ فعندما استجوب “سيد” و”ريد” المدرسين السابقين، أصبحت الردود دفاعية، وتغيرت نبرة المقابلة، وأصبحت عدائية بشكل واضح، حيث كان هناك صمت وجمل متقطعة تنتهي بفورة من “سو” تدعي أنها لا يمكن أن تكون متعصبة؛ حيث قالت: “أقرب أصدقائي هي فتاة مسلمة”، متوسلة بالدفاع الكلاسيكي غير الفعال، وعندما سُئلت عن سبب عدم وقوف المعلمات المسلمات في المدرسة معها، ادعت أنه “لن يتحدث أحد”.
وتبدأ أجراس الإنذار في الرنين مع هذه الصورة النمطية للمرأة المسلمة الوديعة والمضطهدة التي تحتاج إلى منقذ أبيض للتحدث نيابة عنها؛ وهي صورة نمطية تنكرها أصواتهن؛ حيث تحدث “ريد” و”سيد” إلى هؤلاء المعلمين الذين تدعي “سو” أنها تمثلهم، وقد قدموا وجهة نظر بديلة، وأنكروا حجم القضايا في المدرسة التي ترسمها “سو”، وعلى الرغم من أنهم لا ينكرون بعض المشكلات؛ إلا أن الكثير منهم قالوا إنها مبالغ فيها، وكانوا غير مرتاحين للصورة العامة للمدرسة التي صورتها “سو”.
يتم نسج المقابلات معًا بطريقة لا تدافع عن جانب أو آخر في هذا النقاش. وهي تغطي المخاوف المشروعة التي أبلغت عنها “سو” ووجدت لاحقًا في الاستفسارات الرسمية حول المواقف تجاه المرأة والجنس والمثلية الجنسية وحظر الممارسات غير الإسلامية (مثل إزالة صندوق بطاقة الاحتفال بعيد الميلاد الخاص بالمدرسة)، ومن المحتمل أن المعلمات المسلمات كن بالفعل خائفات للغاية من التحدث علانية، لكن من تمت مقابلتهن أنكرن ذلك بشدة، وعلى الجمهور أن يقرر ما إذا كان سيصدقهن.
بعض المراجعات ذكرت أن البث أخطأ في عرض التوازن بين الرأيين، وأنه قد تم التقليل من شأن المخاوف بشأن كراهية النساء ورهاب المثلية الجنسية من أجل إظهار الإسلاموفوبيا في مجتمعنا، ومع تقليص آلاف الساعات من التسجيلات إلى ثماني ساعات فقط، يمكن دائمًا أن تكون هناك اتهامات من هذا النوع، إن “الإبهام كان على الميزان” كما عبر أحد المراجعين، لكن مسألة التوازن هذه تغفل هدف السلسلة تمامًا.
لا يكتفي “ريد” و”سيد” بتجمع الأدلة من الشهود لاستكشاف ما كان يجري؛ فالكثير من هذا لا جدال فيه، ولكن الجانب الأكثر أهمية فيما يتتبعونه هو الإجراءات العملية: أي ما حدث خلال السنوات الثلاث التي أعقبت إرسال خطاب حصان طروادة إلى المجلس، قبل أن تنهار القضية بهدوء. وعلى الرغم من التحقيقات الأولية من قبل المجلس والشرطة في برمنغهام التي وجدت أن الرسالة كانت خدعة، لكن تم إرسال المخاوف مباشرة إلى الأعلى: وبعد التحقيقات الأولية من قبل مكتب معايير التعليم، وأجهزة خدمات ومهارات الأطفال (أوفستيد – الهيئة الرسمية التي تتفقد المدارس)، عقد رئيس الوزراء آنذاك “ديفيد كاميرون” اجتماعًا لفريق عمل معني بالتطرف، وعين “جوف” “بيتر كلارك”، الرئيس السابق لمكافحة الإرهاب في شرطة العاصمة في لندن، للتحقيق، وقد تم تسريب الرسالة إلى وسائل الإعلام في أوائل سنة 2014، مع العناوين التالية فقط: “كشف: مؤامرة إسلامية أُطلق عليها اسم “حصان طروادة ” لاستبدال المعلمين في برمنغهام بالمتطرفين” و”تعليم الكراهية”.
كانت هناك مواقف مقلقة في بعض مدارس برمنغهام، وتم التعبير عن بعض هذه المواقف بعبارات دينية، لكن لماذا كانت هذه قضية مكافحة إرهاب؟
ولكن على الرغم من كل هذه التقارير الرسمية والصحفية، عندما فصل “ريد” و”سيد” بين المبلغين عن المخالفات وأصوات المسلمين من المدرسة، كانا أول من فعل ذلك؛ دع الأمر يندثر: فلم يذهب أي شخص منخرط في التحقيق كان يتابع أقوال “باكرز” إلى النساء اللائي تعرضن للقمع – وفقًا لسو – في مدرسة “بارك فيو”، ونسمع من “أمينة”، والتي كانت في محور إحدى الحوادث التي وصفتها “سو”، حيث تقول إنها المرة الأولى التي يتم طرح أسئلة عليها، وهذا يُعد شكل من أشكال الإسكات لا يقل فعالية عن كراهية المرأة الذي كان بلا شك حاضرًا في المدرسة.
وهذه نقطة أكثر قيمة من أي اتهام فردي بارتكاب مخالفات؛ حيث يظهر “ريد” و”سيد” أن الاستفسارات نفسها كانت من جانب واحد، مع أخذ شهادة المبلغين عن المخالفات في ظاهرها، دون التحقق من الجانب الآخر، وكما يقول “ريد” في الحلقة الخامسة، كان “تلاقيًا غير سعيد” حين سقطت هذه المزاعم على مكتب وزير حكومي بينما صعدت رسالة حصان طروادة الرتب في مكتب نفس الوزير. وقد حصل “ريد و”سيد” على محضر الاجتماع الأولي بين “جوف” ومجلس مدينة برمنغهام؛ حيث جاء في المحضر أن “ترجيح الشرطة كان أن الوثيقة مزيفة”، ومع ذلك؛ اختار “جوف” التحقيق في الأمر كما لو لم يكن كذلك، وعين مسؤول مكافحة الإرهاب لإجراء التحقيق الرسمي.
هذا هو المقصد، نعم؛ كانت هناك مواقف مقلقة في بعض مدارس برمنغهام، وتم التعبير عن بعض هذه المواقف بعبارات دينية، لكن لماذا كانت هذه قضية مكافحة إرهاب؟ إذا تم العثور على رهاب المثلية أو كراهية المرأة في مدرسة كاثوليكية أو هندوسية أو أنجليكانية أو يهودية (كل هذه المدارس الدينية موجودة في المملكة المتحدة)؛ فهل كان سينتهي الأمر بتقرير المبلغين أو الخطاب المزيف على مكتب الوزير، ويذكره رئيس الوزراء في الخطب؟ وهل يمكن أن تؤدي التعليقات المعادية للمثليين من قس كاثوليكي أو حاخام أرثوذكسي إلى تغيير شامل في قوانيننا لمكافحة التطرف؟ وعلى الرغم من أن شكل خطاب حصان طروادة (الذي أوضحه البث) كان مضحكًا للغاية، فقد ارتأى أن المحتوى خطير بما يكفي للمتابعة، والمخاطر أكبر من أن يتم تجاهلها، لأن المسلمين يُنظر إليهم بسهولة على أنهم خطر إرهابي؛ لقد كان الخوف من الإسلام هو الدافع وراء مطاردة الساحرات هذه بأكملها، والتي انتهت بالعار والفشل.
وضاعف “جوف” من أفعاله ردًّا على البث، واصفًا المسلسل بأنه “مغرض ومضلل”، وكما توضح الحلقة السادسة؛ كان “جوف” يعمل مع ما يسمى بـ”نموذج الحزام الناقل للتطرف”، والذي فقد مصداقيته منذ فترة طويلة. وفي هذا النموذج، الذي يستعرضه في كتابه “سيلسيوس 7/7″، المكرس لمواجهة “التهديد الإسلامي” للغرب، هناك مؤشرات “ما قبل العنف” للتطرف والتي تؤدي بلا هوادة – دون تدخل – إلى التطرف. وكما يصف “سيد” في البث، فإن العديد مما يسمى بعلامات ما قبل العنف غالبًا ما تكون جزءًا من الحياة المسلمة العادية. وإن الصعوبة في فصل ذي الصلة عن غير ذي الصلة عند تقييم مخاطر التطرف هو أحد أسباب استبعاد نموذج “الحزام الناقل” من السياسة؛ وسبب آخر هو أن السياسات الناتجة كانت تمييزية ومضرة بالعلاقات بين الحكومة والمجتمعات المسلمة. وفي حين ينتشر التعصب الأعمى في العديد من الطوائف في المملكة المتحدة، إلا أنه لا يتم معاملة جميع الطوائف على قدم المساواة عند العثور عليه؛ المسلمون فقط هم من يُشتبه في أنهم على طريق الإرهاب.
وقال “جوف” إن كل ما فعله كان صائبًا لحماية الشباب من التطرف، متجاهلًا انتقادات البث، والعروض التي تم بحثها بدقة حول المعاملة غير المتوازنة والأعباء المختلفة للإثباتات التي تطبق على المدارس الإسلامية. وهذا عذر مألوف يستخدم لتبرير الشكوك التي وقعت على المجتمعات المسلمة أثناء قضية حصان طروادة؛ وسيكون من الخطأ عدم التحقيق ومن الضروري دعم أولئك المعرضين لخطر حقيقي للغاية. وهذا هو الاتجاه الذي اتخذته “سودها” في صحيفة “ذا أوبزرفر”، متهمة البث بأنه “رأي من جانب واحد يقلل من مخاوف حماية الطفل وكراهية المرأة ورهاب المثلية الجنسية”، وهو الأمر الذي يفتقد للدقة؛ ففي الواقع، يمكننا أن نقرأ في مقالها جميع المشكلات في المملكة المتحدة التي يكشفها البث؛ حيث إن المقالات مثل هذه هي بالضبط التي مكنت المهزلة الكاملة لقضية حصان طروادة.
هنالك ثلاث مستويات من القضايا في مقال سودها؛ الأمور الواضحة لعامة الناس، والأمور الواضحة لمستمعي نشرة البودكاست، والأمور التي لا تتضح إلا لفريق الإنتاج. ويتجلى التخويف من الإسلام في إحدى التفاصيل المعبّرة؛ حيث سردت سودها دفاع طاهر علم، وهو الرجل الذي كان معنيًّا بالأساس في رسالة حصان طروادة بين أقواس: (“أخبرني علم بأنه “لم يتم الاستشهاد بأي قضية ترتبط حماية ورعاية الأطفال فعليًّا في التقارير”)؛ حيث ترمي بآراء علم بين قوسين دون التركيز على المحتوى ذو الصلّة.
ويضاف إلى ذلك أنها تقول إن نشرة البودكاست تتجاهل المشاكل الثابتة في هذه المدارس والتي كشفت عنها التحقيقات التي أثارتها رسالة حصان طروادة؛ حيث يمكن لأي كان ممن تابع الساعات الثمانية (أو حتى الحلقة الخامسة) أن ينفي صحة ذلك، ويظهر أحد الاقتباسات المعبّرة كيف أن سودها قد ضيّعت غرض نشرة البودكاست إذ كتبت: “كما كشف الإنسانيون عن تعليم نظرية الخلق في المدارس اليهودية الأرثوذكسية وقضايا التربية الجنسية في المدارس الكاثوليكية”. ويبقى السؤال الملح لماذا لم يتناول قسم مكافحة الإرهاب هذه القصص؟ وبفشلها في طرح هذا السؤال، تنصب سودها نفسها معيارًا على مجتمعات مسلمة بشكل يختلف عما تفعله بالمجتمعات الدينية الأخرى في البلاد.
وهناك قضايا أخرى أثارتها سودها زادت من قلقي: وهي أن جماعة باكر قد نالت وعدًا بعدم الكشف عن هويتهم – على سبيل المثال – ولكن تم الكشف عن أسمائهم، كما اشتكوا لصحيفة نيويورك تايمز عن تجاربهم، واصفين إياها بأنها “تعذيب”؛ حيث تجاهل فريق الإنتاج أدلة الفيديو التي قدمها مدراء مدارس برمنغهام منذ الكشف عن الرسالة لأول مرة، ولقد أرسلت بريدًا إلكترونيًّا إلى البودكاست لطلب رد، وقمنا بإعداد مقابلة مع المضيفين، وللإعداد للمقابلة أرسلوا لي الرسالة المرسلة إلى سودها قبل أن تنشر مقالتها، وتدحض هذه الرسالة الإلكترونية بالتفصيل العديد من ادعاءاتها، لكنها اختارت المضي قُدُمًا ونشرها على أي حال، في عمل مذهل من الصحافة سيئة النية. وأنا أسألهم لماذا؟!.
قال السيد سيد “إنه أمر صادم بالفعل، لقد قدمنا ردًّا شاملًا ودقيقًا لها لتنشره كما هو؛ إنه عمل مقصودٌ لتضليل الناس”. وهو ما لا يختلف عليه اثنان، ولكن من الصعب أن نصدّق أن مثل هذه السخرية القاسية تصدر عن الغارديان The Guardian، خاصة وأن البودكاست أشاد بالصحيفة لإثارة العديد من هذه القضايا في مقال طويل في عام 2017. وفي الواقع، يتناقض مقال سودها مع تقارير صحيفة الغارديان نفسها في ذلك الوقت، حيث أثار القضايا التي شكك فيها زملاء سودها بشدة.
وعلى الرغم من الصدمة، قال سيد: “لم يكن ذلك مفاجأة، فالحلقة الخامسة كانت تتناول هذه الظاهرة؛ حيث تتناول قصص المُبلِّغِين، والمعاناة الشخصية، والجماعات والتقارير على أنها مصادر موثوقة دون نقدها. وعمل سودها عبارة عن عرض للطريقة التي حدث بها. “كما وصفوا إعداد المقابلات مع عائلة باكر حيث أمضوا أشهرًا في تقصي جميع الوثائق المتاحة، مشيرين إلى التناقضات والثغرات وكذلك الأدلة التي قدموها. وعندما كان الفريق على وشك بدء المقابلة، قيل للزوجين إنهم خططوا لرواية “شاملة وعميقة” عن القضية “برمتها””؛ هذه الاقتباسات مأخوذة من الرسالة الأولية التي أرسلها ريد إلى سودها، والتي تضمنت روابط إلى البودكاست الخاص بسريال وريد لكي يأخذوا فكرة عما ستكون عليه النتيجة النهائية، فيما تمت صياغة الأسئلة على مدى أيام، ولم تطلب عائلة باكر عدم الكشف عن هويتها إلا بعد المقابلة: ولم تتم مناقشة ذلك أو الوعد به أبدًا، ووردت جميع هذه المعلومات في حق الرد الذي أرسله الفريق إلى سودها قبل أن تنشر.
ولكن الأسوأ من نشر المحتوى غير الدقيق عن قصد في مقال سودها، هو ما أحدثه من آثار؛ حيث قال سيد: “ما يقلقني هو أن هذا المقال يعطي الصحفيين والمسؤولين مخرجًا”، مضيفًا: “إذا كان هناك أي تساؤل حول الطريقة التي حدث بها ذلك، وكيف غيرت المعلومات الخاطئة القوانين في بريطانيا ولم يهتم أحد بذلك، فالآن يتجلى لنا بالضبط كيف حدث ذلك. إنها نفس ردود الفعل، نفس الانحرافات، نفس الأسلوب في إبعاد القضية عن محور الوثيقة نفسها ومن كتبها ولماذا، للادعاء بحدوث خطأ يبرر كل ما تلا بعده”.
على الرغم من أن مقال سودها كان مقالًا واحدًا فقط من بين مقالات أخرى في صحيفة الغارديان أشادت بالبودكاست، إلا أنه ضار بما فيه الكفاية، فقد شارك “جوف” المقال لأنه وجد طريقة لتبرير سلوكه وتجنب الانتقادات القوية التي يقدمها ريد وسيد، كما كان هناك صحفي تواصل في برمنغهام مايل مع المضيفين، وخطط لمقالات متابعة، لكنه أعاد تغريد مقال سودها بعد ذلك والتزم الصمت. وبعد أسبوع، نشرت صحيفة “برمنغهام ميل” آراء “جوف” بدلًا من ذلك، لتجنب الانتقادات. وكما قال سيد: “لدى جماعات التقارير مخرجٌ الآن. فبدل الحديث عن بعض الادعاءات الخطيرة ودلالاتها، يمكنهم الإشارة إلى مقال سودها والقول بـ”أنه معقد” وهذا يسهل عليهم الأمر”.
كما تساءلت إذاعة بي بي سي 4 عن سبب إذاعة البودكاست بدل التحقيق في الأخطاء السياسية التي تم ارتكابها على المستوى الرفيع. وتساءلوا إن كان من الحكمة فتح ملف قضية قديمة؟ فيجيب سيد: “أليست هذه وظيفتنا كمراسلين تقصي حقائق”. وعلى الرغم من الاستنتاجات الرسمية العديدة بأن الرسالة كانت خدعة، تمكن هذا البرنامج من إثارة الشكوك، فقد قالوا مرتين إنهم لا يعرفون فيما إذا كان ذلك حقيقيًّا. وقال سيد: “إذا كان هذا هو النظام البيئي للصحافة، حيث تتابع بي بي سي التساؤل عما إذا كانت الرسالة حقيقية، وتنشر صحيفة الأوبزرفر مقالات مخادعة – ما الذي يدفعك أن تستمر؟” الجواب هو لا شيء، مضيفًا: “عندما تزن العمل الذي قمنا به وقيمته، لا يبدو الأمر مهمًّا في النهاية. من الصعب أن تبقى متحفزًا”.
إن الشكوك التي أثارتها بي بي سي تنقذ المسؤولين من مأزقهم رغم توصلهم إلى أن الرسالة مُضللة، فقد أصدر مجلس مدينة برمنغهام بيانًا بعد إحياء ملف البودكاست مفيدًا بأن هذه الأخبار قديمة وبأن المدينة قد “تجاوزتها”، فيما قال سيد: “أتحدى أي شخص أن يشرح لي معنى تاريخ قديم”، وتابع قائلًا: “اذهب إلى شرق بيرمنغهام واسألهم ما معنى تجاوزناه”، فلم تعد المدارس التي ذكرت في القضية تصل نتائج طلابها إلى النتائج التي كانت تصل إليها قبل حادثة رسالة حصان طروادة، ولا يزال المجتمع يشعر بأنه قد تم توصيمه، وهناك أبحاث أكاديمية حول الآثار طويلة الأجل على أولئك الذين تعرضوا لذلك، فيما اختزل ريد ذلك بقوله “كان هناك تراجع في المشاركة المدنية”، في إشارة إلى الآثار التي لحقت بالمجتمع المحلي، كما يبقى الشك المتزايد في البرامج الحكومية قائمًا حتى عندما تكون مفيدة، فقد قال سيد: “لقد كان ذلك تغييرًا في حياة المسلمين الذين تعرّضوا للاتهامات، ومع ذلك لم يعان أي شخص آخر من أي عواقب على الإطلاق”؛ حيث عكس ما قاله في الحلقة الخامسة: “المسؤولون، لا يكترثون”.
لقد بدت خيبة الأمل عليهما بوضوح؛ على الرغم من أنهم يقدرون النجاح من حيث عدد المستمعين وتجاوب الناس معهم، إلا أنهم ظنوا أن بوسعهم إحداث تغيير، إلا أن النتيجة كانت مخيبة للآمال: إذ لم يسأل أحد من الحكومة أو وسائل الإعلام كيف وصل الوضع إلى هذه النقطة وكيف يمكن منع حدوث ذلك مرة أخرى، لكن الردود القائلة “ولكن هناك أشياء سيئة تحدث في المدارس” تظهر احتمال تكرار هذه الحادثة، ومدى السرعة في جعل القصص عن المسلمين تهديدات، من المدهش أن حادثة بهذا الحجم قد تم كشفها عبر شركة إعلامية كبرى بأدلة قوية، ولكن لم يحركوا ساكنًا، وعندما تقارن هذا اللامبالاة بحجم التحقيقات التي أطلقتها رسالة واهية، فإن الرد بالصمت على بودكاست تم بحثه بعمق لمدة ثماني ساعات في صحيفة نيويورك تايمز أمر غريب؛ حيث اتفق الجميع في اليسار واليمين على تجاهل الأدلة.
المصدر: نيوز لاين