أقل من 3 أسابيع تفصلنا عن موعد الانتخابات الرئاسية الفرنسية التي تجري يوم 10 أبريل/ نيسان المقبل، انتخابات من المنتظر أن تشهد تنافسًا كبيرًا بين مختلف المرشحين الراغبين في الوصول لقصر الأليزيه خلفًا للرئيس إيمانويل ماكرون، وفي هذا التقرير لـ”نون بوست” نستعرض كل ما يجب معرفته عن هذه الانتخابات المرتقبة.
12 مرشحًا
بداية شهر مارس/ آذار الحالي، كشف المجلس الدستوري الفرنسي عن لائحة المرشحين للانتخابات الرئاسية الذين حصلوا على 500 توقيع المطلوبة للمشاركة في السباق الرئاسي، ووفقًا للمجلس الدستوري سيتمكّن 12 مرشحًا من خوض الانتخابات، أي بزيادة مرشح واحد عن الانتخابات الرئاسية الأخيرة في العام 2017.
تضمّ هذه اللائحة 8 رجال و4 نساء، ويفرض القانون الانتخابي الفرنسي على وسائل الإعلام الفرنسية الالتزام بتخصيص حيّز زمني متساوٍ بين جميع المرشحين، مع مراعاة حجم تمثيل المرشحين ومساهمتهم في النقاش العام، كما ينصّ القانون على حصول المرشحين على دعم مالي لحملاتهم الانتخابية بقيمة 200 ألف يورو.
تمثل مسألة القوة الشرائية موضوعًا هامًّا جدًّا للفرنسيين مع الزيادة العامة في الأسعار، خاصة في مجال الطاقة
المرشحون هم الرئيس الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون، مرشحة اليمين الجمهوري فاليري بيكريس، مرشحة الحزب الاشتراكي آن هيدالغو، مرشح فرنسا الأبية جان لوك ميلنشون، مرشحة التجمع الوطني مارين لوبان، مرشح حزب استعادة فرنسا إيريك زمور، ومرشح حزب الخضر يانيك جادو.
إلى جانب هؤلاء، سيخوض الانتخابات كل من نيكولا دوبون-إينيان عن حزب انهضي يا فرنسا، وجان لاسال عن حزب لنقاوم، وفبيان روسيل مرشح الحزب الشيوعي، وناتالي أرتو مرشحة حزب النضال العمالي، وفيليب بوتو عن الحزب الجديد لمناهضة الرأسمالية، ومن المنتظر أن تبدأ الحملة الرسمية للانتخابات الرئاسية في 28 مارس/ آذار الحالي.
ويجب أن يحصل المرشح على الغالبية المطلقة من الأصوات التي يتم الإدلاء بها في دورة أو دورتين للفوز، أيًّا كانت نسبة المشاركة في التصويت، ولا تعترف فرنسا بالبطاقات البيضاء التي يبدي الناخبون من خلالها رفضهم الاختيار بين المرشحين.
أبرز القضايا المطروحة
فضلًا عن الحرب الروسية الأوكرانية ورؤية كل مرشح للأزمة وسُبل حلها، توجد عدة قضايا مطروحة في هذا السباق الانتخابي، من بينها الهجرة، فلكل مرشح رؤيته الخاصة للتعاطي مع هذا الموضوع المهم لدى الفرنسيين.
يبدو اليمين، سواء التقليدي أو المتطرف، أكثر تشددًا حول مسألة الهجرة، حتى أن مرشحي اليمين، خاصة اليمين المتطرف، يعملون على استغلال هذا الملف لكسب أصوات أكثر، فيما يُحافظ اليسار على نبرة إنسانية في معالجته لهذا الملف.
يرى الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون ضرورة تكثيف المراقبة عند الحدود الأوروبية للحدّ من الهجرة إلى جانب تحسين التعاون مع بلدان المهاجرين الأصلية لتسهيل عودتهم، أما مرشحة حزب الجمهوريين فاليري بيكريس فقد وعدت باستشارة الفرنسيين إذا ما اُنتخبت رئيسة للبلاد في إطار استفتاء شعبي، لإجراء تعديل دستوري حول ملف الهجرة، من خلاله يتم وقف العمل بقانون “حق الأرض”، وتشديد شروط التجنُّس وقانون لمّ الشمل.
مسلمون يغادرون فرنسا بعد سيطرة موضوع الهجرة على الانتخابات الفرنسية..??
محمد الفرنسي يؤكد أنه لا يشعر أنه فرنسي إلا عندما يغادر فرنسا.. وماتيلدا تقول أنها لا تستطيع تربية ابنها الفرنسي من أصول عربية في فرنسا بسبب العنصرية..?
انتخابات فرنسا تشتعل..? pic.twitter.com/klxieALLWn
— abdulkarim aljassar (@karimjassar) February 21, 2022
بدوره، يعدُ إيريك زمور في برنامجه بوقف لمّ شمل الأسرة نهائيًّا، وتقليص حق اللجوء بشكل كبير، ليظلَّ محصورًا في “حفنة من الأفراد كل عام”، كما تتعهّد مارين لوبان في حال تقلدها منصب الرئاسة بإجراء استفتاء حول الدستور لتعديل القوانين بشأن الهجرة، لإزالة ما تسميه “العقبات” القانونية التي تحول دون طرد الأجانب المدانين بجرائم أو جنح خطيرة أو الذين يشكّلون “تهديدًا للنظام العام”.
في مقابل ذلك، يتعهّد مرشح فرنسا الأبية، جان لوك ميلنشون، ببرنامج مغاير كليًّا لما يقترحه اليمين، فهو يعدُ بإنهاء العمل بمعاهدة دبلن وحلّ شرطة الحدود الأوروبية “فرانتكس”، كما يريد إعادة النظر في معاهدة توكي مع بريطانيا حول مراقبة الحدود بين البلدَين، ويعدُ بتسوية أوضاع العمّال المهاجرين الذين لا يملكون أوراق إقامة.
من أبرز القضايا المطروحة أيضًا قضية تحقيق المساواة بين المرأة والرجل سواء كان في مجال الأجور أو الوظائف، فضلًا عن حماية المرأة من العنف، ويتعهّد ماكرون في حال أُعيد انتخابه رئيسًا لفرنسا، بتخصيص عهدته المقبلة من أجل تحقيق مبدأ “المساواة التامة بين الرجال والنساء”.
فيما أكّدت مارين لوبان أنها تريد “تدوين أسماء كل الرجال الذين يعتدون على النساء في الشوارع في سجلّ وطني مخصَّص للجرائم الجنسية”، أما آن هيدالغو فقد اقترحت إنفاق مليار يورو لمكافحة العنف الذي يستهدف النساء، ولبناء مراكز جديدة لاستقبال وإيواء النساء اللواتي تعرضن للعنف.
من ناحيته طرح يانيك جادو منح النساء اللواتي تعرضن إلى العنف والاغتصاب إمكانية رفع “دعاوى قضائية أثناء تواجدهن في المستشفيات وليس عندما يغادرن المراكز الاستشفائية”، إضافة إلى “رفع قيمة الغرامة المالية التي يدفعها أي رجل ثبت عليه أنه اعتدى على النساء”، ويريد جاك لوك ميلينشون خلق “شرطة متخصصة في مكافحة الاعتداءات الجنسية التي تطال النساء عبر مواقع التواصل الاجتماعي والإنترنت”.
يرجع تقدُّم ماكرون في نتائج استطلاعات الرأي إلى ضعف خصومه، فضلًا عن حسن استغلاله الحرب الروسية لرفع نسبة حظوظه في الفوز برئاسة البلاد لولاية ثانية
كما ستتناول الحملة الانتخابية للمرشحين الوضع الاقتصادي للبلاد، ورؤيتهم للمسألة الاقتصادية وكيفية تطوير الاقتصاد الفرنسي وتقليص نسب البطالة ورفع نسبة الوظائف والأجور، في ظل الأزمة التي تعرفها فرنسا نتيجة وباء كورونا وأزمة الطاقة العالمية.
وتمثِّل مسألة القوة الشرائية موضوعًا مهمًّا جدًّا للفرنسيين مع الزيادة العامة في الأسعار، خاصة في مجال الطاقة، لذلك سيعمل المرشحون على طمأنة الناخبين من خلال تقديم رؤى وبرامج من شأنها التحكم في الأسعار والرفع من القدرة الشرائية للفرنسيين.
كما ستكون قضايا التاريخ والهوية والحريات في قلب الجدل الانتخابي الفرنسي، كما ستركّز برامج المرشحين على قضايا الدبلوماسية الخارجية وتحالفات فرنسا، إلى جانب موقعها في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي.
ماذا تقول استطلاعات الرأي؟
لا يمكن الجزم بمصداقية استطلاعات الرأي، خاصة في السنوات الأخيرة، حيث إن الناخب الفرنسي لا يفصح بسهولة عن ميوله حتى لحظة الذهاب إلى صندوق الاقتراع، لكن يمكن القول إن الناخب الفرنسي يميل أكثر إلى اليمين التقليدي، وهو ما أكّدته آخر الاستطلاعات.
أظهر أحدث استطلاع للرأي، نُشرت نتائجه يوم الأحد، استمرار تصدُّر إيمانويل ماكرون لمنافسيه في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية المقبلة، كما كشف استطلاع الرأي الذي أجراه معهد إيفوب لصالح صحيفة “لو جورنال دو ديمانش”، عن كون ماكرون ومارين لوبان المرشحَين للتأهُّل للجولة النهائية.
وفق معهد إيفوب، حصل ماكرون على 29.5% من نوايا التصويت، أي بزيادة نحو 5 نقاط ممّا كان عليه قبل العملية العسكرية الروسية على أوكرانيا في 24 فبراير/ شباط الماضي، ويتقدّم بفارق 11 نقطة على مارين لوبان (18.5%)، يليها اليساري جان لوك ميلينشون بنسبة 13%.
أكثر من أسبوعين نحو الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة في فرنسا. استطلاعات الرأي تقول :
ماكرون: 30٪
لوبان: 17٪
ميلينشون: 13٪
زمور: 12٪
بيكريس: 11٪ pic.twitter.com/GpvxAcbycd
— حسينة اوشان (@hassinaouch) March 22, 2022
حافظت مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان على قاعدة صلبة بفضل دعم الفئات الشعبية، رغم ترشُّح إيريك زامور الذي سينافسها على القاعدة الانتخابية لليمين المتطرف، ورجّح الاستطلاع فوز ماكرون بالانتخابات الرئاسية في جولة الإعادة بنسبة 58% من الأصوات ضد لوبان، لكن يقول المدير العام لمعهد إيفوب، فريديريك دابي: “إذا حدث نفس ما حدث في انتخابات 2021 الإقليمية، فستكون استطلاعات الرأي خاطئة ولن تكون مارين لوبان في الجولة الثانية”.
يرجع تقدُّم ماكرون في نتائج استطلاعات الرأي إلى ضعف خصومه، فضلًا عن حسن استغلاله الحرب الروسية لرفع نسبة حظوظه في الفوز برئاسة البلاد لولاية ثانية، إذ أحسن ماكرون الترويج لنفسه بأنه الوسيط الموثوق وأيضًا حامي الدول الأوروبية والناتو من “السطو الروسي”، إلى جانب كونه الرئيس الذي يحسن التعامل مع الأزمات.
بهذا الشكل، تمكّن إيمانويل ماكرون من تأمين ناخبين من يسار الوسط الذين اعتادوا التصويت للحزب الاشتراكي، وزاد اقتناع ناخبيه به، ويعمل الآن على مغازلة ناخبي اليمين المتطرف لكسب ودّهم والتصويت له في الانتخابات المرتقبة.