فتحت زيارة بشار الأسد الأخيرة إلى دولة الإمارات الباب أمام حديث جديد عن إعادة تطبيع العلاقة مع النظام السوري من البوابة الإماراتية، خاصة أن جهودًا مكثفةً قادتها الإمارات والأردن والجزائر لم تنجح بإعادة الأسد إلى حظيرة الجامعة العربية وذلك بسبب معارضة بعض العواصم العربية ورفض أمريكي واضح للتطبيع مع دمشق وإعادة تعويم النظام السوري في الحظيرة العربية والدولية.
بعد لقاء ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد مع بشار الأسد، عقد في مصر لقاء قمة جمع ابن زايد والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي نفتالي بينيت، وفي ذلك الاجتماع تم “تبادل الرؤى ووجهات النظر تجاه آخر مستجدات عدد من القضايا الدولية والإقليمية” وفقًا لبيان صدر بعد القمة، وذكرت مواقع إسرائيلية أن زيارة الأسد للإمارات كانت مطروحة للنقاش خلال اللقاء.
تتقاطع هذه القمة مع زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين عبد اللهيان إلى سوريا ولقائه بشار الأسد وترحيبه بما يحصل من جهود لعودة سوريا إلى الجامعة العربية، وتعمل طهران جاهدة لتعويم نظام الأسد باعتباره أداةً من أدواتها التي تحارب بها لتوسيع وتعزيز نفوذها في المنطقة، كما أنها تعتبر سوريا بوابتها إلى العديد من الدول أهمها دول الخليج، من أجل ذلك تعتبر زيارة الأسد إلى أبو ظبي من الأهمية بمكان للسياسيين الإيرانيين.
جولة جديدة
كما أسلفنا فقد فتحت زيارة بشار الأسد إلى الإمارات آفاقًا جديدةً لإعادة النظام إلى الحضن العربي، بعد جولات سابقة كانت تتعثر نتيجة لمواقف بعض الدول وعزوف دول أخرى عن البدء بالخطوة الأولى، فكانت الخطوة الأولى من حكام الإمارات الذين استقبلوا الأسد، فتعتبر هذه الزيارة الأولى له إلى بلد عربي منذ انطلاق الثورة السورية في مارس/آذار 2015.
الحراك الإماراتي من أجل تعويم الأسد بدأ منذ سنوات بإعادة افتتاح السفارة في دمشق ومن ثم عودة الاتصالات الرسمية بين الجانبين التي تكللت باللقاءات الرسمية، كل ذلك كان يتم بالتوازي مع حراك عربي أيضًا، فالأردن عبّر في أكثر من مرة عبر مسؤوليه وعلى رأسهم الملك عبد الله الثاني عن رغبتهم بتطبيع العلاقات مع سوريا، وبالفعل تم ذلك عندما أجرى الأسد والثاني اتصالًا كان الأول منذ 10 سنوات.
كذا كانت الجزائر وتونس، تحثان الخطى من أجل إعادة مقعد سوريا في الجامعة العربية للنظام السوري، وللعلم فإن العام 2021 كان ذهبيًا للنظام السوري، فقد صدرت من الأنضمة العربية الكثير من التصريحات الإيجابية تجاهه، وهو ما عدّ عامًا للتطبيع مع الأسد خاصة بعد اللقاءات التي حصلت بين مسؤولي النظام والعديد من وزراء الخارجية العرب على هامش اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة.
على الرغم من تراجع الموقف الأمريكي من النظام السوري بعد استلام الرئيس جو بايدن للحكم، فإن موقف واشنطن العلني ما يزال ضد التطبيع مع الأسد باعتباره “ديكتاتورًا متوحشًا”، إذ أعلنت الخارجية الأمريكية غير مرة “أن إدارة الرئيس جو بايدن لن تدعم أي تطبيع مع النظام السوري، أو أي جهود لدعمه وتأهيله”، كما حذرت واشنطن الدول التي تطبع مع النظام بقولها: “لا ندعم تطبيع دول أخرى أو رفع مستوى علاقاتها مع النظام نظرًا للأعمال الوحشية التي ارتكبها هذا النظام ضد شعبه”.
إضافة إلى الموقف الأمريكي برزت مواقف تركيا وقطر المناهضة للتطبيع بجانب موقف سعودي ما زال مناهضًا للنظام، كل ذلك أخّر انطلاق قطار التطبيع العربي مع نظام الأسد في الشهور الأخيرة، ومن ثم بدأت الأنظار تتجه إلى الغزو الروسي لأوكرانيا الذي سبب أزمةً دوليةً جعلت ملف التطبيع ينحسر مؤقتًا، خاصة أن روسيا التي دخلت إلى أوكرانيا بعدد هائل من قواتها كانت من أكبر الداعمين للتطبيع العربي مع النظام السوري ولطالما دفعت بهذا الاتجاه.
إذن، بعد هذا البرود الذي شهده ملف التطبيع، يعود اللاعبون إلى جولة جديدة في القطار إياه، وربما كانت الإمارات محطة التزود بالوقود من أجل الانطلاقة لتعويم النظام الذي لم يتوقف عن القتل وارتكاب المجازر، ويرجع الاهتمام الإماراتي بهذا الملف لرغبة أبو ظبي في “توسيع دورها في المنطقة كقوة إقليمية قادرة على المنافسة، مستفيدة من تراجُع اهتمام الولايات المتحدة بالمنطقة واحتمال انشغال روسيا في الصراع بأوكرانيا”، وفقًا لما ورد في ورقة لمركز “جسور” للدراسات والأبحاث.
“إسرائيل” على الخط
تقول وسائل الإعلام الإسرائيلية إن الاجتماع الثلاثي، الإماراتي المصري الإسرائيلي، في شرم الشيخ بحث زيارة الأسد إلى الإمارات، كما ذكرت المصادر أن رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت “بحث مع القادة إمكانية عودة نظام الأسد إلى الجامعة العربية”، ولفتت صحيفة “إسرائيل هيوم” إلى أن “إسرائيل ترى بشار الأسد قائدًا غير شرعي، إلا أنها ترى فيه مصلحة للكيان الإسرائلي”.
وفي السياق يقول محللون إسرائيليون: “الإمارات تتطلع إلى دور الوساطة بين تل أبيب ونظام الأسد وحزب الله”، ويقول إيهود يعاري، محلل الشؤون العربية في القناة 12 الإسرائيلية: “الإمارات تدرس باستمرار وتحاول ممارسة بعض الضغوط للتقريب بين “إسرائيل” ونظام الأسد”، مشيرًا إلى أن “القادة الإماراتيين منذ الأيام الأولى للتطبيع مع “إسرائيل”، يتحدثون بشكل سري في الغرف المغلقة عن طموحهم للعب دور الوساطة بين “إسرائيل” والأسد”.
وفي ظل الحديث عن اتفاق نووي جديد بين إيران مع الدول الكبرى تريد تل أبيب أن تضمن تقليص النفوذ الإيراني على حدودها، خاصة أن الحكومة الإسرائيلية حذرت واشنطن مرارًا وتكرارًا من عقد هذا الاتفاق، لكن مضي الأخيرة بالمفاوضات جعل تل أبيب تدعم التطبيع العربي مع الأسد في خطوة تأمل “إسرائيل” من خلالها تحقيق مصلحة أكبر من نظام الأسد، وذلك بانسحاب الميلشيات الإيرانية الموجودة في سوريا، بالتنسيق مع الإمارات” بحسب “إسرائيل هيوم”.
بدورها أفادت “هيئة البث الإسرائيلي” أن مسؤولين إماراتيين “مرروا رسالة لـ”إسرائيل” مفادها أن عودة بشار الأسد للساحة العربية أفضل من بقائه تحت حماية روسيا وإيران”، وبحسب قناة “كان” العبرية فإن “الإماراتيين قالوا إنه يجب التوجه إلى هذه العملية حاليًّا، لأنه من الناحية الإستراتيجية الحاليّة الحرب في سوريا انتهت، ويوجد احتمال لإعادة سوريا إلى الحضن العربي، والتقديرات هي أن هذه العملية لن تحدث بشكل فوري، لكن الهدف هو بناء علاقات ثقة”.
إيران ترحب بالتطبيع
كما ذكرنا تسعى تل أبيب إلى إبعاد الميلشيات الإيرانية من خلال عودة الأسد إلى الحضن العربي، لكن هذا الأمر يصعب تحقيقه في ظل النفوذ الإيراني المتزايد والارتباط الوثيق بين نظامي طهران ودمشق، لكن تل أبيب ترى أن “التقارب بين دمشق ودول الخليج قد يساعد سوريا على التعامل مع أزمتها المالية ودعم استقرار النظام، حيث تواجه سوريا أزمة اقتصادية صعبة بسبب النفقات المرتبطة بالحرب والقيود الأمريكية والأوروبية”، ما قد يجعلها تراجع علاقتها مع إيران.
يذكر أن حسين عبد اللهيان وزير الخارجية الإيراني، أجرى زيارة لدمشق التقى فيها الأسد وذلك بعد أيام من زيارة الأخير للإمارات، ورحب عبد اللهيان بتطبيع بعض الدول العربية علاقاتها مع نظام الأسد وعبر عن ارتياحه لهذا الأمر، يأتي ذلك بعد أن وضعت أبو ظبي “مواجهة إيران” حجة واضحة لإعادة النظام إلى الحضن العربي، باعتبار أن حضورها يسهم في إعادة تفعيل الدور العربي في سوريا.
وعلى الرغم من حالة المواجهة المعلنة، فإن مركز جسور يرى خلاف ذلك، حيث يقول إن إعادة العلاقات مع النظام السوري يأتي من “الرغبة في بناء التفاهُمات مع إيران استعدادًا لقرب توقيع الاتفاق النووي للتفاوض مع إيران والتوصل لاتفاق معها يُنهي التهديد الذي تُشكّله جماعة الحوثي على أمن واقتصاد الإمارات، وهذا يحتاج إلى تقديم مقابل لها، لتكون سوريا مساحة ملائمة لذلك، فالإمارات تبدو قادرةً على مساعدة النظام لتجاوز العقوبات وفك العزلة العربية عنه، وهي قضايا لطالما سعت إيران إلى معالجتها لضمان تعويض النفقات وترسيخ وجودها في سوريا”.
بالمحصلة، يبدو أن الدول الفاعلة في موضوع التطبيع مع النظام، تستخدم هذه الورقة إما لتقوية مصالحها بتوسيع نفوذها الإقليمي، أو لخلط الأوراق في المنطقة، فيما أصبح نظام الأسد ألعوبة بيد أكثر من دولة وكل منها تحركه كيف شاءت وبالجهة التي تريد وبذلك يستفيد هو من إطالة مدة بقائه والحفاظ ما أمكن على الحكم بالتوازي مع خدمة الأجندات المختلفة.