ولد “حسين العباسي” سنة 1947 بمدينة السبيخة من ولاية القيروان التونسية، وبدأ حياته المهنية كمعلم ثم قيّمٍ في المعاهد الثانوية، قبل أن يدخل في العمل النقابي ويصبح عضوًا في النقابة الأساسية بمدينته، ثم عضوًا في النقابة الجهوية للقيمين، ثم – بحلول سنة 1983 – أصبح عضوًا في النقابة العامة للقيمين، وفي سنة 1997 اُنتخب عضوًا في الاتحاد الجهوي بالقيروان.
وفي سنة 2002 كُلف العباسي بتولي منصب “كاتب عام للاتحاد الجهوي بالقيروان”، وفي سنة 2006 تمّ انتخابه عضوًا بالمركزية النقابية وكلّف بقسم التشريع، وعلى إثر الانتخابات العامة للاتحاد العام التونسي للشغل في أواخر سنة 2011، اُنتخب العباسي أمينًا عامًا للاتحاد الذي يعتبر أهم منظمة نقابية في البلاد.
الاتحاد العام التونسي للشغل:
تأسس الاتحاد العام التونسي للشغل في سنة 1946 كمنظمة نقابية تعني بالدفاع عن حقوق العمال، وقد ضم أول مكتب للاتحاد كل من الزعيم “فرحات حشاد” كاتبًا عامًا والشيخ “محمد الفاضل بن عاشور” رئيسًا.
ورغم التاريخ النضالي الكبير للاتحاد، اتخذت قيادته قرارًا في سنة 2004 بدعم ترشيح “زين العابدين بن علي” للرئاسة، وكتب أمينه العام السابق “عبد السلام جراد” رسالة مناشدة لزين العابدين بن علي في سنة 2009 لدعوته للترشح للانتخابات الرئاسية مجددًا؛ وهو ما جعل الاتحاد يتعرض لانتقادات لاذعة بعد الثورة تمحورت بشكل خاص حول قياداته العليا التي كانت تسير عكس اتجاه سير باقي التيار النقابي في تونس قبل الثورة.
دور الاتحاد في العملية السياسية في تونس:
شهد المشهد السياسي التونسي حالة احتقان كبيرة بعد اغتيال السياسيين “شكري بلعيد” و”محمد البراهمي”، ومع انتقال هذه الخلافات السياسية إلى الشارع والمجتمع، دعت بعض الأطراف السياسية إلى اللجوء للمنظمات المدنية لتدير حوارًا بين مختلف مكونات المشهد السياسي التونسي ولإيجاد خارطة طريق للخروج من الأزمة ولإنقاذ عملية الانتقال الديمقراطي.
وفي هذا الإطار تشكلت لجنة من أكبر أربع منظمات مدنية في البلاد هي الاتحاد العام التونسي للشغل، رابطة حقوق الإنسان، نقابة المحامين، واتحاد أرباب الأعمال، وبعد جلسات طويلة من الحوار التي أدارها “حسين العباسي” وشاركت فيها معظم الأحزاب التونسية؛ نجحت تونس في الخروج من الأزمة والاتفاق على خارطة الطريق التي أدت إلى التوافق على الدستور وعلى حكومة انتقالية وعلى مواعيد الانتخابات.
دور العباسي:
تعرض “حسين العباسي” لمعارضة كبيرة في السنوات الأولى التي تلت الثورة، إذ إن وجوده في القيادة العليا للاتحاد في السنوات الأخيرة قبل الثورة جعله جزءًا من الصفقات التي عقدها الاتحاد مع نظام بن علي والتي كانت تلقى معارضة كبيرة من قواعد الاتحاد، وخاصة قرار دعم ترشح بن علي في سنة 2009 وظهور عدد من القيادات العليا للاتحاد إلى جانب بن علي في أيام الثورة.
وهوجم العباسي كثيرًا في الأيام التي تلت انتخابه أمينًا عامًا للاتحاد، إذ تفاقمت الاعتصامات العمالية والإضرابات النقابية ولم يبدي العباسي أي معارضة لهذا التوجه الذي أضر بشكل كبير بالاقتصاد التونسي – حسب تقارير محلية ودولية – وكان أحد أهم أساليب الضغط التي اُستخدمت لإضعاف حكم الائتلاف الحكومي الذي تشكل بعد انتخابات 2011.
وخلال ترأسه لجلسات الحوار لم يسجل أي انحياز علني لأي من الأطراف السياسية المتحاورة في تلك الفترة، حيث إنه كان يستخدم خطابًا ذكيًا في مؤتمراته الصحفية، يقبل التأويل على أكثر من وجه.
وفي أحد التصريحات، قال العباسي إن فشل الحوار سيجعل التونسيين يعيشون “شتاءً ساخنًا”، فعلق الأمين العام لحركة النهضة آن ذاك “حمادي الجبالي”، قائلاً: “نحن لا يخيفنا الشتاء الساخن ولا الصيف البارد، وقد جربتمونا طيلة الـ 30 سنة الماضية”.
ورغم انتقاده بشكل كبير لسياسات الحكومة الائتلافية بعد انتخابات 2011، لم يُسجل على العباسي أنه انحاز لطرف من الأطراف السياسية بصورة مباشرة ضد طرف آخر، وهو الأمر الذي أنقذ الاتحاد العام التونسي للشغل من الانهيار وجنبه الانخراط كطرف في المعركة السياسية؛ وجعله اليوم يقف موقف “الراعي” و”المدير” ويحافظ على علاقات طيبة مع كل الأطراف.