ترجمة وتحرير: نون بوست
بعد فترة وجيزة من نشر صورة لشهادة ميلاده على إنستغرام تُظهر أصوله الأوكرانية، قرّر أرتور الفرار من روسيا رفقة صديقه فسيفولود، الذي قال “لقد اتخذنا احتياطات لمغادرة البلاد”. رأى أرتور الكثير من الإشارات التي تنذر بالمستقبل القاتم الذي ينتظرهم، مستشهدًا بالمعاملة السيئة التي تعرّض لها.
فرّ الصديقان من موسكو إلى إسطنبول في أوائل آذار/ مارس بعد أن انقلبت حياتهما رأسًا على عقب بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا وتزايد القلق بين الشباب بشأن إمكانية مطالبة السلطات بإظهار دعمهم للحرب من خلال التجنيد العسكري. وتجدر الإشارة إلى أنه تم تغيير اسميهما بناءً على طلبهما.
أكد فسيفولود أن “أجواء الخوف المهيمنة في روسيا في الوقت الحالي لم يسبق لها مثيل. وعلى الرغم من أنه لم تصدر أي قرارات، إلا أن هناك بعض التحركات ناهيك عن نشاط الشبكات العسكرية. ولا أحد يعلم ما إذا كان هذا تخويفًا أو استعدادا لعملية تطهير”. وقد وقّعت إحدى صديقاته عريضة عبر الإنترنت ضد الحرب، لتتفاجأ بعد ذلك بمداهمة الشرطة لمنزل عائلتها. كما تلقى صديق آخر فرّ بالفعل إلى إسطنبول مكالمة هاتفية على واتساب من الشرطة الروسية تطلب مقابلته.
فرّ آلاف الروس من البلاد منذ غزو أوكرانيا كثير منهم كانت وجهتهم تركيا وفنلندا وقيرغيزستان وجورجيا، حيث تزعم الحكومة أن أكثر من 25 ألف شخص عبروا الحدود في الأسابيع الأخيرة. كانت إسطنبول خيارًا مفضلًا للروس إما كطريق عبور أو كملاذ جديد، وذلك لأن إغلاق المجال الجوي الأوروبي أمام الرحلات الجوية الروسية يجعل تركيا إحدى الوجهات القليلة المتبقية التي يمكن أن تكون طريقًا للهروب.
أضاف أرتور “في المطار، كانت السلطات تتطفل وتستفسر عن تذاكر العودة. لقد حذفت ميدوزا وبعض تطبيقات أخبار المعارضة الأخرى لأن هناك شائعات تفيد بأنهم يفحصون هواتف الناس”. على غرار الكثيرين، سمع أرتور قصصًا عن حرس الحدود يفتشون أجهزة المسافرين الإلكترونية ويبحثون عن محتوى مشبوه مثل أي دليل على دعمهم للسياسي المعارض أليكسي نافالني أو الولوج لمواقع الويب المحظورة في روسيا بعد فرض قوانين الرقابة الجديدة.
تمكن الكثير من الروس الذين يعيشون في المنفى بسرعة من ترسيخ معارضتهم للحكومة. في هذا السياق، نظم مغني الراب الروسي أوكسيميرون حفلة خيرية في إسطنبول بعنوان “الروس ضد الحرب” بيعت جميع تذاكرها بمجرد طرحها.
أورد أرتور “على الرغم من أن المطار كان فارغًا بشكل مخيف إلا أن الطائرة كانت ضخمة جدًا ومحجوزة بالكامل. كان هناك الكثير من الشباب الذين يرتدون ملابس أنيقة ويظهر عليهم الحزن الشديد ما يجعلك تدرك على الفور أن هذه الطبقة المبدعة فضلت نفي نفسها بعيدًا عن روسيا”.
ينتمي العديد من الوافدين على إسطنبول إلى جيل الألفية الذين نشأوا في روسيا ما بعد الحرب الباردة، وهم جزء من الطبقة الوسطى التي اعتادت السفر الدولي والعمل في الصناعات المتشابكة اجتماعيًا واقتصاديًا بشكل كبير مع العالم الخارجي. أدى التجريم المفاجئ لكلمة “حرب” لوصف الغزو الروسي لأوكرانيا إلى جانب العزلة السياسية والاقتصادية للبلاد إلى قلب هذا الواقع رأسًا على عقب بين عشية وضحاها. هرب الصحفيون والمعارضون والفنانون وهم قلقون بشأن ما سيحدث إذا ذكروا كلمة “حرب” عوضًا عن غزو في مقالاتهم. خشي آخرون السجن بسبب التعبير عن معارضتهم واحتجاجهم على الحرب، وهناك من أدرك أن حياته السابقة ووسائل عيشه لم تعد متاحة.
قال أرتور الذي عمل سابقًا في مجال الفن: “لأول مرة في حياتي لا أرى مستقبلا في روسيا”. وفي الواقع، لا يعرف الصديقان ما إذا كانا سيقيمان في إسطنبول لمدة ثلاثة أسابيع أو ثلاث سنوات. أعرب فسيفولود عن استيائه قائلا “لا يمكن التنبؤ بالأمور في الوقت الحالي، لا يمكننا رؤية المستقبل. كل الاحتمالات واردة في الوقت الحالي – بعد التفكير مليا أيقنا أنه لا يمكننا البقاء في البلاد”.
في خطاب ألقاه مؤخرًا، هاجم فلاديمير بوتين الليبراليين والطبقة العليا في روسيا ووصفهم بأنهم “خونة الوطن” الذين يملكون “فيلات في ميامي أو الريفيرا الفرنسية ولا يمكنهم البقاء دون تناول فطائر فوا غرا أو المحار أو ممارسة حريتهم الجنسية، كما يسمّونها”. سخر الرئيس الروسي مما أسماه “عقلية الاستعباد”، متهما هذه الفئة بأنهم “متأثرون للغاية بالغرب ولا يمتون بصلة للروس والبلاد ككل”.
بينما دفع القمع السياسي بعض الروس إلى اللجوء إلى إسطنبول، جعلت العقوبات الدولية العقارات على الساحل الجنوبي لتركيا جذابة للأثرياء الروس
تمكن الكثير من الروس الذين يعيشون في المنفى بسرعة من ترسيخ معارضتهم للحكومة. في هذا السياق، نظم مغني الراب الروسي أوكسيميرون حفلة خيرية في إسطنبول بعنوان “الروس ضد الحرب” بيعت جميع تذاكرها بمجرد طرحها.
أوضح أرسين، وهو مصور أزياء راقية سابق فرّ من البلاد بعد فترة وجيزة من تجنب الاعتقال في مظاهرة بموسكو: “هنا على الأقل أو في أي مكان آخر في العالم، يمكننا الاحتجاج أكثر من الداخل”. وطلب حجب اسم عائلته لحماية أقاربه الذين ما زالوا في روسيا.
شعر أرسين أنه ليس لديه خيار سوى المغادرة وهو يحاول الآن العيش بسلام في ملاذه الجديد في إسطنبول. وهو يعتقد أنه “إذا واصلنا المشاركة في الحياة في روسيا، فلن تتغير الأمور أبدًا، لا في روسيا ولا هنا، ولا بالنسبة للأشخاص الذين غادروا. من المهم محاولة إقامة حياة جديدة في مكان آخر. قد نكون قادرين على كسب المال في موسكو، لكنني لا أريد أن يكبر أطفالي في مجتمع كهذا”.
تسبب تدفق الكثير من الروس إلى جورجيا، التي كانت في السابق جزءًا من الاتحاد السوفيتي، في تزايد التوترات حيث رفع العديد من المواطنين عريضة يطالبون فيها الحكومة بإنهاء دخول الروس دون تأشيرة. قال أرسين “في الوقت الذي وصلت فيه إلى إسطنبول، أرسل لي أصدقائي في تبليسي رسائل يخبرونني فيها بعدم الذهاب إليهم. إن الناس بالفعل خائفون من عدد الروس الذين انتقلوا إلى هناك. إنهم يتذكرون سياسة الترحيل التي اتبعها النظام الروسي هناك، وكيف جعل أجيالا تعيش في بلد أجنبي ليقرر بعد ذلك غزو تلك البلاد متذرعًا بحماية الروس”. وأضاف “لقد غادرنا البلاد دون رجعة، وما دام النظام القائم في روسيا باقيًا فلن يتغير شيء”.
نوه هوكر “لا نريد الانخراط سياسيًا في أي جهود، نريد فقط مساعدة الناس. إذا كان أحدهم مثيرا لارتياب والقلق، فنحن لا نقبله؛ مشددًا على أن تركيا تبذل قصارى جهدها في هذا الشأن”.
بينما دفع القمع السياسي بعض الروس إلى اللجوء إلى إسطنبول، جعلت العقوبات الدولية العقارات على الساحل الجنوبي لتركيا جذابة للأثرياء الروس. في بداية شهر آذار/ مارس، صرّح مولود جاويش أوغلو لقناة “خبر تورك” المحلية: “ليس لدينا نية للانضمام إلى هذه العقوبات”. وأضاف وزير الخارجية: “لا يمكننا تحمل تداعيات الانحياز إلى أي طرف في هذا النزاع”.
لطالما كان الأوكرانيون والروس من الغالبية العظمى للسياح في تركيا. زار حوالي 4.7 مليون روسي تركيا السنة الماضية، وهو ما يعادل 20 بالمئة من إجمالي الوافدين. لهذا السبب، أنشأت تركيا برنامج “التأشيرة الذهبية” منذ أوائل سنة 2017 الذي يُتيح للمواطنين الأجانب الحصول على الجنسية في غضون بضعة أشهر فقط بعد استثمار عقاري بقيمة 250 ألف دولار (190 ألف جنيه إسترليني). أوضح آران هوكر، مالك شركة تسهل معاملات الجنسية التركية عن طريق برنامج الاستثمار تدعي أنها رائدة فيما أسماه “هجرة الاستثمار، أي تسهيل الإقامات وجوازات السفر لأصحاب الثروات الهائلة، أنه “شهد زيادة هائلة في الطلبات المقدمة من المواطنين الروس منذ بدء غزو أوكرانيا”.
وأضاف هوكر “بمجرد أن بدأت الحرب وفُرضت العقوبات، سارعوا إلى إغلاق الحسابات المصرفية وبطاقات الائتمان”، واصفًا اللحظة التي ارتفعت فيها طلبات الحصول على التأشيرات الذهبية بشكل حاد. كانت العقارات في مدينة أنطاليا جنوب تركيا تجذب الروس والعراقيين والإيرانيين الذين يتطلعون إلى استثمار الأموال في الخارج، بينما أشارت وسائل الإعلام المحلية إلى ارتفاع أسعار الإيجارات والمبيعات بعد قدوم موجة المشترين الروس.
قد تواجه مبيعات العقارات التركية تدقيقًا من وزارة العدل الأمريكية التي أطلقت مؤخرًا فرقة العمل “كليبتوكابتشر” التي تهدف إلى تعقب جهود الأوليغارشية الروس لالتفاف حول العقوبات أو غسل الأموال الفاسدة، بما في ذلك من خلال شراء العقارات. والجدير بالذكر أن المسؤولين الأتراك لم يردوا على طلبات التعليق بشأن هذه المسألة.
نوه هوكر “لا نريد الانخراط سياسيًا في أي جهود، نريد فقط مساعدة الناس. إذا كان أحدهم مثيرا لارتياب والقلق، فنحن لا نقبله؛ مشددًا على أن تركيا تبذل قصارى جهدها في هذا الشأن”.
المصدر: الغارديان