بعد أيام من انعقاد القمة الثلاثية في مدينة شرم الشيخ المصرية بين الإمارات ومصر و”إسرائيل”، استضافت مدينة العقبة الأردنية، أمس الجمعة، قمة عربية رباعية جمعت قادة الأردن ومصر والعراق والإمارات، وتأتي هذه الاجتماعات في إطار حراك إقليمي بالتوازي مع أزمة عالمية على أصعدة مختلفة خلقها الغزو الروسي لأوكرانيا المستمر منذ أزيد من شهر.
ترى بعض دول المنطقة أنه حان الأوان لتشكيل تحالف جديد يواجه المخاطر المحيطة بها، خاصة في ظل تأزم العلاقات بين عواصم بعض الدول وواشنطن وتعاظم النفوذ الإيراني الذي بات خطرًا واقعًا على المنطقة، على أن هذه التحركات تأتي عبر قنوات غير نظيفة مثل التطبيع مع “إسرائيل” وتعويم نظام بشار الأسد.
تحركات إقليمية
بدأت سلسلة هذه اللقاءات بعد الزيارة التي قام بها رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى الإمارات، في خطوة اعتبرت تتويجًا للحركة التطبيعية التي تقودها الإمارات مع دمشق بعد 11 سنة من انتفاضة السوريين على حكم الأسد، وبحسب البيانات الرسمية فإن زيارة بشار ولقاءه بحكام الإمارات “تأتي في إطار الحرص المشترك على مواصلة التشاور والتنسيق بين الجانبين بشأن مختلف القضايا”.
تعتبر زيارة الأسد إلى الإمارات مرتبطة بما تبعها من اجتماعات للدول، فالأسد هو حليف إيران الأقوى في المنطقة وكذا فإن أبو ظبي تعتبر أن إعادة العلاقات معه سيكون لها “تأثير على إضعاف دور إيران في المنطقة”، وهو ما يعتبره كثيرون طرحًا غير واقعي، فالأسد لم يعد يتحكم بالكثير من مفاصل الدولة وباتت طهران هي المتحكم الأقوى في الكثير من مؤسسات النظام.
في الاجتماع الذي عقد بشرم الشيخ وضم محمد بن زايد والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونفتالي بينيت، جرى بحث “تداعيات التطورات العالمية، خاصة ما يتعلق بالطاقة واستقرار الأسواق والأمن الغذائي”، كما تطرق الاجتماع إلى الملف النووي الإيراني والتوجس الإسرائيلي من اقتراب توقيع الاتفاق النووي الجديد مع إيران، وناقش أيضًا علاقات العواصم الثلاثة بواشنطن.
صحيفة “فايننشيال تايمز” نشرت مقالًا للمحلل السياسي ديفيد غاردنر قال فيه إن أعداء إيران في منطقة الشرق الأوسط جمعوا صفوفهم تحسبًا لشطب الحرس الثوري الإيراني من قائمة الجماعات الإرهابية الأجنبية، وهو منظور يثير قلق الدول المعادية لإيران، وأشارت الصحيفة إلى أن جهود إحياء الاتفاقية النووية المعروفة بـ”اتفاقية العمل المشتركة الشاملة” التي وقعتها الولايات المتحدة إلى جانب خمس قوى أخرى عام 2015 مع إيران تواجه مأزقًا جديدًا.
إضافة إلى ذلك، وفي سياق بحث الموضوع الإيراني، أفادت صحف عبرية أن رئيس الوزراء بينيت دفع خلال المباحثات باتجاه إعادة نظام الأسد إلى مقعده بالجامعة العربية، وقالت: “إسرائيل ترى بشار الأسد قائدًا غير شرعي، إلا أنها ترى فيه مصلحة للكيان الإسرائيلي”، وتدعم تل أبيب خطوة التطبيع العربي مع الأسد لأنها تأمل من خلالها “تحقيق مصلحة أكبر من نظام الأسد، وذلك بانسحاب الميلشيات الإيرانية الموجودة في سوريا، بالتنسيق مع الإمارات”.
إلى ذلك تحاول الإمارات جاهدة من خلال عقد هذه اللقاءات أن تعيد توسيع نفوذها في المنطقة، خاصة بعد وصول الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى السلطة وتوتر العلاقات بين البلدين الذي ازداد مؤخرًا لأن موقفهما لم يكن متسقًا بخصوص الغزو الروسي لأوكرانيا، حيث ترفض واشنطن هذا الغزو وبدأت بفرض عقوبات كبيرة على موسكو وترسل السلاح إلى أوكرانيا، فيما تعمل أبو ظبي بسياسة تحفظ فيها علاقاتها مع شريكتها روسيا، وكان واضحًا مما جرى في الاتصال بين ابن زايد والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حيث دعم ولي عهد أبو ظبي بوتين بتحركاته.
تبع لقاء قمة شرم الشيخ، لقاء قمة عربي ضم كل من عبد الفتاح السيسي ومحمد بن زايد ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي بضيافة العاهل الأردني عبد الله الثاني، وبحسب البيانات الصادرة عن هذه القمة فإنها بحثت “عددًا من قضايا المنطقة والموضوعات ذات الاهتمام المشترك”، وبالأكيد فإن موضوع الخطر الإيراني كان حاضرًا على الطاولة، إذ إن أبو ظبي تجعل هذا الملف أساسًا لكل تحركاتها، بالإضافة إلى بحث التطبيع مع النظام السوري ومحاولة إعادة تدويره.
هذه هي المرة الأولى التي ينضم بها محمد بن زايد إلى هذه القمة التي عقدت عدة مرات، بحضور مصر والأردن والعراق، وبحثت مشروع “الشام الجديد” المشترك بين مصر والأردن والعراق الذي يتمحور حول التعاون في مجالات اقتصادية واستثمارية بين الدول الثلاثة، وكانت هذه القمة قد عقدت من قبل مرة في مصر وأخرى في عمان، وآخرها كان في بغداد في يونيو/حزيران من العام الماضي.
لن تتوقف الاجتماعات عند هذا الحد، فقد عزمت تل أبيب أمرها على أن توسع وجودها وتعمل على تحالفات جديدة خاصة بعد خطوات واشنطن الأخيرة من أجل إنجاز اتفاق جديد مع طهران، وفي السياق سيجري اجتماع خماسي في تل أبيب بين وزراء خارجية “إسرائيل” والمغرب والإمارات والبحرين والولايات المتحدة، بهدف “البحث عن سبل مواجهة إيران والإرهاب السني”، وقال الرئيس السابق للدائرة السياسية والأمنية في وزارة الأمن الإسرائيلية عاموس جلعاد، إن اللقاء يعبّر عن اتساع دائرة التعاون الأمني والإستراتيجي بين “إسرائيل” والدول العربية، وهو ما يضاعف القوة الإسرائيلية ويعزز مكانتها.
بدوره يرى معلق الشؤون العربية في قناة “كان” غال بيرغر، أن اللقاء الخماسي سيكون مناسبةً لعقد “صلح بين الإمارات والولايات المتحدة، على خلفية خيبة الأمل الإماراتية من السلوك الأمريكي، بسبب التوجه للعودة للاتفاق النووي، وضمن ذلك الاستعداد لإخراج الحرس الثوري من قائمة التنظيمات الإرهابية”.
حلف إقليمي
عام 2018، نقلت وسائل الإعلام أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تسعى لإعداد خطّة لإنشاء قوة عسكرية عربية مشتركة، تحت مسمى “تحالف إستراتيجي شرق أوسطي” أو ما يسمى بـ”الناتو العربي”، ووضعت واشنطن مهمة هذا التحالف لمحاربة “أطماع إيران وتدخلاتها في المنطقة العربية”، وكذلك لمواجهة “الإسلام المتطرف”، وكانت الفكرة تقضي بأن يضم هذا الحلف الولايات المتحدة الأمريكية والدول الخليجية بالإضافة إلى الأردن ومصر، وكان من المفترض أن يرى هذا التشكيل النور في 2019، وتبع ذلك إجراء مناورات عسكرية هي الأولى من نوعها لجيوش الدول العربية المذكورة في مصر.
لكن تل أبيب لم تكن ترى فرصًا لنجاح هكذا حلف نظرًا للظروف القائمة حينها، خاصة أن اتفاقيات التطبيع لم تكن قائمة، وكانت الدول العربية ما زالت ترفض مشاركة تل أبيب في أي تحركات، لكن توقيع اتفاقيات التطبيع بين بعض الدول العربية مثل الإمارات والبحرين والسودان و”إسرائيل” المعروفة باسم “اتفاقيات أبراهام”، واجتماع هذه الدول بـ”العداء المشترك” لإيران جعل فكرة إقامة تحالف شرق أوسطي قائمة.
وفعليًا بدأت تل أبيب تحركاتها لوضع حجر أساس هكذا تحالف، خاصة بعد أن فُتحت أبواب الدول العربية لها وباتت محل ثقة خصوصًا في موضوع “مواجهة إيران”، يذكر أن رئيس الوزراء الإسرائيلي زار الإمارات والبحرين في الشهور الماضية إضافة إلى مشاركته في قمة شرم الشيخ الأخيرة، وقد أعلنت تل أبيب أنها وقعت أول اتفاقية دفاعية مع دولة عربية وهي البحرين، ما يعتبر اختراقًا كبيرًا في مسيرة العلاقات.
بدوره تحدث الإعلام العبري عن هذا التحالف، فقد وصفت صحيفة “هآرتس” قمة شرم الشيخ الثلاثية، بأنها “جزء من محاولة خلق تحالف بين دول كانت متخاصمة في السابق، بينها مصر والأردن ودول الخليج وتركيا و”إسرائيل”، بدعم أمريكي، خاصة ضد إيران”، يذكر أن بينيت تحدث علانيةً عن تكتل إقليمي جديد بين “إسرائيل” ودول عربية ضد التهديدات المشتركة.
أين السعودية؟
لم تغب السعودية عن اللقاءات التي ذكرناها آنفًا، لكنها إلى الآن ما زالت تراوح في مكانها بالنسبة لعلاقاتها مع “إسرائيل”، كما أنها لا تتماشى مع الرؤية الإماراتية بخصوص العلاقة مع النظام السوري، فما زالت ترفض إعادة العلاقات معه، وترى مصادر أن ابن زايد “يسعى لإقناع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بخطواته الأخيرة من خلال بوابة الضغوط الإيرانية في المنطقة، لدفع الرياض لدعم تحركاته”.
حضرت السعودية في قمة العقبة بمستوى تمثيل منخفض، إذ شارك وزير الدولة السعودي الأمير تركي بن محمد بن فهد بن عبد العزيز في هذه المباحثات، وأشارت المصادر إلى أن الأمير السعودي انضم إلى القمة الثلاثية في شرم الشيخ، كما أن الموقف السعودي بات أكثر انفتاحًا للعلاقة مع تل أبيب ويتبين ذلك من لهجة المسؤولين السعوديين وعلى رأسهم محمد بن سلمان الذي قال بخصوص العلاقات بين بلاده و”إسرائيل”: “لا ننظر لإسرائيل كعدو، بل كحليف محتمل في العديد من المصالح التي يمكن أن نسعى لتحقيقها معًا، لكن يجب أن تحل بعض القضايا قبل الوصول إلى ذلك”.
وعلى الرغم من العلاقات المتوترة بين الإمارات والسعودية بشأن عدة قضايا أهمها صراع النفوذ في الخليج، فإن تراجع الدعم الأمريكي يفرض على الرياض بشكل مباشر أو غير مباشر أن تساهم في التحالفات الجارية في المنطقة، كذا فإن الهجوم الحوثي المستمر على السعودية قد يدفع الرياض لتسريع خطواتها للانخراط في التحالفات الجارية حتى لو كانت مع تل أبيب وذلك لدفع الخطر الإيراني المستمر في التصاعد.
بالمحصلة، تستغل تل أبيب ضعف دول المنطقة أمام الخطر الإيراني للتغلغل أكثر فأكثر، ومع تخوفات هذه الدول من تراجع الدعم الأمريكي يبدو أنها ستسرع العمل على إنجاز تحالف تحت عناوين “حفظ أمن المنطقة” حتى لو كان ذلك التحالف مع عدو العرب “إسرائيل” على حساب القضايا العربية التي باتت طي النسيان.