أعلنت جماعة الحوثي، السبت 26 مارس/آذار 2022، عن هدنة لمدة ثلاثة أيام من جانب واحد، متضمنة مبادرة جديدة قالت إنها تهدف لوقف الحرب كليًا في اليمن، ردًا على دعوة دول مجلس التعاون الخليجي لمشاورات يمنية – يمنية في الرياض خلال الفترة بين 29 مارس/آذار و7 أبريل/نيسان 2022.
دعت المبادرة الحوثية، السعودية (لم تتحدث عن التحالف)، إلى وقف دعمها للحكومة اليمنية الشرعية والمكونات السياسية وتسليم البلاد لها ووقف الغارات الجوية بشكل نهائي وثابت ودائم، مقابل أن يعلق الحوثيون الضربات الصاروخية والطيران المسيّر وكل الأعمال العسكرية ضد المملكة برًا وبحرًا وجوًا لمدة ثلاثة أيام، وفقًا لما جاء في خطاب مهدي المشاط رئيس المجلس السياسي للحوثيين المنشور في وكالة سبأ التابعة لهم.
وقال الحوثيون إن مبادراتهم تشمل وقف الهجمات على محافظة مأرب (بعد عام كامل من القتال العنيف على أسوارها، والفشل في إسقاط عاصمتها)، غير أنها أعادت مبادرة أعلنتها في يونيو/حزيران 2021، وقوبلت بالرفض التام من أبناء مأرب والحكومة الشرعية وتجاهلها التحالف العربي.
وتدعو مبادرة مأرب الحوثية، إلى تشكيل قيادة وقوات أمنية ولجان فنية مشتركة للمحافظة، كما تشترط الحصول على حِصَص من النفط والغاز، إلى جانب إعادة تشغيل أنبوب التصدير من مأرب باتجاه ميناء رأس عيسى على البحر الأحمر غربًا الخاضع لسيطرتها، وإتاحة المجال أمام عناصر الجماعة للتنقُّل من وإلى المحافظة، مع إطلاق الأسرى الموالين لها في سجون الحكومة الشرعية.
ويقصد الحوثيون بالمشتركة، أن تكون مناصفةً بين أبناء قبائل مأرب وأبناء صعدة، معقل الحركة الحوثية المدعومة من إيران، وتجاهلت الشرعية تمامًا في أي من مبادراتها واعتبرتهم عبارة عن مليشيا ومرتزقة للخارج.
وقال الحوثيون إنهم ينتظرون الرد الإيجابي على هذه المبادرة، التي تعد شروطًا مذلة للشرعية اليمنية والتحالف العربي، وفقًا لمراقبين سياسيين.
دعت المبادرة إلى ما وصفته “الانفتاح” على مطالب الحوثيين التي اعتبروها “محقة ورؤى منصفة”
إضافة إلى ذلك، أعلنت الجماعة استعدادها التام للإفراج عن جميع الأسرى بما فيهم شقيق هادي وأسرى كما وصفتهم (المليشيات المحلية وكل الأسرى من الجنسيات المتوافرة) مقابل الإفراج الكامل عن أسراها كافة، داعية المبعوث الأممي إلى ترتيب الإجراءات وتيسير تبادل الكشوفات والاتفاقات التنفيذية دفعة كاملة أو على دفعات وبما يضمن الإفراج الكلي عن جميع الأسرى من الجانبين.
ودعت المبادرة إلى ما وصفته “الانفتاح” على مطالب الحوثيين، التي اعتبروها “محقة ورؤى منصفة”، مهددة في حالة عدم الاستجابة لذلك، بالمفاجآت والتحولات وبالأعمال الدفاعية النوعية.
قراءة في المبادرة
بالنظر إلى مبادرة الحوثيين 2022، فإنها لا تختلف عن المبادرات السابقة التي قدمها مهدي المشاط في سبتمبر/أيلول 2019، و2020 ويونيو/حزيران 2021، التي كانت جميعها ردًا على مبادرات سعودية وأممية وعمانية تهدف إلى وقف الحرب وإحلال سلام عادل ومنصف لكل أبناء اليمن، التي تسعى من خلالها لفرض شروطها على التحالف العربي لشرعنة انقلابها والحصول على اعتراف بتقديم نفسها كطرف مقابل للتحالف العربي بعيدًا عن الحكومة المعترف بها دوليًا والأطراف اليمنية المناهضة للجماعة، فضلًا عن إفشال تلك المبادرات.
ما أعلنه الحوثيون لا يبدو كمبادرة بقدر ما هي مفردة دعائية في تصميمها ومضمونها أيضًا، وتبدو كما لو أنها رد على مبادرة دول مجلس التعاون الخليجي، كعادتها في مقابلة مبادرات السلام بمبادرة كتلك التي أعلنها الحوثيون في يونيو/حزيران 2021 ردًا على مبادرة وزارة الخارجية السعودية التي أعلنتها في مارس/آذار 2021.
يريد الحوثيون أن يغطوا تصعيدهم ومحاولة امتصاص رد الفعل السعودي والدولي بعد هجمات “الجمعة”، إضافة إلى الهدف الرئيسي من هذه المبادرة وهو الإيحاء بأن الجماعة تملك زمام المبادرة من موقع قوة، وهو تجسيد لمنهجية الحوثيين الدائمة (الفعل العسكري أولًا ثم السياسي كغطاء) على عكس التحالف والشرعية!
وأراد الحوثي باختيار توقيت إعلان هذه المبادرة (بعد تنفيذ عمليات ضد مصادر الطاقة في المملكة العربية السعودية التي أدانها العالم) أن يضرب عصفورين بحجر، أولًا أن يكون مسكنًا لما يعتقده “رعب السعودية”، وخُيل له أنها ستقبل سريعًا هذا العرض لوقف استهدافها وعصب اقتصادها، ما قد يمثل نصرًا كبيرًا لإيران على المملكة العربية السعودية في اليمن.
والأمر الآخر، أنه ونتيجة لما يمر به الاقتصاد العالمي من ترنح بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، ستحظى المبادرة الحوثية بتأييد دولي وتعاطف معه، ويتجه العالم للضغط على المملكة العربية السعودية للتعامل بجدية مع هذه المبادرة، على اعتبار أن العالم لا يريد أن تتفاقم أزمة الطاقة.
إظهار السعودية بالضعف
تسعى إيران أن تظهر المملكة العربية السعودية والتحالف العربي عمومًا بالفشل أمام أذرعها في المنطقة، وتريد أن تقدم نفسها على أنها الدولة الكبيرة وصاحبة الحق في السيطرة على المنطقة، لقطع المحاولات الإسرائيلية التي تسعى أن تحل محل الولايات المتحدة الأمريكية المتوارية عن حلفائها وخذلانها لهم، فجاءت المبادرة الحوثية بالتزامن مع حديث وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، بأن السعودية طالبت إيران رسميًا بالتدخل لدى الحوثيين لوقف الحرب.
الحديث الإيراني والهجوم ومن ثم المبادرة الحوثية، يظهرون التحالف العربي عاجزًا وضعيفًا، وهي إستراتيجية سعت إليها طهران بهدف استكمال سيطرتها على الدولة اليمنية
تريد طهران من خلال حديث وزير الخارجية الإيراني والهجمات الحوثية على المملكة العربية السعودية، وأعقبوها بمبادرة مذلة للتحالف العربي، شرعنة ما يقوم به الحوثيون والاعتراف بمزعوم حقهم الإلهي في حكم اليمن وتمكينهم من القضاء على المقاومة لمشروعهم الإيراني الهادف للتوسع في الدول العربية.
الحديث الإيراني والهجوم ومن ثم المبادرة الحوثية، يظهرون التحالف العربي عاجزًا وضعيفًا، وهي إستراتيجية سعت إليها طهران بهدف استكمال سيطرتها على الدولة اليمنية، ووضع قاعدة جديدة استعدادًا لإسقاط الدولة الخامسة (أعلنت إيران في 2015 أنها سيطرت على 4 عواصم عربية)، التي ربما قد تكون المملكة العربية السعودية، لكون أبجديات الحوثي تشير إلى أهمية العودة إلى موطنهم الأصلي مكة المكرمة، وحكم العالم الإسلامي من هناك.
هل تقبل السعودية؟
رغم أن المملكة العربية السعودية تسعى لوقف الحرب بأي وسيلة، لا يبدو أن ثمن هزيمتها أو استسلامها موضوع في حساباتها، وقد تعودت من الرد الحوثي المستمر على المبادرات الدولية بمبادرة تعجيزية تظهر عدم نية الحوثي للسلام، وهو ما قد يشجع المملكة على إعادة إستراتيجيتها في التحالف مع المكونات السياسية اليمنية.
قد تتجاهل المملكة العربية السعودية هذه المبادرة أو الشروط الحوثية وتمضي قدمًا في دعم المكونات السياسية اليمنية التي من المقرر أن تعقد مشاورات في الرياض خلال الفترة 29 مارس/آذار وحتى 7 أبريل/نيسان 2022، في توحيد صفها والضغط على تأجيل كل الخلافات السياسية بينهما، بهدف إيجاد مخارج للحرب في اليمن.
رغم أن الدعوات لم تشمل الجميع وتركزت على نشطاء في وسائل التواصل الاجتماعي وعدد قليل من الإعلاميين وعسكريين، خلال الأعمال التحضيرية للمشاورات اليمنية، فإنها قد تخرج برؤية ربما قد تكون أكثر صرامة مع مختلف المكونات السياسية اليمنية، في سبيل توحيد الصف اليمني لمواجهة المشروع الإيراني في المنطقة لا سيما ذراعهم في اليمن.
لكن قد تجد صعوبة في ترويج ذلك إلى عموم الشعب اليمني، نتيجة مقاطعة وسائل الإعلام اليمنية لتلك المشاورات بسبب تجاهلهم من المعنيين بتوجيه الدعوات والاكتفاء بلقاء نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي (لا تأثير لهم)، بدلًا من الإعلاميين، ما قد يخلق معارضة كبيرة خلال الفترة القادمة أو صعوبة في إيصال الهدف الأسمى لشريحة الشعب وتوعيتهم بعدم الاستجابة لدعوات الحوثي للتحشيد للقتال مهم.
ورغم ذلك، فمن الأهمية أن يعيد التحالف العربي إستراتيجيته في اليمن بالطريقة الصحيحة، التي تمكنه من إنهاء الحرب سريعًا وبأقل التكاليف، وبما يحقق أهداف التحالف والقرارات الدولية، لا سيما القرار الأخير 2624 الذي اعتبر الحوثي جماعة إرهابية.
ليس من الصعوبة هزيمة الحوثي ومن ثم إعلان السلام العادل والمستدام وإعادة اليمن إلى وضعه الطبيعي، لكن الصعوبة في كيفية إعادة لُحْمَة اليمنيين وتوحيد صفوفهم
تتمكن تلك الإستراتجية من إعادة تقييم الحكومة اليمنية والجيش والإعلام، وأسباب فشلهم خلال الفترة الماضية، ومن ثم العمل على إشراك كل المكونات السياسية في عملية إنقاذ اليمن ووقف الحرب (إعلامية أو عسكرية أو ثقافية أو اقتصادية) وكل في مجال اختصاصه، والاستفادة من مشاورات الرياض وتوحيد الصف، بهدف إعادة البوصلة نحو الهدف الرئيسي وهو وقف التمدد الإيراني.
خلاصة
ما أعلنه الحوثيون، ليس مبادرة لوقف الحرب، وإنما هي شروط أعلنت منذ بداية الحرب وليس فيها ما يستحق النقاش، ما يعني أن الحوثيين مستمرون في رفض كل المبادرات، آخرها مبادرة مجلس التعاون الخليجي التي تهدف لجمع اليمنيين على مائدة السلام ووضع حد لسبع سنوات من الحرب والاقتتال.
ففي مبادرة الحوثيين الأخيرة، اعتبروا أن المكونات السياسية اليمنية عبارة عن مليشيا ومرتزقة، وهي نظرتهم الحقيقية لأبناء الشعب اليمني، وذلك يشير إلى أن السلام في اليمن بعيد ولن تتوقف الحرب ما لم يتم إعادة قراءة الملف اليمني بشكل كامل وإعادة ترتيب الأوراق بهدف إجبار الحوثي على السلام بالطريقة التي يفهمها.
وعلى المملكة العربية السعودية أن تتجاهل خطاب الحوثي الذي يبدو أمام أنصاره كـ”خطاب النصر”، وتعمل بجدية على الاستماع لمطالب المكونات السياسية اليمنية ودراسة أسباب فشل الحل العسكري طيلة السبع سنوات الماضية، رغم سهولة الانتصار على الحوثي، وفقًا لتجارب الساحل الغربي والحديدة ومحافظة شبوة وأخيرًا مديرية حريب في مأرب.
ليس من الصعوبة هزيمة الحوثي ومن ثم إعلان السلام العادل والمستدام وإعادة اليمن إلى وضعه الطبيعي، لكن الصعوبة في كيفية إعادة لُحْمَة اليمنيين وتوحيد صفوفهم، ولعل استمرار الحوثي في وضع شروطه ودعوة اليمنيين والعرب للاستسلام لمشروعه، قد تكون سببًا في صحوة المجتمع اليمني بدعم جيرانه لإعادة توجيه البوصلة وهزيمة الحوثيين وإعلان السلام.