ترجمة حفصة جودة
كتب مارتين شولوف وجوانا بارتريدج
على مدرج إقلاع مطار دبي، وفي منتصف طريق مدرجها الرئيسي، انتعشت أعمال إحدى المحطات الصغيرة هذا الشهر، فقد حملت الطائرات عشرات الروس، كثير منهم من الشخصيات الثرية من دائرة فلاديمير بوتين المقربة.
بعد ترحيب قصير في قاعة كبار الشخصيات ثم الانطلاق في سيارات الليموزين، دخل الأوليغارش عالمًا لا يهتم بغزو موسكو لأوكرانيا ولا يحاول معاقبة بوتين، لكنه بدلًا من ذلك يحتضن طواعية من يقومون بهذا الغزو.
يلقى الأوليغارش وأثرياء الروس الآخرون ترحيبًا في دبي أكثر من أي مكان آخر في العالم، إضافة إلى ثرواتهم التي تتدفق إلى الإمارات بكميات غير مسبوقة وغالبًا بوسائل سرية.
لم تتبع الإمارات الحكومات الغربية في فرض العقوبات انتقامًا من غزو أوكرانيا، وتشير التقارير إلى ازدياد الطلب على المنازل والسيارات الرياضية والمراسي الخاصة من المصرفيين ووكلاء العقارات وتجار السيارات مع استقرار التدفق في تلك المملكة الغنية بالنفط التي خططت لمسارها مع بوتين دون أن تخشى فضح التوترات مع الولايات المتحدة جراء قيامها بذلك.
أُجريت معظم المعاملات من بيع عقارات النخبة لعقود الإيجار باستخدام العملات الرقمية، لكن بعض التحويلات جاءت مباشرة من كيانات مالية روسية مرتبطة بالمليارديرات الخاضعين للعقوبات وفقًا لما قاله مصدر استخباري إقليمي، هذه الخطوة تقوض العقوبات التي فرضتها أمريكا والاتحاد الأوروبي على حلفاء القادة الروس وتمثل إغراءً قويًا لرجال الأعمال الروس الذين يخشون نفس المصير.
بينما تستمر الرحلات الجوية للأوليغارش بين موسكو ودبي، فإن الرحلات التجارية مستمرة كذلك، ولا إشارة إلى تباطؤ تدفق المال بين المدينتين
أبلغ وكلاء العقارات في دبي عن واحدة من أكبر الأسواق الصاعدة على الإطلاق حيث يتهافت المستثمرون الروس على شقق غير مرئية إما بشرائها وإما بدفع إيجار عام مقدمًا، يقول آلان بينتو، مستشار تأجير في شركة “Espace Real Estate” بمرسى دبي: “الأمر لا يُصدق، يشتري عدد كبير من المستثمرين الروس وحدات سكنية، كما استقبلنا عددًا ضخمًا من مكالمات المستأجرين، إنهم يحولون الأموال باستخدام العملات المشفرة، لديهم وسطاء يفعلون ذلك من أجلهم ثم يُحول المال لملاك الوحدات”.
انتشرت الشائعات بين سماسرة دبي عن وجود الملياردير ومالك نادي تشيلسي السابق رومان أبراموفيتش في السوق بحثًا عن قاعدة فاخرة على شاطئ المدينة، فإحدى طائراته تزور القاعدة الجوية بانتظام بينما يرسو يخت له في مياه الخليج القريبة.
تخضع ممتلكات أبراموفيتش للتدقيق حول العالم بما في ذلك الموجودة في الإقليم الفرنسي سانت بارتيليمي بالبحر الكاريبي حيث يمتلك عددًا من المنازل الفاخرة في خليج جوفيرنيور بالقرب من مجمعات أخرى يملكها بعض الأوليغارش.
يُعتقد أنه موّل تحديثات رئيسية في المنشآت العامة هناك بما في ذلك الطرق ومواقف السيارات، فحاز تأييد السلطات المحلية، يقول أحد وكلاء العقارات الذي باع عقارين فارهين تصل قيمتهما إلى 20 مليون دولار لمستثمرين روس خلال الثلاثة أسابيع الماضية: “سيكون الوضع كذلك في دبي، إنهم يستطيعون التعامل مع السلطات المحلية ويجعلون من أنفسهم جيرانًا جيدين”.
يقول بينتو: “العديد من المستثمرين الجدد سريون، فهم لا يشترون مباشرةً أبدًا، لكنهم يستخدمون شركات للقيام بذلك”.
بينما تستمر الرحلات الجوية للأوليغارش بين موسكو ودبي، فإن الرحلات التجارية مستمرة كذلك، ولا إشارة إلى تباطؤ تدفق المال بين المدينتين، لا يوجد كذلك ردة فعل محلية للخطوة التي اتخذتها هيئة مراقبة الجرائم المالية “Financial Action Task Force” بوضع الإمارات في قائمتها الرمادية، ما يعني أن مصدر بعض الأموال في الإمارات يُعدّ غامضًا.
عُرفت الإمارات بين المصرفيين والوسطاء والمليارديرات بأنها بيئة مستقبلة للاستثمار ولا تطرح الكثير من الأسئلة، فمن الممكن الحصول على تصريح إقامة وحساب بنكي خلال 30 يومًا من تسجيل شركة، ومن الممكن الحصول على إقامة دائمة بشراء فيلا فاخرة بمبلغ 1.5 مليون دولار، ربما يسجل موظفو البنوك الرائدة في ذلك قريبًا.
كان بنك “غولدمان ساكس” من أوائل البنوك الأمريكية الذي يعلن إغلاق عمله في روسيا، ضم الفرع نحو 80 موظفًا في موسكو قبل الحرب، وانتقل نصفهم الآن إلى دبي، انتقل عدد صغير أيضًا من بنك “جي بي مورغان” من بين قوته العاملة البالغ عددها 160 رغم أن العديد من الموظفين ما زالوا في روسيا لإنهاء العمل هناك، من المفهوم أن سهولة الحصول على تأشيرة لدبي لعبت دورًا في اختيار الانتقال إلى هناك.
أعلن بنك “روتشيلد” الخاص عن قرار وحدة إدارة الثروات بالتوقف عن استقبال عملاء روس جدد، وقال أيضًا إنه سينقل بعض موظفيه في روسيا إلى الإمارات.
أعلنت حكومة الإمارات أنها تتخذ إجراءات معتبرة لتنظيم تدفق المال، لكن قبولها الثروة الروسية في الوقت الذي يخضع فيه القياصرة الماليون لبوتين لتدقيق عالمي يضع هذا الادعاء على المحك.
الأكثر انفتاحًا للتحدي علاقة الإمارات بواشنطن، فقادة الإمارات يقتربون من الصين التي تعد منافسًا جيوسياسيًا، كما أنها تظهر كمركز محتمل لنظام مالي بديل.
طُرح نظام الدفع الصيني عبر الحدود “Cips” كبديل للنظام “Swift” وهو تطور قد يغير من طبيعة التمويل العالمي ويخفف من تأثير العقوبات على روسيا، وبينما لا تبدو تلك الخطوة مرجحة على المدى القريب، فإن قادة الإمارات لم يخجلوا من إظهار استيائهم من الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي يعتقدون أنه ابتعد عن شراكة إستراتيجية طويلة المدى في الوقت الذي كان بوتين مستعدًا لاحتضانهم.
عاد التوهج إلى دبي، فشوارعها التي كانت هادئة في أثناء ذروة الجائحة تضج بهدير السيارات الرياضية، يقود بعضها السكان المحليون وبعضها يقوده الشباب الروسي
وسّعت حرب اليمن من هذا الصدع، ففي يناير/كانون الثاني ادعت قوات الحوثي مسؤوليتها عن هجوم بطائرات دون طيار على أبو ظبي الذي قتل 3 أشخاص وترك النيران مشتعلة في موقع لتخزين النفط.
قال أحد المغتربين في دبي والمطلع على الموقف الحكومي: “كانوا منزعجين تحديدًا مما يحدث في اليمن ومن حقيقة أنهم لم يتلقوا اتصالًا هاتفيًا من بايدن بعد تعرض أبو ظبي لهجوم الطائرات دون طيار وصواريخ الحوثيين”.
يقول جوليان بارنز ديسي رئيس برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: “يبدو ظاهريًا أن الإمارات تفكر في أنها تستطيع تجاوز العقوبات الأمريكية، لكن قد يكون مبكرًا للغاية استيعاب ما تعنيه بالفعل تلك العقوبات الغربية ضد روسيا”.
“من الصعب معرفة مدى توافق ذلك مع إدراك الإمارات المتحفظ، وإذا ما كانوا يسعون لإرسال رسالة إلى واشنطن تقول إنهم محبطون من موقف الولايات المتحدة بشكل مطلق وإنهم سعداء باتخاذ طريقهم الخاص”.
عاد التوهج إلى دبي، فشوارعها التي كانت هادئة في أثناء ذروة الجائحة تضج بهدير السيارات الرياضية، يقود بعضها السكان المحليون وبعضها يقوده الشباب الروسي.
يعلو ذلك كله أطول مبنى في العالم “برج خليفة” الذي يتألق كقلعة ديزني عملاقة مع كل أنواع العروض الضوئية، تلتقط أسرة روسية صورًا للبرج عند الغروب، يقول أحد الزوار لمضيفه الإماراتي: “سيضيء بالألوان الأحمر والأزرق والأبيض قريبًا”، في إشارة إلى ألوان العلم الروسي، فيرد مضيفه ضاحكًا “سأرتب لذلك”.
المصدر: الغارديان