بعد مرور أكثر من شهر على الحرب الروسية الأوكرانية، يبدو أن خطة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم تسر كما يريد لها، تتعلق أحد الجوانب الأكثر بروزًا للأحداث في أوكرانيا بالانتفاضة المفاجئة للآلاف أو حتى ملايين المواطنين العاديين، الذين تخلوا عن حياتهم العادية المملة وأحبائهم لحمل السلاح والدفاع عن الدولة الأم ببنادق هجومية من طراز “AK-47” وقنابل المولوتوف الحارقة محلية الصنع، وحتى بالركوع لصد الدبابات الروسية.
خلال هذه الفترة بدا أن المقاومة الأوكرانية كانت فوق توقعات الروس هذه المرة، الأمر الذي لم يختلف كثيرًا على مدار العقود الماضية، حيث يزخر تاريخ أوكرانيا في القرن العشرين بصفحات البطولة والنضال من أجل استعادة الاستقلال، وهو ما يثير الشكوك عن قدرة بوتين على تصحيح الخطأ التاريخي الذي وقع فيه مؤسس الاتحاد السوفيتي فلاديمير لينين، عندما تأسست الجمهورية الأوكرانية في أعقاب الحرب الأهلية التي تلت ثورة 1917.
النضال من أجل الاستقلال
حتى الحرب العالمية الأولى، اعتقد القوميون الأوكرانيون أنه يجب أن يتمتعوا بالحكم الذاتي داخل الإمبراطورية الروسية، وفي سبيل ذلك، خاضوا فترة من الصراع الحربي المستمر عُرفت بـ”حرب الاستقلال الأوكرانية”، في الفترة بين عامي 1917 و1921، وأسفرت عن إنشاء وتطوير جمهورية أوكرانيا.
مع انهيار الحكم القيصري في روسيا في فبراير/شباط 1917، تم الإعلان عن مجلس وطني في أوكرانيا بعد انهيار الإمبراطورية الروسية في كييف، وبعد تولي البلاشفة السلطة في موسكو، أعلنت جمهورية أوكرانيا الشعبية أو جمهورية أوكرانيا الوطنية الاستقلال في يناير/كانون الثاني 1918، بعد مقاومة يُنظر إليها على أنها حرب اندلعت بين جمهورية أوكرانيا الشعبية والبلاشفة.
استمرت حركة المقاومة الوطنية ضد الاحتلال الروسي البلشفي في العمل بأوكرانيا، وكان أشهر ممثليها متمردو “خلودني يار”، آخر إقليم واصل فيه الأوكرانيون القتال من أجل دولة أوكرانية مستقلة
بعد الحرب العالمية الأولى، ظهرت جمهورية أوكرانيا الشعبية المستقلة وجمهورية غرب أوكرانيا الشعبية التي دام حكمها لثلاثة أشهر على الأراضي الأوكرانية، وفي 22 يناير/كانون الثاني 1919، اندمجا في دولة واحدة متحدة، لكن لسوء الحظ، أدى عدم وجود اتفاق بين القيادة السياسية في ذلك الوقت إلى خسارة الحرب، وفقدت الدولة استقلالها، تاركة البلاد مقسمة مرة أخرى من بولندا وروسيا البلشفية.
لم يدم الاستقلال طويلًا لأن ساحة المعركة الرئيسية للحرب الأهلية في روسيا ما بعد الإمبراطورية كانت في أوكرانيا، حيث شاركت أربعة جيوش مختلفة في معارك: الحمر (البلاشفة) والبيض (أعداء الثورة) والأصفر والأزرق (القوميون الأوكرانيون) والخضر (الفلاحون الأناركيون)، وأسفرت الحرب الأهلية بأكملها عن مقتل 15 مليون شخص، وتهجير ما يقرب من مليون شخص هجرة شبه دائمة.
في النهاية، انقسمت أوكرانيا إلى قسمين مرة أخرى عام 1921، سقط الجزء الأكبر من غرب أوكرانيا تحت حكم بولندا المعاد تشكيلها، بينما سيطر الجيش الأحمر على المناطق الواقعة إلى الشرق – بما في ذلك كييف وأوديسا وخاركيف ودونيتسك – فيما أصبح يُعرف بالاتحاد السوفيتي، الذي ظل موجودًا حتى تفككه عام 1991.
كان البلاشفة ماركسيين يؤمنون بأن القومية كانت مجرد ظاهرة برجوازية ستختفي في نهاية المطاف في ظل الحكم الاشتراكي، لكن مؤسس الدولة السوفيتية فلاديمير لينين أدرك قوة القومية، أدَّى ذلك إلى اعتراف الاتحاد السوفيتي باللغة الأوكرانية كلغة منفصلة ومنح أوكرانيا صفة “دولة” رسمية على شكل جمهورية ضمن اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية.
ومع ذلك، استمرت حركة المقاومة الوطنية ضد الاحتلال الروسي البلشفي في العمل بأوكرانيا، وكان أشهر ممثليها متمردو “خلودني يار“، آخر إقليم واصل فيه الأوكرانيون القتال من أجل دولة أوكرانية مستقلة قبل دمج أوكرانيا في الاتحاد السوفيتي باسم جمهورية أوكرانيا الاشتراكية السوفيتية، وهكذا كانت جزءًا مهمًا من حرب الاستقلال الأوكرانية.
كانت جمهورية خلودني يار عبارة عن دولة نصَّبت نفسها بنفسها، وحركة حزبية على أراضي جمهورية أوكرانيا الشعبية، في منطقة تشيهيرين بمقاطعة كييف، كانت قرية ميلنيكي عاصمتها، ولديها جيش قوامه 15000 جندي يتكون من الفلاحين وجنود من جيش الجمهورية الوطنية الأوكرانية الذي هزمه الجيش الأبيض في بودوليا في وقت سابق، فقط من خلال القمع الوحشي والمجاعات الطبيعية، تمكن الكرملين من إخضاع الأوكرانيين لبعض الوقت.
خلال الحقبة السوفيتية، تم إسكات أو تشويه تاريخ مثل هذه الكيانات وشخصياتها المقاوِمة لأنه، وفقًا للعديد من الباحثين، يمكن أن يؤدي إلى زيادة المواقف غير المرغوب فيها من وجهة نظر السلطات في المجتمع.
جاءت نقطة التحول الرئيسية في علاقة أوكرانيا مع موسكو أواخر العشرينيات وأوائل الثلاثينيات من القرن الماضي، كان الاتحاد السوفيتي قد شرع في سياسة الزراعة الجماعية، وألغى الملكية الخاصة في المناطق الريفية، وشكَّل مكانها المزارع التي تسيطر عليها الدولة.
قاومت أوكرانيا، المعروفة باسم “سلة الخبز” للإمبراطورية الروسية بسبب أراضيها الزراعية الخصبة، المطالب المستحيلة للاستيلاء على الحبوب، وكان رد جوزيف ستالين، الذي حكم الاتحاد السوفيتي في ذلك الوقت، هو ربط هذه المقاومة بالتهديد القومي المناهض للسوفييت، ما أدَّى إلى تطهير النخبة الثقافية الأوكرانية بأكملها في أوكرانيا السوفيتية.
مهد هذا الطريق لمجاعة “هولودومور” بين عامي 1932-1933، التي أودت بحياة 4 ملايين أوكراني، لم تكن المجاعة طبيعية، بل كانت جريمة إبادة جماعية، وشهدت مناطق روسيا أيضًا مجاعة، لكن معدل الوفيات في أوكرانيا كان أعلى من ذلك بكثير.
دمرت المجاعة النسيج الاجتماعي للريف، وأدَّت عمليات التطهير عام 1937 – حيث قُتل ثلاثة أرباع مليون شخص في جميع أنحاء الاتحاد السوفيتي – إلى زيادة إرهاب أوكرانيا السوفيتية، تم استخراج رفات إحدى المقابر الجماعية العديدة في وقت لاحق في مقاطعة فينيتسا بوسط أوكرانيا.
المقاومة في زمن الحرب
بدأ ستالين وهتلر الحرب العالمية الثانية كحليفين فعليين ضد بولندا، ففي سبتمبر/أيلول 1939، اتفقا على تقسيم بولندا، وأن نصفها الشرقي يسيطر عليه الاتحاد السوفيتي مقابل سيطرة ألمانيا على غرب بولندا، لكن الحرب أخذت منعطفًا عام 1941، حيث تقدم النازيون إلى غرب بولندا المحتلة من الاتحاد السوفيتي ثم إلى جمهوريات الاتحاد السوفيتي عبر بيلاروسيا.
بحلول عام 1944، طهر السوفييت معظم بولندا وأوروبا الشرقية من القوات الألمانية، وأُضيفت تلك الأراضي البولندية (الأوكرانية الغربية) إلى أوكرانيا السوفيتية عام 1945، وكذلك بعض الأراضي من تشيكوسلوفاكيا، وتم نقل القرم إلى أوكرانيا بعد تسع سنوات، وبهذه الطريقة، شكَّل الاتحاد السوفيتي حدود أوكرانيا، تمامًا كما شكَّل حدود روسيا، وجميع الجمهوريات المكونة لها.
أدَّى ظلم السلام الذي تحقق فيما يتعلق بأوكرانيا وإضفاء الشرعية على الاحتلال السوفيتي للأراضي الأوكرانية إلى استمرار المقاومة المسلحة، التي استمرت حتى أوائل الستينيات
أتاح اندلاع الحرب العالمية الثانية فرصة جديدة لأوكرانيا، فبعد بدء غزو المحور للاتحاد السوفيتي في 30 يونيو/حزيران 1941، في لفيف، أُعلن استعادة استقلال الدولة الأوكرانية بمبادرة من تنظيم القوميين الأوكرانيين (OUN)، الذي ظهر كاتحاد بين المنظمة العسكرية الأوكرانية، ومجموعات اليمين المتطرف الأصغر، والقوميين الأوكرانيين والمفكرين اليمنيين، وعُين ياروسلاف ستيتسكو حليف قائد الحركة الوطنية في أوكرانيا ستيبان بانديرا رئيسًا للحكومة.
بينما كانت المنطقة تحت سيطرة ألمانيا النازية، انحازت منظمة القوميين الأوكرانيين إلى القوات الألمانية في أثناء غزو أوكرانيا الغربية، تلك المنطقة التي تم ضمها بعد تقسيم ألمانيا والاتحاد السوفيتي لبولندا وفقًا لاتفاقية “مولوتوف-ريبنتروب” السوفيتية الألمانية، ودمَّر الضم السوفيتي المجتمع المدني والسياسي، وأدَّى إلى اعتقالات وترحيل جماعي، تاركًا منظمة القوميين الأوكرانيين السرية باعتبارها القوة الأوكرانية الوحيدة القابلة للحياة.
لم تجلب نهاية الحرب العالمية الثانية السيادة الكاملة للأوكرانيين على أراضيهم، فقد أدَّى ظلم السلام الذي تحقق فيما يتعلق بأوكرانيا وإضفاء الشرعية على الاحتلال السوفيتي للأراضي الأوكرانية إلى استمرار المقاومة المسلحة، التي استمرت حتى أوائل الستينيات.
عندما كان السوفييت ينهون سيطرتهم على غرب أوكرانيا، رفض الأوكرانيون التخلي عن القتال على الأراضي التي اعتبروها أراضيهم، وفي غرب أوكرانيا، نفذت بعض الوحدات العسكرية في جيش التمرد الأوكراني عمليات واسعة النطاق، ويقدر المؤرخون أن عشرات آلاف المدنيين البولنديين ذُبحوا في فولينيا وشرق غاليسيا، استمرت الحرب الحزبية بين الأوكرانيين والسوفييت النظاميين بشكل متقطع حتى عام 1949، حتى تمكنت موسكو من إخضاعهم بفضل عقاب مئات الآلاف وممارسة أساليب القمع والسجن.
الكفاح السلمي
لم يؤد تقليص الكفاح المسلح إلى زوال المقاومة الوطنية، فقد واصل الأوكرانيون في جميع أنحاء العالم القتال على المستوى الدبلوماسي، مطالبين بالعزلة وفرض عقوبات جديدة ضد الاتحاد السوفيتي، وقاوم الأوكرانيون وغيرهم من الشعوب المستعبدة في الاتحاد السوفيتي النظام الشيوعي في السجون والمعسكرات.
لم تكن الانتفاضات في كينجر (قرية في وسط كازاخستان خلال الحقبة السوفيتية) ونوريلسك الروسية وفوركوتا (إحدى مدن روسيا في الكيان الفيدرالي الروسي) إلا أشهر الاحتجاجات ضد الشمولية، علاوة على ذلك، بعد تخفيف القمع، أثار المنشقون الأوكرانيون موجة جديدة من المقاومة باسم الحقوق الوطنية وحقوق الإنسان.
أصبحت مقاومة الطلاب الأوكرانيين في أكتوبر/تشرين الأول عام 1990، التي سُجلت في التاريخ باسم “ثورة على الجرانيت”، أول احتجاج سياسي كبير لأوكرانيا تركز على ميدان نيزاليجنوستي (ميدان الاستقلال)، وواحدة من المسامير الأخيرة في نعش “الإمبراطورية السوفيتية”.
كان أحد مطالب الطلاب هو استقالة رئيس مجلس الوزراء في جمهورية أوكرانيا الاشتراكية السوفياتية فيتالي ماسول، في أقل من عام، في 24 أغسطس/آب 1991، استعادت أوكرانيا استقلالها الكامل بالتزامن مع انهيار الاتحاد السوفيتي قرب نهاية الحرب الباردة، وبعد معاناتها لفترات طويلة من الهيمنة المتتالية من الدول المجاورة لها، وفي اليوم الأخير من الاحتجاجات، أجبر ماسول على الاستقالة وحل محله فيتولد فوكين.
بالعودة إلى التاريخ القريب، كان للأوكرانيين أيضًا صولات ضد النفوذ الروسي في بلادهم، فخلال ما يقرب من 30 عامًا من الاستقلال، غيّرت المقاومة الوطنية للأوكرانيين مرتين على الأقل تجاه تطور الدولة الأوكرانية.
أثار العدوان الروسي المسلح عام 2014، واحتلال شبه جزيرة القرم وأجزاء من منطقتي دونيتسك ولوهانسك، موجة جديدة من المقاومة الوطنية للأوكرانيين
نرى ذلك في حراكهم الشعبي ضد السياسات القمعية دعمًا للديمقراطية ورفضًا لخضوع وتبعية قادتهم لروسيا، ففي عام 2004، جلبت الثورة البرتقالية الدمقرطة والحريات المدنية إلى أوكرانيا، وفي عام 2013، أحبطت ثورة الكرامة تقريبًا خطط موسكو للاحتلال الزاحف لأوكرانيا، وأسفرت المواجهات في نهايتها عن وصول طبقة سياسية مستقلة لا تأخذ أوامرها من موسكو ولا تخدم أجندتها، وإن كان الروس بدورهم يتهمون قادة أوكرانيا اليوم بأنهم تابعون للغرب وجزء من أجندتها المعادية لروسيا.
منذ احتجاجات الميدان الأوروبي في كييف في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2013، ادَّعت الجماعات اليمينية المتطرفة الظاهرة سياسيًا في أوكرانيا، مثل آزوف، نسبها لمنظمة القوميين الأوكرانيين، لكن ادعاءات بوتين بـ”تشويه” صورة أوكرانيا تذهب إلى أبعد من هذه الجماعات، فهدفه إزالة الطبقة السياسية الأوكرانية “الملوثة” بفكرة القومية الملفقة في الخارج.
أثار العدوان الروسي المسلح عام 2014، واحتلال شبه جزيرة القرم وأجزاء من منطقتي دونيتسك ولوهانسك، موجة جديدة من المقاومة الوطنية للأوكرانيين، بفضل عشرات آلاف الجنود والمتطوعين الذين ضغطوا من أجل دعم أوكرانيا المتحاربة وتوفير الأسلحة الفتاكة والتضييق على الحرب الروسية الخاطفة، اضطر العدو إلى تغيير إستراتيجيته لكنه لم يتخل عن خططه.
ماذا تبقى من المقاومة الأوكرانية؟
ليس سرًا أن تطوير المقاومة الوطنية للأوكرانيين للدفاع عن دولة ذات سيادة واستقلال أوكرانيا في الحرب الروسية الأوكرانية الحديثة كان صعبًا للغاية على مدى السنوات الأخيرة، فليس لدى الدولة تنظيم لائق للتعبئة العسكرية، خاصة في البداية، وكانت الوحدات التطوعية لبعض الوقت خارج المجال القانوني، وانتقلت مسألة منح وضع المقاتل للمتطوعين من هذا المأزق العام الماضي فقط، في حين لا تزال مشاكل المعدات والإمدادات والحماية القانونية ووضع المواطنين الأوكرانيين الذين يؤدون مهام الخدمات الخاصة الأوكرانية في الأراضي الخاضعة لروسيا دون حل.
بوتين كان يتوقع أن يستسلم الأوكرانيون بين عشية وضحاها تقريبًا، السبب في توقعاته – البعيدة عن الواقع حتى الآن – أنه لم يسمع اعتراضات أو انتقادات من حوله”، يقول كاتب خطابات بوتين السابق عباس جالياموف
لهذا السبب، في نهاية شهر مارس/آذار من العام الماضي، تمت الموافقة على إستراتيجية الأمن العسكري، التي، بالإضافة إلى المسار الأوكراني غير البديل لحلف شمال الأطلسي “الناتو”، كرست مفهوم “الدفاع الشامل” كرادع للعدوان الروسي.
ووفقًا لمنطق بوتين الملتوي، يترأس فولوديمير زيلينسكي، رئيس أوكرانيا ذو الخلفية اليهودية الذي فقد عائلته في الهولوكوست، حكومة نازية، وبالنسبة لبوتين نفسه، يرمز زيلينسكي إلى المقاومة الأوكرانية لروسيا بشأن وضع شبه جزيرة القرم ودونباس والمسائل الأمنية وطبيعة النظام السياسي الأوكراني.
ربما شاهد بوتين الغرب وهو يسمح لطالبان بالسير إلى كابول دون مقاومة تذكر، واعتبر ذلك دليلًا على أن الغرب لن يمنعه في أوكرانيا، بعد كل شيء، لم يمنعوه مسبقًا من أخذ القرم، ومع ذلك، إذا كان هدف بوتين في ذلك هو منع نمو الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، فمن المحتمل أن يحدث العكس، وإذا كان يعتقد أن أوكرانيا لم تكن أبدًا أمة حقًا، فهي الآن كذلك كنتيجة مباشرة للغزو، ولكن هل ينجح في سحق المقاومة الأوكرانية؟
يجيب كاتب خطابات بوتين السابق عباس جالياموف، على إذاعة “بي بي سي 5” مؤخرًا، أن “بوتين كان يتوقع أن يستسلم الأوكرانيون بين عشية وضحاها تقريبًا، السبب في توقعاته – البعيدة عن الواقع حتى الآن – أنه لم يسمع اعتراضات أو انتقادات من حوله حتى أصبح ضحية لنظامه الخاص”، مشيرًا إلى أن “هذه المشكلة شائعة لدى العديد من المستبدين، لا سيما أولئك الذين في السلطة لفترة طويلة من الزمن يتم خلالها التخلص من جميع المنشقين، مهما كانوا فعالين، واستبدالهم بمتملقين”.
لهذا السبب ربما لم يحسب بوتين حجم المقاومة الأوكرانية بقدر كاف، فهناك الآلاف من الجنود والمواطنين المتطوعين الذين هبوا للدفاع عن وطنهم، من المحتمل أن يكون البعض من قدامى المحاربين المخضرمين في الجيش ولديهم خبرة قتالية، بما في ذلك مقاومة القوات الروسية خلال ضم شبه جزيرة القرم وغزو منطقة دونباس، لكن ورد أن آخرين لم يحملوا سلاحًا مطلقًا في حياتهم، وحث وزير الدفاع الأوكراني أي شخص يمكنه حمل سلاح للانضمام إلى قوات الدفاع الإقليمية في البلاد.
تبدو هذه الانتفاضة المدنية الضخمة غير مسبوقة في سرعة التعبئة السريعة بعد قرار بوتين المصيري بالغزو، وتشير التقارير إلى أنه بعد أيام قليلة فقط، عززت المقاومة المسلحة، من الجيش الأوكراني والمدنيين المتطوعين، الروح المعنوية الوطنية في البداية، وأبطأت الوتيرة المتوقعة للغزو الروسي، وألحقت بعض الأضرار الجسيمة.
ومع ذلك، لا تتناسب البنادق مع الصواريخ الروسية، كما أن الجنود المواطنين ليسوا دفاعًا عمليًا ضد القنابل العنقودية، فقد واصلت قوافل ضخمة من الدبابات الروسية قصفها نحو المدن الكبرى ومحاصرة كييف، لكن لماذا يواجه الأوكرانيون أو أي شعب، طواعية “الألم والدم والموت”، على حد تعبير الرئيس الأوكراني زيلينسكي؟
في استطلاع أجرته مؤسسة “Rating” في 1 مارس/آذار عام 2022، قال 80% من الأوكرانيين إنهم مستعدون للدفاع عن وحدة أراضي أوكرانيا بأسلحة في متناول اليد، مقارنة بأوقات ما قبل الحرب، ارتفع هذا الرقم بشكل كبير (كان 59% في عام 2020). لوحظ أعلى مستوى من الجاهزية في الغرب ووسط البلاد، بينما لوحظ انخفاض طفيف في مستوى الاستعداد في الجنوب والشرق، لكن حتى في المناطق الجنوبية الشرقية، فإن الاستعداد للقتال من أجل البلاد مرتفع للغاية (نحو 80% في الجنوب وما يقارب 60% في الشرق).
حتى بعد شهر من القتال، من الصعب معرفة كيف سينتهي غزو بوتين لأوكرانيا، ومع ذلك، إذا كان المدافعون على استعداد لتحمل العبء – وسيكون ذلك ثقيلًا – فلا يمكن لروسيا أن تأمل في السيطرة على كامل الأراضي التي تحتلها، أمَّا إذا نجحت روسيا في احتلال أجزاء كبيرة من البلاد، فإن حركة المقاومة يمكن أن تزدهر، لكن فقط إذا قدم الغرب المساعدة.