تلجأ النساء إلى إجراء فحوصات دورية تتطلب فحصًا طبيًا داخليًا، تقوم بها المرأة المتزوجة وغير المتزوجة بانتظام للتأكد من عدم وجود مشاكل في الجهاز التناسلي، أو بهدف تشخيص بعض المشاكل التي قد تظهر في مراحل مختلفة من حياتها مثل الالتهابات المهبلية وانقطاع الدورة الشهرية، وغيرها من المشاكل التي قد ترافقها عند الجماع أو الحمل.
رغم ضرورة هذه الفحوصات، إلا أن العديد من النساء العربيات يمرُرنَ بتجربة غير مريحة ومقلقة؛ سنستعرض في هذا التقرير شكاوى فتيات تعرّضن لمعاملة قاسية خلال مراجعة الطبيب للفحص الداخلي، في ظل عدم وجود قوانين واضحة منظِّمة لبعض التفاصيل المتعلقة بالفحص الطبي، وضعف وعي المريضات بحقوقهن في هذا الإطار.
انتهاك للخصوصية
تواجه بعض النساء العربيات انتهاكًا واضحًا لخصوصياتهن في أثناء الفحص الداخلي من الطبيبات أو الأطباء، وهو ما أكدته العشرينية السورية آية المقيمة في تركيا والتي أنجبت طفلتها الأولى في إحدى المستشفيات المحلية، حيث لم يسمح لزوجها بمرافقتها داخل غرفة الطبيبة في أثناء الفحص الداخلي ولا يوم ولادة طفلتها، لافتةً إلى أن مرافقة زوجها لها كانت ستضيف نوعًا من الأمان والاطمئنان النفسي، وتعتقد أن مرافقة الزوج لزوجته “حق”.
وتصف “آية” ولادة طفلتها القيصرية بالتجربة المزعجة، إذ شعرت بالإحراج عند خلع ملابسها كاملة وهي بغرفة العمليات برفقة طبيبتها وطاقم طبي من الممرضين والممرضات دون أي حرص من الطاقم على تغطية أجزاء جسدها الأخرى.
فحص “الإصبع” لقياس مدى توسع الرحم قبل الولادة مثله مثل الكثير من الإجراءات الطبية التي لا يوجد قانون واضح أو نص علمي يؤكد مدى صحته وقانونيته
من ناحية أخرى، يعتبر تركيب وسائل منع الحمل عقب الولادة من أبرز المشكلات التي تواجه السيدات في المراجعات الطبية، وعن هذا الموضوع تروي الفلسطينية “فاطمة” لـ”نون بوست” ما حدث معها عندما ذهبت لإحدى العيادات في قطاع غزة لتركيب مانع الحمل.
تعد وسيلة الحمل أو منع الحمل من ضمن الفحص الداخلي وهي التي تتضمن إدخال أداة عبر فتحة المهبل إلى الرحم
تقول فاطمة: “كانت غرفة الطبيبة مزدحمة حيث كان لديها ثلاث ممرضات يتحدثن فيما بينهن بصوت مرتفع وأنا أنتظرهن ليخرجوا حتى أخلع ملابسي براحة وخصوصية، لكن الممرضات ضحكن وقلن لي لن ننظر إليك، وفي نفس الوقت كان باب الغرفة يفتح ويغلق من الخارج”، موضحةً أن الطبيبة لم تتدخل لوضع حد لهذا الموقف غير المريح وكانت على عجلة من أمرها وطلبت منها بسرعة الاستجابة لإجراءات الفحص الداخلي.
وإلى جانب التوتر النفسي نتيجة الفوضى وانعدام الخصوصية في غرفة الطبيبة، تقول فاطمة: “لم أتحمل الوجع في أثناء تركيب وسيلة منع الحمل وصرخت صرخة قوية كون الألم المصاحب للولادة القيصرية أكبر بكثير من ألم الولادة الطبيعية، إلا أن الطبيبة لم تتفهم ذلك وردت بطريقة غير لائقة بقولها إن لا وقت لديها وانتهى موعدها وتأجل إلى يوم آخر”، واتهمت فاطمة الطبيبة بأنها لم تساعدها في منحها الثقة والأمان رغم أن الأمر لا يحتاج إلا دقائق معدودة.
فوضى في القوانين
اشتكت آية وسيدات أخريات تحدثن لـ”نون بوست” من فحص حجم توسع الرحم قبيل الولادة باليد وهو فحص وصفته كثيرات من السيدات بـ”المؤلم” ويتخلله الكثير من العذاب الجسدي والنفسي، في المقابل يدافع أطباء عن هذا الفحص كونه “إجراءً روتينيًا ومعتادًا ولا يخالف القانون”، وذلك لضرورته في اتخاذ قرار إجراء ولادة طبيعية أم قيصرية.
فحص قياس مدى توسع الرحم قبل الولادة باليد مثله مثل الكثير من الإجراءات الطبية التي لا يوجد قانون واضح أو نص علمي يؤكد مدى صحته وقانونيته، ما يفتح المجال أمام التضارب في الروايات الطبية، وبالتالي يصعب على المريضة معرفة مدى الانتهاك الذي تعرضت له من الطبيب.
يقول أطباء معارضون لهذا الفحص إنه غير مقبول ويزيد من خطر الإصابة بالعدوى كونه فحصًا داخليًا قد يدفع البكتيريا الطبيعية الموجودة في المهبل إلى أعلى باتجاه عنق الرحم، كما أنه يزيد من خطر تمزق الأغشية نتيجة الضغط المفرط على عنق الرحم، ويقولون إنه بالحد الأدنى يجب أن يكون فحصًا اختياريًا يتطلب موافقة المريضة مسبقًا على إجرائه.
كما أن الأمر يختلف من سيدة إلى أخرى، فلأسباب طبية ونفسية وغيرها يختلف حجم الألم والآثار النفسية لهذا الفحص، ما يدفع أكثر لأن يكون اختياريًا يتطلب موافقة المريضة مسبقًا التي في حال رفضها يمكن أن تطلب إجراء الفحص بطرق أخرى وعبر الأجهزة الإلكترونية وأجهزة التصوير المتطورة.
ما بين الألم الجسدي والنفسي
“إيمان” فتاة سورية تعيش في ألمانيا، تحدثت إلى “نون بوست” عن تجربة مختلفة عن تلك التي عاشتها آية في تركيا، حيث توضح أن النظام الطبي المتبع في ألمانيا ينص على أن الفحوصات في الأشهر الثلاث الأولى تتم عبر “الفحص المهبلي” ولاحقًا تتم عبر جهاز السونار فقط، معتبرة أن “الفحص لم يكن مريحًا جسديًا في كل الأحوال، لكنها كانت في حالة نفسية جيدة بسبب السماح لزوجها بمرافقتها في غرفة الفحص والولادة”.
تقول إيمان: “يوم الولادة سمح لزوجي أن يرافقني داخل غرفة العمليات لأنه طبيعي جدًا في ألمانيا ومسموح به ومطبق وفق القانون”، لافتةً إلى أنها لاحظت أن “الغالبية العظمى من الكوادر الطبية العاملة في أقسام الولادة من النساء”.
تختلف الأنظمة الطبية المتبعة من بلد إلى بلد، وفي هذا السياق تبين الناشطة السورية الحقوقية المختصة بقضايا المرأة وفاء علوش أن في كثير من الدول العربية لا يوجد قانون محدد وواضح يفصل في مثل هذه الحالات وعمليًا الأمر متروك إما لمزاج الطبيب إذ قد يرفض أطباء كثيرون وجود أحد من أقارب المرأة بدعوى ألا يتشتت ذهن الطبيب أو يؤثر على عملية الولادة بشكل سلبي، وإما لرغبة المريضة وزوجها أو عائلتها في بعض الأحيان.
وفيما يتعلق بحضور الزوج في أثناء الولادة، توضح وفاء في تصريحات لـ”نون بوست” أنه قد لا يحبذ الزوج الحضور وهذا الأمر بدأ بالتغير في الآونة الأخيرة، فقد بدأ بعض الأزواج يرغبون بحضور الولادة والأمر يختلف تبعًا للطبقة الاجتماعية والمادية وبين المشافي العامة والخاصة.
أما بالنسبة لخصوصية المرأة في أثناء الولادة أو الفحص الداخلي تشير وفاء أنها قد تنعدم تمامًا في المشافي العامة بسبب وجود أكثر من حالة ولادة في غرفة واحد.
وعن النظام المتبع في أوروبا تقول وفاء: “تُراعى رغبة المرأة بشكل كامل، فيمكن أن ترفض طبيبًا معينًا أو يمكن أن ترفض وجود الممرضة أو تغيرها، الأمر خاضع لإرادتها تمامًا سواء أرادت مشاركة البيانات الطبية وعمليات المعاينة”.
وتنتقد الناشطة الحقوقية عدم وجود قانون يضمن هذه الخصوصية، ويحترم رغبة المرأة بحضور أحد من ذويها أو من الكادر الطبي في عمليات الفحص والتشخيص أو الولادة، من أجل زيادة أمان المرأة وثقتها خاصة أنه لا يمكن بأي شكل من إشكال إهمال الفحوصات الطبية لضرورتها في الوقاية من الأمراض المحتمل الإصابة بها.