ترجمة حفصة جودة
بعد 6 سنوات من الانتقال إلى تولوز جنوب فرنسا، لم يعد جمال سكاك يشعر بالأمان هناك، فقد تصدر عمله في خدمات الجنائز الإسلامية عناوين الأخبار عندما استُهدف بحادث بغيض معادٍ للمسلمين: خنزير ميت مُعلق على عمود أمام واجهة المحل في مقاطعة زينيث.
كان سكاك مشدوهًا من هذا التصرف البغيض والمهين، والآن يخشى على أمان أبنائه الذين يساعدونه في إدارة شركة الأسرة “الإسراء والمعراج”، يقول سكاك: “لقد اقتربت من التقاعد، لكنهم سيضطرون لمواصلة العمل في تلك الأجواء مع غياب كامل للأمن”.
لم تكن هذه المرة الأولى التي يتعرض فيها عمل سكاك للتخريب، فقبل عامين حطم هجوم زجاج المحل، أبلغ سكاك السلطات المحلية عن الحادث وبعد عدة أسابيع أُغلقت القضية، ولم يُحدد المسؤولون عن ذلك أو يُحاكموا أبدًا، لاحظ سكاك تزايدًا بطيئًا في المشاعر المعادية للمسلمين في فرنسا منذ وصوله من الجزائر في ثمانينيات القرن الماضي.
يقول سكاك: “اعتدنا أن نعيش جنبًا إلى جنب دون مشاكل، لكن الأوضاع تغيرت، عادة لا أنخرط في السياسية، لكن عندما أسمع زمور (المرشح الرئاسي اليميني المتطرف) يقول إن فرنسا على شفا حرب أهلية فإنني أخشى من المستقبل”.
التسامح المتزايد مع اللهجة العنصرية التي يتحدث بها زمور ورفاقه ساهمت في المناخ الحاليّ
أجبر الحادث محافظ ولاية أوت غارون على كتابة رسالة إلى الضحية يندد فيها بهذا الحادث المهين، فقد كتب إيتان يوتو قائلًا: “الهجمات على الدين هي هجمات على جمهوريتنا، يجب أن تتأكد من التزامنا بمكافحة كل حالات التمييز والتعصب”.
تسامح متزايد مع العنصرية
وقعت حادثة الخنزير يوم 31 يناير/كانون الثاني بعد أيام قليلة من حريق متعمد وقع في متجر جزارة حلال في آجن التي تبعد 100 كيلومتر فقط عن تولوز، حيث رُسم 3 صلبان على واجهة المحل في إشارة إلى الانتماء الإيدولوجي لمرتكبي الجريمة، ومثل قضية سكاك، لم يصل تحقيق الشرطة في القضية إلى شيء.
ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية في أبريل/نيسان، يسارع السياسيون بإدانة الحوادث ويظهرون دعمهم للضحايا، قالت ماتيل بانو رئيس حزب “فرنسا الأبية” اليساري المتطرف على تويتر: “المشاعر المعادية للمسلمين، مرة تلو الأخرى من نفس السياسيين ونفس وسائل الإعلام”.
بينما قال فيليب بوتو المرشح الرئاسي لـ”الحزب الجديد المناهض للرأسمالية” اليساري المتطرف: “حادث آخر مشين معادٍ للإسلام”، ألقى بوتو باللوم على الإسلاموفوبيا داخل الحكومة والنقاد الإعلاميين لتشجيعهم جماعات اليمين المتطرف على مهاجمة المسلمين.
خص بوتو بالذكر المرشح الرئاسي زمور – 63 عامًا – الذي ينحدر من سلالة اليهود الجزائريين المهاجرين وبرز اسمه كمجادل يميني متطرف في البرامج الحوارية، قُورن زمور بجان لوبان – والد منافسته مارين لوبان التي تحاول أن تنأى بنفسها عن آراء والدها المتطرفة -، ادعى زمور ولوبان الأب زورًا أن فرنسا الفيشية حمت اليهود الفرنسيين، وأدانتهما المحاكم عدة مرات بسبب العنصرية.
حرية الخطاب العنصري
يقول دومينوك سوبو الأمين العام لحركة “SOS Racism” المناهضة للعنصرية: “التسامح المتزايد مع اللهجة العنصرية التي يتحدث بها زمور ورفاقه ساهمت في المناخ الحاليّ”.
في ليون – حيث تنشط جماعات قتالية يمينية متطرفة -، تضاعفت جرائم الكراهية ضد المسلمين في السنوات الأخيرة من بينها حريق متعمد في مسجدين عام 2020
في عام 2021، اعتقلت الشرطة بستانيًا – 23 عامًا – بتهمة تخريب عدة مساجد في دوبس، وفي منزل المتهم وجدت الشرطة بنادق ونسخة من كتاب كفاحي (السيرة الذاتية لأدولف هتلر).
اتضح بعد ذلك أنه يدير أيضًا قناةً رقميةً لليمين المتطرف على تطبيق تليغرام باسم “إلى الجحيم” يشجع فيها قراءه على القيام بأعمال عنف للتعجيل بالحرب العنصرية التي يرون أنه لا مفر منها.
أشاد حزب “التجمع الوطني” اليميني المتطرف بهذا العمل العنصري، فقال أحد أعضائه لقاضي التحقيق في جلسة استماع المتهم إن الدين الإسلامي لا يتفق مع القيم الفرنسية والمساجد لا مكان لها في فرنسا.
في الوقت نفسه، اعتقل ضباط المكتب المركزي الفرنسي لمكافحة الجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية وجرائم الحرب “OCLCH” أفراد شبكة أخرى تسمى “إعادة الاستعمار الفرنسي” لتنظيم مجموعة قتالية والمشاركة فيها.
قال النائب العام في مارسيليا المشرف على القضية إن المجموعة تتشكل من نحو 110 أعضاء من بينهم جنود وجنود سابقين ينتشرون في جميع أنحاء فرنسا ويجتمعون ويناقشون إيدولوجية مدفوعة بالهوية والعنصرية والعنف.
وفقًا للباحث والمؤرخ بمركز العلوم السياسية والاجتماعية “CEPEL” نيكولا ليبورغ، فإن هذه القنوات تروج لإيدولوجية “التسارع”، إنهم يتبعون توجه سيادة البيض الأمريكية في نشر العنف للتعجيل بحرب عنصرية يرون أنها حتمية لتأسيس دولة عرقية بيضاء.
مع قدوم الانتخابات يصبح العديد من الناس أكثر جرأةً في التعبير عن رفضهم للمسلمين
وفي ليون – حيث تنشط جماعات قتالية يمينية متطرفة -، تضاعفت جرائم الكراهية ضد المسلمين في السنوات الأخيرة من بينها حريق متعمد في مسجدين عام 2020، وكتابة عبارة “اخرجوا المسلمين” على جدران سكن جامعي عام 2021.
الحجم الحقيقي للإسلاموفوبيا
انطلقت لجنة برلمانية للحوادث المناهضة للأديان – أسسها رئيس الوزراء جان كاستكس في ديسمبر/كانون الأول 2021 وتتآلف من عضوين من الحزب الحاكم – للتحقيق في الأمر بشكل كامل.
وفي اجتماع مع إمام المسجد الكبير في ليون، قال الإمام لأفراد اللجنة إن المصلين لا يفهمون لماذا لا يرد قادة المسلمين على تلك الهجمات المرتكبة ضد المسلمين.
اعترف عبد الله زكري – رئيس المرصد الوطني لمناهضة للإسلاموفوبيا “ONCI” ورئيس المجلس الفرنسي للدين الإسلامي “CFCM” – أن أئمة دور العبادة يمتنعون عن اتخاذ إجراءات قانونية لاعتقادهم أن شكواهم لن تحقق شيئًا.
وأضاف “في 2021 تلقيت شخصيًا 75 رسالةً تحتوي على إهانات وتهديدات على عنوان بيتي ومقر “CFCM“، لكنني لم أقدم شكوى لأنني أرى أنه لا طائل منها، ففي أغلب الأوقات لا يُعتقل الجناة، وإذا اعتُقلوا يخبروننا أنهم مختلون”.
وفقًا لوزيري الداخلية والشؤون الدينية، فقد ازدادت الحوادث المعادية للمسلمين بنسبة 38% عام 2021، بينما ظلت نسبة الحوادث ضد اليهود والمسيحيين كما هي، لكن الرقم الحقيقي لحوادث الإسلاموفوبيا في فرنسا أكبر بكثير وفقًا لما يقوله زكري.
الإسلاموفوبيا منحت تلك النخبة اليمينية المتطرفة فرصةً جديدةً لنبذ أطفال المهاجرين المولودين في فرنسا ووصفهم بالأجانب
“هذه الأرقام تغطي فقط الحوادث التي يُبلغ عنها للشرطة، وهي تتفق مع الجرائم ومحاولات القتل والتهديدات وانتهاكات دور العبادة، لكنها تستثني حوادث العنف الأخرى مثل خطاب الكراهية الإلكترونية المنتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتمييز الذي يتعرض له المسلمون خاصة في أماكن الخدمات العامة”.
بالنسبة لنادية، يبدو ذلك مألوفًا، تتذكر نادية – المقيمة في باريس – حادثة عام 2019 عندما أهان سياسي من حزب التجمع الوطني امرأةً ترتدي الحجاب علانية بينما كانت تحضر اجتماعًا للمجلس الإقليمي لمنطقة بورغوني فرانس كومت مع مجموعة من طلاب المدارس.
تخشى نادية – التي ترتدي حجابًا إسلاميًا – باستمرار ردود الفعل السلبية التي تثيرها ملابسها، فتقول: “سألت مؤخرًا سيدة مسنة عن اتجاه مكان ما، فلم تساعدني وأخبرتني أن الأشخاص مثلي لا مكان لهم في فرنسا، ومع قدوم الانتخابات يصبح العديد من الناس أكثر جرأةً في التعبير عن رفضهم للمسلمين، أما على وسائل التواصل الاجتماعي فإنه الموسم المفتوح”.
وفقًا لأحمد بوكبر عالم الاجتماع والأستاذ بجامعة سانت إيتان، فإن النخبة الفرنسية المثقفة اليمينية المتطرفة فازت بقلوب وعقول الناس بنشر الإسلاموفوبيا ورهاب الهجرة، وحذر بوبكر من إضافة الشرعية العامة على العنصرية ورأى أن الإسلاموفوبيا منحت تلك النخبة اليمينية المتطرفة فرصةً جديدةً لنبذ أطفال المهاجرين المولودين في فرنسا ووصفهم بالأجانب.
قال بوبكر: “تراجعت الأوضاع كثيرًا هذه الأيام، ليس فقط بسبب المجتمع الفرنسي الذي أصبح أكثر عنصرية، لكن بسبب الطبقة السياسية التي فشلت في معاملة أطفال فترة الهجرة ما بعد الاستعمار كمواطنين كاملي الأهلية، إنهم يُعاملون كأجانب في وطنهم وبالتالي يعدون تهديدًا محتملًا”.
أدان بوبكر أيضًا التصميم المستمر على السردية المصممة لبث الخوف ورفض أي شيء أجنبي، خاصة الفرنسيين المسلمين.
المصدر: ميدل إيست آي