ترجمة وتحرير: نون بوست
يبكي رضيع في حضن أمه بينما يغفو توأمه على بعد أقدام منها، وفي الأثناء تُحاول الأم إسكات إخوتهم الأكبر الذين يشاهدون مقاطع فيديو على الآيباد في الغرفة المجاورة. إن الأم المدعوّة سيما محمد وزوجها عيد محمد وأطفالهما الخمسة يعيشون جميعًا في غرفتي فندق متجاورتين جنوب لندن منذ تشرين الثاني/ نوفمبر بعد فرارهم من أفغانستان.
إن الوضع خانق والغرف مكتظة والعيش فيها يشبه السجن في انتظار مسكنهم الدائم. وما يُذكّرهم بما تركوه وراهم لا يفصلهم عنه سوى مكالمة بالفيديو: حيث يختبئ الأخ الأكبر لمحمد – وهو طبيب وضابط سابق – في منزله بينما يبحث بيأس عن طريقة للفرار. “إنه صراع” – على حد تعبير محمد – “إن عيش الحياة يختلف عن البقاء على قيد الحياة”، مشيرًا لعائلته التي تركها في أفغانستان، في حين أن نفس الشعور ينطبق على حالته الراهنة.
أجلت بريطانيا 16 ألف شخص من أفغانستان السنة الماضية ومعظمهم فرّ في الأيام الأخيرة المضطربة في آب/ أغسطس عندما استولت طالبان فجأة على الدولة. منذ ذلك الحين ومعظمهم يعيشون في فنادق بشكل وقتي في مختلف أنحاء بريطانيا وهو وضع قال المشرعون البريطانيون – بشكل متزايد – إنه لا يحتمل.
في شباط/ فبراير، قالت الحكومة إن أربعة آلاف أفغاني فقط من الذين أجْلتهم بريطانيا خلال عملية الإخلاء الجماعية نُقلوا إلى منازل خاصة، بينما لا يزال 12 ألفًا آخرين مقيمين بشكل مؤقت في الفنادق.
مع اندلاع أزمة لاجئين أكبر وأحدث وأقرب الآن، بدأ المسؤولون البريطانيون يتحدّثون الآن عن إيواء عشرات الآلاف من اللاجئين الأوكرانيين. لكن التجربة الأفغانية تثير تساؤلات حول مدى قدرة الدولة على تحمّل استقبال المزيد من اللاجئين في الوقت الذي تكافح فيه من أجل من توطين آلاف الأفغان بعد أشهر عديدة من وصولهم.
قدّمت الحكومة أسبابًا عديدة لتبرير فشلها في إيجاد منازل دائمة للاجئين الأفغان، وأحد الأسباب الجوهرية يتمثل في نقص المنازل ميسورة التكلفة في أنحاء البلاد. لكن منتقدي الحكومة يقولون إن هذا التعقيد سببه أيضًا سوء التخطيط وانعدام الرغبة بل وحتى العداء تجاه طالبي اللجوء والمهاجرين عمومًا.
قال ستيف فالديز سيموندز، مدير برنامج حقوق اللاجئين والمهاجرين في منظمة العفو في المملكة المتحدة، “إن سياسة الهجرة واللجوء في المملكة المتحدة تشوبها كراهية الأجانب”.
تردد صدى هذه الانتقادات ردًا على كيفية استجابة الحكومة البريطانية لأزمة اللاجئين الأوكرانيين الناجمة عن الغزو الروسي التي دفعت الملايين خارج ديارهم. فقد سمحت معظم الدول الأوروبية للاجئين بالدخول دون تأشيرة، بينما طالبتهم بريطانيا بتأشيرة إلى جانب عملية تقديم أربكت الكثيرين وأدت لتأخير وصولهم.
عندما سُئلت عن سبب تأخّر توطين الأفغان الذين تم إجلائهم، قالت السلطات البريطانية إنه ليس لديها موعد نهائي لإيجاد مساكن لهم وأنها تسرّع عمليات نقلهم إلى المنازل المناسبة بأسرع وقت ممكن.
معظم أولئك الذين تم إجلائهم عملوا في أفغانستان لصالح الجيش أو الحكومة البريطانية وفرّوا بأكثر بقليل من الملابس التي عليهم، وهم يعانون صدمة من تجاربهم.
تقيم الأسر الكبيرة الآن في غرف صغيرة حيث لا يمكنهم طهو الطعام، دون أن يعرفوا أين ومتى سينتقلون إلى منازل دائمة. والعديد منهم يتوقون لحياتهم الجديدة لكنهم لا يستطيعون البدء. ورغم الظروف الصعبة، معظم الأفغان اللاجئين في بريطانيا يقولون إنهم ممتنون لفرصة المستقبل الآمن مع منازل دائمة وطعام وفير ورعاية صحية في المتناول.
قالت بيكي بروك، وهي متطوعة من جمعية “كينسينغتون وتشيلسي” للمعونة المتبادلة – وهي مجموعة مجتمعية تدعم اللاجئين في غرب لندن – إن الوضع لا يُطاق. بدأت الأسر تيأس أكثر فأكثر بشأن الانتقال لمنازل دائمة إلى جانب أسباب أخرى، ومن الصعب عليهم إيجاد عمل إذا لم يعرفوا أين سيعيشون. ووفقا لها “إن المكوث في الفنادق لفترة طويلة ليس صحيًا لأي أحد”.
بالنسبة لخليل متوكل البالغ 37 سنة الذي تم إجلائه من أفغانستان في آب/ أغسطس، فإن امتلاك منزل دائم بالقرب من لندن حيث تمكّن من إيجاد عمل يعني الاستقلال والأمن، مع العلم أنه وزير سابق في الحكومة وكان مسؤولًا في السابق عن إصلاح نظام السجون المضطرب في أفغانستان.
عندما أصبح واضحًا أن طالبان ستستولي على الدولة مرة أخرى وتحرّر داعميها من السجون، علم متوكّل أنه سيكون مستهدفًا “كانت حياتنا تحت تهديد مميت”. قال متوكل، الحاصل على شهادة جامعية في السياسة العامة من جامعة بريستول في إنجلترا، إنه كرس حياته لتعزيز النظم الديمقراطية في أفغانستان ولم يخطر له أبدًا أنه سيضطر يومًا لمغادرتها.
عندما وصل إلى إنجلترا في آب/ أغسطس، كان حريصًا على بدء حياته فورًا، وبحلول تشرين الثاني/ نوفمبر كان قد وجد وظيفة في شركة علاقات عامة دولية. وهو الآن يتنقل عدة أيام في الأسبوع لمكتب في لندن من إقامته المؤقتة في فندق التي تبعد مسير ساعة شمال المدينة، حيث يعيش مع زوجته وابنه الصغير. هو ممتن للدعم ولتوفّر جميع الأساسيات، إلا أنه يتوق للاستقرار. حيال هذا الشأن، قال متوكّل “يريد الشخص أن يكون له نوع من السيطرة على حياته… إن الأمر يتعلق بحرية الاختيار”.
تعتبر المنظمات التي تدعم اللاجئين أن النظام الحكومي لاستيعاب المهاجرين معيب وينقصه التمويل. وقد طلبت جمعية الحكومات المحلية، التي تمثل المجالس المحلية المكلفة بضمان تلبية احتياجات الأسر الأفغانية، من الحكومة تمويلًا وتنسيقًا أفضل.
خلال الشهر الماضي، طلبت الحكومة من أصحاب العقارات الخاصة أن يسجلوا ملكياتهم المتاحة على بوابة إسكان أعيد إطلاقها. وقالت ليلى ويليامز، نائبة مدير “ويست لندن ويلكم”، وهي مؤسسة خيرية تساعد اللاجئين وطالبي اللجوء، إن إحجام الحكومة عن دفع القيمة السوقية للممتلكات يترك خيارات محدودة. وأضافت أن فشل الحكومة في توفير مساكن طويلة الأمد كانت مشكلة لطالبي اللجوء الآخرين قبل وقت طويل من وصول الأفغان السنة الماضية. وحسب ما صرحت به الحكومة في شباط/ فبراير، فإن حوالي 25 ألفًا من طالبي اللجوء من جنسيات مختلفة، بالإضافة إلى الأفغان الذين تم إجلاؤهم، يسكنون الفنادق أيضًا.
تدخلت المؤسسات الخيرية والمحاربون القدامى لسدّ الثغرة التي خلفتها البرامج الحكومية. فعلي سبيل المثال، أسس مات سيمونز، وهو من المحاربين القدامى خدم في أفغانستان ضمن سلاح الجو الملكي البريطاني في أوائل القرن العشرين، “إيمس 4 أفغانز”، وهي مجموعة مجتمعية مساعدة في جنوب إنجلترا تقدم الدعم لللاجئين الذين لا يزالون في الفنادق.
قال سيمونز إن “الطريق سيكون طويلًا”، مضيفًا “اعتقد الجميع – بسذاجة – عندما وصلوا أنهم سيكونون في منازلهم بحلول كانون الأول/ ديسمبر”. ساعد سيمونز عددًا من اللاجئين، بما في ذلك محمد، الذي أثنى عليه وعلى زملائه السابقين البريطانيين لما قدموه له من دعم. عمل محمد لسنوات مترجمًا للقوات العسكرية البريطانية والأمريكية وفي سلسلة من المشاريع التنموية الأخرى الممولة دوليًا منذ سنة 2005.
مؤخرًا، سافر محمد مع عائلته إلى لينكولن لزيارة ابن عم له، بينما كان أطفاله في عطلة مدرسية، وكانت الرحلة بمثابة متنفس من حياة الفندق الرتيبة وفرصة أيضًا لمشاركة الوجبات المعدة منزليًا التي افتقدوها. وقد وصف كيف استمتع بمذاق إحدى الوجبات على وجه الخصوص – طبق من البامية والخضار والتوابل – الذي لم يتذوقه منذ مغادرته أفغانستان.
يقفز أطفاله على الترامبولين بينما يُحدّث أخاه الأكبر عبر الفيديو، المختبئ حاليًا في أفغانستان مع أفراد العائلة الآخرين. مال الأطفال على الهاتف عندما ظهرت جدتهم على الشاشة لتحيتها والابتسامة مرتسمة على محياهم.
طوقت سحر – ابنة محمد – عنق والدها بيدها بينما ينساب لباسها مع كل وثبة. قال محمد إنه ممتن لرؤية أطفاله آمنين وفي المدارس، مضيفًا “أستطيع تخيّل مستقبل مشرق لأطفالي الآن”.
أورد لاجئ آخر يدعى عبد السلطاني أن عائلته كانت محظوظة لتلقي مسكن دائم في تشرين الثاني/ نوفمبر – منزل صغير في شمال شرق لندن. وأضاف “أنا لست هنا لأجلس وأتفرج. أنا هنا لأعمل”، معلقًا على وظيفته التي بدأها مؤخرًا في تدريس الإنجليزية. وهو يرسل بعضًا من المال الذي يجنيه إلى عائلته في أفغانستان.
عمل سلطاني البالغ 33 سنة مترجمًا لدى الجيش البريطاني والأمريكي. وقال إن أطفاله تعرّضوا للضرب من أفراد طالبان بينما كانوا في طريقهم إلى المطار لرحلة إجلائهم في آب/ أغسطس. في غرفة المعيشة تنفخ ابنته البالغة من العمر أربع سنوات الفقاعات التي تفرقعها أختها الأصغر، بينما يتلقى مكالمة: المجلس المحلي يعرض دروسًا في الإنجليزية على زوجته. قال عبد السلطاني إن عائلته كانت السبب في إدراكه أن عليه مغادرة أفغانستان، ورؤية أنهم بدأوا في إعادة بناء حياتهم يشعره بالعزاء. لكنه مع ذلك يشعر بأنه ليس في بيته وأنه مجرد ضيف، مؤكدًا “لكنني سأتصرف دائمًا كضيف وسأحاول أن أكون ذا فائدة لهم لأنهم ساعدوني”.
المصدر: نيويورك تايمز