ترجمة وتحرير: نون بوست
في حديثه عما أسماه “لغة غوته وشيلر وكانط” خلال فترة عمله كضابط في الاستخبارات السوفييتية في دريسدن، ألقى الرئيس فلاديمير بوتين خطابا أمام البرلمان الألماني في 25 أيلول/ سبتمبر 2001، أعلن فيه أن “روسيا دولة أوروبية صديقة”، وأن “السلام المستقر في القارة هو الهدف الأسمى لأمته”.
ومضى الرئيس الروسي – الذي كان حينها قد انتخب السنة الماضية (2000) عن عمر يناهز 47 سنة بعد صعود سريع لدائرة الضوء من دائرة الغموض – في وصف “الحقوق والحريات الديمقراطية” بأنها “الهدف الرئيسي لسياسة روسيا الداخلية”، وقد رحّب أعضاء البوندستاغ (البرلمان الألماني) بحفاوة بهذا الموقف، متأثرين بالمصالحة التي بدا أن بوتين يجسدها في مدينة برلين التي لطالما كانت ترمز للانقسام بين الغرب والعالم السوفييتي الشمولي.
وكان نوربرت روتجن، ممثل يمين الوسط الذي ترأس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان لعدة سنوات، من ضمن المؤيدين؛ حيث أردف قائلًا “لقد أَسَرَنَا بوتين، فكان صوته ليِّنًا للغاية، باللغة الألمانية، وهو صوت يغريك لتصديق ما يقال لك. لقد كان لدينا سبب للاعتقاد بأن هناك منظورًا قابلا للتطبيق للعمل الجماعي”.
ولكن هذه الوحدة قد تفككت، مع احتراق أوكرانيا التي احتلها الجيش الروسي الذي أرسله بوتين ليثبت اقتناعه بأن الأمة الأوكرانية مجرد أسطورة، فلقد أسفرت الحرب المستمرة منذ شهر عن نزوح أكثر من 3.7 مليون أوكراني ومقتل الكثيرين، وتحولت نبرة بوتين الناعمة إلى موجة غضب رفض من خلالها معارضة أي روسي لعنف ديكتاتوريته المشددة باعتباره “حثالة وخائنًا”.
وتعهد بوتين هذا الشهر أن يواجه خصومه، وهم “العمود الخامس” الذين يتلاعب به الغرب برأيه، مصيرًا بشعًا، مع تعثّر حربه الخاطفة المخطط لها في أوكرانيا؛ حيث قال إن الروس الحقيقيين سوف “يبصقونهم مثل البعوض الذي يدخل أفواههم عن طريق الخطأ” وبالتالي يحققون “التطهير الذاتي الضروري للمجتمع”، ولم تكن هذه لغة كانط بقدر ما كانت لغة تمجيد قومي فاشي مرتبط بشباب بوتين القاسي والمقيت في سانت بطرسبورغ.
بين صوتي العقل والتحريض، وبين هذين الرجلين اللذين يبدوان مختلفين، يكمن تاريخ 22 سنة من السلطة وخمسة رؤساء أمريكيين، وفي ظل صعود الصين، ودخول الولايات المتحدة في حروب أبدية في العراق وأفغانستان وخسارتها، وترابط العالم بفضل التكنولوجيا، تشكلت معضلة روسية في الكرملين.
هل أخطأت الولايات المتحدة وحلفاؤها ببساطة في فهم بوتين منذ البداية من خلال الإفراط في التفاؤل أو السذاجة؟ أم أنه تحول بمرور الوقت إلى داعية حرب انتقامي اليوم، سواء كان ذلك بسبب الاستفزاز الغربي المتصور، أو المظالم المتنامية، أو التسمم الدائم للحكم المطول المعزول بشكل متزايد – منذ تفشي كوفيد 19 -؟
يعتبر بوتين لغزًا، لكنه أيضًا من أبرز الشخصيات العامة، ومن منظور مقامرته المتهورة في أوكرانيا، تظهر صورة لرجل استغل كل خطوة يقوم بها الغرب تقريبًا باعتبارها إهانة في حق روسيا؛ وربما في حقه أيضًا. وفي ظل تزايد المظالم، جزءًا بجزء، سنة بعد سنة، كان التمييز غير واضح. في الواقع، أصبح بوتين رمزًا للدولة، واندمج مع روسيا، وانصهرت مصائرهم في رؤية مسيانية متزايدة للمجد الإمبراطوري المستعاد.
من رماد الإمبراطورية
قالت كوندوليزا رايس، وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة التي اجتمعت عدة مرات مع بوتين خلال فترة ولايته الأولى: “أعتقد أن بوتين رأى أن إغراء الغرب له سيكون مفيدًا لبناء روسيا عظيمة بشكل رئيسي، فلقد كان دائمًا مهووسًا بالروس المحاصرين خارج روسيا بسبب تفكك الاتحاد السوفييتي والبالغ عددهم 25 مليون روسي، وقد تطرق إلى هذه القضية مرارًا وتكرارًا، ولهذا السبب؛ كانت نهاية الإمبراطورية السوفييتية بالنسبة له أكبر كارثة في القرن العشرين”.
ولكن إذا كان الضغينة الوحدوية لا تزال كامنة، بالاقتران مع شكوك بشأن الجاسوسية السوفييتية في الولايات المتحدة، فإن لدى بوتين أولويات أولية أخرى؛ فلقد كان خادمًا وطنيًّا للدولة، وكانت روسيا ما بعد الشيوعية في التسعينيات مجرد دولة منقسمة، برئاسة بوريس يلتسين، أول زعيم منتخب في انتخابات حرة في البلاد.
وفي سنة 1993، أمر يلتسين البرلمان بشن هجوم لقمع تمرد ضده، أسفر عن مقتل 147 شخصًا؛ قام على إثره الغرب بتزويد روسيا بالمساعدات الإنسانية، بسبب انهيار اقتصادها بشكل مروع، وانتشار الفقر؛ حيث تم بيع قطاعات كبيرة من الصناعة مقابل مبالغ زهيدة لطبقة ناشئة من الأوليغارشية، وكان كل هذا بالنسبة إلى بوتين بمثابة أذىً متعمَّدًا وإذلالًا.
من جانبه؛ قال كريستوف هيوسجن، الذي كان بين سنتي 2005 إلى 2017 كبير المستشارين الدبلوماسيين للمستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل، إنه “كره ما حدث لروسيا، وكره فكرة أن الغرب يجب أن يساعدها. وكان أول بيان سياسي لبوتين للحملة الرئاسية لسنة 2000 يدور حول عكس الجهود الغربية لنقل السلطة من الدولة إلى السوق، وقد جاء في ذلك البيان “بالنسبة للروس، فإن الدولة القوية ليست حالة شاذة يجب محاربتها. بل إنها مصدر النظام وراعيته، والمبادرة والدافع الرئيسي لأي تغيير””.
لكن بوتين لم يكن ماركسيًّا، حتى لو أعاد ترديد النشيد الوطني لعهد ستالين؛ فلقد شهد كارثة الاقتصاد المركزي المخطط، في كل من روسيا وألمانيا الشرقية؛ حيث شغل منصب عميل استخبارات بين سنتي 1985 و1990.
سيعمل الرئيس الجديد مع الأوليغارشية التي أوجدتها الرأسمالية الفوضوية والسوق الحرة والمحسوبية؛ طالما أظهروا الولاء المطلق، وإذا فشلوا في تحقيق ذلك، فسيتم سحقهم نهائيًّا، وإذا كانت هذه هي الديمقراطية، فإنها تمثل “ديمقراطية سيادية”، وهو مصطلح تبناه كبار الاستراتيجيين السياسيين لبوتين، تأكيدا على الكلمة الأولى.
برز هذا المصطلح، إلى حد ما، في مسقط رأسه سانت بطرسبرغ، التي أسسها بطرس الأكبر في بداية القرن الثامن عشر باعتبارها “نافذة على أوروبا”، من خلال تجربته السياسية الأولى هناك منذ سنة 1991 حيث عمل في مكتب رئيس البلدية لاستقطاب المستثمرين الأجانب، حيث بدا أن بوتين منفتح تدريجيًّا على الغرب في بداية حكمه.
وفي حديثه مع الرئيس بيل كلينتون في سنة 2000، أشار إلى إمكانية انضمام روسيا إلى حلف الناتو، بيد أن هذه الفكرة لم تتحقق، وأبرم بوتين اتفاقية شراكة روسية مع الاتحاد الأوروبي في سنة 1994/ وتم إنشاء مجلس مشترك بين الناتو وروسيا في سنة 2002. وتنافس الرجل القادم من بطرسبورغ مع هومو سوفيتيكوس.
لقد كان هذا العمل ينطوي على موازنة دقيقة، والذي كان بوتين المنضبط مستعدًا للتعامل معه، غفي الفيلم الوثائقي بعنوان “مقابلات بوتين” الذي صدر سنة 2017، قال بوتين للمخرج السينمائي الأمريكي أوليفر ستون إنه “يجب ألا تفقد السيطرة أبدًا”، ووصف نفسه ذات مرة بأنه “خبير في العلاقات الإنسانية”. ولم يكن المشرعون الألمان الوحيدين المفتونين بهذا الرجل المتبلد عاطفيا والمتصلب، والذي تم شحذه كعميل استخباراتي.
من جهتها؛ قالت سيلفي بيرمان، السفيرة الفرنسية في موسكو من سنة 2017 إلى سنة 2020، “يجب أن تفهموا، إنه من الاستخبارات السوفييتية، أي أنه يمتهن الكذب، وهذا ليس ذنبه. إنه مثل المرآة، يتكيف مع ما يراه، بالطريقة التي تدرب بها”.
قبل بضعة أشهر من خطاب البوندستاغ؛ فاز بوتين على الرئيس جورج دبليو بوش، الذي قال، بعد اجتماعهما الأول في حزيران/ يونيو 2001، إنه نظر في عيني الرئيس الروسي، وعرف “نواياه” ووجد أنه “صريح جدًّا وجدير بالثقة”؛ يُذكر أن يلتسين، الذي يتبنى الفكرة نفسها، عيّن بوتين خلفًا له بعد ثلاث سنوات فقط من وصوله إلى موسكو في سنة 1996.
أخبرني ميخائيل خودوركوفسكي، الذي كان أغنى رجل في روسيا قبل أن يخدم عقدًا في مستعمرة عقابية في سيبيريا وتفككت شركته بالقوة، في مقابلة أجريت معه في سنة 2016 في واشنطن، إن “بوتين يوجه نفسه بدقة شديدة إلى شخص ما. إذا كان يريدك أن تحبه، فسوف تحبه”.
قابلت خودوركوفسكي آخر مرة في موسكو في تشرين الأول/ أكتوبر 2003، قبل أيام فقط من اعتقاله من قبل عناصر مسلحة بتهم الاختلاس، وكان يتحدث معي في ذلك الوقت عن طموحاته السياسية الجريئة؛ والتي تعد بمثابة إهانة للذات غير مقبولة بالنسبة لبوتين.
صعود سلطوي
كانت الملكية الرئاسية المحصنة خارج موسكو مريحة ولكنها ليست منمقة؛ ففي سنة 2003، لم تكن أذواق بوتين الشخصية تعكس مستوى من الفخامة والعظمة، فقد كان حراس الأمن يتسكعون في الأرجاء، وهم يحدقون في أجهزة التلفزيون التي تعرض عارضات الأزياء على مدارج ميلانو وباريس.
لقد جعلنا بوتين ننتظر لساعات طويلة، وهو ما يحب أن يفعله دائمًا، وبدا الأمر وكأنه توضيح بسيط لمدى استعلائه، ووقاحته التي طالت السيدة رايس، على غرار إحضار كلبه إلى اجتماع مع السيدة ميركل في سنة 2007 رغم علمه أنها تخاف من الكلاب، وقالت ميركل حينها “إنني أتفهم سبب قيامه بذلك. لإثبات أنه رجل”.
عندما بدأت المقابلة مع ثلاثة من صحفيي نيويورك تايمز، كان بوتين ودودًا ومُركّزًا ويُظهِر إلمامًا قويًّا بالتفاصيل. وقال: “إننا نتبنّى بحزم تطوير الديمقراطية واقتصاد السوق”، مشيرًا إلى أن الشعب الروسي أوروبيٌّ في عقليته وثقافته، وتحدّث عن “علاقات جيدة ووثيقة” مع إدارة بوش، على الرغم من حرب العراق، وقال إنّ “المبادئ الأساسية للإنسانية – حقوق الإنسان وحرية التعبير – تظل أساسية لجميع البلدان” مؤكّدًا أن أعظم أعظم درس تعلمه هو “احترام القانون”.
في ذلك الوقت؛ كان بوتين يقمع وسائل الإعلام المستقلة، ويخوض حربًا وحشية في الشيشان سوّى فيها عاصمتها غروزني بالأرض؛ ومنح المسؤولين الأمنيين – المعروفين باسم سيلوفيكي – أدورًا رئيسية في حكومته؛ والذين كانوا في كثير من الأحيان أصدقاء قدامى في سانت بطرسبرغ، مثل نيكولاي باتروشيف، الذي يشغل الآن منصب سكرتير مجلس الأمن التابع في الكرملين، وكان ما يميّز ضابط المخابرات السوفييتي هو كثرة الشك.
عندما سُئِل الرئيس عن أساليبه، انزعج مشيرًا إلى أنّ أمريكا لا يمكنها أن تدّعي المُثُل الأخلاقية الرفيعة، مستشهدًا بمَثَل روسي يقول “لا ينبغي أن تنتقد المرآة إذا كان وجهك مُشوّهًا”.
كان الانطباع السائد عن بوتين أنّ نظراته الواثقة تُخفِي في طيّاتها شخصية مضطربة ومتناقضة، فقد قال ميشيل إلتشانينوف، المؤلف الفرنسي لكتاب “داخل عقل فلاديمير بوتين”، إنّ خطابه اتّخذ طابعًا من الليبرالية في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، لكنّ هوس استعادة القوة الإمبريالية الروسية مدفوعة بالانتقام من تراجع روسيا المُتصوّر مع وصف الرئيس باراك أوباما لها بأنها “قوة إقليمية” كانت دائمًا الدافع العميق بوتين.
وُلِد بوتين سنة 1952 في مدينة كانت تُدعى آنذاك لينينغراد، ونشأ في ظل حرب السوفييت ضد ألمانيا النازية، والمعروفة لدى الروس باسم “الحرب الوطنية العظمى”؛ حيث أُصيب والده بجروح بالغة، فيما تُوّفي شقيقه الأكبر خلال الحصار الألماني الوحشي للمدينة الذي استمر 872 يومًا، وعمل جده طباخًا لدى ستالين.
كان للتضحيات الهائلة التي قدّمها الجيش الأحمر في هزيمة النازية أثرٌ ملموس في عائلته المتواضعة، كما هو الحال بالنسبة للعديد من الروس من جيله، والتي علّمت بوتين الشاب ـ على حد تعبيره ـ أنّ “الضعفاء يُهزمون”.
قال إلتشانينوف، الذي كان أجداده جميعهم من الروس: “لم يأخذ الغرب في الحسبان بشكل كاف مدى استحواذ أسطورة القوة السوفييتية والتضحية العسكرية وطابعها الانتقامي على عقله؛ إنه يؤمن بشدة أن الرجل الروسي مستعد للتضحية بنفسه من أجل فكرة، بينما الرجل الغربي يحب النجاح والرفاهية”.
جلب بوتين قدرًا من هذه الرفاهية إلى روسيا في السنوات الثماني الأولى من رئاسته، فقد ازدهر الاقتصاد، وتدفق الاستثمار الأجنبي، وقال ألكسندر غابوييف، الزميل الأول في مركز كارنيغي موسكو: “ربما كان هذا هو أسعد وقت في حياة البلاد، مع قدر من الازدهار ومستوى من الحرية لم يُسبق له مثيل في التاريخ الروسي”.
وأضاف غابوييف؛ الذي فرّ مثل الآلاف من الليبراليين الروس إلى إسطنبول منذ بدء الحرب في أوكرانيا: “كان هناك الكثير من الفساد وتمركُز الثروة، ولكن كان هناك صعود مُلاحَظ للناس الفقراء، ويُذكر أن جميع المواطنين الروس في التسعينيات كانوا يعانون من الفقر، أما الآن يمكن للطبقة الوسطى قضاء إجازتها في تركيا أو فيتنام”.
كانت مشكلة بوتين تكمن في رؤيته أن حكم القانون يساعد في تنويع الاقتصاد؛ فقد درس القانون في جامعة سانت بطرسبرغ وادّعى أنه يحترمه، لكنه أثبت في الواقع أنّ السلطة هي حجر الأساس له، حيث قال غابوييف مُعلّقًا: “لِمَ يتقاسم السلطة في حين أنه يستطيع العيش على النفط والغاز والموارد الطبيعية الأخرى وإعادة التوزيع الكافية لإرضاء الناس؟”، وحيال ذلك؛ عبّر المؤرخ البارز عن الفاشية تيموثي سنايدر قائلًا: “بعد أن فكّر في بناء دولة استبدادية شعارها حكم القانون، أصبح ببساطة رئيس الأوليغارشية وحوّل الدولة إلى الآلة المُنفّذة لمصالح حاشيته الأوليغارشية”.
ومع ذلك؛ احتاجت أكبر دولة على وجه الأرض، والتي تمتد عبر 11 منطقة زمنية، إلى أكثر من مجرد انتعاش اقتصادي لتقف شامخة مرة أخرى. نشأ بوتين في عالم سوفيتي كان يرى أن روسيا ليست قوة عظمى ما لم تُهيمن على جيرانها، رغم تحدّي البلاد المجاورة لتلك العقيدة.
في تشرين الثاني/نوفمبر من سنة 2003، وضعت ثورة الورود في جورجيا البلد على المسار الغربي، وشهدت سنة 2004 توسُّعًا ثانيًا لحلف الناتو بعد الحرب الباردة، الذي امتد ليشمل إستونيا وليتوانيا ولاتفيا وبلغاريا ورومانيا وسلوفاكيا وسلوفينيا، واندلعت احتجاجات شوارع ضخمة في أوكرانيا عُرفت بالثورة البرتقالية، وقد نشأت تلك المظاهرات على إثر رفض موسكو لتبنّي المستقبل الغربي.
تحوّل بوتين من مرحلة التعاون إلى مرحلة المواجهة مع الغرب، ورغم اتّخاذ هذا التحوُّل وتيرة بطيئة إلا أنّ الاتجاه العام قد تم تحديده، فقد سألته ذات مرة أنجيلا ميركل عن أكبر خطأ ارتكبه، فأجاب: “أني وثِقْتُ بكم”.
صدام مع الغرب
منذ سنة 2004، أصبح من الواضح وجود تشدُّد واضح لروسيا تحت حكم بوتين، وهو ما وصفته وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس بأنها “حملة بدأوا فيها بتدوير روايات الضعف ومهاجمة الديمقراطية”.
ألغى الرئيس الانتخابات المحلّية في أواخر سنة 2004، وحوّلهم إلى خُدّام للكرملين، وبدا التلفزيون الروسي مثل التلفزيون السوفيتي في دعايته المكثّفة.
في سنة 2006، قُتلت الصحفية الاستقصائية آنا بوليتكوفسكايا التي كانت تنتقد انتهاكات الحقوق في الشيشان في موسكو في عيد ميلاد بوتين. وفي لندن، قُتِل ألكسندر ليتفينينكو، أحد مُعارضي الكرملين وعميل المخابرات السابق، الذي أطلق على روسيا لقب “دولة المافيا” على إثر تسميمه بمادة مُشعّة من قبل الجواسيس الروس.
بالنسبة لبوتين، فإنّ توسع الناتو في البلدان التي كانت جزءًا من الاتحاد السوفييتي أو إمبراطوريته في أوروبا الشرقية بعد الحرب يُمثّل خيانة أمريكية، لكن يبدو أن تهديد الديمقراطية الغربية الناجحة على حدود دولته قد تطور إلى تهديد ملموس بشكل خطير لنظامه القمعي المتزايد.
قال وزير الخارجية الألماني السابق يوشكا فيشر الذي التقى بوتين عدة مرات: “كابوس بوتين ليس الناتو، بل الديمقراطية. إنها الثورات المُلوّنة والآلاف من الناس في شوارع كييف. وبمجرد اعتناقه أيديولوجية إمبريالية عسكرية كأساس لروسيا كقوة عالمية، لم يكن قادرًا على تحمل ذلك”.
على الرغم من أنّ بوتين قد اعتبر أوكرانيا ذات الميول الغربية تهديدًا للأمن الروسي، إلا أنها كانت تشكل تهديدًا مباشرًا لنظام بوتين الاستبدادي نفسه، قال وزير الخارجية البولندي السابق راديك سيكورسكي: “بوتين مُحِق بالطبع في أنّ أوكرانيا الديمقراطية الناجحة والمتناغمة مع أوروبا هي تهديد خطير للبوتينية”؛ مشيرًا إلى أهمية هذه المسألة أكثر من عضوية الناتو.
لا يتقبّل بوتين التهديدات الخطيرة؛ الحقيقية منها وحتى المُتصوّرة، وبحلول سنة 2006، أثبت أن نفره من ضعفه يدفعه لاستخدام العنف كوسيلة لإظهار القوة، ومع ذلك، كانت الديمقراطيات الغربية بطيئة في استيعاب هذا الدرس الأساسي، الذين احتاجوا إلى روسيا، ليس فقط من أجل النفط والغاز، بل لأنّ بوتين – الذي كان أول من اتصل بالرئيس بوش بعد هجمات 11 سبتمبر – اعتُبٍِر حليفًا محتملاً مهمًا فيما أصبح يسمى بالحرب العالمية على الإرهاب، الأمر الذي تناغم مع حربه في الشيشان مع ميل لرؤية نفسه كجزء من معركة حضارية لصالح المسيحية.
لكن بوتين كان أقل ارتياحًا تجاه “أجندة الحرية” التي أعلنها بوش في حفل تنصيبه الثاني في كانون الثاني/يناير في 2005، وهو التزام بتعزيز الديمقراطية في جميع أنحاء العالم على غرار رؤية المحافظين الجدد، وفي كل حركة من أجل الحرية، تنبّه بوتين إلى اليد الخفية للولايات المتحدة، وأدرك لماذا لم يُدرِج بوش روسيا في برنامجه الطموح.
عند وصول ويليام بيرنز إلى موسكو كسفير للولايات المتحدة في 2005 ـ الذي يعمل الآن في وكالة المخابرات المركزية ـ أرسل برقية تُبدّد تفاؤل ما بعد الحرب الباردة؛ حيث كتب يقول: “إن روسيا كبيرة جدًا وفخورة جدًا ومُدرِكة تمامًا لتاريخها بأنه لا يتناسب بدقة مع” أوروبا كاملة وحرة”، كما أشار في مُذكّرته التي كانت بعنوان “القناة الخلفية” أنّ ” اهتمام روسيا بلعب دور مميز كقوة عُظمى من شأنه أن يتسبّب في مشاكل كبيرة في بعض الأحيان”.
عندما التقى الرئيس الفرنسي الأسبق، فرانسوا هولاند، بالرئيس بوتين بعد عدة سنوات، تفاجأ عندما لاحظ أنه يشير إلى الأمريكيين باسم “يانكيز” وبعبارات لاذعة، إذ قال له بوتين إن هؤلاء اليانكيين “أذلونا، ووضعونا في المركز الثاني”، وأن الناتو كان منظمة “عدوانية بطبيعتها”، استخدمتها الولايات المتحدة لممارسة الضغط على روسيا، وحتى لتوجيه الحركات الديمقراطية.
قال هولاند: “لقد عبر عن رأيه ببرودة وحذر، فهو رجل يريد دائمًا إظهار تحليه بالعزيمة والعناد ولكن أيضًا في شكل إغواء ولطافة، وهو مزيج يتناوب مع الانفجارات الوحشية، مما يجعلها أكثر فعالية”.
كلما زادت ثقته في سلطته، زاد عداء بوتين تجاه الولايات المتحدة الذي شكّل شخصيته سابقًا، كما عمّق قصف الناتو لبلغراد في عام 1999 أثناء حرب كوسوفو، وغزو الولايات المتحدة للعراق في عام 2003، شكوكه تجاه التذرع الأمريكي بشأن ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي. واقتناعًا منه باستثنائية روسيا، ومصيرها الحتمي في أن تكون قوة عظمى، لم يستطع بوتين تحمل فكرة الخصوصية الأمريكية، ورؤية أمريكا وهي تفرض قوتها بحجّة المصير الفريد، وهي مهمة متأصلة في نشر الحرية في العالم الذي تمثّل فيه الولايات المتحدة المهيمن الوحيد.
بلغت هذه الضغائن ذروتها في خطاب بوتين الشرس في عام 2007 أمام مؤتمر ميونيخ للأمن؛ حيث صرح أمام جمهور مصدوم: “لقد تجاوزت إحدى الدول، وهي بالطبع الولايات المتحدة، حدودها الوطنية بكل الطرق الممكنة”، وقد فُرض “عالم أحادي القطب” بعد الحرب الباردة مع “مركز واحد للسلطة، ومركز واحد للقوة، ومركز واحد لصنع القرار”.
وكانت النتيجة عَالَمًا “يسيطر عليه سيد واحد وملك واحد وفي نهاية المطاف يكون هذا ضارًّا، لا بل “خطيرًا للغاية”، مما أدى إلى “عدم شعور أي أحد بالأمان”.
التهديد الذي يمثّله توسع الناتو
بعد خطاب ميونيخ، ما زالت ألمانيا تعلق آمالا على بوتين، إذ عملت ميركل، التي نشأت في ألمانيا الشرقية، وتتحدث اللغة الروسية، على بناء علاقة معه، كما وضع بوتين طفليه في مدرسة ألمانية في موسكو بعد عودته من دريسدن، وكان أيضا يحب الاقتباس من القصائد الألمانية، وأشار كبير مستشاري ميركل الدبلوماسيين، كريسفوف هيوسجن، إلى أن “هناك تقاربًا وتفاهمًا”.
مع ذلك؛ فإن العمل مع بوتين لا يعني إملاء ما يجب فعله عليه، فقد قال هيوسجن: “لقد اعتقدنا بشدة أنه لن يكون من الجيد ضم جورجيا وأوكرانيا إلى الناتو، لأنهم سيسبّبون عدم الاستقرار”، كما أشار هيوسجن إلى أن المادة 10 من معاهدة الناتو تنص على أن أي عضو جديد يجب أن يكون في وضع يسمح له “بالمساهمة في أمن منطقة شمال الأطلسي”، لكن لم يتضح لميركل كيف ستتمكّن الدولتان المتنازعان تحقيق ذلك.
في المقابل؛ لم تكن الولايات المتحدة، حين كانت تحت رئاسة بوش في العام الذي سبق ذلك، في حالة مزاجية مناسبة لتقديم التنازلات؛ فقد أراد بوش وضع “خطة عمل عضوية”، لأوكرانيا وجورجيا، وهي عبارة عن التزام محدد يهدف لجمع البلدين في حلف، ليتم الإعلان عنه في قمة الناتو في نيسان/أبريل 2008 في بوخارست، ونظرا لأن توسع الناتو قد ضمن أمن وحرية 100 مليون أوروبي تم تحريرهم من الاستبداد السوفييتي، فلا ينبغي أن يتوقف ذلك.
عارض السفير بيرنز هذه الفكرة؛ حيث كتب في رسالة سرية إلى السيدة رايس آنذاك: “إن انضمام أوكرانيا إلى الناتو كان من أخطر الخطوط الحمراء بالنسبة للنخبة الروسية (وليس بوتين فقط)، خلال أكثر من عامين ونصف العام من المحادثات مع الأطراف الروس الرئيسيين، من بينهم المتعصبون داخل الكرملين وأشد النقاد الليبراليين لبوتين، لم أجد بعد أي شخص ينظر إلى انضمام أوكرانيا إلى الناتو على أنه أي شيء بخلاف تحد مباشر للمصالح الروسية”.
بالفعل، في شباط/فبراير 2008، اعترفت الولايات المتحدة والعديد من حلفائها باستقلال كوسوفو عن صربيا، وهو إعلان أحادي الجانب رفضته روسيا باعتباره غير قانوني واعتبرته إهانة لدولة سلافية مجاورة، وتذكر السفيرة الفرنسية السابقة في موسكو، بيرمان، التحذير الذي وجّهه لها وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، في ذلك الوقت قائلًا: “كوني حذرة، ما حصل يعدّ سابقة، وسوف يستخدم ضدك”.
انضمت فرنسا إلى ألمانيا في بوخارست وعارضت خطة عمل البحر المتوسط المخصّصة لجورجيا وأوكرانيا، وأفادت رايس: “لم تكن ألمانيا تريد أي شيء، وقالت إنه لا يمكنك ضمّ بلد به نزاع متجمد مثل جورجيا”، في إشارة إلى المواجهة المتوترة بين جورجيا والجمهوريات الانفصالية المدعومة من روسيا والمعلنة ذاتيا، أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، ورد وزير الخارجية البولندي، سيكورسكي، على هذا الكلام قائلا: “لقد كنتم في صراع مجمّد منذ 45 عامًا!”.
كان الحل الوسط فوضويًّا؛ حيث جاء في بيان قادة الناتو أن أوكرانيا وجورجيا ستصبحان أعضاء في الناتو، لكنها لم تصل إلى حد المصادقة على خطة عمل من شأنها أن تجعل هذه العضوية ممكنة، لقد تُركت أوكرانيا وجورجيا بوعد أجوف، وفي انتظار أن تنضما إلى أجل غير مسمى إلى منطقة إستراتيجية محرمة، بينما كانت روسيا غاضبة، وتعطي لمحة عن الانقسام الذي يمكن أن تستغله لاحقًا، في آن واحد.
وقال توماس باغر، المستشار الدبلوماسي للرئيس الألماني المغادر: “اليوم ننظر إلى البيان ونعتقد أنه كان أسوأ قرار على الإطلاق”.
جاء بوتين إلى بوخارست وألقى ما وصفته رايس بأنه “خطاب عاطفي”، مشيرًا إلى أن أوكرانيا بلد مصطنع، وأن 17 مليون روسي متواجدون هناك، كما وصف كييف بأنها أم جميع المدن الروسية، وهو ادعاء من شأنه أن يتطور إلى هوس. لم يكن خطاب بوتين مفاجئًا بالنسبة إلى سيكورسكي، الذي تلقى رسالة في ذلك العام من فلاديمير جيرينوفسكي، وهو قومي روسي شرس كان آنذاك نائب رئيس مجلس الدوما، أشار فيها إلى أن بولندا وروسيا تقسمان أوكرانيا ببساطة، وقال السيد سيكورسكي: “لقد رفضت الرد على ما يحصل، فنحن لا نفكّر في تغيير الحدود”.
على الرغم من كل تلك الاختلافات حينها، لم يكن بوتين قد تحوّل بعد إلى عدو صريح، فقد توجه الرئيس بوش والسيدة رايس إلى منتجع بوتين المفضل في سوتشي على ساحل البحر الأسود؛ حيث عرض بوتين المواقع التي ستقام فيها دورة الألعاب الأولمبية الشتوية 2014، وقدمهما إلى ديمتري أ.ميدفيديف، وهو مساعده منذ فترة طويلة والذي سيصبح رئيسًا في أيار/مايو، كجزء من مناورة مصممة لاحترام حدود فترة الولاية التي يفرضها الدستور الروسي، وتمكين بوتين من العودة إلى الكرملين في عام 2012 بعد أن يقضي فترة 4 سنوات كرئيس للوزراء.
بعد ثلاثة أشهر، اندلعت حرب استمرت خمسة أيام في جورجيا، وصفتها روسيا بأنها عملية “لفرض السلام”، بعد أن تسببت روسيا في هجوم متهور داخل جورجيا على قواتها العميلة في أوسيتيا الجنوبية؛ فقامت بغزو البلاد. لقد كان هدف روسيا الإستراتيجي تحييد أي طموحات من أجل عضوية جورجيا في الناتو، ويمكن القول بأنها حقّقت ذلك إلى حد كبير. لاحقًا، اعترفت موسكو باستقلال أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، ودمجتهما في روسيا، وبهذه الطريقة رسم بوتين، بأسلوبه المتعمد، أول نقطة في خطّته، دون مواجهة أي رد غربي ذي مغزى.
نحن في مواجهة الآخرين
في 7 مايو / أيار 2012، تردد صدى 30 طلقة تحية في موسكو واعتقل ضباط شرطة مكافحة الشغب الذين كانوا يلبسون ملابس مموهة المتظاهرين المعترضين على الذي عاد إلى منصبه في الرئاسة الروسية؛ حيث كان حاقدًا وأكثر اقتناعًا بالغدر والانحطاط الغربيين، كما تغيّر من نواح عديدة.
أدى اندلاع الاحتجاجات الكبيرة في الشوارع قبل خمسة أشهر، التي حمل خلالها المتظاهرون لافتات كتب عليها “بوتين لص”، إلى ترسيخ قناعته بأن الولايات المتحدة مصممة على التسبب في ثورة ملونة في روسيا، واندلعت المظاهرات بعد الانتخابات البرلمانية في كانون الأول/ديسمبر 2011؛ حيث اعتبر المراقبون المحليون والدوليون على نطاق واسع أنها مزورة، لكن تمّت السيطرة على الاضطرابات في نهاية المطاف.
اتهم بوتين وزيرة الخارجية آنذاك، هيلاري كلينتون، بأنها المحرض الأساسي لما يحدث، قائلًا: “إنها جهّزت الأرضية لبعض الأطراف الفاعلة في بلدنا ثمّ أعطتهم إشارة الانطلاق”، وردّت كلينتون على ذلك بقولها، تماشيًا مع القيم الأمريكية: “لقد عبرنا عن مخاوفنا التي نعتقد أنها مبنية على أسس صحيحة فيما يتعلّق بسير الانتخابات”.
حاولت إدارة أوباما في عدة مناسبات “إعادة ضبط” العلاقات مع روسيا على مدى السنوات الأربع التي قضاها ميدفيديف المعروف باعتداله، والذي لطالما كان مدينا لبوتين، في منصبه.
رفضت واشنطن التي كانت تركّز آنذاك على هزيمة القاعدة فكرة تشكيل بوتين تهديدًا خطيرًا للمصالح الأمريكية. وقد سخر أوباما من الحاكم ميت رومني لقوله إن روسيا تمثّل أكبر تهديد جيوسياسي تواجهه الولايات المتحدة. وقال أوباما في مناظرة رئاسية سنة 2012 وكان يغلب على لهجته الازدراء “لقد انتهت الحرب الباردة منذ 20 سنة”.
امتنعت روسيا تحت الضغط الأمريكي عن التصويت في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة سنة 2011 لصالح التدخل العسكري في ليبيا، الأمر الذي سمح باتخاذ “جميع التدابير اللازمة” لحماية المدنيين. وقد غضب الرئيس الروسي عندما تحولت أهداف هذه المهمة إلى السعي للإطاحة بالعقيد معمر القذافي الذي قتلته القوات الليبية. ومثّل ذلك تأكيدا آخر على خرق الولايات المتحدة للقانون الدولي.
كان هناك شيء آخر قيد العمل. قال مارك ميديش، المدير الأول للشؤون الروسية والأوكرانية والأوراسية في مجلس الأمن القومي في عهد كلينتون: “لقد كان شبح الإطاحة الوحشية بالقذافي يطارده، وقيل لي إنه أعاد تشغيل مقاطع الفيديو مرارًا وتكرارًا”. لقد بدى إقصاء الدكتاتور مسألةً شخصية.
يرى ميشيل دوكلو، السفير الفرنسي السابق في سوريا والمستشار الخاص الحالي لمركز الأبحاث التابع لمعهد مونتين في باريس، أن الخيار النهائي لبوتين بشأن “إعادة الاستقطاب” يعود لسنة 2012. نهضت الصين عن طريق تقديم خيارات استراتيجية جديدة. قال دوكلو: “لقد أصبح مقتنعًا بتدهور حالة الغرب إثر الأزمة المالية لسنة 2008. وهذا يعني أن طريق التقدم في الوقت الحالي يتمثل في المواجهة”.
في خضم هذا الصدام، سلّح بوتين نفسه بتعزيزات ثقافية ودينية من خلال تنصيب نفسه مدافعًا عن القيم المسيحية الأرثوذكسية المحافظة ضد الانحلال الغربي الذي يسمح بزواج المثليين والنسوية الراديكالية والمثلية الجنسية والهجرة الجماعية وغيرها من مظاهر “الانحطاط الأخلاقي”.
على حد قول بوتين، كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها عازمين على عولمة هذه القيم التخريبية تحت مسمى تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان. ومن جهتها، ستقف القديسة روسيا لهذا التجانس المشين بالمرصاد. وقفت البوتينية، كما حدث الآن، ضد الغرب الكافر والمنحل. ومرة أخرى، لدى موسكو التي كانت واحدة من القوى المحافظة التي ناشدت قادة اليمين في جميع أنحاء أوروبا وخارجها أيديولوجيا.
لكن كل هذا يمثل انعكاسًا لشيء آخر. فعندما سُئل بوتين في الفيلم الوثائقي لأوليفر ستون عما إذا كان يمر “بأيام عصيبة”، أجاب: “أنا لست امرأة، ليست لدي أيام سيئة”. ولكن بعد أن ضغط عليه ستون الذي عادة ما يحترم رغبات الآخرين قليلا، قال الرئيس الروسي إن “هذه فقط طبيعة الأمور”.
في وقت لاحق، سأله ستون عن المثليين والجيش قائلا: “هل لديك مشكلة في الاستحمام في غواصة مع رجل تعلم أنه مثلي؟” ليرد بوتين: “حسنا، أفضل عدم الاستحمام معه. لماذا أُستفزه؟ لكن كما تعلم، أنا أستاذ في الجودو”.
لم يكن بوتين يمزح بشأن تحديه المحافظ للثقافة الغربية، وهو ما سمح له بتعزيز قاعدة الدعم في أوروبا بين صفوف الأحزاب اليمينية المتشددة مثل التجمع الوطني الفرنسي، الذي أخذ قرضًا من بنك روسي. وقد نجحت القومية الأوتوقراطية في إعادة إحياء جاذبيتها متحدية الليبرالية الديمقراطية التي كان الزعيم الروسي يسعى للإعلان عن نهاية صلاحيتها في سنة 2019.
كان لعدد من الكتاب والمؤرخين الفاشيين أو القوميين أصحاب الأفكار الصوفية حول مصير روسيا، أمثال إيفان إيلين الذي يرى أن الجندي الروسي هو “إرادة وقوة وشرف الدولة الروسية”، تأثير على بوتين الذي اعتاد على الاستشهاد بما كتبه إيلين بشكل متكرر: “صلاتي مثل السيف، وسيفي مثل الصلاة”.
حسب المؤرخ سنايدر “بحلول الوقت الذي يعود فيه بوتين إلى الكرملين، ستكون لديه أيديولوجي وغطاء روحي لحكمه الفاسد. تمتد روسيا الآن إلى المدى الذي يقرره زعيمها، حيث يتعلق الأمر كله بروسيا الأبدية التي تُمثل مزيجًا من الألف سنة الماضية. لطالما كانت أوكرانيا ملكنا وستبقى دائمًا، لأن الله يقول ذلك، ولا نهتم بالحقائق”.
عندما سافر إلى كييف في تموز/ يوليو 2013 في زيارة للاحتفال بالذكرى السنوية 1025 على تحول الأمير فلاديمير كييف روس إلى المسيحية، تعهّد بوتين بحماية “وطننا المشترك، روسيا العظمى”. وأُقيم في وقت لاحق تمثال لفلاديمير أمام الكرملين.
بالنسبة لأوكرانيا، أصبحت هذه “الحماية” الروسية أكثر من مجرد تهديد مستتر، مهما كانت الروابط الثقافية واللغوية والعائلية الواسعة بين البلدين. قال وزير الخارجية البولندي السابق سيكورسكي: “لقد غزت روسيا بولندا عدة مرات. ولكن تذكّر، روسيا لا تغزو أبدا، إذ لا يتعلق الأمر سوى بمساعدة الأقليات الناطقة باللغة الروسية المهددة بالإبادة”.
زعيم جريء
إن سلطة بوتين التي امتدت لـ 22 سنة تتعلق من نواح عديدة بجرأته المتزايدة. لقد في البداية، كان عازمًا على استعادة النظام في روسيا واكتساب الاحترام الدولي – خاصة في الغرب – وكله قناعةٌ بأن روسيا غنية بعائدات النفط والأسلحة الجديدة عالية التقنية التي يمكن أن تحكم العالم وتنشر القوة العسكرية وتواجه مقاومة ضئيلة.
قالت السفيرة الفرنسية السابقة برمان، التي تابعت عن كثب عسكرة بوتين المستمرة للمجتمع الروسي خلال فترة وجودها في موسكو: “تكمن قوة الروس في الأسلحة وليس الاقتصاد”. وقد صُدمت بشكل خاص من عرض فيديو لأسلحة نووية متطورة تفوق سرعتها سرعة الصوت خلال خطاب للرئيس وجهه إلى الأمة في آذار/ مارس 2018.
أعلن بوتين “لم يستمع إلينا أحد، فاستمعوا إلينا الآن. لقد باءت الجهود المبذولة لاحتواء روسيا بالفشل”.
إذا كان بوتين – كما يعتقد الآن – يُجسّد مصير القوة العظمى لروسيا، فإن كل القيود لن يكون لها فائدة. قالت وزيرة الخارجية السابقة رايس: “عندما التقيت به لأول مرة، كان لزاما علي أن أميل قليلا لفهم ما كان يقوله. لقد رأيت بوتين يتحوّل من شخص خجول إلى حد ما، إلى متغطرس، ومن ثم إلى شخص مهووس مصاب بجنون العظمة”.
على إثر هذا التطور، يبدو أن هناك لحظة مهمة صاحبت قرار أوباما في سنة 2013 بعدم قصف سوريا بعد تجاوز الرئيس السوري بشار الأسد “الخط الأحمر” الأمريكي فيما يتعلق باستخدام الأسلحة الكيماوية. بدلا من ذلك، نقل أوباما قضية الحرب إلى الكونغرس المتردد، وتحت التهديد الأمريكي المستمر والضغط من موسكو، وافق الأسد على تدمير الأسلحة.
يبدو أن هذا التردد ترك انطباعًا لدى بوتين، وهو ما أكده الرئيس الفرنسي السابق هولاند، الذي أعد الطائرات الحربية للمشاركة في الضربة العسكرية المخطط لها قائلا: “لقد كان أمرًا حاسمًا بالنسبة للمصداقية الأمريكية. كان لذلك عواقب، ولا شكّ أن بوتين اعتبر أوباما ضعيفًا”. ومن المؤكد أن بوتين منذ ذلك الحين كثّف جهوده بسرعة لتوسيع القوة الروسية.
من خلال الإطاحة بزعيمها المدعوم من موسكو في انتفاضة شعبية دموية في شباط/ فبراير 2014، ورفضها الفعلي لإغراءات بوتين التي تقدر بمليارات الدولارات للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي الآسيوي بدلًا من السعي وراء اتفاقية شراكة مع الاتحاد الأوروبي، وقعت أوكرانيا في المحظور. بعبارة أخرى، عنى ذلك لبوتين أن شبح الثورة الملونة أصبح واقعًا. وقد أصر على أن ما حدث كان “انقلابًا” مدعومًا من الولايات المتحدة.
أدى ضم شبه جزيرة القرم وتنسيق الصراع العسكري في شرق أوكرانيا إلى إنشاء منطقتين انفصاليتين تدعمهما روسيا. قبل عقدين من الزمان، وتحديدًا في سنة 1994، وقّعت روسيا اتفاقية تُعرف باسم مذكرة بودابست تخلت أوكرانيا بموجبها عن ترسانتها النووية الضخمة لروسيا مقابل التعهّد باحترام سيادتها وحدودها الحالية. ولكن بوتين لم يكن لديه مصلحة في هذا الالتزام.
قال هيوسجن إن نقطة بداية انهيار ميركل كانت عندما سألت بوتين عن “الرجال الخضر الصغار”- الجنود الروس الملثمين – الذين ظهروا في شبه جزيرة القرم قبل ضمها في آذار/ مارس 2014، ولكن بوتين حينها نفى أي علاقة تربطه بهم بشكل غير مقنع. وأضاف هيوسجن: “لقد كذب عليها – أكاذيب، أكاذيب، أكاذيب. ومنذ ذلك الحين، كانت أكثر تشككًا في بوتين. وكانت ستخبر أوباما بأن الزعيم الروسي يعيش في عالم آخر”.
في وقت لاحق، عندما أمر بوتين القوات الروسية بالدخول إلى سوريا، وبدأ القصف الشرس على حلب سنة 2016، أخبرته ميركل بضرورة وقف القصف، ولكن الزعيم الروسي لم يكن لديه أي نية للتوقف.
أورد هيوسجن: “قال إن هناك مقاتلين وإرهابيين شيشان هناك وهو لا يريد لهم العودة، لذا سيقصف حلب بأكملها ليتخلص منهم”، مضيفُا “تلك هي الوحشية بصورتها المطلقة. أعني إلى أي حد ستصل الوحشية؟”.
كان من الواضح أن الأكاذيب والوحشية من الأساليب الجوهرية التي يعتمدها بوتين، ويتضح ذلك لأي مستمع من خلال حديث وزير الخارجية لافروف خلال المؤتمر الأمني في ميونخ 2015. اتهم لافروف، في خطاب عنيف له يصل في حدته إلى درجة خطاب بوتين في سنة 2007، الأوكرانيين “بالعنف القومي” الماجن الذي يتسم بالتطهير العرقي ضد اليهود والروس. وادعى أن ضم روسيا لشبه جزيرة القرم كان نتاج الانتفاضة الشعبيّة المطالبة “بحق تقرير المصير” بموجب ميثاق الأمم المتحدة.
حسب رواية لافروف، اندفعت الولايات المتحدة برغبة جامحة للسيطرة العالمية. وكان على أوروبا، بمجرد انتهاء الحرب الباردة، أن تبني “البيت الأوروبي المشترك”- “منطقة اقتصادية حرة” من لشبونة إلى فلاديفوستوك بدلاً من توسيع نفوذ الناتو شرقًا.
لم يصغِ لذاك الكلام إلا قلة، بينما انزلقت الولايات المتحدة وجُلَّ أوروبا – ناهيك عن الدول الأقرب إلى روسيا – في عقيدة احتواء التهديد الروسي دون أدنى شكّ في هذه العقيدة، معتقدين أن بوتين كان رجلًا عقلانيًا يستخدم القوة بعد أن يزن الأمر من حيث التكاليف والفوائد بجدية، وأن السلام الأوروبي أمرٌ مضمون. لجعل الأوليغارشية الروس من “لندن” موطنًا لهم. وسَعِد حزب المحافظين البريطاني بتلقي التمويل منهم. فرحت الشخصيات البارزة في ألمانيا وفرنسا والنمسا بقبول الوظائف الروسية السهلة ذات الأجور المرتفعة ومن أبرزهم المستشار الألماني السابق غيرهارد شرودر، ورئيس الوزراء الفرنسي السابق فرانسوا فيون. بينما تدفق النفط والغاز الروسي إلى أوروبا.
دافع مثقّفون بارزون، بمن فيهم هيلين كارير دينكو، السكرتيرة الدائمة للأكاديمية الفرنسية والمتخصصة في التاريخ الروسي، بقوة عن بوتين حتى قبيل الحرب في أوكرانيا. وقالت في مقابلة تلفزيونية إن “الولايات المتحدة كرّست نفسها لإهانة روسيا” مشيرة إلى أن تفكيك حلف شمال الأطلسي وحلف وارسو تفكيكاً متزامناً سيقدم للعالم خدمة أفضل. أما دونالد ترامب، بوصفه رئيسًا سابقًا، لم يوجه كلمة انتقاد لبوتين واختار أن يصدّقه على أن يصدق استخبارات بلاده بشأن تدخل روسيا في انتخابات 2016.
قال الدبلوماسي الألماني رفيع المستوى باغر: “بعد فوات الأوان، علينا الآن بدء ما كان علينا فعله منذ زمن بعيد ألا وهو تقوية جيوشنا وتنويع مواردنا الطاقية. لكننا بدلاً من ذلك تابعنا ووسعنا تدفق الموارد من روسيا ومضينا بجيوش ضعيفة”. وأضاف “لم نكن نعي أن بوتين قد أحاط نفسه بالأساطير التاريخيّة وأن تفكيره يسير وفقًا لإمبراطورية عمرها ألف عام. لا يمكنك أن تردع شخصًا بهذه الصفات من خلال العقوبات”.
الحرب في أوكرانيا
أخبرتني السيدة بيرمان أنه قد يحدث ما لا نتوقعه، وخير دليل على ذلك حرب روسيا الاختياريّة على أوكرانيا. فبينما تتكشف لنا أحداثها، استحضرت بيرمان سطورًا من كتاب “الوصمة الإنسانيّة” لفيليب روث: “يتمثّلُ خطر الحقد في أنك حالما تبدأ فيه، تحصل على أضعافه أكثر بمئة مرة مما توقعت. حين تبدأ به، لن تستطيع التوقف”.
في عزلة كوفيد-19، التي تضاعفت على ما يبدو بسبب رُهاب الجراثيم الذي دفع الزعيم الروسي إلى فرض ما أسماه باغر “ترتيبات استثنائية” لأي شخص يقابله، يبدو أن جميع هواجس بوتين بشأن خسارة وطنه لـ 25 مليون روسي عند تفكك الاتحاد السوفيتي قد تبدّدت.
قالت بيرمان التي حياها بوتين بابتسامة حين قدّمت أوراق اعتمادها كسفيرة في 2017: “لقد تغيّر شيء ما… إنه يتحدث بنوع جديد من الغضب والغيظ، نوع من الحماقة”. أصيبت السيدة رايس بنفس الصدمة، مؤكدة “هناك اختلاف بالتأكيد. إنه لا يضبط عواطفه. هناك خطب ما”.
بعد أن التقى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ببوتين، وهو يجلس على الطرف المقابل له من طاولة طولها 20 قدمًا الشهر الماضي، قال للصحفيين على متن طائرته إنه قد وجده أكثر صلابة وعزلة وثباتا أيديولوجيا مما كان عليه في اجتماعهما الأخير في سنة 2019. وصف مساعدو ماكرون بوتين بأنه تغير جسديًا وكان وجهه منتفخًا. ومن جهته، اختار كبير المستشارين الدبلوماسيين للرئيس الفرنسي لفظ “جنون العظمة” ليصف خطابًا ألقاه بوتين قبيل الحرب مباشرة.
كانت فكرة غزو أوكرانيا واضحة في تقرير من 5000 كلمة حول “الوحدة التاريخية للروس والأوكرانيين” كتبه بوتين في عزلته خلال الصيف الماضي ووزعه على أفراد القوات المسلحة. قال بوتين إن “روسيا تعرّضت للسرقة بالفعل” متذرعا بوابل من الحُجج التي تعود للقرن التاسع عشر. وأشار إلى أن أوكرانيا أصبحت الآن موطن “المتطرفين والنازيين الجدد” العازمين على ألّا يتركوا أثرًا لروسيا.
قال أيضًا “لن نسمح أبدًا باستخدام أراضينا التاريخية والمقربين منّا من القاطنين هناك ضد روسيا. وأود أن أقول لكل من تسول له نفسه فعل ذلك، إنكم بهذه الطريقة ستدمرون بلدكم”.
كانت نيته واضحة وجليّة قبل عدة أشهر من الغزو. لقد كان الأمر كذلك بالنسبة للسيد إلتشانينوف، المؤلف الفرنسي، الذي قال: “لقد أثبتت عقيدة الحرب نفسها”، وأضاف “لقد استبدل بوتين الحقيقية بأسطورة”.
ولكن لماذا الآن؟ توصل الرئيس بوتين منذ فترة طويلة إلى أن الغرب ضعيف ومنقسم ومنغمس في الاستهلاك والفحش. تم تنصيب زعيم جديد في ألمانيا بينما كانت فرنسا على وشك إجراء انتخابات. توطدت الشراكة مع الصين. وأقنعته أجهزة الاستخبارات الضعيفة بأن القوات الروسية سيتم استقبالها كمحررين في مساحات واسعة من شرق أوكرانيا، على أقل تقدير. قال باغر إن كوفيد-19 “أشعره بضرورة التحرّك قبل فوات الأوان”.
كان تفسير هولاند، الرئيس الفرنسي السابق، أبسط: “أثملت بوتين نجاحاته الكبيرة خلال السنوات الأخيرة” – في شبه جزيرة القرم وفي سوريا وفي روسيا البيضاء وفي أفريقيا وفي كازاخستان – “إن بوتين يقول لنفسه إنني أتقدم في كل مكان. أين تراجعت؟ لم أتراجع قط!”.
لم يعد الحال كما كان عليه. بضربة واحدة، أيقظ بوتين حلف شمال الأطلسي، وأنهى الحياد السويسري والتوجّه الألماني للسلم بعد الحرب، ووحّد الاتحاد الأوروبي المشتت في معظم الأحيان، وعرقل الاقتصاد الروسي لسنوات قادمة، ودفع بالكثير من المثقفين الروس للهجرة، وعزّز ما نفى وجوده بالمطلق، بأسلوب لا يُمكن محوه: من خلال إحياء القومية الأوكرانية. لقد تفوّق عليه الرئيس الأوكراني النشيط والشجاع فولوديمير زيلينسكي، الرجل الذي سخر منه بوتين بالأمس.
قال غابويف، من أقدم الزملاء في كارنيغي موسكو، المقيم في إسطنبول الآن “لقد تراجع عن إنجازات رئاسته بالمقامرة”. أما هولاند فيعتقد أن “بوتين ارتكب ما لا يمكن غفرانه”.
وصف الرئيس الأمريكي جو بايدن بوتين بأنه “غاشم” و”مجرم حرب” و”قاتل”. وقال في بولندا يوم السبت “حبًا بالله، لا يمكن لهذا الرجل أن يبقى في السلطة”. مع ذلك، لا يزال الزعيم الروسي يحتفظ باحتياطيات كبيرة من الدعم في روسيا، ويحكم سيطرته على الأجهزة الأمنية.
من المعلوم أن السلطة تُفسد صاحبها. ويبدو الفرق شاسعًا بين الرجل الذي فاز بالبوندستاغ في سنة 2001 بخطاب تصالحي وبين الزعيم المجلجل الذي يوبخ “خونة الوطن” الذين يغريهم الغرب والذين “لا يستطيعون الاستغناء عن كبد الإوز أو المحار أو ما يسمى بالحريات الجنسانية”، في خطابه عن الحثالة والخونة هذا الشهر. وحتى إن ظلت الحرب النووية احتمالًا بعيدًا، فإنها اليوم أقل بُعدًا عما كانت عليه قبل شهر – وهو موضوع المحادثات الدائرة على موائد الطعام في جميع أنحاء أوروبا، بينما يسعى بوتين إلى “اجتثاث النازية” من بلد زعيمه يهودي.
بعد جنوح خياله بفكرة دمج روسيا مع الغرب، يبدو الأمر كما لو أن بوتين، الذي سيبلغ 70 عامًا قريبًا، بات يفكر في شيء أعمق في نفسه بكثير من ذلك: عالم طفولته بعد فوز روسيا بالحرب الوطنية الكبرى والتفكير في تحرير الأوكرانيين من النازية، وإحياء بطولة ستالين.
بعد أن أتمّ هجومه على وسائل الإعلام المستقلة، وإصراره على أن الغزو ليس “حرباً” وتصفيته لمنظمة “ميموريال إنترناشيونال”، وهي منظمة حقوق إنسان رائدة تؤرخ الاضطهاد في عهد ستالين، عاد بوتين إلى جذوره في بلد يحكمه المستبدون. وقد أخبرتي روتغن، الذي كان يصفق لبوتين قبل 21 عامًا: “أعتقد أنه في هذه المرحلة إما أنه سيفوز أو ينتهي سواء أكان ذلك سياسيًا أو جسديًا”.
المصدر: نيويورك تايمز