تصاعدت في الأيام القليلة الماضية التصريحات المتبادلة بين المسؤولين الأمريكيين والإيرانيين حول قرب التوصُّل إلى صفقة نووية جديدة، تنهي ماراثون 8 جولات من المحادثات النووية في فيينا، ورغم تصاعد الآمال حول الصفقة النووية المرتقبة، إلا أن هناك تعقيدًا كبيرًا تواجهه إيران في هذا الإطار، وهو في كيفية إقناع الولايات المتحدة بإخراج الحرس الثوري من قائمة المنظمات الإرهابية.
فإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تصرّ على الحصول على ضمانات إيرانية مكتوبة بإيقاف نشاطات الحرس الثوري، فضلًا عن إيقاف الدعم المقدَّم لوكلاء إيران في الشرق الأوسط، كمقدمة لإخراج الحرس من هذه القائمة، وهو ما ترفضه إيران جملةً وتفصيلًا.
هذه الخشية الإيرانية توضّحها العديد من الممارسات الإيرانية في الأيام الماضية، سواء على مستوى المواقف السياسية التي صدرت من المسؤولين الإيرانيين، وفي مقدّمتهم المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، أو حتى في سلوك حلفاء إيران في المنطقة، ومن ذلك تصاعد الهجمات التي تشنّها جماعة الحوثي في الداخل السعودي، مثل التي تعرضت لها شركة أرامكو النفطية في اليومين الماضيين.
تدرك إيران أن قيمتها وتأثيرها الإقليميَّين يتجسدان بفاعلية دور وكلائها، وأن لا قيمة تُذكر من كونها قوة إقليمية مؤثرة دون الحفاظ على تأثير ونفوذ وكلائها، وهو ما يجعل من مسألة الموافقة الإيرانية على تقديم ضمانات مكتوبة للولايات المتحدة مسألة صعبة للغاية.
إذ لا تتوقف الصعوبة الإيرانية في منح هكذا ضمانات على عدم قدرة طهران فحسب، وإنما قد تعيد هكذا ضمانات صياغة العلاقة بين إيران ووكلائها، بل حتى الحلفاء أيضًا، والحديث هنا عن حركة حماس والجهاد الإسلامي، إذ لا يقتصر الأمر على الضمانات المكتوبة لضبط سلوك وكلاء إيران في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وإنما مجمل الصراع الإقليمي الدائر في المنطقة.
وقد أشار موقع “جادة إيران” في تقرير له مؤخرًا، إلى أن طرح هذا المقترح جاء عبر وساطة يقودها رئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته مصطفى الكاظمي، الذي يقود وساطة حالية بين طهران وواشنطن بشأن قضية رفع الحرس الثوري عن قائمة المنظمات الإرهابية.
ويضيف الموقع أن الوساطة انطلقت في أعقاب الهجوم الإيراني الذي استهدف مدينة أربيل شمال العراق، والذي قالت السلطات الإيرانية في ذلك الوقت إنه استهدف مركزًا للموساد الإسرائيلي، وتتكوّن الوساطة من 3 نقاط رئيسية، هي: تقديم إيران تعهد مكتوب بالالتزام بالهدنة في جميع أنحاء المنطقة، وفي مقابل ذلك تشطب الولايات المتحدة الحرس الثوري من قائمة التنظيمات الإرهابية الأجنبية، وتضع جدولًا زمنيًّا لرفع العقوبات من خلال المفاوضات الأمريكية الإيرانية المباشرة، وأخيرًا تشكيل لجنة ثلاثية لمتابعة التزام الطرفين بما تمَّ الاتفاق عليه، ويمكن أن تكون في المستقبل لجنة تنسيق أمني على المستوى الإقليمي.
لماذا تصرّ إيران على مسألة رفع العقوبات عن الحرس الثوري؟
منذ استئناف المحادثات النووية في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، تمسّكت إيران بضرورة التوصل لاتفاق جيّد وقوي يحفظ مصالحها الوطنية ولا يتجاوز خطوطها الحمراء، ومنها رفع العقوبات الأمريكية لا سيما عن الحرس الثوري، حيث صنّف وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، شطب واشنطن اسم الحرس الثوري من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية مطلبًا رئيسيًّا لبلاده في المحادثات، ليصبح الشرط الإيراني عقبة أساسية أمام إحياء الاتفاق النووي.
ولعلّ السبب الرئيسي وراء الإصرار الإيراني على شطب اسم الحرس الثوري من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية، هو إبعاد شبح الحرب عن البلاد، كما أنه وعلى ما يبدو قد وصلت الولايات المتحدة إلى قناعة باستحالة القضاء على هذه المؤسسة من خلال هجوم عسكري، على غرار مهاجمة حركة طالبان في أفغانستان عام 2001.
تدرك إيران أهمية رفع العقوبات الأمريكية المفروضة على الحرس الثوري، فإلى جانب دوره السياسي والأمني في إيران، فإنه يمثل ثاني أكبر مؤسسة اقتصادية بعد المؤسسة الرضوية
وفي هذا الإطار، قال كمال خرازي، مستشار المرشد الأعلى الإيراني، إنه لا تنازل بشأن رفع الحرس الثوري عن قائمة الإرهاب، وذلك في إطار الاتفاق النووي الذي تسعى طهران والقوى العالمية للتوصُّل إليه، وأوضح خرازي، في كلمة له بمنتدى الدوحة الذي يعقد في العاصمة القطرية، أنه من المهم أن ترفع الولايات المتحدة اسم الحرس الثوري عن قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية.
كما أضاف: “إن الحرس الثوري جيش وطني ومن غير المقبول تصنيف جيش وطني كجماعة إرهابية”، كما طالب بتوفير ضمانات بعدم انسحاب واشنطن مجددًا من الاتفاق النووي مستقبلًا، مشيرًا إلى أن الأمر سيحتاج إلى فترة للتحقق من رفع العقوبات المفروضة على طهران.
وردًّا على التشدد الإيراني في هذا السياق، أكّد المبعوث الأمريكي الخاص لإيران، روبرت مالي، في اليوم الثاني من مؤتمر منتدى الدوحة، أن “الحرس الثوري سيظل خاضعًا للعقوبات بموجب القانون الأمريكي، وسيظل تصورنا للحرس الثوري كما هو (…) بغض النظر” عن الاتفاق، الذي رأى أن هدفه ليس “حل هذه المسألة”.
وأضاف أن الولايات المتحدة “لم تقرر شطب الحرس الثوري كمنظمة إرهابية”، مشددًا على أنه “بغض النظر عن ذلك، لن يتم رفع العقوبات عن الحرس الثوري”، مع ضرورة التأكيد هنا على أن الحديث الأمريكي في هذه المسألة يواجه اعتراضًا إقليميًّا كبيرًا، وتحديدًا من قبل “إسرائيل” ودول الخليج، وهي مخاوف تمّت ترجمتها عبر قمة العقبة التي عقدت في الأردن هذا الأسبوع.
تدرك إيران أهمية رفع العقوبات الأمريكية المفروضة على الحرس الثوري، فإلى جانب دوره السياسي والأمني في إيران، فإنه يمثل ثاني أكبر مؤسسة اقتصادية بعد المؤسسة الرضوية، حيث يسيطر عبر مؤسسته الاقتصادية الكبيرة “خاتم الأنبياء” على ما يقارب الـ 850 شركة ومؤسسة وبنك مالي في إيران، إلى جانب سيطرته على ما نسبته 40% من الاقتصاد الإيراني.
هذا فضلًا عن الهرم الاقتصادي الكبير الذي يملكه خارج إيران، وتحديدًا في العراق ولبنان وسوريا وبعض دول أفريقيا، وبالتالي تحظى مسألة رفعه عن لائحة الإرهاب بأهمية كبيرة من قبل القيادة الإيرانية، خصوصًا أنها ستوفر ما يقارب الـ 130 مليار دولار للخزينة الإيرانية، وهي كلها أموال تمَّ تجميدها بسبب العقوبات الأمريكية المفروضة على الحرس الثوري.
إجمالًا، يمكن القول إن مسألة رفع الحرس الثوري عن قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية ستحظى بمزيد من النقاشات الأمريكية الإيرانية في المرحلة المقبلة، خصوصًا أنها مسألة لا تتعلق فقط بسياق العلاقات بين الطرفين، وإنما لها تداعيات كبيرة يمكن أن تنعكس على المشهد السياسي والأمني في المنطقة، وهو ما يجعلها مسألة محفوفة بالمخاطر والتحديات فيما لو تمّت وفق الرؤية الإيرانية الحالية.