ركزت المملكة العربية السعودية في السنوات الأخيرة، اهتمامها على استقطاب كبرى الفرق العالمية والمشاهير في العالم الفني والرياضي، حتى إنها تحولت إلى بلد منظم للتظاهرات الدولية الكبرى، في المجال الرياضي والفني، عملًا برؤية 2030، فما الهدف من ذلك؟
هوس بتنظيم المسابقات والحفلات
تحتضن السعودية حاليًّا السباق الثاني من الموسم الجديد لبطولة العالم لفورمولا 1، التي انطلقت يوم 27 مارس/آذار في جدة، وكان السباق الأول قد انطلق في 1 ديسمبر/كانون الأول الماضي على حلبة كورنيش جدة وشهد انطلاق منافسات جائزة السعودية الكبرى لفورمولا 1 ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
إلى جانب منافسات جائزة السعودية الكبرى لـ”فورمولا 1″، نظمت المملكة في يناير/كانون الأول الماضي بطولة العالم “فورمولا إي” للسيارات الكهربائية في منطقة الدرعية التاريخية على مدار يومين، للمرة الرابعة في المملكة.
بالإضافة إلى ذلك، تحتضن السعودية مسابقات رالي داكار، فبعد عشر سنوات في جنوب أمريكا، وبموجب عقد لخمس سنوات، انتقل في سنة 2020 سباق “رالي الصحراء” أو ما يعرف بـ”رالي دكار” إلى السعودية، واستقطبت النسخة الـ44 لرالي داكار “السعودية 2022” أكثر من 650 مشاركًا، يمثلون 70 جنسية من مختلف أنحاء العالم، ما جعلها النسخة الكبرى من حيث المشاركة في تاريخ الرالي.
تأمل السعودية في استغلال هذه الفعاليات الرياضية والفنية المختلفة لجلب الاستثمارات وإنهاء اعتماد المملكة على الوقود الأحفوري
فضلًا عن ذلك، تحتضن ملاعب السعودية منذ سنة 2019 فعاليات كأس السوبر الإسباني حتى عام 2029 (موعد انتهاء العقد المبرم مع “لا ليغا” (الدوري الإسباني))، ما سيفرض على الجماهير الإسبانية التنقل للسعودية لتشجيع فرقهم.
إلى جانب كأس السوبر الإسباني، احتضنت السعودية أيضًا كأس السوبر الإيطالي لمدة 3 سنوات وتأمل المملكة في الحصول على حقوق استضافته لمدة 6 سنوات مقبلة، لتجدد الاتفاق الذي وقّع بين الطرفين.
كما نجحت السعودية في تنظيم مبارتين جمعتا بين المنتخبين البرازيلي ونظيره الأرجنتيني عامي 2018 و2019 مقابل حصول المنتخبين على أموال ضخمة، وهي المرة الأولى التي تقام مثل هذه المباريات في دولة عربية.
ضمن الرياضات أيضًا احتضنت المملكة بطولة السعودية الدولية للغولف التي أصبحت من أهم البطولات العالمية في الغولف، إذ شارك في نسخة العام الماضي العديد من اللاعبين البارزين بمن فيهم حامل لقب بطولة أمريكا المفتوحة لعام 2020 برايسون ديشامبو، وكيفن نا الفائز خمس مرات ببطولة رابطة لاعبي الغولف المحترفين.
كما تحتضن السعودية منذ سنة 2014 مسابقات المصارعة تحت لواء الاتحاد الدولي للمصارعة، وفي سنة 2019 نظمت في السعودية أول مباراة مصارعة نسائية استعراضية شاركت فيها النجمتان ناتاليا ولايسي إيفانز.
قبل بداية التجارب الحرة الثالثة..
نستذكر معكم اليوم الأول في #فورمولا1_في_السعودية
?| حماس
???| ترفيه
وللمتعة بقية .. #نسابق_المستقبل pic.twitter.com/qXiJtGiIBF
— وزارة الرياضة (@gsaksa) March 26, 2022
كما أقامت السعودية بطولة كأس العالم في الشطرنج بمسمى بطولة الملك سلمان على 3 نسخ، كانت أول نسخة في الرياض سنة 2017 والنسخة التي تليها في سانت بطرسبرغ سنة 2018، وآخر نسخة في موسكو سنة 2019.
لم تستثمر السعودية في المجال الرياضي فقط، إذ اقتحمت المجال الفني الذي ظل لعقود عدّة ضمن المحرمات والمحظورات في المملكة، فنظمت عامي 2019 و2021 مهرجان ساوند ستورم الذي شهد مشاركة نجوم موسيقين عالميين مثل ديفيد غيتا وجيف ميل.
كما أقامت المملكة في السنوات الأخيرة عشرات المهرجانات والحفلات الفنية لفرق موسيقية عالمية على غرار حفل فرقة سوبر جونيور الكورية في جدة وحفل الفنان جاستن بيبر وإنريكي إغليسياس وماريا كاري وأندريا بوتشيلي وجانيت جاكسون و50 سنت وجنيفر لوبيز، وغيرهم من الفنانين العالميين.
فضلًا عن ذلك، استثمرت السعودية أيضًا في مجال السينما، فنظمت في ديسمبر/كانون الأول الماضي مهرجان “البحر الأحمر السينمائي” بمدينة جدة الساحلية، وشمل المهرجان 138 فيلمًا طويلًا وقصيرًا من 67 بلدًا بـ34 لغةً.
بناء صورة ذهنية جديدة عن المملكة عالميًا
تنفق السعودية الكثير من الأموال على هذه الأنشطة الرياضية والترفيهية، سعيًا من نظام المملكة في استثمارها لتلميع وتبييض صورة المملكة التي تشوهت في السنوات الأخيرة بسبب سجلها المشين في مجال حقوق الإنسان، وغالبًا ما ترعى الأنظمة الاستبدادية والديكتاتورية الأحداث الرياضية والفنية العالمية لتلميع صورتها.
ويعتبر تنظيم التظاهرات العالمية الكبرى في شتى المجالات جزءًا من بناء القوة الناعمة للمملكة العربية السعودية، فذلك يمكّن النظام من ربط علاقات مع مشاهير عالم الرياضة والفن والثقافة، وبالتالي توظيف شعبيتهم لتسويق صورة المملكة وتلميعها.
وتمتلك المملكة العربية السعودية سجلًا حافلًا من الانتهاكات المتعلقة بحقوق الإنسان سواء كان في داخل المملكة أم خارجها، فقد تسببت المملكة في قتل آلاف المدنيين في اليمن بما فيهم الأطفال والشيوخ والنساء وضاعفت معاناة اليمنيين وعطلت البنية التحتية ودمرت التراث المعماري للبلاد، من غير أن تحقق نتائج فعلية في القضاء على المتمردين الحوثيين.
السعودية تكون عظمى بدينها فقط
وليس بهيئة ترفيه وحفلات الساقطين والساقطات
— ??الواعي (@wa3i_2020) March 26, 2022
كما تتسارع وتيرة الإعدامات في السعودية وتتزايد عمليات قمع المعارضين، فقد نفذت السلطات خلال شهرين ونصف نحو 100 عملية إعدام على خلفية قضايا مختلفة مرتبطة غالبًا “بالإرهاب”، متجاوزة عدد الإعدامات المنفذة خلال العام الماضي التي شملت 69 شخصًا.
إلى جانب ذلك، تحتجز السعودية نشطاء وناشطات لاتهامات تتعلق بنشاطهم في مجال حقوق الإنسان والتواصل مع صحفيين ودبلوماسيين أجانب، وأثبتت تقارير عديدة تعرضهم للتعذيب والإساءة والتهديد بالاغتصاب والقتل في السجن.
من الانتهاكات التي تلاحق المملكة إلى الآن قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده بإسطنبول على يد عملاء سعوديين في أكتوبر/تشرين الأول 2018، وكانت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن قد أماطت اللثام في شهر فبراير/شباط 2021 عن تقرير للمخابرات الأمريكية أكد ضلوع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في مقتل خاشقجي، إلا أن الأمير محمد ينفي أي تورط له في الحادث.
الترويج للوجهة الاستثمارية والسياحية السعودية
فضلًا عن تبيض صورة المملكة، تتنزل إقامة هذه الحفلات ضمن “رؤية 2030” للأمير محمد بن سلمان، التي تهدف إلى تعزيز الاستثمارات العامة كمحرك للتنوع الاقتصادي وتطوير قطاعات إستراتيجية في المملكة.
وتأمل السعودية في الترويج من خلال هذه الفعاليات للوجهة السياحية السعودية، إذ تعمل على الترويج للوجهات السياحية ذات التنوع الجغرافي والتاريخي، وتسليط الضوء على الموارد الطبيعية والكنوز الأثرية والأماكن التاريخية التي تلبي تطلعات السياح.
ويستهدف القطاع السياحي في المملكة، رفع عدد الزيارات السنوية السياحية إلى 100 مليون زائر بحلول سنة 2030، وتتضمن هذه الزيارات نحو 55 مليون زيارة من الخارج، بالإضافة إلى 45 مليون زيارة من الداخل، مع توفير مليون فرصة وظيفية، وزيادة 10% من الناتج المحلي الإجمالي للدولة.
يمكن للمملكة أن تجلب كبار الفنانين والرياضيين للمشاركة في الحفلات والمسابقات الكبرى لكن لا يمكنها أن تؤثر في جماهير هؤلاء الفنانين
أطلقت الهيئة السعودية للسياحة عام 2019 التأشيرة السياحية، واستهدفت كمرحلة أولى 49 دولة لتسهيل الحصول على التأشيرات السياحية إلكترونيًا أو من خلال منافذ الدخول إلى المملكة ضمن ضوابط تنظيمية محددة.
كما تأمل السعودية في استغلال هذه الفعاليات الرياضية والفنية المختلفة لجلب الاستثمارات وإنهاء اعتماد المملكة على الوقود الأحفوري، إذ تريد المملكة استثمارًا أجنبيًا مباشرًا بمئة مليار دولار سنويًا بحلول سنة 2030، وكان الهدف الأطول أجلًا أن يبلغ الاستثمار الأجنبي المباشر 5.7 % من الناتج المحلي الإجمالي بحلول سنة 2030.
منافسة قطر والإمارات
إلى جانب ذلك، تسعى السعودية من خلال هذه الفعاليات المتنوعة إلى منافسة كل من قطر والإمارات، خاصة مع تأخر المملكة في الاستعداد لعصر ما بعد النفط فالمملكة تحاول الآن الالتحاق بالركب وتسعى لتنويع اقتصادها.
ويبدو أن النظام السعودي بقيادة ولي العهد محمد بن سلمان يحذو حذو جيرانه في دول الخليج من خلال رعاية المسابقات الرياضية الكبرى، وترى السعودية أن اختيار قطر سنة 2010 لاستضافة كأس العالم لكرة القدم 2022 قد رفع من مكانة جارتها لذلك وجب منافستها وعدم ترك الباب مفتوحا أمامها لاستئثار الأنشطة الرياضية في المنطقة.
ويُفهم هذا أيضا من خلال سعي السعودية لإضعاف هيمنة قطر على البث التلفزيوني لكرة القدم، حيث قامت شركة “بي آوت كيو” السعودية بقرصنة إشارة بث كبرى المسابقات القارية والإقليمية، ما كلف الشركة القطرية خسائر كبرى.
أما المسابقات الترفيهية والمهرجانات المقامة في بلاد الحرمين فهدفها منافسة الإمارات التي عُرفت في السنوات الأخيرة باحتضان عديد التظاهرات الفنية الكبرى التي استقطبت خلالها نجوم كبار في عالم الفن والسينما والثقافة.
أهداف غير قابلة للتحقق في الوقت الحاليّ
تبدو هذه الأهداف مهمة لقيادة المملكة العربية السعودية، لذلك تنفق الأموال الطائلة لتحقيقها، لكن هل يمكن حقًا تحقيق هذه الأهداف، خاصة أن الانتهاكات السعودية المتعلقة بحقوق الإنسان متواصلة رغم إنكار السلطات؟ فالحرب على اليمن متواصلة وأيضًا قمع المعارضين لا يهدأ.
يمكن للمملكة أن تجلب كبار الفنانين والرياضيين للمشاركة في الحفلات والمسابقات الكبرى لكن لا يمكنها أن تؤثر في جماهير هؤلاء الفنانين وهو ما يمكن رصده على مواقع التواصل الاجتماعي، فغالبًا ما تتزامن هذه الحفلات مع حملات على مواقع التواصل الاجتماعي للتنديد بالقمع السعودي وسجل المملكة الأسود المتعلق بحقوق الإنسان.
#الحوثيين يقصفوننا يوميا و المملكة مهددة في أمنها و اقتصادها ..
طيب و الحل طال عمرك ؟!
خلاص وزعوا #اليمن .. قسم للامارات و قسم لايران
و #السعودية طال عمرك ؟؟؟
اسكت سود الله وجهك عندنا ترفيه مو فاضيين لليمن#الامارات #قطر #الكويت #مصر
— عبد الله (@AB_H_Syria) March 26, 2022
كما أن الهدف الاستثماري من هذه الفعاليات يبدو صعب التحقق، فهدف استثمار أجنبي مباشر يبلغ 100 مليار دولار يعني أن ينمو الاقتصاد بنسبة 150% وأن يصل حجمه إلى 1.75 تريليون دولار وهو أمر مستبعد في الوقت الحاليّ، خاصة أن المستثمرين يتذكرون ما حصل لنخبة رجال الأعمال السعوديين سنة 2017.
لدى المستثمرين مخاوف جديّة يصعب التغلب عليها بسهولة، خصوصًا بما يتعلق بالشفافية وتعامل النظام السعودي مع رجال الأعمال وأيضًا فيما يتعلق بالضرائب وارتفاع تكاليف التشغيل ونقص العمالة المحلية الماهرة، فضلًا عن عدم توافر الأمن في المملكة مع تواصل هجمات الحوثيين على مواقع إستراتيجية داخل البلاد.