ترجمة وتحرير: نون بوست
تُظهر اللوحة الجدارية قوات الخيالة الهندية وهي تتقدم من كلا الجانبين على جيش بريطاني محاصر وهم يشهرون أسلحتهم. وفي جزء من ساحة المعركة في القرن الثامن عشر، يجلس القائد المنتصر على ظهر فيل يحمل وردة حمراء.
بالنسبة لمؤرخ بريطاني بارز في الهند، فإن هذه القطعة الفنية التي يبلغ طولها 32 قدمًا وبيعت في مزاد علني في لندن يوم الأربعاء، تُمثّل انتصارًا فنيًا ورمزًا قويًا للمقاومة الهندية للإمبريالية البريطانية.
قال العالم ويليام دالريمبل لدار “سوذبيز” للمزادات إن “هذه القطعة الفنية تعتبر أعظم لوحة هندية باقية لهزيمة الاستعمار. إنها عمل فني فريد ورائع”. لكن إرث هذا القائد في الهند الحديثة بات معقدًا. فقد أمضى السياسيّون من الحزب الحاكم في الهند، الذي تبنى بشكل متزايد الخطاب القومي الهندوسي في عهد رئيس الوزراء ناريندرا مودي، سنوات في التقليل من شأن إنجازاته. وكان القائد تيبو سلطان مسلمًا ويقولون إنه مسؤول عن مقتل الهندوس.
بيعت اللوحة الجدارية بعد ظهر الأربعاء في لندن مقابل 630 ألف جنيه إسترليني بما في ذلك الرسوم (أي ما يعادل 830 ألف دولار) دون الإعلان عن مالكها الجديد. وقالت دار “سوذبيز” للمزادات قبل بدء المزاد إن قيمة اللوحة الجدارية كانت تتراوح على الأرجح ما بين 500 ألف جنيه إسترليني إلى 800 ألف جنيه إسترليني. وقد ذكرت شبكة “بي بي سي” في وقت سابق أنباءً عن هذا المزاد.
تتكون اللوحة الجدارية من 10 أوراق كبيرة مثبّتة على قماش يُعتقد أنها صُنعت في أوائل القرن التاسع عشر، وهي تصور معركة بوليلور في سنة 1780 التي تندرج ضمن الحروب الإنجليزية المايسورية التي وقعت في جنوب الهند في ذلك الوقت. وهي لا تحتفي بالقائد تيبو سلطان فحسب، الذي كان في الثلاثين من عمره في ذلك الوقت، وإنما أيضًا بوالده حيدر علي حاكم ولاية مايسور آنذاك.
اليوم، تنتشر المباني الكبرى المرتبطة بتيبو، بما في ذلك أحد المساجد، في مدينة مايسور. كما تروج حكومة ولاية كارناتاكا لهذه المعالم لاستقطاب السياح
كانت مايسور من بين أقوى الولايات التي ظهرت عندما انهارت إمبراطورية المغول في القرن الثامن عشر بعد هيمنتها على شبه القارة الهندية لـ 200 سنة تقريبًا.
خلال العقود التي حكم فيها حيدر علي وابنه تيبو سلطان ولاية مايسور، نُشرت تقارير عن هجماتهم على المستوطنات التجارية البريطانية في الصحف البريطانية، “التي وقع تهويلها قبل أن تصل إلى الوطن”، وذلك وفقًا لسيرة تيبو سلطان الذاتية التي صدرت سنة 2016 من قبل المؤرخة البريطانية كيت بريتلبانك.
ذكرت بريتلبانك في كتابها أنه بحلول الوقت الذي قُتل فيه تيبو سلطان على يد القوات البريطانية في سنة 1799 كان “يتم تصويره في المملكة المتحدة باعتباره الهندي الأكثر شهرة، إن لم يكن الأكثر شرًا. حتى أنه لُقّب بـ “نمر مايسور”. وقال دالريمبل إن معركة بوليلور كانت أول هزيمة لجيش أوروبي في الهند و”كادت أن تُنهي” الحكم الاستعماري البريطاني هناك.
وأضاف دالريمبل، مؤلف كتاب صدر سنة 2019 عن الشركة التي تأسست سنة 1599 لإدارة التجارة البريطانية في آسيا وتطورت في نهاية المطاف إلى جيش كبير مع قسم تجاري، أن “القائد تيبو أظهر أن الهنود يمكن أن يقاوموا وبإمكانهم الفوز وباستطاعتهم استخدام التكتيكات الأوروبية ضد الأوروبيين وإلحاق الهزيمة بهم”.
وخلال حركة القرن العشرين من أجل تحقيق الاستقلال في الهند، تم الاحتفاء به كنموذج قومي “للنضال من أجل الحرية”، وذلك وفقًا لمقال نُشر في مجلة “ذا ديبلومات” للشؤون الراهنة سنة 2015 يتحدث عن إرثه بقلم أخيليش بيلالاماري. واليوم، تنتشر المباني الكبرى المرتبطة بتيبو، بما في ذلك أحد المساجد، في مدينة مايسور. كما تروج حكومة ولاية كارناتاكا لهذه المعالم لاستقطاب السياح.
صورت الدعاية الاستعمارية البريطانية تيبو سلطان على أنه “متعصب أحادي البعد”، لكن العلماء المعاصرين عملوا على إعادة رسم صورة “مختلفة تمامًا له”
يحاول مسؤولون من حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم بزعامة مودي التقليل من شأن إرث تيبو سلطان في مختلف أنحاء الهند. ويُذكر أنهم اعترضوا سنة 2015 على خطة للاحتفال بعيد ميلاده وخطة أحدث لإقامة تمثال له في ولاية أندرا براديش الجنوبية، وغيرها من المشاريع.
شكّلت حكومة الولاية التي يقودها حزب بهاراتيا جاناتا في ولاية كارناتاكا لجنة خاصة لمراجعة الكتب المدرسية المحلية للتأكد مما إذا كان فيها “تمجيد” للقادة المسلمين الآخرين. ويميل المسؤولون في الحزب وأنصارهم من الجناح اليميني القومي الهندوسي في الهند إلى وصف الحكام المسلمين في الماضي بأنهم غزاة هددوا الثقافة الهندوسية الأصلية.
غالبا ما يحرّض خطاب مودي القومي الهندوس ضد المسلمين. وفي الأشهر الأخيرة، تحوّلت دعوات العنف ضد المسلمين في الهند بشكل متزايد من هامشية إلى اتجاه سائد، فيما التزم مودي وكبار القادة في حزب بهاراتيا جاناتا الصمت.
في الهند الحديثة، يعتبر تيبو سلطان مثيرًا للجدل إلى حد كبير لأنه كان حاكمًا مسلمًا بينما معظم رعاياه من الهندوس والجاين، وذلك حسب ما ورد في كتاب بريتل بانك بعنوان “النمر”. وأضافت بانك أن السلطات الاستعمارية البريطانية بدورها لفتت الانتباه إلى هذا التناقض، على الرغم من أنه كان من الشائع أن يحكم المسلمون غير المسلمين في شبه القارة الهندية خلال حكم إمبراطورية المغول ولسنوات لاحقة.
عمومًا، صورت الدعاية الاستعمارية البريطانية تيبو سلطان على أنه “متعصب أحادي البعد”، لكن العلماء المعاصرين عملوا على إعادة رسم صورة “مختلفة تمامًا له”، وذلك على حد تعبير دالريمبل في مقال لدار “سوذبيز” للمزادات نُشر قبل المزاد. وأوضح دالريمبل أن “البريطانيين بالفعل لم يكونوا قلقين من حقيقة أن تيبو مسلم متعصب غريب وأجنبي نوعا ما، وإنما من كونه كان مألوفًا بشكل مخيف: تكنوقراط حديث استخدم أسلحة الغرب ضد مخترعيها”.
الصحيفة: نيويورك تايمز