ترجمة وتحرير: نون بوست
يؤكد محللون أن حضور وزير الخارجية الصيني في مؤتمر منظمة التعاون الإسلامي في باكستان يُظهر أن العالم الإسلامي يتطلع الآن إلى الشرق، رغم الانتهاكات الصينية في حق الأويغور. وأخبر محللون موقع “ميدل إيست آي” بأن حضور وزير الخارجية الصيني وانغ يي اجتماع منظمة التعاون الإسلامي في باكستان الأسبوع الماضي إشارة واضحة إلى أن العديد من الدول في العالم الإسلامي تبتعد عن تحالفاتها التقليدية مع الولايات المتحدة.
واختتم مؤتمر وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي في إسلام أباد أعماله بقرار معتاد يدين اضطهاد المسلمين في فلسطين وكشمير الهندية وتنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا في الدول الغربية. لكن البيان لم يتطرق إلى أقلية الأويغور المضطهدة في الصين، وهو ما ندد به النشطاء الأويغور الغاضبين أساسًا من دعوة المنظمة لوزير الخارجية الصيني لإلقاء كلمة في المؤتمر كضيف خاص.
وليس غريبًا أن يقوم مُنظمو مؤتمرات منظمة التعاون الإسلامي بدعوة قادة من خارج العالم غير الإسلامي لأسباب استراتيجية خاصة. وهو ما حدث في سنة 2019، حين دعت الإمارات العربية المتحدة وزيرة الخارجية الهندية آنذاك سوشما سواراج للضغط من أجل زيادة الاستثمارات الهندية.
جاءت دعوة باكستان للصين مع سعي رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان لاستغلال مؤتمر منظمة التعاون الإسلامي لتعزيز موقفه الخاص قبل تصويت برلماني بنزع الثقة عن قيادته الأسبوع المقبل من خلال التماس دعم جارته القوية.
لقد توترت العلاقات الدبلوماسية بين إسلام آباد وواشنطن خلال قيادة خان، ولم يتحدث خان إلى الرئيس الأمريكي جو بايدن منذ تنصيبه السنة الماضية. وقد انتشر في وسائل الإعلام الباكستانية وعلى نطاق واسع هذا الأسبوع أن الولايات المتحدة وراء مؤامرة مزعومة للإطاحة بخان، وهي ادعاءات نفتها وزارة الخارجية الأمريكية ووصفتها بأنه “لا أساس لها من الصحة“. لا عجب إذاً، كما يقول المحللون، أن يتجه خان نحو الصين بدلاً من ذلك.
يقول هارون أسلم، وهو جنرال عسكري متقاعد رفيع المستوى ومحلل سياسي لموقع “ميدل إيست آي”، إنه “لدى الصين استثمارات بمئات المليارات من الدولارات في باكستان”. ويضيف “هذا يجعلهم من أصحاب المصلحة الرئيسيين في البلاد لأن الاستقرار السياسي يعني الاستقرار الاقتصادي، وعندما يتعلق الأمر بعمران خان، فإنه يرى بالتأكيد مستقبلًا أفضل لبلاده عندما يكون متحالفًا مع روسيا والصين”.
الابتعاد عن الغرب
لكن محللين قالوا إن دعوة وزير الخارجية الصيني لباكستان عكست إجماع المصالح بين أبرز الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي.
حسب عمر كريم، وهو زميل زائر في المعهد الملكي للخدمات المتحدة في لندن، “تبتعد الكتلة الإسلامية بسرعة عن الغرب من الناحية الجيوسياسية والاقتصادية. إنَّ الضغط الكبير من الغرب مؤخرًا لدعم أوكرانيا لم ينخفض. لكن هناك تاريخ حقيقي بين العديد من البلدان الإسلامية والغرب، وهو حديث جدًا بحيث لا يمكن نسيانه”.
يرى كريم أن انسحاب أنظمة الدفاع الصاروخي الأمريكية من السعودية السنة الماضية، التي تم استهدافها بالصواريخ والطائرات المسيرة من قبل جماعة الحوثي في اليمن، دفع بعض دول منظمة التعاون الإسلامي إلى مراجعة أوضاعها الأمنية. ويضيف كريم “بعد سحب بطاريات باتريوت الدفاعية الصاروخية من المملكة العربية السعودية السنة الماضية، العضو البارز في منظمة التعاون الإسلامي، من الطبيعي أن يفقد الأعضاء الآخرون الثقة في الضمانات الأمنية للولايات المتحدة”.
وذكرت تقارير الأسبوع الماضي أن الولايات المتحدة أعادت عددًا غير محدد من أنظمة باتريوت إلى المملكة العربية السعودية، والذي فُسِّر على نطاق واسع أنه خطوة لتخفيف التوترات مع حليفها الخليجي القديم.
يعتقد طلحة عبد الرزاق، وهو أكاديمي في جامعة إكستر، إن ميل منظمة التعاون الإسلامي نحو الصين يمكن أن يُنظر إليه على أنه براغماتية من جانب دولها الأعضاء. وأخبر موقع “ميدل إيست آي” أن “السبب وراء هذا التحول هو مواجهة الحقائق الجيوسياسية الجديدة، حيث لا تزال الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي إلى حد كبير (مع بعض الاستثناءات الملحوظة) تدور في فلك الغرب، لكنها ليست عمياء. يمكنهم أن يروا أن الصين قوة صاعدة ستتمكن في النهاية من تحدي الهيمنة الغربية ليس فقط في المجالات الاقتصادية، وإنما أيضًا في المجالات السياسية وربما العسكرية”.
يقول عبد الرزاق إن الولايات المتحدة ربما تدفع ثمن إرثها من التدخلات في المنطقة. ويتابع “لا تتمتع الولايات المتحدة بشكل عام بسمعة طيبة في الشرق الأوسط، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى إرثها من الحروب والاحتلال، وخاصة حروب العراق في سنة 1991 وسنة 2003 والآثار الكارثية لذلك الاحتلال هناك”.
من جهته، يستشهد كريم بمحادثات مع العديد من المسؤولين والقادة في الشرق الأوسط الذين أشاروا فيها إلى نفاق الدول الغربية. وهو يوضح أن “الحروب في العراق وأفغانستان والحرب بالوكالة في سوريا والتفجيرات في ليبيا وكشمير والقصف المُنظَّم لفلسطين، إلى جانب الدعم الدؤوب لإسرائيل ماليًا وعسكريًا، قد أضرت بشدة بمصداقية الولايات المتحدة والدول الأوروبية”.
‘الحضارات القديمة’
تدرك الصين جيدًا تزايد المشاعر المعادية للغرب في جميع أنحاء العالم الإسلامي، وقد اختار وزير الخارجية الصيني كلماته بعناية في إسلام آباد، حيث أكد على التاريخ المشترك والميول السياسية المتبادلة وآفاق الشراكات الاقتصادية مع العالم الإسلامي. بقوله “إنَّ الحضارتين الصينية والإسلامية حضارتان قديمتان لهما تأثير بارز في العالم”، مضيفًا “ستواصل الصين دعم البلدان الإسلامية في الاستفادة من الحكمة الإسلامية لحل القضايا الساخنة حاليًا مثل تلك المتعلقة بفلسطين وأفغانستان وأوكرانيا، والتمسك بحزم بمفتاح الحفاظ على الاستقرار وتعزيز السلام بأنفسهم”.
شاركت الصين خلال التحضير للمؤتمر في رعاية قرار تدعمه منظمة التعاون الإسلامي اقترحته باكستان في الجمعية العامة للأمم المتحدة لتحديد يوم عالمي لمكافحة الإسلاموفوبيا. وحيال هذا الشأن، يقول كريم إن انعدام الثقة تجاه الغرب يتيح للصين مساحة أكبر للمناورة في العالم الإسلامي.
ووفقا لكريم “تحولت الولايات المتحدة عن الشرق الأوسط للتركيز على الصين، ولكن صرف انتباهها الصراع بين روسيا وأوكرانيا. وفي الأثناء، تعمل الصين بسرعة على تعزيز قاعدتها الاستراتيجية وتكوين صداقات جديدة”. ويتابع “لقد منح مؤتمر منظمة التعاون الإسلامي الصين منبرًا للوصول إلى الكتلة الإسلامية الأوسع وإظهار نفسها كشريك اقتصادي رائد لمنظمة التعاون الإسلامي. هذا هو السبب في أن العديد من الدول الإسلامية تغير نظرتها تجاه سياستها الخارجية والأمنية لتكون أكثر انسجامًا مع الصين”.
بالنسبة للصين، يوفّر الارتباط الوثيق مع العالم الإسلامي المزيد من الفرص الاقتصادية وامتياز الوصول إلى سوق ضخم قوامه 1.5 مليار نسمة. وحسب إحصاءات التجارة الصادرة عن صندوق النقد الدولي على مدى العشرين سنة الماضية، تفوقت الصين على الولايات المتحدة لتصبح الشريك التجاري الرائد مع العالم الإسلامي بأسره.
يقول عبد الرزاق “لدى الصين الكثير لتقدمه للمسلمين، خاصة فيما يتعلق بالتجارة وصادرات الطاقة في الدول الإسلامية الغنية بالوقود الأحفوري وطرق التجارة والوصول إلى مبادرة الحزام والطريق الصينية كوسيلة للتنويع بعيدًا عن الهيمنة الأمريكية، وبالأخص في وقت يتضاءل فيه اهتمام واشنطن بحلفائها التقليديين في العالم الإسلامي”.
يتابع قائلاً يمكن أن يُحفّز الاقتراب من الصين رد فعل يجبر الولايات المتحدة على المشاركة أكثر كنقطة تنافس بين القوى العظمى. وإذا كانت الدول الإسلامية ذكية، فإنها ستوازن بين القوتين لخدمة مصالحها بشكل أفضل”.
تمتلك الصين مع باكستان فقط شراكات متنوعة من قطاع الطاقة إلى الصناعات الدفاعية وتطوير البنية التحتية ومبادرة الحزام والطريق، وهي سلسلة مقترحة من طرق التجارة المترابطة التي تمتد غربًا وتشمل طريقا يربط بين شينجيانغ – المقاطعة ذات الأغلبية الأويغورية – وجوادار المدينة الساحلية المطلة على بحر العرب.
يقول كريم: “تخدم مبادرة الحزام والطريق المصالح الاستراتيجية للصين. وفي حال قررت قوى معينة في العالم إغلاق طرق الشحن الصينية في بحر الصين الجنوبي، فإنَّ مبادرة الحزام والطريق هي الحل البديل، وهذا يضع باكستان في موقف حاسم”.
ومن بين الدول الإسلامية التي أيدت مبادرة الحزام والطريق أو التي التزمت بشكل ما بالشراكة معها مصر وإيران والعراق وقطر والمملكة العربية السعودية وتركيا والإمارات العربية المتحدة.
يذكر كريم أن باكستان لديها أيضًا شراكات دفاعية شاملة مع الصين، بما في ذلك صفقات لطائرات مقاتلة وفرقاطات ودبابات. ومع تدهور العلاقات مع الغرب، وصل اعتماد باكستان على المعدات العسكرية الصينية إلى مستويات غير مسبوقة، ولا تزال جميع فروع القوات المسلحة الباكستانية معتمدة بشكل كامل على الصين في سعيها للحفاظ على قوة ردع موثوق بها ضد الهند.
الأسلحة والنفط
في انتهاك مباشر للعقوبات الأمريكية الحالية، تستعد الصين للاستثمار في إيران بمبلغ يُقدَّر بحوالي 400 مليار دولار في قطاعات الطاقة والبنوك والاتصالات والشحن والسكك الحديدية. وتعتبر بكين بالفعل أكبر مشترٍ للنفط من دول الخليج. ردًا للجميل، وقَّع صندوق الثروة السيادية في أبو ظبي صفقة مربحة مع شركة الذكاء الاصطناعي الصينية “سينس تايم”، التي تطور برمجيات التعرف على الوجه، لتأسيس مقرها الإقليمي للبحث والتطوير في الإمارة.
في مواجهة الضغوط الأمريكية، تعاقدت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت مع شركة الاتصالات الصينية العملاقة “هواوي” لبناء البنية التحتية لاتصالات الجيل الخامس.
أما فيما يتعلق بالتوافق الثقافي واللغوي، تقوم دول مثل باكستان والمملكة العربية السعودية الآن بتدريس اللغة الصينية كلغة ثالثة في المدارس العامة والخاصة. ومع ذلك، يقول عبد الرزاق إنه تمت صياغة الروابط الاقتصادية الوثيقة مع الصين رغم تجاهل الاضطهاد الصيني للأويغور من قبل القادة المسلمين، مشيرا إلى أن هذا الموقف “لا يمكن تبريره ولكنه مفهوم”.
يضيف عبد الرزاق أن “بعض الدول الإسلامية مثل باكستان في موقف صعب للغاية فيما يتعلق بهذه القضية، وهي عاجزة عن فعل الكثير حيال ذلك بسبب ظروفها وضعفها الاقتصادي، لكن دولاً أخرى مثل الإمارات العربية المتحدة ليس لديها عذر”. ويتابع “في حين أن العلاقات مع الصين ستكون بالطبع موضع ترحيب بالنسبة لتلك الدول الغنية، إلا أنهم لا يحتاجونها على الفور، ومع ذلك اختاروا التخلي عن الأويغور لأسباب سياسية”.
المصدر: ميدل إيست آي