ترجمة حفصة جودة
في هذا الأسبوع سنتعرض لمزيد من التقارير المروعة من أوكرانيا: وحشية القتلة والمعاناة الإنسانية وصمود الأوكرانيين، أُدين غزو فلاديمير بوتين كأسوأ موجة عنف في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.
لكن في هذا الأسبوع وقبل 30 عامًا، وقعت فظائع مماثلة في البوسنة والهرسك، ففي يومي 6 و7 أبريل/نيسان قبل 3 عقود عندما اعترفت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بجمهورية البوسنة الوليدة، فتح القناصة الصرب وصرب البوسنة وضباط المدفعية المدعومين من روسيا، النيران على العاصمة سراييفو، لتنطلق أسوأ مذبحة في تاريخ أوروبا منذ ألمانيا النازية (الرايخ الثالث)، وهكذا فإن المرء يدعو ألا تحصل أوكرانيا على هذا اللقب المروع إن لم تكن قد حصلت عليه بالفعل.
لم يكن إحياء الذكرى في سراييفو ليكون أكثر إقناعًا من هذا الوقت، فالتركيز على أوكرانيا لأسباب ليس أقلها أن صداها صاخب وواضح ومؤلم للغاية، يبدو الأمر كأنهم يقولون: “إننا معكم ليس بدافع التضامن فقط، لكن لأننا مررنا بذلك من قبل”.
ومع ذلك، هناك اختلافات مدهشة، فبينما يحتشد معظم الغرب حول أوكرانيا، قوبلت موجة العنف ضد مسلمي البوسنة والكاثوليك الكروات بالارتباك واللامبالاة، بينما حاول ما يُسمى بالمجتمع الدولي استرضاء بل دعم المعتدين الصرب وصرب البوسنة.
في بريطانيا قاد عملية الاسترضاء رجال يوصفون الآن بنبلاء الحزب المحافظ: جون ميجور ودوغلاس هارد ومالكولم ريفكايند مع حلفاء متحمسين من اليسار المثقف والمنظم.
بعد 3 سنوات دامية أُعدم 8 آلاف رجل وصبي خلال 5 أيام بعد سقوط المناطق الآمنة في سربرنيتسا، سُلم ضحايا تلك المذبحة لقاتليهم من السلطات وجنود الأمم المتحدة الموكلين بحمايتهم
وبينما سلّح الغرب المقاومة الأوكرانية، حُظرت الأسلحة تمامًا على جميع الأطراف حتى القادة وطُوق الجيش البوسني الوليد ومُنح المعتدون ميزة عسكرية ساحقة ومقصودة، وبينما دفع الكابوس الأوكراني المجتمع الدولي للبحث عن حل بعد 3 أسابيع، استمرت المأساة في البوسنة 3 سنوات.
في هذا الأسبوع عام 1992 وقعت سراييفو تحت حصار طويل بعد 8 سنوات من استضافة الأولمبياد الشتوية، تعرض جميع السكان المسلمين شرق البوسنة للقتل أو النزوح وأُسرت الكثير من النساء في معسكرات للاغتصاب، بينما أُحرقت القرى والمساجد أو خضعت لحصار شديد في المناطق المعزولة التي أعلنت الأمم المتحدة أنها مناطق آمنة.
على الناحية الأخرى من البلاد اكتشفت مع طاقم من شبكة “ITN” الإخبارية مجموعة من معسكرات الاعتقال تضم مسلمين وكاثوليك في أغسطس/آب 1992، كانت هذه المعسكرات تعمل منذ شهر مايو/أيار وتعرض فيها الآلاف للقتل والتعذيب والاغتصاب.
في يوليو/تموز 1995، بعد 3 سنوات دامية أُعدم 8 آلاف رجل وصبي خلال 5 أيام بعد سقوط المناطق الآمنة في سربرنيتسا، سُلم ضحايا تلك المذبحة لقاتليهم من السلطات وجنود الأمم المتحدة الموكلين بحمايتهم.
لكن البوسنة ليست شيئًا من الماضي، فأحد الناجين من معسكر اعتقال أومارسكا ويُدعى ساتكو موجاجيتش من بين هؤلاء الذين قدموا رسالة مفتوحة من البلقان ومجموعات السلام المختلفة بشأن التوترات الحاليّة المتزايدة من حلفاء روسيا من الصرب وصرب البوسنة الذين يتطلعون لانفصال صرب البوسنة “دونباس” عن البوسنة.
“لو كنا حصلنا على عُشر هذا الدعم الشعبي لأوكرانيا، وعُشرين الدعم العسكري لتوقفت الحرب وأنقذنا حياة الآلاف” – مرشد الجيش البوسني في أثناء الحرب
لذا لماذا لم تكن البوسنة مهمة من قبل أو الآن مثل أوكرانيا؟ فالمسيرة التي انطلقت في لندن باللونين الأصفر والأزرق يوم السبت الماضي كانت مؤثرة لنتذكر – على النقيض من ذلك – حشود المحتجين قبل 30 عامًا من أجل البوسنة (الذين خرجوا بنفس اللونين أيضًا).
يقول دامير ساجولي مرشد الجيش البوسني في أثناء الحرب، والآن مصور حائز على جائزة البوليتزر ومدير مؤسسة “Warm” في احتفالات إحياء الذكرى هذا الأسبوع: “لو كنا حصلنا على عُشر هذا الدعم الشعبي لأوكرانيا، وعُشرين الدعم العسكري لتوقفت الحرب وأنقذنا حياة الآلاف، وكذلك 3 سنوات ضائعة ومنازل ملايين الناس”.
شكل المسلمون السلاف غالبية القتلى البالغ عددهم 100 ألف ومليوني من النازحين في البوسنة، ويعتقد العديد من الناجين أن تستر الغرب على الجريمة يرجع لكونهم مسلمين، لكن العديد من الضحايا كانوا من كروات البوسنة الكاثوليك، كما حدث الأمر نفسه عند تدمير مدينة فوكوفار الواقعة على نهر الدانوب التي سُويت بالأرض في أثناء حرب استقلال كرواتيا عام 1991.
قال نائب الرئيس الصربي البوسني نيكولا كوليفتش بسخرية ذات مرة متحدثًا عن تقاعس الغرب: “كنت أعتقد أن المذبحة في البوسنة قريبة جدًا من مدينة البندقية”، لكنه كان مخطئًا، فجزء من الغضب بشأن أوكرانيا يرجع كونها جزءًا من أوروبا (مثل البوسنة تمامًا).
ما المعقد أو المربك أخلاقيًا وسياسيًا بشأن “التطهير العرقي” ومعسكرات الاعتقال والاغتصاب والقتل وحصار عاصمة أوروبية؟
ربما تحصل أوكرانيا على الدعم جزئيًا لأن بوتين يملك أسلحة نووية، وهو شيء يهددنا جميعًا، لكن الرئيس الصربي سلوبودان ميلوسيفيتش لم يمتلك مثل هذه الترسانة، وكان كل مراسل في البوسنة ومعظم المحللين العسكريين يعلمون أن 48 ساعة فقط من الضربات الجوية المستهدفة للناتو كانت كفيلة بإنهاء المذبحة، مثلما فعلت عام 1995 بعد 3 سنوات، عندما استسلم صرب البوسنة فورًا بعد جولة قصيرة من الهجمات الخاطفة، لذا كان هناك أكثر من سبب يدفع لشن هذا الهجوم في أي وقت بين عامي 1992 و1995 دون المخاطرة بانتشار الحرب.
ربما أحس الناس بصدمة بشأن البوسنة وكان الأمر معقدًا، بخلاف أوكرانيا المانوية بشكل واضح، فقد نشر الداعون إلى التهدئة مفهوم “الكراهية العرقية القديمة”، لكن ما المعقد أو المربك أخلاقيًا وسياسيًا بشأن “التطهير العرقي” – كما وصفه قائد صرب البوسنة رادوفان كارادزتش – ومعسكرات الاعتقال والاغتصاب والقتل وحصار عاصمة أوروبية؟ سواء لكييف أم سراييفو ولماريوبول أم غورازده وسربرنيتسا.
من المفترض أن يُختتم المقال بإجابات وليس أسئلة، لكنني لا أملك أي إجابة.
لماذا كان مقبولًا التعاون مع العنف في البوسنة مثل الذي يقوم به بوتين الآن؟ وبعد وقوع المذبحة، لماذا كان مقبولًا أن يحصل الكاتب النمساوي بيتر هاندك على جائزة نوبل – عام 2019 – لكتابته مديحًا لمشروع “صربيا الكبري” ويقدم خطاب التأبين في جنازة الرئيس ميلوسيفتش – مهندس المذبحة الجماعية -، وأن تصافح النسوية الليبرالية أولغا توكارتشوك يد هاندك وتقبل جائزة بينما كانت أمهات سربرنيتسا يتظاهرن باكيات في الخارج؟
لماذا كان مقبولًا أيضًا أن تصرّ الكاتبة التروتسكية السابقة – نجمة البريكست في “GB News” و”RT” وراديو “BBC” – على أن معسكرات الاعتقال ملفقة، لتحصل على لقب بارونة؟
لماذا لم تكن البوسنة مهمة وليست اليوم مهمة كأوكرانيا؟ لقد أربكتني هذه الأسئلة وهربت مني الإجابات منذ أبريل/نيسان 1992، لكنني لم أر التاريخ يعيد نفسه أكثر من الآن.
المصدر: الغارديان