سعى الفلسطينيون خلال السنوات الأخيرة للردّ على الدعاية الإسرائيلية التي تستهدفهم، من خلال أعمال درامية محسوبة على المقاومة الفلسطينية، تستهدف المجال الأمني والعسكري والاجتماعي، وتركّز على إحياء فكرة مقاومة الاحتلال.
ولعب ضعف الإمكانات المادية واللوجستية التي واجهت قوى المقاومة في غزة، نتيجة الحصار، دورًا في تأخير الدخول في هذا المجال حتى سنوات قريبة قليلة شهدت حضورًا عبر أفلام تحاكي بعض العمليات التي نفّذتها المقاومة، أو مسلسلات ذات طابع درامي.
وشكّل حضور بعض الأعمال الإسرائيلية الموجَّهة ضد الفلسطينيين، مثل مسلسل “فوضى”، دافعًا إضافيًّا للعمل على إنتاج أفلام بأبعاد أمنية واستخباراتية تحاكي الواقع الذي تعايشه قوى المقاومة في مواجهتها اليومية مع الاحتلال.
واستهدف الاحتلال عبر أعماله التي بثها باللغة العربية، وعمل على ترويجها بحملات إعلانية ضخمة، محاولة كيّ وعي الفلسطينيين، وإقناعهم بعدم جدوى المقاومة في ضوء التطور الرقمي والتكنولوجي للاحتلال، والقدرة على كشف أي عمل.
غير أن المواجهات المتتالية مع الاحتلال في غزة أعوام 2009 و2012 و2014، إلى جانب مواجهة عام 2021، شكّلت دافعًا للاستمرار في هذا النهج، والعمل على تطويره والارتقاء بكل عمل بما يخدم رواية المقاومة ويتصدى للرواية الإسرائيلية.
تاريخ دراما المقاومة.. من البدائية إلى التطور
تعود أولى محاولات دراما المقاومة إلى فيلم “عماد عقل” الذي أنتجته فضائية الأقصى التابعة لحركة حماس عام 2009، والذي شكّل محاولة أولى من قبل قوى المقاومة لمخاطبة الجمهور بالخطاب الدرامي المعبِّر عن همومهم وقضاياهم.
ويُعد مسلسل “الروح” أول مسلسل مقاوم تناولَ مختلف تفاصيل الحياة اليومية لأهالي قطاع غزة، وعكس معاناتهم المتواصلة جرّاء الممارسات الصهيونية العدائية بحقّهم، حيث أُنتج عام 2014، وسعى لإبراز الحالة الملحمية للمقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة معًا.
وتبع المحاولة الأولى مسلسل “الفدائي” بجزئين بواقع 61 حلقة في عامَي 2016 و2017، حيث تحدّث عن أوضاع الأسرى الفلسطينيين داخل سجون الاحتلال، وقد عكس تفاصيل معاناتهم داخل الأسر، وممارسات إدارة السجون بحقّهم.
وشكّل نجاح هاتين المحاولتين إصرارًا لدى قوى المقاومة لمواصلة العمل الدرامي، حيث جرى إنتاج مسلسل “بوابة السماء” بجزئين أول وثانٍ في عامَي 2018 و2020، وركّز على الواقع في القدس والأقصى والعمل المقاوم في ظل الإجراءات الإسرائيلية.
ولم يقتصر الأمر على إنتاجات تقوم بها فضائية الأقصى أو حركة حماس، بل دخلت حركة الجهاد الإسلامي وبعض شركات الإنتاج في غزة على خط المحاولة، فتمَّ إنتاج مسلسل “عنقود” الذي يحاكي أحداثًا وقعت في منطقة خزاعة شرق خان يونس جنوب قطاع غزة خلال عام 2014.
وأعقب هذا الأمر محاولة جديدة خلال عام 2022 لإنتاج مسلسل “قبضة الأحرار”، حمل تغيُّرًا منهجيًّا في طريقة عمل دراما المقاومة، عبر التركيز على البُعد الاستخباراتي ومحاولة محاكاة الواقع بشكل أكبر ممّا كان عليه العمل في السابق، إلى جانب مسلسل “شارة نصر جلبوع” في إشارة إلى نفق الحرية، والذي سيكشف تفاصيل جديدة لم يفصح عنها سابقًا.
أهداف ورسائل.. كيف اهتمت فصائل المقاومة بالدراما؟
عند الحديث عن دراما المقاومة، لا يمكن تجنُّب الإشارة إلى أنها ذات رسائل وأهداف وليست لمجرّد ملء فراغ تلفزيوني، حيث تتّجه مسارات الأهداف والرسائل في 3 اتجاهات: الأول موجَّه للجبهة الداخلية، أما الاتجاه الثاني فهو موجَّه للاحتلال، والاتجاه الثالث موجَّه للإقليم والمنطقة العربية في ظل محاولة أنظمة التطبيع تشويه صورة المقاومة والمقاومين، حيث تسعى هذه الأعمال لمعالجة الخلل عبر الدراما.
وعلى صعيد الجبهة الداخلية، تسعى الدراما المقاومة إلى الردّ على الدعاية الإسرائيلية التي تحاول إظهار الفلسطينيين كضعفاء، وعدم قدرتهم على مجاراة صراع حرب العقول الدائرة مع الاحتلال، وإظهارهم دائمًا أنهم يتكبّدون ثمنًا باهظًا يتمثل في الدم والأرواح.
وإلى جانب ذلك، اللافت في هذه الدراما هو ابتعادها عن تشابك الحالة الفلسطينية الداخلية بسبب الانقسام، وتركيزها على الوحدة وإبراز الشخصيات الفلسطينية من مختلف الفصائل والقوى والتيارات دون إبراز لفصيل بعينه.
وبالتالي، فإن تعزيز الروح المعنوية هو أحد الأهداف التي تسعى هذه الدراما إلى تجسيدها خلال الفترة المقبلة، إلى جانب “الدعاية المضادة” والعمل على كشف بعض الحقائق التي تعكس العقل الفلسطيني، وقدرته على الانتصار في معركة “صراع الأدمغة” عسكريًّا وأمنيًّا في الكثير من المواجهات.
أما على صعيد الاحتلال، فوجّهت هذه الدراما رسائل في أكثر من اتجاه، أولها ضعف الجنود أمام عقيدة المقاتل والمقاوم الفلسطيني، وحالة الخوف التي يعيشها المستوطنون بشكل دائم من وصول المقاومين الفلسطينيين إليهم للردّ على جرائمهم.
إقليميًّا وعربيًّا، تركّز هذه الدراما على إذكاء روح المقاومة، وتعزيز منهجها، ومعالجة محاولات التشويه التي حاولت الأنظمة العربية تصديرها للمقاومة، عبر حملات إعلامية مركّزة أو من خلال الخطابات السياسية الموجهة.
اهتمام إسرائيلي.. لماذا تتابع المنظومة الأمنية هذه الأعمال؟
لم تمرَّ الأعمال الدرامية للمقاومة الفلسطينية مرور الكرام على المنظومتَين الأمنية والإعلامية الإسرائيليتَين، إذ جرى تسليط الضوء في أكثر من مناسبة على مثل هذه الأعمال لمعرفة طبيعة التفكير الفلسطيني في غزة والرسالة المراد إيصالها.
وهنا يمكن الإشارة إلى المحلل العسكري الإسرائيلي في صحيفة “معاريف” العبرية، ألون بن دافيد، الذي تحدث قبيل حلول شهر رمضان عن مسلسل “قبضة الأحرار” قائلًا: “رفعَت حماس من وتيرة تحريضها لتنفيذ عمليات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وستبدأ مع حلول شهر رمضان ببثّ مسلسل تلفزيوني مكوَّن من 30 حلقة جرى إعداده في موقع تابع لكتائب القسام”.
أما مراقبون إسرائيليون آخرون فاعتبروا المسلسل وغيره من الأعمال الدرامية المقاومة محاولة للردّ على سلسلة “فوضى” الإسرائيلية، والتي تقدم عناصر الوحدات الخاصة كخارقين، حيث يتناول المسلسل الذي أنتجته حماس اعتراض مقاتلين من القسام للقوة الإسرائيلية الخاصة في خان يونس في نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، مركّزًا على الهزيمة التي لحقت بتلك القوة في ذلك الاشتباك.
ويركز الاحتلال في مراقبته للأعمال الدرامية المقاومة على ما يطلق عليه “التحريض” لتنفيذ عمليات في ساحات مثل الضفة والقدس المحتلتين أو الداخل المحتل عام 1948، إذ يرى في هذه الأعمال محاولة لتحريض الفلسطينيين لتنفيذ العمليات.
بالعموم، تتطور دراما المقاومة على الصعيد الأدائي أو اللوجستي أو محاكاة الواقع، رغم كل العقبات التي تعترضها، لا سيما مع غياب المعاهد الفنية في غزة ومدن الإنتاج الفني واللجوء للاعتماد على الأماكن العامة للتصوير.
ويمكن القول إن هذه الدراما باتت قادرة على التأثير في الفلسطينيين وإيصال الرسائل السياسية والعسكرية وحتى الأمنية للاحتلال، والتعبير عن واقع الهموم اليومية التي يمرّ الفلسطينيون بها نتيجة الممارسات التي يقوم بها الاحتلال.