ترجمة وتحرير: نون بوست
بعينين جاحظتين، يزيل رالف مايلز (تسع سنوات) ببطء سماعة الرأس “كواست 2” قائلا: “كان الأمر أشبه بالتواجد في مجرة أخرى!”. لقد أمضى عشر دقائق في تفجير الروبوتات الفضائية بمدافع الليزر التي تصم الآذان – بينما كان جالسًا في صمت في قسم الإلكترونيات المنزلية في متجر متعدد الأقسام في لندن. في الأثناء، يبدو مساعدو المبيعات منشغلين بالإعلان عن المعدات الجديدة. يعرب رالف عن حماسته قائلا “سيكون ذلك رائعا!”، لكن والده يحذره “لا تتحمس كثيرًا”.
لم يعد الأطفال الوحيدين المتحمسين للواقع الممتد، وهي فئة تشمل كلاً من الواقع الافتراضي الغامر بالكامل والتكنولوجيا الأحدث للواقع المعزز، حيث يتم إسقاط صور الكمبيوتر على رؤية المستخدم للعالم من حوله. تُسارع كل شركة تقنية كبيرة تقريبًا لتطوير سماعة رأس “الواقع الافتراضي” أو “الواقع المعزز” مقتنعةً بأن السوق المتخصصة منذ فترة طويلة على وشك أن تصبح أكبر.
باعت شركة “ميتا” الشركة الأم لفايسبوك ما يقارب 10 ملايين جهاز “كواست2” في الأشهر الـ 18 الماضية، وستطلق “كامبريا” سماعة رأس أكثر تقدمًا في وقت لاحق من هذا العام. تقوم مايكروسوفت بالترويج لنظارات “هولولانس 2” الأعلى سعرًا للمؤسسات. ومن المتوقع أن تكشف شركة آبل النقاب عن أول سماعة رأس مع نهاية العام، ويقال إن لديها بالفعل طرازًا من الجيل التالي قيد التطوير.
من جهتها، تعمل شركة “جوجل” على مجموعة من النظارات معروفة باسم “آيريس”، بينما تقوم مجموعة من شركات التكنولوجيا من الدرجة الثانية من بايت دانس إلى سوني وسناب ببيع أو تطوير نظارات من تصميمها.
يُراقب عمالقة التكنولوجيا سوقين يُحتمل أن يكونا شاسعين. سيتم شحن حوالي 16 مليون سماعة فقط هذا العام، حسب توقعات مؤسسة البيانات الدولية (انظر الرسم البياني 1). لكن في غضون عقد من الزمن، قد تُنافس مبيعاتها مبيعات الهواتف الذكية في الأسواق الناضجة، وذلك وفقًا لتقديرات جيتش أوبراني من مؤسسة البيانات الدولية. يقول هوغو سوارت من شركة كوالكوم، التي تصنّع شرائح إلكترونية لسماعات الرأس والهواتف على حد سواء: “يتساءل البعض، هل تعتقد أن هذه السوق ستكون بحجم سوق الهواتف الذكية؟”، فيجيب “أعتقد أنه سيكون أكبر”.
يشير هذا الأمر إلى الفرصة الثانية الأكثر إغراءً: ألا وهي فرصة التحكم في المنصة الكبيرة التالية. أثبتت كل من آبل وجوجل وجودهما كملوك عالم الهواتف الذكية، وفرضت رسومًا على كل عملية شراء تتم على متجر التطبيقات الخاصين بهما ووضع قواعد للإعلان على حساب شركات مثل فيسبوك، التي تعد من المنصات الرقمية. وكل من يفوز بالسيطرة على سوق سماعات الرأس، يحصل على موقع قوي مماثل في حراسة البوابة الرقمية. وحسب أوبراني سيكون هذا المجال “الموجة الكبيرة القادمة من التكنولوجيا، والجميع يريدون التأكد من حصولهم على حصتهم”.
يأتي البحث عن المنصة الرقمية التالية في الوقت الذي تُظهر فيه الإصدارات الحالية علامات النضج. وفقًا لمؤسسة البيانات الدولية، تراجعت شحنات الهواتف الذكية في الولايات المتحدة من ذروة 176 مليون وحدة في سنة 2017 إلى 153 مليونًا في سنة 2021. ويتعرض نموذج الإعلان الذي تعتمده شركات مثل فيسبوك وجوجل للهجوم من دعاة الخصوصية.
رداً على ذلك، راهن مارك زوكربيرغ، الرئيس التنفيذي لشركة ميتا، على مستقبل شركته بما يسميه الميتافيرس. وقال رئيس مايكروسوفت، ساتيا ناديلا، إن الواقع الممتد سيكون واحدًا من ثلاث تقنيات تشكل المستقبل (جنبًا إلى جنب مع الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية). وخلال السنة الماضية، صرح سوندار بيتشاي، رئيس شركة ألفابات، الشركة الأم لجوجل، بأن “الواقع المعزز سيكون مجالًا رئيسيًا للاستثمار بالنسبة لنا”. وقد ضخت صناديق رأس المال الاستثماري ما يقارب ملياري دولار في تقنية الواقع الممتد في الربع الأخير من سنة 2021، وهو رقم قياسي وفقًا لشركة البيانات “كرانش بايس”.
تدور استراتيجية الواقع الافتراضي لشركة ميتا حول الإعلانات، مصدر ثروة فيسبوك
حوالي 90 بالمئة من سماعات الرأس المباعة اليوم مخصصة للواقع الافتراضي. منذ الاستحواذ على “أوكولوس” المتخصصة في صناعة سماعات الرأس مقابل ملياري دولار في سنة 2014، احتلت ميتا السوق بما يقارب 80 بالمئة من مبيعات الواقع الافتراضي من حيث الحجم. حققت نظارة “كواست2” التي تقدم تجربة مقنعة دون الحاجة إلى جهاز كمبيوتر مصاحب نجاحًا كبيرًا منذ إطلاقها في سنة 2020، وذلك بفضل عمليات الإغلاق الوبائي وسعر تنافسي لا يمكن كسره 299 دولارًا. وفي عيد الميلاد الماضي، كان تطبيق الهاتف الذكي الخاص بنظارة “كواست” الأكثر تنزيلًا في الولايات المتحدة.
هناك ضغط على الشركات المنافسة الأصغر مثل شركة الإلكترونيات التايوانية “آيتش تي سي” ومطوّر الألعاب الأمريكي “فالف”، التي تصنع سماعات رأس الواقع الافتراضي التي تركز على الألعاب. تعمل بيكو، صانعة سماعات الرأس المملوكة لشركة “بايت دانس”، الشركة الأم لتيك توك، بشكل جيد في السوق الصينية المحلية حيث حُظرت شركة “ميتا”.
تدور استراتيجية الواقع الافتراضي لشركة ميتا حول الإعلانات، مصدر ثروة فيسبوك. يقول جورج جيجياشفيلي من شركة “أومديا” للتحليل إن فيسبوك تبيع سماعات الرأس بأسرع ما يمكن من أجل بناء جمهور للمعلنين. تستقبل لعبة “هورايزون وورلدز أند فينوس”، مساحاتها الافتراضية، 300 ألف زائر شهريًا. وقد جرّبت شركة ميتا بالفعل عرض الإعلانات هناك مما أثار غضب بعض المستخدمين. ستعمل سماعة كامبريا القادمة، وهي نموذج عابر أغلى ثمناً يجمع بين شاشة عرض تشبه الواقع الافتراضي وكاميرات أمامية لعرض لقطات للعالم الخارجي، على تدريب الكاميرات على وجوه المستخدمين؛ وسيمكنها ذلك من رصد تعابير الوجه في شكل افتراضي بالإضافة إلى تحديد الإعلانات التي تجذب المشاهد لمدة أطول من خلال مراقبة حركة العين.
تسعى شركة ميتا أيضًا إلى تحقيق مداخيل من متجر التطبيقات الخاص بها. اعتبارًا من العام المقبل، سيتجاوز سوق محتوى الواقع الافتراضي سوق أجهزة الواقع الافتراضي وفقًا لتقديرات أومديا (انظر الرسم البياني 2). ومن دوافع زوكربيرغ لإطلاق المنصة الجديدة تحرير ميتا من الاعتماد على صانعي الهواتف الذكية لتوزيع تطبيقاتها. أصبحت الشركة الآن مالكًا رقميًا بحد ذاتها مع القدرة على فرض رسوم على مشتريات متجر كواست بنفس الطريقة التي تأخذ بها آبل وجوجل عمولات عن مبيعات تطبيقات الهواتف الذكية، بينما ترفض ميتا تحديد مقدار هذه الرسوم.
بينما تكثف ميتا جهودها في مجال الواقع الافتراضي، يجرّب آخرون التكنولوجيا الأكثر تعقيدًا للواقع المعزز. على عكس الواقع الافتراضي الذي يأخذك إلى عالم آخر، فإن الواقع المعزز جزء من العالم الحقيقي من حولك، على حد تعبير إيفان شبيغل، رئيس شركة سناب. لطالما قدم تطبيق سنابشات للوسائط الاجتماعية فلاتر الواقع المعزز للهواتف الذكية التي تسمح للمستخدمين بتحويل أنفسهم إلى شخصيات كرتونية أو تجربة منتجات مثل الملابس والمكياج بمساعدة كاميرات هواتفهم. وتعمل سناب الآن على الأجهزة وتطوّر مجموعة نموذجية من نظارات الواقع المعزز “سبيكتيكلز” التي تم طرحها على بضع مئات من مطوري البرامج.
مرتديًا نظارات لا يتجاوز وزنها 134 غرامًا تشبه زوجًا من النظارات الشمسية، تجوّل مراسلكم في نظام شمسي عائم وطارده زومبي حول مكاتب سناب في لندن. لكن الجانب السلبي في تصميمها الرقيق هو عمر البطارية الذي يصل إلى 30 دقيقة، إضافة إلى ارتفاع حرارة الجهاز. تُقيد الحدود في التكنولوجيا البصرية مجال الرؤية بمربع في منتصف العدسة، مما يعني أن الرسومات المتراكبة تُرى كما لو كنت تنظر من خلال صندوق بريد. يقول شبيغل إن السبب الرئيسي وراء تصنيع شركة سناب لهذا الجهاز هو اكتشاف حالات استخدام سماعات رأس الواقع المعزز عندما يتم اعتمادها على نطاق واسع. وأضاف “لدينا فرصة في سوق الأجهزة، لكن هدفنا الحقيقي هو منصة الواقع المعزز نفسها”.
تحتل نظارات الواقع المعزز حاليًا مكانًا متخصصًا داخل السوق. نظرا لتكلفتها العالية وأداءها المتذبذب يقتصر استخدامها على عدد محدود من الشركات. تتوقع مؤسسة البيانات الدولية شحنات تقدر بـ 1.4 مليون وحدة هذا العام. كانت هولولانس 2 من مايكروسوفت نظارات الرأس الأكثر مبيعًا في سنة 2021، وهو جهاز بقيمة 3500 دولار يستخدمه العملاء بما في ذلك القوات المسلحة الأمريكية (التي طلبت شراء 100 ألف جهاز، الأمر الذي أثار شكاوى من موظفي مايكروسوفت الذين صرحوا بأنهم “لا يعملون لتطوير أسلحة”). تستعد ماجيك ليب، شركة ناشئة مقرها فلوريدا، لإطلاق الجيل الثاني من نظارات الواقع المعزز في أيلول/ سبتمبر وتتميز بمجال رؤية أوسع. كما أنها تستهدف الشركات في صناعات مثل الرعاية الصحية والتصنيع بدلاً من المستهلكين.
يوافق شبيغل على أن سماعات الرأس لن تحل محل الهواتف بالكامل مثلما بقيت أجهزة الحاسوب المكتبية، لكنه يعتقد أن “إحدى الروايات الشاملة هي أن الحوسبة أصبحت شخصية أكثر”. فقد انتقلت من الحاسوب الرئيسي إلى سطح المكتب إلى راحة اليد
رغم هيمنة الواقع الافتراضي على السوق، يظل الواقع المعزز التقنية الواعدة فيما يتعلق بالتبني الجماعي لهذه المنتجات مستقبلا. حتى مع الترويج المستمر للحفلات الموسيقية الافتراضية واجتماعات العمل وغير ذلك من طرف شركة ميتا، فإن القليل من الأشخاص يستخدمون الواقع الافتراضي لأي شيء آخر غير الألعاب. وفقًا لأومديا، فإن 90 بالمئة من إجمالي ملياري دولار من نفقات محتوى الواقع الافتراضي المسجلة العام الماضي ذهبت إلى الألعاب. وقد انتقد تيم كوك، رئيس شركة آبل، ميل الواقع الافتراضي إلى عزل المستخدم قائلا إنه “من الواضح أن هناك بعض الأشياء المتخصصة الرائعة للواقع الافتراضي، هذا ليس عميقا من وجهة نظري. الواقع المعزز عميق”. وقد أبدت آبل اهتمامًا ضئيلًا بشكل ملحوظ بالمعنى الغامر الذي يطمح زوكربيرغ إلى تحقيقه.
من المنتظر أن تثري سماعة الرأس العابرة المتوقع من آبل إطلاقها في نهاية هذا العام تقريبًا تجربة الواقع المعزز، يليها زوج من نظارات الواقع المعزز الحقيقية التي لا تزال قيد التطوير المبكر. ويقال إن منتجاتها الأولى تستهدف المصممين وغيرهم من المحترفين المبدعين، مثل أجهزة حاسوب ماكنتوش المتطورة. مع ذلك، قد يكون دخول الشركة إلى هذه الصناعة نقطة تحول. يقول مارك شموليك من برنشتاين: “من المحتمل أن تكون قدرة آبل على زيادة التبني لا مثيل لها في السوق”. وتأمل الشركة القيام بأعمال تجارية نشطة في الصين، حيث تم حظر منافستها ميتا. وتتوقع مؤسسة البيانات الدولية شحن 20 مليون زوج من نظارات الواقع المعزز في جميع أنحاء العالم بحلول سنة 2026، مما يجعلها تتمتع بضعف شعبية نظارات الواقع الافتراضي اليوم.
والسؤال المهم هو ما إذا كانت سماعات الرأس قادرة على تجاوز نطاق اللاعبين والمحترفين لتلعب الدور الشامل الذي تحظى به الهواتف الذكية – بعبارة أخرى، هل ستصبح منصة تقنية حقيقية وليست مجرد ملحق. يقول توني فاضل، المدير التنفيذي السابق لشركة آبل الذي ساعد في تطوير هواتف آيفون، إن سماعات الرأس اليوم جيدة في “حل مشاكل محددة للغاية”. ويقول إن النظام الأساسي القابل للتعميم مثل آيفون “قصة مختلفة تمامًا، وأنا لا أعتقد أن ذلك ممكن” على الأقل خلال السنوات الخمس المقبلة. ويرى فاضل أن سماعات الرأس ستكون مثل الساعات الذكية مشهورة ولكنها ليست ثورية بالطريقة التي كان بها الهاتف الذكي.
يوافق شبيغل على أن سماعات الرأس لن تحل محل الهواتف بالكامل مثلما بقيت أجهزة الحاسوب المكتبية، لكنه يعتقد أن “إحدى الروايات الشاملة هي أن الحوسبة أصبحت شخصية أكثر”. فقد انتقلت من الحاسوب الرئيسي إلى سطح المكتب إلى راحة اليد. ويشير إلى أن الخطوة التالية ستكون الحوسبة “المتراكبة على العالم من حولك” بواسطة الواقع المعزز. كانت الحوسبة المكتبية تدور بشكل أساسي حول معالجة المعلومات، وكانت الهواتف الذكية تتمحور بالأساس حول الاتصالات. وهو يقترح أن الحقبة التالية من الحوسبة ستكون “تجريبية”.
حسب هذا السيناريو، قد تكون سماعات الرأس جزءًا من نظام بيئي أوسع للتكنولوجيا القابلة للارتداء التي تجذب انتباه المستهلكين – والقدرة الشرائية – بعيدًا عن الهواتف الذكية التي أذهلتهم على مدار العقد ونصف العقد الماضيين. مع الساعات الذكية وسماعات الأذن الذكية وقريبًا النظارات الذكية، يمكن أن يصبح الهاتف مكتبًا خلفيًا للحوسبة الشخصية بدلاً من واجهة أساسية. ويقول شموليك إن الأدوات التي توضع على عينيك تكمل “الأشياء الموجودة على معاصمنا وعلى آذاننا وفي جيوبنا”. ذات يوم، “قد تنسى حتى أنك حصلت على هاتف”.
المصدر: ذي إيكونوميست