ترجمة حفصة جودة
وُضع رئيس المخابرات الروسية سيرجي بيسيدا ونائبه أناتولي بوليوخ تحت الإقامة الجبرية يوم 9 مارس/آذار، أشرف بيسيدا وبوليوخ على فرع المخابرات الأجنبية في جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، وقد زُعم أنهما من المؤيدين بشدة للفرضية التي قالت إن أوكرانيا ستنهار سريعًا وهو ما ثبت خطأه بعد ذلك.
لكن، كما بدا واضحًا بمرور السنين، فإن فلاديمير بوتين أصبح غير متسامح مع الآراء التي تتعارض مع طريقته في العمل، لذا ورغم فشل الاستخبارات فإن ادعاءات بيسيدا تلاعبت بالحقائق لتتناسب مع ما يود الرئيس الروسي تصديقه، وبينما ترأس بيسيدا فرع المخابرات الأجنبية منذ 2009، فمن المرجح أنه يعلم ما يود رئيسه سماعه، ومع ذلك فقد أُلقي اللوم عليه وعلى بوليوخ لفشل الغزو.
يعيش بوتين في غرفة افتراضية محصنة، فالإدارة الرئاسية التي تعد مصدر معلوماته الرئيسي تعمل كمنظمة سرية وتمنح بوتين معلومات منقحة منذ عقود، تعمل المؤسسة كحارس لبوتين يمنع الاستخبارات السلبية من الوصول إليه.
هذا التلاعب بالحقائق لتناسب وجهة نظر معينة للعالم جزء من المشكلة، العامل الآخر يكمن في أن أجهزة الأمن المختلفة تتنافس وتنفذ مشاريعها الخاصة أملًا في إرضاء بوتين.
يعد جهاز الأمن الفيدرالي “FSB” واحدًا من عدة أجهزة أخرى، وبينما يبدو جهاز الأمن الفيدرالي كوكالة مخابرات محلية، إلا أنه يعمل في دول الاتحاد السوفيتي السابقة باستثناء دول البلطيق، في الوقت نفسه تعمل وكالة المخابرات الأجنبية “SVR” في جمع الاستخبارات من خارج دول الاتحاد السوفيتي السابق، أما جهاز الحراسة الاتحادية “FSO” فدوره حماية الموظفين رفيعي المستوى، أما مديرية المخابرات الرئيسية “GU” فهي للاستخبارات العسكرية.
أُسس الحرس الوطني عام 2016 وهو لا يعد وكالة استخبارية، لكنه يعمل حارسًا لبوتين، وقد شارك بشكل متزايد في عمليات خارجية وعلى اتصال مباشر ببوتين من خلال رئيسه فيكتور زولوتوف الذي كان حارسًا شخصيًا لبوتين من عام 2000 حتى 2013 قبل أن يصبح وزيرًا للشؤون الداخلية ثم رئيسًا للقوات الداخلية من عام 2014 حتى 2016.
تجسس مقابل تجسس
ظاهريًا، تبدو أجهزة الأمن الروسية المختلفة مشابهةً لنظيراتها الغربية، لكن “FSB” على وجه الخصوص أكثر توحشًا من نظرائه الغربيين، حتى بوتين الذي كان ضابطًا سابقًا في الاستخبارات السوفيتية يرى أنهم مهمين لنجاته وكي تصبح روسيا عظيمةً مرة أخرى.
في عام 2020 أنفقت روسيا 5.5 تريليون روبل (69 مليار دولار) على أجهزة الأمن، يعادل ذلك 28% من الميزانية السنوية أو 3.5 مرة من الأموال المُنفقة على التعليم والصحة معًا.
لكن الأمر له عواقبه، فرغم النتائج التي يُطالب بها بوتين، يدرك كل جهاز أنه بحاجة لابتكار أسوا الأزمات أو الاستخبارات التي تتناسب مع رؤية بوتين لزيادة ميزانيتهم وتأثيرهم، من أمثلة هذا التكتيك المرعب: رئيس “FSB” أليكسندر بورتنيكوف الذي ادعى أن حرائق غابات سيبيريا عام 2012 كانت من صنع القاعدة، تسببت تلك التكتيكات المرعبة وتقديم المعلومات الإيجابية فقط لبوتين في الافتقار للتماسك المنطقي.
يعاني بوتين من واقع مشوه لا يُسمح فيه إلا بالمعلومات الإيجابية، وهو ما يجعل الصراع الأوكراني الحاليّ خطيرًا على وجه الخصوص
يحرس كل جهاز أمني منطقته ويرى الآخرين بعين الشك، هذا الأمر يجعل العمل للصالح المشترك أمرًا صعبًا، هذه المنافسة شديدة ومبنية على مزيج من الشك والرغبة في الحصول على انتباه بوتين.
بشكل خاص، يبدو أن ثقة “FSB” منعدمة في بقية الأجهزة وتنتقص من قدرهم باستمرار، تقع المنافسة أيضًا على مستوى الخدمة الداخلية حيث تنفذ المجموعات المختلة سياساتها الخاصة في بعض الأحيان على حساب أجندة أعمال فرعها.
يقدم ذلك كله صورة مربكة تمامًا، فالتنافس داخل الجهاز يتسبب في تركيز الأجهزة على الغيرة فيما بينها بدلًا من القضايا الأخرى، ومع عدم التخطيط للحرب، تنتشر همهمات بإعداد بعض أفراد الأمن لانقلاب.
معزول ولا يمكن الوصول إليه
تصغر حجم دائرة بوتين الداخلية بشكل متزايد، ما يشير إلى مستوى متزايد من الشك والسخط من بوتين وضده، استقال نائب الحرس الوطني رومان جافريلوف في شهر مارس/آذار بعد مزاعم بتسريبه معلومات، ومثل زولوتوف كان جافريلون جزءًا من حرس بوتين الشخصي، وعندما حاول زولوتوف التدخل رفض بوتين مقابلته.
في الشهر الماضي، أُقيل 8 جنرالات في إشارة أخرى إلى تزايد عزلة بوتين، كما يبدو خطابه المرتبك وتاريخه الممتلئ بالاعتراف باستقلال شعبي جهورية الدونباس، قادمًا من شخص بعيد المنال.
منذ بداية الجائحة عُزل بوتين في غرفة محصنة مع أنفاق مطهرة وانقطع بشكل كبير عن أي اجتماعات وجهًا لوجه، وتعد مسيرة ستاد لوزنيكي في موسكو يوم 18 مارس/آذار أحد المؤشرات الدالة على أن بوتين ما زال في غرفته المحصنة ولا يظهر إلا في الاجتماعات المهمة فقط.
تشير الطاولة الطويلة في الكرملين أيضًا إلى أن بوتين يخشى أي اجتماعات وجهًا لوجه، ولعدة سنوات كان لديه متذوقون للطعام، تسبب ذلك في إصابته بجنون العظمة وصراع أوكرانيا، وقبل ذلك تسببت الجائحة في تفاقم الوضع.
اعتقد بوتين دائمًا أنه أكثر السياسيين إطلاعًا في العالم، لكن الوضع ليس كذلك ببساطة، فكإمبراطور دون ملابس، يعاني بوتين من واقع مشوه لا يُسمح فيه إلا بالمعلومات الإيجابية، وهو ما يجعل الصراع الأوكراني الحاليّ خطيرًا على وجه الخصوص.
المصدر: ذي كونفرسايشن