بات الجميع يرغب في انتخابات جديدة تنهي جميع الأجسام الحالية المتقادمة والمتهالكة، لكن الجميع أيضًا يدرك أن المشكلة في كيفية تجديدها، فكل الشرعيات تتآكل يومًا بعد يوم في ليبيا بعد تفويت موعد الانتخابات وفق خارطة جنيف في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وربما استحالة تنظيمها هذا الصيف، فتكثّفت المبادرات الليبية الداخلية للحل، وظهرت أخرى أممية مؤخرًا.
وبات الوضع حاليًّا شبه متوقف بين تمسُّك رئيس حكومة الوحدة بحكومته لحين التسليم لحكومة منتخبة، مقابل تمسُّك رئيس الحكومة الموازية المكلف فتحي باشاغا.
وبين الوضعَين، من الأهمية متابعة الحل الأنسب لتجاوز العقبة أمام تعثُّر التعديل الدستوري الأخير (الثاني عشر) الذي أقرّه البرلمان كقاعدة دستورية للانتخابات القادمة، أو تنفيذ المسار الأممي لتشكيل لجنة الـ 12 من مجلسي النواب والدولة، أو الذهاب في مقترح أوروبي طُرح أخيرًا نحو انتخابات صيف 2023، كلها مبادرات لا تزال حبرًا على ورق، تسابق الزمن ما دام خيار الحرب غير مطروح حاليًّا.
شرعيات متآكلة بالتقادم
تآكلت كل الشرعيات في ليبيا تقريبًا وباتت في نظر كثيرين ساقطة بالتقادم، فمجلس النواب تجاوز عمره القانوني بسنوات لولا اتفاق الصخيرات الذي نفخ في روحه مجددًا، وكذلك المجلس الأعلى للدولة (الغرفة الاستشارية) التي جاءت على أنقاض المؤتمر الوطني العام، أول برلمان منتخَب بعد ثورة فبراير.
وعليه أجهزَ اتفاقُ جنيف الموقّع في 23 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، وأحد أهم مخرجاته في تونس في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام نفسه، على كل الكيانات الشرعية القديمة المتآكلة بطبعها، وذلك بالاتفاق على انتخابات في 24 ديسمبر/ كانون الأول 2021، وهو ما لم يتمَّ، ما يعني أنه لن يتمّ تسليم السلطة للحكومة الجديدة في يونيو/ تموز 2022 وفق مخرجات الاتفاق السياسي، اللهمّ إلا إذا تمَّ الاتفاق على تنظيم انتخابات قبل هذا الصيف، وهذا شبه مستحيل إن لم نقل من المستحيل أصلًا.
وعليه عادت مسألة نزع الشرعية إلى السطح بين الفرقاء، وتعهّد رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة بإجراء انتخابات برلمانية في شهر يونيو/ تموز كمحاولة لإنقاذ المشهد المتأزّم وطمأنة الشارع، قبل انتهاء صلاحية حكومة الوحدة الوطنية التي تُعتبر آخر ما يمكن الحديث عنه في حرب الشرعيات المستشرية.
بالتالي محاولة الدبيبة هذه هي لتدارك الأمور قبل أن يصبح خيار الحرب أمرًا مطروحًا بقوة بعد شهر يونيو/ تموز، بالنسبة إلى الرافضين لعودة حكم جسمَي مجلس النواب ومجلس الدولة، فلا سبيل عندهم بعودة حكم أطراف اتفاق الصخيرات.
وبناء على ما تقدّم، يحشد الشارع من أجل رفض كل الأجسام الحالية للدفع باتجاه إنهاء المراحل الانتقالية، وخاصة المطالبة بإسقاطها وسرعة الاتفاق على تنظيم انتخابات برلمانية، ثم النظر في وضع قاعدة دستورية لإجراء انتخابات رئاسية وضمان عدم عودة شبح الدكتاتورية من جديد.
الخلاف على #شرعية_الحكومات ارجو أن يظل ضمن الإطار السياسي وأن تلتزم كل الأطراف بالهدوء وضبط النفس، مطالبنا هي إنهاء المراحل الانتقالية وتجديد الأجسام المنتهية ولايتها التي عقدت المشهد، عبر #انتخابات سليمة على قاعدة دستورية في “وقت وجيز” وهي الأولوية لحل الأزمة السياسية.#ليبيا ??
— Hazem Alrayis (@HazemAlrayis) March 11, 2022
حوار ليبي ليبي.. غير مكتمل
بدأ الملل يظهر جليًّا مع كثرة التجاذبات والمناكفات بين الأجسام السياسية المسيطرة على المشهد الحالي، رغبة منها في المزيد من تأزيم الوضع من أجل تأبيد السلطة بيدها، وعدم تسليمها ولو بخلق أزمات جديدة.
هذه الرغبات أصبحت واضحة من شخصيات متّهمة بمحاولة الاستئثار بالسلطة وامتيازاتها بعد سنوات من الحكم، لذلك ترفض الرحيل حاليًّا بعد أن فقدت شرعيتها ومشروعيتها، وباتت تغتصب الإرادة الشعبية، وترفض الاحتكام من جديد إلى الصندوق.
حيث لم تجد حلًّا سوى الانضواء تحت شعارات مثل “حوار ليبي ليبي” للالتفاف على السلطة القائمة، وهي حكومة الوحدة الوطنية، وإقصائها من المشهد، على هذا الأساس إن دعوة البرلمان، وعلى رأسه عقيلة صالح، إلى تشكيل كيان تنفيذي جديد تمَّ اختيار شخصية فتحي باشاغا له، تُعتبر مزيدًا من الاستفزاز للرافضين للتجديد وإطالة عمر الأزمة باتّباع سياسة الهروب إلى الأمام.
أمام التوتر والانسداد الظاهر للعيان، بات واضحًا من بعض الفرقاء، خاصة الفريقين اللذين يتمسكان بأن الحكومة الجديدة هي نتاج حوار ليبي ليبي، أن الدعوة إلى توسيع دائرة الحوار بإشراك ممثلي حكومة الدبيبة، على أساس وحيد محوره سبل تنظيم انتخابات في أقرب أجل واقعي ممكن، لتفادي سقوط السقف على الجميع، وهو ما يسعى الجميع تفاديه أيضًا، لكن ذلك لن يكون لأجل مفتوح، فهو مرتهن بالتوافق على أرضية مشتركة.
أيضًا، أصبحت الجهات المتدخلة بقوة في المشهد الليبي، وعلى رأسها المبعوثة الأممية ستيفاني ويليامز وممثل الاتحاد الأوروبي، تدرك جيدًا ضرورة ممارسة ضغوط أشد لمطالبة جميع الفرقاء بالاتفاق على خارطة طريق واضحة جلية، تقدِّم الحل الانتخابي في أولوياتها على أساس دستوري مرضٍ، وهو الحل الذي طالبَ به كثيرون في الغرب والجنوب، وحتى في مناطق نفوذ حفتر.
خطوة جديدة و متكررة تقوم بها #البعثة_الأممية و يتماهى معها مجلسي النواب و الأعلى للدولة تتمثل في اقصاء مشروع الدستور الذي صاغته هيئة منتخبة من الشعب و تبحث عن قاعدة دستورية بديلة.
الهدف هو البحث عن ارضاء أفراد لاستمرار صراعهم على السلطة والثروة والسلاح!!!
— Abdurrahman Shater (@alshater1939) March 22, 2022
وبعيدًا عن أزمة انتهاء صلاحية حكومة الوحدة الوطنية مع ديسمبر/كانون الأول أو في يونيو/ تموز المقبل، فإنه أيضًا من شبه المؤكد أن تنظيم انتخابات في ظرف لا يتجاوز 4 أشهر كما تعهّد الدبيبة، وكذلك الاقتراح الذي قدمته حكومة باشاغا، المقدَّر بـ 14 شهرًا على الأكثر لإجراء الانتخابات؛ هما قراران غير واقعيَّين، فالأول مستعجَل في ظل ظروف لا تختلف عن ظروف الموعد المنقضي، والثاني بعيد وغير مدروس يهدف لتأبيد السلطة بيد كيانَين في الشرق والغرب.
هذا إلى جانب ضرورة معالجة مسائل أخرى مهمة وملغّمة، كانت وراء تأجيل الانتخابات المبرمجة أمميًّا في نهاية العام المنقضي، تتعلق خاصة بالقاعدة الدستورية التي تحدد شروط المترشحين للرئاسة.
مقترح أممي.. يرفضه البرلمان
يعد الأساس الدستوري للانتخابات من أوكد الأولويات، في ظل غياب خارطة طريق متفق عليها من الجميع أو التفاهم على حوار جامع وليس بمنطق المغالبة أو ادّعاء الزعامة والشرعية، إضافة إلى تفعيل دور القضاء، وقد بدأت مبادرات مدنية بمطالبة المحكمة العليا بتفعيل عمل الدائرة الدستورية.
هذا فضلًا عن التوافق على صيغة بشأن طريقة تعديل فقرة الإعلان الدستوري المتعلقة بطريقة طرح دستور دائم، سواء بالتصويت على دستور هيئة الستين أو حتى بتكوين لجنة من الخبراء عن الأقاليم، أي بالشكل الذي تمَّ طرحه في البرلمان شرط أن يحظى بإجماع أكبر، أو أخيرًا بقبول الجميع بحسب طرح المبعوثة الأممية ويليامز القائم على تعيين لجنة عن كلٍّ من البرلمان ومجلس الدولة من 6 أشخاص، أي 12 عضوًا مناصفة من المجلسَين.
لكن هذا الطرح الأممي الذي بدأت مشاورته في تونس يواجه عراقيل، حيث حضرت اللجنة الممثلة لمجلس الدولة بينما غابت لجنة البرلمان، ما يطرح مرة أخرى أسئلة ملحّة بخصوص نوايا عقيلة صالح بشأن القاعدة الدستورية للانتخابات.
فهذه المقاطعة الحالية لوفد البرلمان، رغم إعلان رئيسه عقيلة صالح عن أسماء الأعضاء الـ 6، تثير الشكوك مرة أخرى في حقيقة رغبة عقيلة صالح في العودة إلى مربع القاعدة الدستورية المفصّلة على هواه، والتي كانت وراء فشل تنظيم الانتخابات في موعدها السابق وإقرار هيئة الانتخابات نفسها بذلك.
بعد رفض عقيلة ارسال لجنة من البرلمان الى تونس للعمل مع لجنة مجلس الدولة لاعداد قاعدة دستورية، حان الوقت ليقوم #المجلس_الرئاسي بدور مهم باصدار مراسيم لقاعدة دستورية تقود الى #انتخابات هذا العام.
يجب دعم هذا الحل للخروج من الانسداد السياسي وهو ما تدعمه مشاورات اقليمية ودولية حاليا.
— Guma El-Gamaty (@Guma_el_gamaty) March 29, 2022
صحيح أن الحوار الليبي الليبي ضروري حاليًّا، لسحب البساط من تحت التدخل الخارجي الفجّ في الشأن الداخلي الليبي، لكن لا بدَّ للحوار أن يضع في مقدمة أولوياته التقارب الإقليمي والدولي الذي حدث في ملفات مهمة، خاصة فيما يتعلق بالتقارب بين تركيا والإمارات بعد المصالحة الخليجية، أو مصر وتركيا وقطر، اللاعبين المؤثرين على الساحة الليبية.
ويجب أن يحدث هذا حتى لا تجد حكومة باشاغا نفسها تعاني من نفس مصير حكومة الوحدة التي تمَّ تشكيلها في منتصف ديسمبر/ كانون الأول 2015 بمالطا، بالحجّة نفسها: حوار ليبي ليبي بين المؤتمر الوطني برئاسة نوري بوسهمين حينها، ورئيس البرلمان عقيلة صالح ردًّا على حوار الصخيرات المغربية.
وبالتالي، إن أي حوار داخلي لا بدَّ أن يأخذ بعين الاعتبار الترتيبات الجديدة لما بعد اتفاق جنيف، وفي مقدمتها الحفاظ على وقف إطلاق النار في محور سرت الجفرة، وتقريب وجهات النظر بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، للتوصُّل إلى توافق بخصوص أي استفتاء أو موعد للانتخابات حسب ما ينص عليه الإعلان الدستوري، قبل أن يصدر عن البرلمان بعد التفاهم عليه بين المجلسَين.
مقترح أوروبي
في خضمّ كل المبادرات السابقة المتعثرة، يدور الحديث عن مقترح أوروبي يجمّد كافة الأجسام السياسية الحالية (مجلس النواب والأعلى للدولة والمجلس الرئاسي وحكومة الوحدة إضافة إلى حكومة باشاغا) وإجراء انتخابات في يونيو/ تموز 2023، ويتولّى رئيس المحكمة العليا رئاسة مؤقتة، لكن حتى هذا المقترح رفضَه رئيس مجلس النواب عقيلة صالح.
ولم تتّضح الجهة صاحبة المقترح، لكن يبدو أنها السبب وراء رفض عقيلة صالح مشاركة وفده في مباحثات تونس الأخيرة واستمرار مقاطعة جميع المبادرات والتمسك بحكومة الاستقرار، في المقابل اجتمع رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي برئيس المحكمة العليا محمد الحافي، في ما يبدو تماهيًا مع المقترح الأوروبي.
وبالتزامن مع لقاء وفد المجلس الأعلى للدولة بتونس بممثلي 23 دولة ممثلة في ليبيا، للإعراب عن رفض حكومة باشاغا وتعديلات البرلمان الدستورية، جددت أيضًا بريطانيا والولايات المتحدة من تونس، في لقاء بسفيرَيهما بطرابلس مع ممثلي عدة أحزاب ليبية، ضرورة التسريع بالانتخابات وإنهاء الانقسام.
بالتزامن مع ذلك تجري مباحثات أخرى مكوكية، حدثت في مصر بين وزيرَي خارجية قطر ومصر، حيث رفض الجانبان عودة الصراع المسلّح، لكنه يبدو كلامًا عامًّا يخفي اختلافًا جوهريًّا بين من يؤيد البرلمان بشكل مطلق ومن يتمسّك بالمقررات الأممية، وعلى رأسها اتفاق جنيف، والحكومة المعترف بها إلى حين انتهاء مدة اتفاق جنيف وإجراء انتخابات حرة بالبلاد، كما وصفها وزير خارجية قطر.
وللتأثير على المقترحَين الأوروبي والأممي، جمعَ السيسي حفتر ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي مؤخرًا، وحديث عن انضمام رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، لمشاورات في القاهرة جوهرها حل “أزمة” تمسُّك الدبيبة بعدم تسليم السلطة، بطريقة يتمّ معها تجنيب العاصمة طرابلس أي اقتتال وتصعيد جديد، ما قد يطيح بقرار وقف إطلاق النار أو بتوافق باشاغا مع حفتر.
موسم الحجّ إلى القاهرة
عقيلة/حفتر/المنفى واليوم يصلهم المشرى
مِنْ الغباء أن لانتعلّم من تجارب الآخرين
تذكّروا أن قيادات الفصائل الفلسطينية عقدوا عشرات الإجتماعات لعدّة سنوات بإشراف مخابرات السّيسى و عبّاس كامل و النتيجة كانت و لازالت صفر
قاهرة السّيسى لا هى حياديّة ولا هى نزيهة
— Abdelsalam Ghoneim (@arghoneim) March 31, 2022
ومع رفض طرابلس دخول حكومة باشاغا إليها وتسلُّم زمام الأمور، بل إعرابها بالذهاب في ذلك إلى أبعد حدّ ولو باستعمال القوة أو بالتلويح بذلك كما حدث يوم 10 مارس/ آذار المنقضي، فإن الأيام القادمة مفتوحة على سيناريوهات داخلية مع استمرار التحشيد العسكري على تخوم العاصمة، وخارجية قد تنضج فيها المبادرات أكثر.