ترجمة وتحرير: نون بوست
بينما تركّز القوات الروسية هجماتها العسكرية من جديد على جنوب شرق أوكرانيا المنتج للغذاء، يكافح المسؤولون والمشرعون الأمريكيون للمساعدة في تجنب أزمة عميقة داخل أوكرانيا والاقتصادات الهشة في جميع أنحاء العالم، التي تعاني بالفعل من كوارث المناخ وفيروس كوفيد 19.
يندفع الجيش الروسي أكثر نحو حقول القمح الأوكرانية، الأمر الذي قد يعرض ملايين الأطنان من الحبوب المقرر حصادها في تموز/ يوليو للخطر، مما يهدد بخلق نقص مستمر في البلدان في جميع أنحاء إفريقيا والشرق الأوسط التي تعتمد على أوكرانيا كمصدر رئيسي للحبوب وزيت عباد الشمس، لإطعام الملايين من الناس.
علاوة على ذلك؛ ساهمت الأزمة في الارتفاع الساحق لأسعار الحبوب، مما قوّض استجابة المنظمات الإنسانية، مثل برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة؛ حيث تقول المنظمة إنها بحاجة إلى 16 مليار دولار إضافية لإطعام 137 مليون شخص لبقية العام.
وأخبر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، يوم الثلاثاء أن موسكو أثارت “أزمة غذاء عالمية يمكن أن تؤدي إلى مجاعة في إفريقيا وآسيا وعدة مناطق أخرى، وفوضى سياسية واسعة النطاق في العديد من البلدان”.
ويعمل مسؤولو البيت الأبيض ووزارة الخارجية مع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية وبرنامج الأغذية العالمي لمواجهة النقص، كما تعهد الرئيس جو بايدن بتقديم مليار دولار من المساعدات الإنسانية “للمتضررين من الحرب الروسية في أوكرانيا وتأثيراتها الشديدة في جميع أنحاء العالم”. ولكن بعد أن وافق الكونغرس على تقديم 4 مليارات دولار من المساعدات الإنسانية لأوكرانيا واللاجئين في البلدان المجاورة في إطار حزمة الإنفاق الشامل الشهر الماضي، لم يعد لدى العديد من المشرعين الجمهوريين رغبة سياسية كبيرة لتقديم المزيد من التمويل للمساعدات الغذائية العالمية.
رفض الجمهوريون الأساليب التي اقترحها الديمقراطيون لجمع أموال المساعدة، وطالب العديد منهم إدارة بايدن بالتراجع عن قرار رفع سياسة ترحيل المهاجرين الخاصة بعهد ترامب
وبينما تمتلك الإدارة بعض الموارد التي يمكنها الاستفادة منها دون الاستعانة بالكونغرس لإرسال الأغذية المزروعة في أمريكا إلى المناطق المحتاجة، إلا أن واقع الزراعة، بما في ذلك الجفاف الذي انتشر العام الماضي وتوقيت موسم الزراعة وارتفاع تكلفة المدخلات مثل الأسمدة والوقود، يحد من كمية المحاصيل الأمريكية التي يمكن أن تساعد في سد الفجوة التي خلقتها الأزمة في أوكرانيا.
ووفقًا لشخصيْن مطلعيْن على القرارات؛ تخطط الإدارة الأمريكية لتقديم مساعدات غذائية دولية إضافية في الأيام المقبلة، بما في ذلك صندوق بيل إيمرسون للاحتياجات الإنسانية وهو احتياطي نقدي فيدرالي قدره 260 مليون دولار تخصّصه الحكومة لشراء الحبوب الأمريكية والسلع الأخرى لإرسالها إلى الدول الأجنبية التي في أزمة.
ويضغط المشرعون على وزير الزراعة توم فيلساك للموافقة على تمكين الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية من سحب التمويل، والتي تحتاج أولًا إلى تقديم طلب رسمي في نفس الغرض، لكن مساعدي الكونغرس يقرون بأن التمويل المتاح أشبه بقطرة في محيط مقارنة بالمساعدات الإجمالية المطلوبة.
في غضون ذلك؛ انهارت محاولة الكونغرس لتقديم مساعدات خارجية إضافية في نهاية الأسبوع الماضي، حيث كانت مجموعة صغيرة من أعضاء مجلس الشيوخ تصوّت لإضافة ما بين مليار أو ملياري دولار من التمويل الدولي إلى حزمة مساعدات كوفيد-19، بما في ذلك حوالي 200 مليون دولار من المساعدات الغذائية العالمية.
في المقابل، انهارت الخطة بعد أن رفض الجمهوريون الأساليب التي اقترحها الديمقراطيون لجمع أموال المساعدة، وطالب العديد منهم إدارة بايدن بالتراجع عن قرار رفع سياسة ترحيل المهاجرين الخاصة بعهد ترامب، التي يطلق عليها تايتل 42 من قانون الصحة العامة والتي تطبّق على الحدود الجنوبية وفقا لأقوال ثلاثة من مساعدي الكونغرس.
وأعرب كريس كونز، وهو ديمقراطي من ديل وأحد أعضاء مجلس الشيوخ الذين يضغطون من أجل توفير المساعدة الغذائية الإضافية، عن أسفه لهذه الخطوة ووصفها بأنها “خطأ فادح” وجادل بأن “المجاعة الجماعية تشكل تهديدًا حقيقيًّا وشيكًا”.
علاوة على ذلك؛ حذر كونز والجمهوري ليندسي غراهام من ساوث كارولينا وأعضاء آخرون يتشاركون التفكير ذاته، من أن مثل هذا النقص في الغذاء على نطاق واسع يمكن أن يؤدي إلى هجرة جماعية وزعزعة الاستقرار السياسي في جميع أنحاء شمال إفريقيا والشرق الأوسط، مما قد يهدد بدوره الأمن القومي للولايات المتحدة. وصرّح كونز أنه سيبذل جهد من أجل تخصيص فاتورة قائمة بذاتها لتمويل لقاحات ومساعدات غذائية عالمية، بينما قال أحد كبار مساعدي مجلس الشيوخ: “نرى العاصفة قادمة، لكننا نشعر بأننا غير مستعدين للتعامل معها”.
وأرسل السيناتوران بوب مينينديز الديمقارطي من نيو جيرسي، وجيم ريش، الجمهوري من ولاية أيداهو، وهما من كبار المشرعين في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، رسالة يوم الثلاثاء يطلبان فيها إدارة بايدن بتطوير استراتيجية لمعالجة تداعيات انعدام الأمن الغذائي العالمي، بما في ذلك “الاستفادة الكاملة من” صندوق بيل إيمرسون للاحتياجات الإنسانية وبرامج أخرى، لكنهم لم يطالبوا بتمويل إضافي من الكونغرس.
ويتتبع المسؤولون في مكتب الشؤون الاقتصادية والتجارية التابع لوزارة الخارجية تداعيات انعدام الأمن الغذائي العالمي المترتبة عن غزو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لأوكرانيا. وفي هذا الشأن، قال رئيس المكتب، رامين تولوي: “يبدو أن المجموعات الضعيفة، لا سيما في الشرق الأوسط وإفريقيا، معرضة لخطر أكبر بسبب الحرب الروسية”.
وأضاف تولوي أن المناصب الدبلوماسية الأمريكية على اتصال وثيق بالدول التي تتعرض شعوبها لخطر انعدام الأمن الغذائي المتزايد، وأن المسؤولين الأمريكيين يعملون مع الحلفاء والوكالات متعددة الأطراف والمؤسسات المالية الدولية لمعالجة انعدام الأمن الغذائي.
يتزايد الطلب على القمح والذرة وغيرها من الإمدادات الغذائية الأخرى في الوقت الذي يتعرض فيه المزارعون في جميع أنحاء العالم لضغوط مالية هائلة بسبب ارتفاع تكاليف الوقود والأسمدة والبذور وغيرها من المدخلات الزراعية
ويشعر المسؤولون الأمريكيون بقلق خاص بشأن بعض الدول مثل أفغانستان واليمن، اللتين تعانيان بالفعل من أزمات جوع حادة، إلى جانب لبنان، حيث يعيش ثلاثة أرباع السكان في فقر.
وتلقت هذه الدولة الأخيرة، التي كانت تعيش بالفعل في حالة انهيار اقتصادي، حوالي 80 بالمائة من الحبوب من روسيا وأوكرانيا قبل الحرب. ولا يمكن للبنان سوى تخزين ما يكفي من القمح لشهر واحد منذ انفجار بيروت سنة 2020 الذي دمر صوامع الحبوب الرئيسية.
ومع تزايد النقص؛ تضغط الولايات المتحدة على الهند والأرجنتين والصين وغيرها من الدول التي تمتلك احتياطيات كبيرة من الحبوب للتبرع ببعض إمداداتها لبرنامج الغذاء العالمي أو على الأقل إطلاقها في الأسواق العالمية. وقد حذر بايدن، بعد اجتماعه مع قادة مجموعة السبع أواخر الشهر الماضي، من نقص الغذاء العالمي “الفعلي”. وأضاف أن الولايات المتحدة وكندا، وهما مصدران رئيسيان للحبوب، ناقشا كيفية إرسال البلدين المزيد من الحبوب إلى الخارج للمساعدة في سد ثغرات الإمدادات.
ولكن رغم أن المسؤولون الأمريكيون يعملون على التخفيف من حدة النقص، إلا أنهم يواجهون تحديات أخرى وهي أن احتياطيات القمح العالمية، بما في ذلك في الولايات المتحدة، أصبحت أقل من المعتاد بعد الجفاف القياسي السنة الماضية. وقد كانت الحكومات التي لديها فوائض في الحبوب مترددة في إطلاق الكثير من إمداداتها، بما في ذلك كندا.
ويتزايد الطلب على القمح والذرة وغيرها من الإمدادات الغذائية الأخرى في الوقت الذي يتعرض فيه المزارعون في جميع أنحاء العالم لضغوط مالية هائلة بسبب ارتفاع تكاليف الوقود والأسمدة والبذور وغيرها من المدخلات الزراعية.
وفي الولايات المتحدة، أوضحت سيسيليا روس، رئيسة مجلس المستشارين الاقتصاديين في إدارة بايدن، للصحفيين الأسبوع الماضي ما يتوقعه البيت الأبيض من المزارعين الأمريكيين فيما يتعلق بزيادة الإنتاج من أجل الاستفادة من ارتفاع أسعار السلع الأساسية، التي ارتفعت إثر غزو روسيا لأوكرانيا.
وقالت روس: “مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية، سوف يستجيبون لذلك من خلال القيام بزراعة إضافية ومحاولة الاستفادة من إشارات الأسعار المتزايدة. وبالتالي، ستعمل السوق مهما تكلف الأمر”.
وأضافت روس أن الحكومة الأمريكية، بما في ذلك الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، تعمل مع شركاء ومنظمات دولية أخرى للحصول على الغذاء وتخفيف ضغوط الأسعار على البلدان المحتاجة.
ولكن المزارعين الأمريكيين، الذين يضعون الخطط ويطلبون الإمدادات بشكل عام في فصل الشتاء لموسم الزراعة الربيعي، موجودون فعليًّا في الحقول في بعض الولايات. وبعد أيام من تصريحات روس، أصدرت وزارة الزراعة تقريرًا تشير فيه إلى أن المزارعين الأمريكيين يخططون لزراعة نفس العدد تقريبا من الأفدنة كما في السنة السابقة، ولكن باستخدام كميات أقل من الذرة – وهو ما زاد من المخاوف بشأن احتياطيات الحبوب.
وقال أكبر جمهوري في لجنة الزراعة بمجلس النواب، غلين طومسون من ولاية بنسلفانيا، إنه “من السذاجة تماما” أن يقول البيت الأبيض إن المزارعين سيكونون قادرين على زيادة الإنتاج وسط ارتفاع تكاليف الوقود وغيرها من تكاليف الإنتاج.
وأضاف طومسون: “نحن لا نتحدث عن إنتاج ما كنا ننتجه دائمًا. ومع الجوع والمجاعة والموت الذي سيحدث، سنحتاج إلى منح المزارعين الأمريكيين الأدوات اللازمة لزيادة محاصيلهم”.
رد هوفين على سؤال ما إذا كان يتعين على الولايات المتحدة زيادة التمويل للبرامج التي تشتري وترسل السلع الأمريكية إلى الخارج، قائلا:” علينا استخدام البرامج الحالية”.
ويقول طومسون وغيره من المشرعين الجمهوريين وبعض المجموعات الزراعية إنهم يريدون من فيلساك أن يسمح للمزارعين بزراعة المحاصيل على الأراضي التي تخضع حاليًا لبرامج الحفظ الفيدرالية في محاولة لتلبية الطلب العالمي. ولكن فيلساك رفض الطلب مؤخرا، بحجة أن مثل هذه الخطوة سيكون لها تأثير محدود لأن “نسبة كبيرة” من الأراضي تقع في مناطق تعاني من الجفاف، وغالبًا ما تقع في أماكن يصعب الوصول إليها للمساعدة في التخفيف من تآكل التربة واحتجاز الكربون. وقد كانت المجموعات البيئية تضغط على فيلساك للبحث عن بدائل.
ويخشى بعض المشرعين أنه إذا ما فشلت الولايات المتحدة في الاستجابة لأزمة الغذاء في الخارج، فإن الصين أو غيرها من الدول المنافسة قد تستخدم احتياطياتها من الحبوب لكسب نفوذ سياسي إضافي عبر إفريقيا وآسيا.
وقال السناتور كيفن كريمر، وهو جمهوري من ولاية نورث كارولينا مشيرًا إلى جهود بكين السابقة لاستخدام السلع وأصولها الخاصة كنوع من الإقراض المفترس، عن الصين: “إنهم مفترسون. إنهم مبتزون”.
ووفقًا لخبراء اقتصاديين يتتبعون الموقف، فمن غير المرجح أن تتمكن الصين من تصدير كميات كبيرة من الحبوب في أي وقت قريب. ولكن من الممكن أن تحاول روسيا سد جزء صغير من فجوات الإمدادات الغذائية التي خلفتها أوكرانيا، في حين يشعر المسؤولون الأمريكيون بالقلق من أن التهديد الروسي الأخير فيما يتعلق بتصدير منتجاتها الزراعية إلى الدول “الصديقة” فحسب قد يؤدي إلى التزام بعض الدول الضعيفة بالصمت حيال الغزو الروسي.
وقال كريمر: “بصفتنا أمة محبة للسلام ومحبّة للحرية وكريمة – هذا هو السبب وراء عدم قدرتنا على التخلي عن وجودنا في هذه المناطق الهشة”، مضيفا أنه سيميل إلى دعم مشروع قانون تمويل قائم بذاته، مضيفًا “إن فجوات القيادة سيستغلها آخرين لأغراض أقل نبلا بكثير”.
كما ينتمي كريمر في الوقت الحالي إلى أقلية من زملائه في الحزب الجمهوري، الذين يشير الكثير منهم إلى الولايات المتحدة كأكبر مزود للمساعدات الغذائية العالمية، وإلى أن الإدارة لا تزال تملك الأموال التي يمكنها إنفاقها من برامج المساعدات الحالية – بما في ذلك زميل كريمر في نفس الولاية، جون هوفين.
وقد رد هوفين على سؤال ما إذا كان يتعين على الولايات المتحدة زيادة التمويل للبرامج التي تشتري وترسل السلع الأمريكية إلى الخارج، قائلا:” علينا استخدام البرامج الحالية”.
المصدر: بوليتيكو