ترجمة وتحرير: نون بوست
اهتزت صناعة الإنترنت السنة الماضية عندما أدخلت شركة آبل تدابير خصوصية لأجهزة آيفون هددت بإلغاء التتبع عبر الإنترنت وتعطيل الإعلانات الرقمية. كما تعهدت غوغل بتطبيق إجراءات خصوصية مماثلة. ولكن في أقل من سنة، بدأ نوع آخر من تتبع الإنترنت في الظهور كان له تأثير غير مقصود يتمثل في تعزيز قوة بعض أكبر عمالقة التكنولوجيا.
يشير هذا التحول إلى أن جمع بيانات المستخدمين عبر الإنترنت من أجل الإعلان المستهدف لم ينته. وكان لذلك آثار على كيفية جني الشركات للأموال عبر الإنترنت وكيفية عمل الإنترنت. كما يسلط الضوء على المزايا التي اكتسبتها بعض أكبر المنصات الرقمية.
حسب إريك سيوفيرت، المحلل الإستراتيجي لوسائل الإعلام ومؤلف مدونة “موبيل ديف ميمو”، وهي مدونة حول إعلانات الهاتف المحمول، “رسّخت آبل وغوغل قوتها الخاصة”.
لسنوات عديدة، اعتمدت الشركات الرقمية على ما يُعرف بتقنيات “الطرف الثالث” للتتبع. قامت شركات مثل فيسبوك وغوغل بنشر التكنولوجيا لتعقب المستخدمين أينما ذهبوا عبر الإنترنت. فإذا قام شخص ما بتصفّح حسابه على إنستغرام ثم تصفح متجرًا للأحذية عبر الإنترنت، فيمكن للمسوقين استخدام هذه المعلومات لاستهداف هذا الشخص بإعلانات الأحذية وتحقيق عمليات بيع.
لكن هذا النوع من التتبع الغازي تم تقليصه أو حظره بواسطة آبل وغوغل لحماية خصوصية المستخدمين. في نيسان/ أبريل الماضي، قدمت آبل ميزة تتيح لمستخدمي آيفون اختيار عدم تتبع التطبيقات المختلفة لهم. كما أعلنت غوغل عن خطة لتعطيل تقنية التتبع في متصفح الويب كروم بحلول سنة 2023 وقالت إنها تعمل على الحد من مشاركة بيانات المستخدمين على هواتف أندرويد.
لكن التتبع الآن تحوّل إلى ما يُعرف بتتبع “الطرف الأول”. باستخدام هذه التقنية، لا يتم تتبع الأشخاص من تطبيق إلى آخر أو من موقع إلى آخر، وإنما تعمل الشركات على جمع معلومات حول ما يفعله المستخدم على موقعهم أو تطبيق محدد بموافقته. وهذا النوع من التتبع، الذي مارسته الشركات لسنوات، آخذٌ في الازدياد.
بعبارة أخرى، تعمل غوغل على تجميع بيانات حول عمليات بحث المستخدمين وبيانات الموقع ومعلومات الاتصال الخاصة بمستخدميها. وتقوم “بنتريست” بالشيء نفسه مع مستخدميها الذي يدخلون لموقعها وتطبيقها، بينما تقوم تيك توك بجمع معلومات عن الأشخاص الموجودين على تطبيقها. وتستخدم صحيفة نيويورك تايمز بدورها تقنية الطرف الأول للتتبع.
كان لظهور هذا التتبع تداعيات على الإعلان الرقمي الذي اعتمد على بيانات المستخدم لتوجيه العروض الترويجية المستهدفة. تخدم هذه البيئة الرقمية الكبيرة مصالح شركات مثل غوغل وسنابشات وتيك توك وأمازون وبنتريست، التي لديها الملايين من المستخدمين الذين جمعت معلومات عنهم. ويتعيّن على مختلف العلامات التجارية اللجوء إلى تلك المنصات إذا أرادت عرض إعلاناتها للعثور على عملاء جدد.
وظّفت ميتا مئات المهندسين للعمل على أنظمة استهداف الإعلانات الجديدة التي لا تعتمد على متابعة الأشخاص عبر الإنترنت. كما طلبت من الشركات الصغيرة مشاركة معلومات حول عملائها معها لتحسين أداء إعلاناتها.
يبدو أن العديد من الشركات الصغيرة تنفق بالفعل أقل على الإعلانات الرقمية التي تعتمد على بيانات الجهات الخارجية، مثل إعلانات فيسبوك وانستغرام، وتقوم بإعادة تخصيص ميزانيات التسويق لمنصات بها الكثير من معلومات الطرف الأول، مثل غوغل وأمازون.
يقول دوغلاس سي شميدت، أستاذ علوم الكمبيوتر في جامعة فاندربيلت الذي يبحث في الخصوصية الرقمية، عن مواقع التكنولوجيا الكبيرة إن “أي شخص يريد الوصول إلى جمهور كبير يستخدم هذه التقنية”.
فعلى سبيل المثال، يمكن النظر إلى شركة ستوغلز، وهي شركة في باسادينا بولاية كاليفورنيا تبيع النظارات الواقية الحديثة عبر الإنترنت. قال ماكس غرينبيرغ، أحد مؤسسي ستوغلز، إن الشركة التي تنفق حوالي 250 ألف دولار شهريًا على الإعلان عبر الإنترنت، خصصت منذ فترة طويلة ما يقارب 80 في المئة من ميزانيتها التسويقية لشراء إعلانات فيسبوك وإنستغرام لجذب العملاء الجدد.
لكن بعد أن أجرت شركة آبل تغييرات على سياسة الخصوصية، خفّضت ستوغلز إنفاقها على إعلانات فيسبوك وإنستغرام إلى 60 في المئة من ميزانيتها، وذلك حسب ما أكده غرينبيرغ. اشترت الشركة بدلاً من ذلك المزيد من إعلانات بحث غوغل وإعلانات أمازون للوصول إلى المتسوقين والإعلانات على تيك توك لجذب الشباب. ويوضح غرينبيرغ: “لقد ولت أيام التسويق الرخيص للغاية والمستهدف للغاية عبر الإنترنت نحن بحاجة إلى تجربة منصات أخرى”.
صرحت بعض شركات التكنولوجيا بأنها لا تعتبر مراقبة البيانات وجمعها وتخزينها على مستخدميها من الأمور التي تتعلق بالتتبع، وأن جمع مثل هذه المعلومات من الطرف الأول هو المعادل الرقمي لفتح متجر – الأمر الذي يتطلب الاحتفاظ بعلامات تبويب العملاء واستخدام هذه البيانات لإقناع الشركات بالإعلان أو تقديم قسائم.
أشارت شركتا غوغل و آبل إلى أن التحول في سياساتهما ليس بهدف تقوية موقعهما. وأكدت شركة آبل أنه يتعين عليها اتباع القواعد ذاتها التي يتبعها أي شخص آخر. وأضافت غوغل أنها تعهدت للمنظمين بأنها لن تتبنى إجراءات خصوصية تمنحها ميزة تنافسية، مشيرة إلى أنها تعمل على برنامج لمساعدة المعلنين وناشري مواقع الويب الذين لا يمكنهم الوصول إلى بيانات الطرف الأول.
من الناحية النظرية، سيستفيد فيسبوك وإنستغرام لأن لديهما الكثير من بيانات الطرف الأول. لكن الشركة الأم، ميتا، واجهت صعوبة في نقلها. في شباط/ فبراير، قالت الشركة إنها تتوقع خسارة مبيعات بقيمة 10 مليارات دولار هذه السنة بسبب إجراءات الخصوصية التي تتبعها شركة آبل.
لهذا السبب، وظّفت ميتا مئات المهندسين للعمل على أنظمة استهداف الإعلانات الجديدة التي لا تعتمد على متابعة الأشخاص عبر الإنترنت. كما طلبت من الشركات الصغيرة مشاركة معلومات حول عملائها معها لتحسين أداء إعلاناتها.
أوضح لاندون راي، المدير التنفيذي لشركة أونترابورت، وهي شركة برمجيات تعمل مع الشركات الصغيرة، إن ميتا وزعت عرضًا تقديميًا لعملاء أونترابورت في الأشهر الأخيرة لتشجيعهم على مشاركة معلومات عملائهم معها. وأضاف راي “الفكرة هي أنه إذا نسجت جميع الشركات على منوالها، سيكون لدى فيسبوك مرة أخرى كل تلك البيانات التي تحتاجها”.
تمتلك أمازون الكثير من البيانات عن عملائها، بما في ذلك ما يشترونه، وأين يقيمون، والأفلام أو البرامج التلفزيونية التي يشاهدونها.
في بيان لها، صرحت ميتا بأن هذا الجهد لم يكن وسيلة للتهرب من قواعد خصوصية آبل وأنه ينبغي على المعلنين الحصول على إذن من مستخدميهم لمشاركة البيانات معها. وأضافت أنها أنشأت البرنامج قبل تغييرات آبل وأن غوغل وسنابشات قامت بالخطوة ذاتها. من جانبه، صرح مارك زوكربيرغ، المدير التنفيذي لشركة ميتا، بأن شركته تتوقع الاستفادة من تغييرات التتبع على المدى الطويل.
أثناء عملية الانتقال إلى ميتا، بدأت بعض الشركات الصغيرة في البحث عن سبل أخرى للحصول على الإعلانات. من جانبه، قال شون بيكر، مالك شركة “بيكر سوفت ووش”، وهي شركة تنظيف خارجية في موريسفيل، إنه كان ينفق حوالي 6 دولارات من إعلانات فيسبوك لإيجاد عميل جديد لكنه حاليا ينفق حوالي 27 دولارًا لأن الإعلانات لا تجد الأشخاص المناسبين.
بدأ بيكر إنفاق 200 دولار شهريًا للإعلان من خلال برنامج غوغل للتسويق للأنشطة التجارية المحلية، الذي يظهر موقعه على الويب عندما يبحث الأشخاص الذين يعيشون في المنطقة عن عمال النظافة. للتعويض عن تلك النفقات التسويقية المرتفعة، قام برفع أسعار خدماته بنسبة 7 في المئة. وفي هذا السياق، أوضح قائلا: “إنك تنفق أموالاً الآن أكثر مما كان عليك إنفاقه من قبل للحصول على الخدمات ذاتها”.
يستفيد عمالقة التكنولوجيا الآخرون الذين لديهم معلومات من الطرف الأول من التغيير. فعلى سبيل المثال، تمتلك أمازون الكثير من البيانات عن عملائها، بما في ذلك ما يشترونه، وأين يقيمون، والأفلام أو البرامج التلفزيونية التي يشاهدونها. وخلال شهر شباط/ فبراير، كشفت أمازون عن حجم أعمالها الإعلانية – 31.2 مليار دولار من العائدات في سنة 2021 – لأول مرة. وهذا يجعل الإعلان ثالث أكبر مصدر للمبيعات بعد التجارة الإلكترونية والحوسبة السحابية. في المقابل، رفضت أمازون التعليق.
بدأت أمبر موراي صاحبة شركة “سي يور سترنغث” في سانت جورج بولاية يوتا المتخصصة في بيع الملصقات عبر الإنترنت للأشخاص الذين يعانون من القلق، بتجربة الإعلانات على موقع أمازون بعد تدهور أداء إعلانات فيسبوك مؤكدة أن النتائج كانت رائعة.
في شباط/ فبراير، دفعت حوالي 200 دولار لشركة أمازون لعرض منتجاتها بالقرب من أعلى نتائج البحث عندما يبحث العملاء عن ملصقات. وقالت إن المبيعات بلغت 250 دولارًا في اليوم واستمرت في النمو. ولكن عندما أنفقت 85 دولارًا على حملة إعلانية على فيسبوك خلال شهر كانون الثاني/ يناير، حققت مبيعات بقيمة 37.50 دولارًا فقط. وأضافت موراي: “أعتقد أن الأيام الذهبية للإعلانات على فيسبوك قد ولت. في أمازون، يبحث الناس عنك، بدلاً من أن تخبر الناس بما يمكن أن يحتاجوه”.
المصدر: نيويورك تايمز