ترجمة وتحرير: نون بوست
أنا أعشق القهوة، وربما بشكل مبالغ. وقد كنت متعودة على شرب ما يصل إلى أربعة أكواب من القهوة كل صباح، وأختار أقوى أنواع البن الموجودة في السوق. كل يوم عندما أستيقظ كنت أتحرق شوقا لكوبي الأول من القهوة، ومع الكوب الثالث أدرك أن هذا يكفي، ولكنني لا أمنع نفسي من التوجه مجددا إلى المطبخ.
لقد دفعت ثمن هذا الاستهلاك المفرط، حيث أنني كثيرا ما أشعر بالانفعال والتوتر الزائد، وبعض الانزعاج في المعدة. وقد اكتشفت لاحقا أن كل قرص من البن الذي يتم وضعه في ماكينة عصر القهوة يحتوي على 100 ميليغرام من الكافيين، وهي كمية لا يستهان بها.
ثم شاهدت زميلا سابقا، وهو الكاتب جيف بيرلمان، ينشر على تويتر خبر إقلاعه عن تناول الكافيين في شهر أغسطس/ آب، ففكرت في النسج على منواله.
هذا الرجل كان معروفا باحتساء القهوة بشراهة، إلا أنه شعر بأن لها تأثيرا سيئا على جسمه وحالته النفسية، وباتت تحرمه من النوم الجيد، وتسبب له ارتعاشا في اليدين.
وقد انتقل بيرلمان إلى القهوة منزوعة الكافيين، وأكد أن هذا التغيير كان سهلا بشكل لا يصدق: “لم أفتقد الكافيين بشكل كبير. ولكنني لا أعتبر نفسي قد نسيته بشكل كامل، أحيانا عندما أشم رائحة قوية لقهوة تحتوي على الكافيين، أستهلك منها كمية قليلة فقط من أجل الاستمتاع بطعمها وقوامها. ولكن بشكل عام أنا راض عن هذه التجربة، وقد تخلصت من آلام الرأس والإدمان”.
وبعد التفكير لشهور عديدة، قررت أنا أيضا أن أخوض تجربة بيرلمان في الابتعاد عن الكافيين.
ماذا حدث عندما توقفت؟
تماما كما قال بيرلمان، فإن هذا التغيير كان أسهل مما توقعت. أنا أحب طعم القهوة وأفضل أن تكون سوداء. والانتقال إلى البن منزوع الكافيين كان كافيا بالنسبة لي لتلبية رغبتي. ولكن على عكس بيرلمان، فإنني أحسست بوجود آثار جانبية لهذا التغيير، حيث أنني عانيت من الصداع في اليوم الأول.
وترى الكاتبة كارا فيتجيرالد أن “تجربة الصداع منتشرة كثيرا في الحالات المماثلة، وهي من أعراض الانسحاب من إدمان الكافيين. هذا الشعور مؤقت، وقد يكون صعبا في البداية ويستسلم له كثيرون ويعودون لاستهلاك الكافيين.”
إلى جانب الصداع شعرت أيضا بالإعياء كامل اليوم وعلى مدى أسبوعين. وتقول أخصائية التغذية هايلي ميلير”إن السبب هو أن التخلص من الكافيين في البداية يجعلك خاملا وبطيئا، وتتراجع طاقتك وقدرتك على التركيز. ولكن الخبر الجيد هو أن هذه المرحلة لا تدوم طويلا، وذلك بفضل القدرة المذهلة للجسم البشري على التأقلم مع التغيير. لذلك فإنك ستستعيد نشاطك وصفائك الذهني وتركيزك خلال أسابيع قليلة بعد الإقلاع.”
عندما نقرأ الدارسات التي أجريت على شاربي القهوة نلاحظ أنهم يعيشون لعمر أطول، سواء كانوا يشربون القهوة بالكافيين أو بدونه
وبالنسبة لي استغرق الأمر بعض الوقت، ولكنني في النهاية عدت إلى حالتي الطبيعية، حتى أنني شعرت باستقرار في مستوى التركيز والنشاط خلال كامل ردهات اليوم، عوض النشاط في الصباح ثم الإرهاق في المساء. كما أن جودة النوم تحسنت، بعد أن كنت سابقا أعتقد أن الكافيين الذي كنت أستهلكه في الصباح لا يؤثر على النوم في الليل. وتقول فيتجيرالد: “إن أهم فائدة للتخلص من الكافيين هي تحسن جودة النوم، وذلك لأن الكافيين هو من المنبهات، وحال دخوله إلى الدماغ فإنه يعطل مستقبلات الأدينوزين”.
كما تقول فيتجيرالد: “إن مدة عيش الكافيين في الجسم هي خمس ساعات، ولكنها تطول بالنسبة لبعض الأشخاص، حيث قد يستغرق الجسم ما يصل إلى عشر ساعات للتخلص منه، ولذلك فإنه يؤثر سلبا على النوم. ومن يعانون من بطء التمثيل الغذائي سيواجهون مشكلة أكبر، وهي ارتفاع سكر الدم والضغط، وزيادة احتمالات الإصابة بالنوبات القلبية.”
وتقول ميلير إن التوقف عن شرب القهوة له فائدة أخرى، وهي التقليل من عدد مرات الذهاب للحمام، باعتبار أن هذا المشروب يعتبر من مدرات البول. ويستفيد الجسم أيضا من تحسن امتصاص الفيتامين ب، عند التوقف عن شرب القهوة.
ولكن للكافيين فوائد أيضا!
تقول فيجيرالد إن هنالك جدلا بين العلماء حول دور الكافيين في إطالة العمر، وهو تأثير لوحظ لدى حشرات الثمار، والفئران والديدان، ولكن لم يتم إجراء الدراسات الكافية على البشر. كما يعتقد أن استهلاك الكافيين بشكل معتدل يحمي الأعصاب من الأمراض المرتبطة بالشيخوخة مثل الخرف وباركنسون.
كذلك عندما ننظر إلى المشروبات التي تحتوي على الكافيين، مثل القهوة والشاي، فإنها تحتوي على بعض المكونات الكيميائية المفيدة للجسم.
وتقول فيتجيرالد: “عندما نقرأ الدارسات التي أجريت على شاربي القهوة نلاحظ أنهم يعيشون لعمر أطول، سواء كانوا يشربون القهوة بالكافيين أو بدونه.”
ويعتبر الكافيين أيضا منبها طبيعيا، وطريقة ممتازة للحصول على جرعة من الطاقة في الصباح، ومن أجل محاربة النعاس الذي نمر به في الظهيرة. ولكن الإكثار من أي شيء قد يكون مضرا، ولذلك يحذر الأطباء من أن تجاوز أربعة أكواب قهوة في اليوم قد يكون خطيرا.
مر شهر كامل منذ بداية تجربتي، ولأكون صريحة أنا لست متأكدة من أنني سأعود لشرب الكافيين. فقد سعدت بجودة النوم الحالية، رغم أنني أفتقد ذلك الزخم والطاقة التي أشعر بها عند شرب أول كوب قهوة في الصباح.
وتنبه ميلير إلى أن قرار الابتعاد عن الكافيين يجب أن يرتبط أولا بنمط حياتك ودوافعك الخاصة. إذا كنت تشرب القهوة لأنك تحب طعمها فإن الابتعاد عنها ليس ضروريا. أما إذا كنت تعتمد على الكافيين على مدى كامل اليوم لتحصل على النشاط، فإنك سوف تتعرض لأضرار متعلقة بجودة النوم ومستويات التوتر وامتصاص الأغذية، كما أن هذه العادة ستؤدي في النهاية لتدهور قدرتك على التركيز. ولذلك من الافضل الحصول على الطاقة والنشاط من مصادر أخرى غير القهوة.
المصدر: فاست كومباني