ترجمة حفصة جودة
يشعر المسلمون في فرنسا بالحيرة، فالكثير منا لا يعلم ماذا يفعل في الانتخابات الرئاسية الجارية، ساهم الغزو الروسي لأوكرانيا في تحول الحديث السياسي مؤقتًا بعيدًا عن الهوس اليومي بالإسلام والمسلمين، ما يمنحنا الفرصة للتوقف والتفكير ولو لمرة إذا ما كان الناخبون لديهم فرصة لاتخاذ القرار بناءً على القضايا طويلة المدى مثل تغير المناخ والتعليم والصحة.
لكن هذا التشويق لم يدم، فالاستطلاعات الحديثة أظهرت استمرار تقدم القوة السياسية اليمينية المتطرفة في فرنسا، التي يركز برنامجها بشكل أساسي على الهجرة والمسلمين.
لكن شيئًا ما تغير عن السنوات الماضية، فالعنصرية لم تعد خفية بعد الآن، ولا مزيد من تظاهر السياسيين، ولم تعد الحكومة تحاول حفظ الوجوه، فقد أثبتت حديث اليمين المتطرف عن الأقليات.
مع مناقشة غالبية السياسيين لنظرية “الاستبدال العظيم” العنصرية التآمرية، وتطبيق الدولة للسياسيات الانتقائية العنصرية والعرقية ضد اللاجئين، لم يعد بالإمكان خداع اللاجئين أكثر من ذلك، فقيم الجمهورية أصبحت على المحك في سباق السلطة.
طوال هذا الوقت بدت فرنسا على المستوى الدولي كحامل شعلة الحرية، دون أي نجاح يذكر
ورغم الضرر والدمار اللذين يسببهما هذا الاضطهاد الشديد للأقليات على جماعات المجتمع المدني والمجتمعات والعائلات، فهذا التحول المنطقي تطور إيجابي حيث أنه يكشف اللعبة السياسية.
اللاعبون الرئيسيون
في تلك اللعبة نجد الرئيس إيمانويل ماكرون الذي انتُخب لمقاومة اليمين المتطرف، ليطبق فقط بشكل ممنهج أجندته وذلك بالتغاضي عن عنف الشرطة ودعم السياسات الاقتصادية والاجتماعية المدمرة وتهديد ومضايقة جماعات المجتمع المدني التي تجرؤ على معارضته وتدمير وتقسيم المنظمات الإسلامية التي رفضت القبول بوضع المسلمين كمواطنين من الدرجة الثانية.
طوال هذا الوقت بدت فرنسا على المستوى الدولي كحامل شعلة الحرية، دون أي نجاح يذكر، يبدو أن ماكرون يراهن على فقدان الذاكرة السياسية للبلاد بعد كوفيد-19 وفك الارتباط الانتخابي للجماهير التعيسة بهدف إعادة انتخابه كأهون الشرين.
بعد ذلك، هناك المرشح اليساري جان لوك ميلينشون الذي يقود حملة فعالة وأداؤه جيد في الاستطلاعات، إذ يتجاوز تأييده أكثر من 15%، ومع ذلك فهو يعاني لإبعاد نفسه عن دعمه السابق لنظامي بوتين والأسد.
يدفع ميلينشون أيضًا ثمن انقسام اليسار، وفشله في احتواء أصوات الأقليات المهمة في حملته، كما يتعرض لشيطنة الكثير من وسائل الإعلام التي تقدم مزيدًا من الكشف لمرشحي اليمين المتطرف.
وأخيرًا، هناك مارين لوبان أقوى مرشحي اليمين المتطرف التي تزعزت في البداية بسبب حملة إيرك زمور الذي قلّص دعمها، قبل أن تعيد تقديم نفسها كممثلة لـ”الوطنية المعقولة”.
تستعيد لوبان موقعها كمنافس رئيسي لماكرون وتحصل على نسبة 22% في الاستطلاعات، في النهاية يمكنها أن تستفيد من الدعم الواسع للمحافظين والرجعيين اليمينيين إضافة إلى جميع من يعارضون ماكرون بشكل جذري.
مواقف متطورة
هذا الوضع يجعل هذه الانتخابات الأكثر غموضًا في تاريخ فرنسا، وفي تلك اللعبة لا يزال المسلمون يحاولون إيجاد موضع لأنفسهم، في الانتخابات السابقة صوّت نحو 80% من المسلمين لأحزاب اليسار؛ ذلك الموقف الذي تطور خلال العقد الماضي لأسباب سياسية واجتماعية واقتصادية.
يتسم مرشحو اليسار بخيانة قضاياهم دائمًا مثل معالجة الإسلاموفوبيا وعنف الشرطة
مع وصول العائلات المسلمة لمرتبة الطبقة المتوسطة، ربما تتغير القضايا التي تثير قلقهم، بالإضافة إلى ذلك؛ يتسم مرشحو اليسار بخيانة قضاياهم دائمًا مثل معالجة الإسلاموفوبيا وعنف الشرطة.
ومع ذلك ما زال تطور ميلينشون بشأن تلك القضايا يجذب الناخبين ويجعل حملته نشطه شعبيًا، بينما لا يزال حاسمًا في المناسبات وغير ساذج، ما يسمح له بأن يقدم نفسه كبديل حقيقي.
من الامتناع الواعي سياسيًا عن التصويت إلى اغتنام فرصة أخرى مع مرشح يساري، أصبح أمام المسلمين الذي تعرضوا لخمس سنوات من المضايقات السياسية تحت نظام ماكرون، خيارًا لاتخاذه.
المصدر: ميدل إيست آي