الإطاحة بعمران خان.. بين الفشل الداخلي والتآمر الخارجي

تشهد الساحة السياسية الباكستانية تحولًا دراماتيكيًا اعتاده المراقبون للوضع في هذا البلد الذي لم يهنأ يومًا ما باستقرار سياسي في ظل حالة الضبابية والصراعات المتنامية بين النظام – أيًا كانت هويته – والمعارضة التي تعد واحدة من أشرس الكيانات في العالم، ليس لقوتها قدر ما هو لضعف الحكومات المتعاقبة على الهرم السلطوي في البلاد.
وبعدما قلب رئيس الوزراء عمران خان الطاولة على المعارضة بإفشال جلسة التصويت على حجب الثقة منه وحل البرلمان والحكومة معًا، إذ به يقع في مستنقع الإقصاء المبكر، بعد أن صوت أعضاء البرلمان (174 من 342 نائبًا) لصالح حجب الثقة عنه، في جلسة استمرت نحو 14 ساعة.
التصويت جاء بعد قرار المحكمة العليا الباكستانية (أعلى جهة قضائية في البلاد) الخميس 7 أبريل/نيسان 2022، بعدم دستورية إلغاء نائب رئيس البرلمان رفض التصويت على مقترح المعارضة بشأن حجب الثقة عن رئيس الحكومة، كذلك ألغت قرار حل البرلمان ودعته للانعقاد مرة أخرى في 9 أبريل/نيسان 2022 لإجراء الجلسة.
الإطاحة برئيس الوزراء قبل إكمال مدته ليست الحالة الأولى في البلاد، فمنذ الاستقلال عام 1947 تعاقب على رئاسة الحكومة في باكستان 19 رئيس وزراء، جميعهم لم يكمل مدته الأولى، بداية من لياقت علي خان الذي تسلم رئاسة الوزراء في نفس عام الاستقلال لكنه أغتيل عام 1951 قبل أن يكمل مدته وصولًا إلى نجم الكريكيت، عمران خان.
بين الفشل والمؤامرة
استندت المعارضة في تقديمها للمقترح البرلماني بحجب الثقة عن خان في 8 مارس/آذار الماضي إلى إلقاء اللوم عليه في التراجع الاقتصادي الواضح وفشل الحكومة في تحسين الأوضاع المعيشية للمواطن الباكستاني، فضلًا عن عدم الوفاء بالوعود التي قطعها رئيس الوزراء على نفسه بمحاربة الفساد ووأد هذه الظاهرة التي تنخر في المجتمع منذ عقود طويلة وأحد الأسباب الرئيسية في انهيار الدولة.
في المقابل يرى خان أن السبب الحقيقي وراء الإطاحة به من منصبه وجود مؤامرة أمريكية محكمة بأيادي المعارضة الداخلية، لافتًا في تصريحات له أنه سيكشف النقاب عما أسماه “الرسالة السرية” التي تظهر تآمر واشنطن على باكستان وحكومته، وأنه سيقدم نسخة من تلك الرسالة للجيش والمحكمة العليا.
يتهم رئيس الوزراء المعزول إدارة بايدن بمحاولة تغيير النظام في بلاده بسبب دعمه لسياسات موسكو وقربه من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كاشفًا أن مؤامرة الإطاحة به الممولة بأكملها من الخارج على حد وصفه، بدأت بعد زيارته للعاصمة الروسية في فبراير/شباط الثاني، وهي الزيارة التي اعتبرتها واشنطن دعمًا باكستانيًا للحرب الروسية في أوكرانيا.
وبعد الانتهاء من جلسة التصويت على حجب الثقة، تجمع عشرات من مؤيدي خان أمام مبنى الجمعية الوطنية (البرلمان) مرددين هتافات تتهم نواب المعارضة بالعمالة للولايات المتحدة، وفي المقابل تجمع عشرات من أنصار المعارضة، بحسب مراسل “الجزيرة” وسط خوف وترقب من تصعيد محتمل بين الطرفين.
الخلافات المتصاعدة بين خان وقادة الجيش ترجح تخلي المؤسسة العسكرية، وهي صاحبة الكلمة العليا في البلاد منذ الاستقلال وحتى اليوم، عن خان الذي كان يتهم بالأمس بأنه أحد المحسوبين على هذا الكيان
الجيش يتخلى عن خان
الأسابيع الأخيرة شهدت انقسامًا واضحًا بين خان ومؤسسة الجيش بسبب الحرب التي شنتها روسيا ضد أوكرانيا في 24 فبراير/شباط الماضي، وهو ما يمكن الوقوف عليه من خلال تضارب التصريحات بين الطرفين، ففي الوقت الذي انتقد فيه قائد الجيش الباكستاني، قمر جاويد باجوا، تلك الحرب، داعيًا إلى الوقف الفوري لما وصفه “مأساة كبيرة” يتعرض لها بلد أصغر، رفض رئيس الوزراء توجيه أي اتهامات للرئيس الروسي، كما رفض ضغوط الغرب لاتخاذ موقف مناوئ لموسكو في تحركاتها العسكرية ضد كييف.
باجوا وفي تصريحات له مؤخرًا خلال مؤتمر أمني في إسلام آباد أعلن صراحة أن بلاده تسعى لتوسيع علاقاتها مع واشنطن وتعزيز سبل التعاون المشترك، لافتًا إلى أن العلاقات بين البلدين ممتدة عبر تاريخ طويل من التناغم والمصالح المشتركة، منوهًا أن الولايات المتحدة واحدة من أكبر الأسواق للصادرات الباكستانية.
الخلافات المتصاعدة بين خان وقادة الجيش ترجح تخلي المؤسسة العسكرية، وهي صاحبة الكلمة العليا في البلاد منذ الاستقلال وحتى اليوم، عن خان الذي كان يتهم بالأمس بأنه أحد المحسوبين على هذا الكيان، الأمر الذي أحدث ارتباكًا كبيرًا لدى المهتمين بالشأن الباكستاني، ويشي ضمنيًا إلى اتساع الهوة الأيديولوجية بين توجهات الطرفين، إزاء المعسكرين، الشرقي والغربي، ورؤيتهما لبوصلة مصالح البلاد.
شهباز شريف.. هل يكون البديل؟
بعد التصويت بحجب الثقة عن خان، بات المرشح الأقرب لخلافته على منصب رئيس الوزراء، زعيم المعارضة في البرلمان شهبار شريف، زعيم حزب الرابطة الإسلامية وشقيق رئيس الوزراء السابق نواز شريف، الذي يشغل حاليًّا منصب رئيس وزراء ولاية البنجاب للولاية الثالثة على التوالي.
ينتمي شهبار (72 عامًا) إلى عائلة شريف الثرية، لكنه اختار عالم السياسة في المقام الأول بدلًا من المال عكس معظم أفراد عائلته، فبعد أن كان رئيسًا لغرفة تجارة وصناعة لاهور عام 1985 غير مسار حياته إلى المجال السياسي، حين انتخب لأول مرة لعضوية جمعية إقليم البنجاب عام 1988، ثم عضوًا بالبرلمان خلال الفترة من 1990-1993، ثم عضوًا في جمعية البنجاب عام 1993 عندما شغل منصب زعيم المعارضة حتى عام 1996، وفي العام التالي مباشرة انتخب رئيسًا لوزراء الإقليم.
نُفي شريف خارج البلاد بعد الانقلاب العسكري عام 1999 لكنه عاد مرة أخرى عام 2008 ليواصل مسيرته السياسية، تلك المسيرة التي تعززت أكثر بوصول حزبه “الرابطة الإسلامية” إلى السلطة في البنجاب والبرلمان ليصبح زعيمًا للمعارضة منذ 2018.
تخيم حالة من الترقب على المشهد الباكستاني في انتظار ما ستسفر عنه الساعات القادمة، وسط مخاوف من نشوب صدامات بين أنصار خان ومعارضيه
ويواجه ترشيح شقيق رئيس الوزراء السابق بعض العراقيل، أبرزها العلاقة المتوترة بينه وبين الجيش، إذ انتقد المؤسسة العسكرية بعد الإطاحة بحكومة شقيقه 1999، لكنه تخلى مؤخرًا عن لغة الخطاب الهجومية في مواجهة المؤسسة، عبر تصريحات يفهم منها أنها مغازلة واضحة واستعداد لفتح صفحة جديدة في العلاقات بين الطرفين.
كذلك تهم الفساد التي يواجهها، إذ اتهم في 2017 مع بعض أفراد عائلة نواز شريف بقائمة مطولة من اتهامات المحسوبية والرشوة وغسيل الأموال، كما تم تجميد 23 عقارًا – عبر ديوان المحاسبة الوطني في البلاد – تعود ملكيتها له ولنجله حمزه وبعض أقاربه، وذلك في ديسمبر/كانون الأول 2019، وفي سبتمبر/أيلول 2020 ألقي القبض عليه بتهمية غسيل أموال، لكن أفرج عنه في أبريل/نيسان 2021.
في الأخير تخيم حالة من الترقب على المشهد الباكستاني في انتظار ما ستسفر عنه الساعات القادمة، وسط مخاوف من نشوب صدامات بين أنصار خان ومعارضيه، فيما يرجح أن تحكم المؤسسة العسكرية سيطرتها على الساحة برمتها، في ظل تصاعد المخاوف بشأن تدخلها في اختيار هوية رئيس الوزراء القادم.