ترجمة وتحرير: نون بوست
فوجئ الخبراء العسكريون في العالم بحجم العجز والفشل الذي عانى منه الجيش الروسي خلال محاولته الأولى لاجتياح أوكرانيا. إذ أن ثاني أكبر قوة عسكرية في العالم أخطأت في كل خطوة تقريبا قامت بها خلال الساعات الأولى للغزو. واليوم بعد مرور سبعة أسابيع على اندلاع هذه الحرب التي كانت روسيا والغرب يتوقعون أنها ستنتهي خلال أيام قليلة، نجح الأوكرانيون في خلق زخم إيجابي، وقد تمكنوا من إجبار الروس على انسحاب مهين من شمال البلاد، وتمكنوا أيضا من تعطيل أو عكس التقدم الذي أحرزوه في أغلب الجبهات الأخرى.
والآن في وقت تعيد فيه روسيا توجيه مواردها نحو السيطرة على المنطقة الشرقية من أوكرانيا، يدور السؤال المصيري حول ما إذا كان جيشها قادرا على تلافي الأخطاء التي ارتكبها في بداية عملياته العسكرية؟ وفي ما يلي نعرض تسعة من أكبر الهفوات التي حددها الخبراء العسكريون.
سوء تقدير الأوكرانيين
أكبر خطأ ارتكبه الروس كان التقليل من عزيمة الأوكرانيين وقدرتهم على المقاومة. فقد خططت موسكو لانتصار خاطف وسهل، وتوقعت أن يتم استقبال قواتها باعتبارها محررة للأوكرانيين، إلا أن هؤلاء حاربوها بكل ضراوة، معتمدين على الأسلحة التي حصلوا عليها من الغرب.
ولم يكن الجيش الأوكراني فقط هو الذي أظهر هذه المقاومة، حيث أن المواطنين العاديين قاموا بمبادرات لعرقلة التقدم الروسي، مثل سكان قرية فوزنيسينك الذين استعملوا بنادق الصيد والحجارة من أجل وقف تقدم الجنود الروس في الساحل الجنوبي. وهكذا فإن خيبات الروس في أوكرانيا سببها الأساسي هو التقديرات الخاطئة، إلى جانب هفوات أخرى.
عدم تحضير القوات
تظهر الروايات التي قدمها الجنود الروس الأسرى أن الكثير منهم لم يتم إخبارهم بأنهم سيشاركون في غزو أوكرانيا. بعض هؤلاء أخبروا بأنهم يشاركون في مناورات عسكرية. وآخرون اعتقدوا أنهم متوجهون نحو منطقة دونباس فقط. وبحسب ما يؤكده جاك واتلينغ الباحث في المعهد الملكي للقوات المتحدة في لندن، فإن هذا يعني أنهم من الناحية الذهنية لم يكونوا مستعدون للتعرض لإطلاق النار والمقاومة العنيفة، وهو الأمر الذي حدث مع بداية الغزو، وأدى إلى تقويض معنويات الروس.
افتقدت روسيا إلى ما يكفي من الأسلحة التقليدية لتسليح قواتها التي زجت بها في ساحة المعركة. إذ أن بعض الجنود المستجدين في الجبهة الشرقية حملوا بنادق تم تطويرها في القرن التاسع عشر وتوقف إنتاجها منذ عقود
وقد أدى ارتفاع حصيلة القتلى إلى تفاقم الإحباط المعنوي. وتشير تقديرات حلف الناتو إلى أن عدد القتلى الروس وصل إلى 15 ألف منذ أكثر من أسبوعين، وهو رقم يتجاوز عدد الضحايا السوفييت خلال عقد كامل من الحرب في أفغانستان. ويقول المسؤولون الأوكرانيون إنهم جمعوا حوالي سبعة آلاف جثة روسية من ساحات المعارك، فيما تؤكد روسيا أنها فقدت فقط 1351 جندي.
عدم توفير ما يكفي من المؤونة
بدت الوحدات العسكرية الروسية غير مستعدة بتاتا للظروف والصعوبات التي واجهتها. إذ أن هذه الوحدات توقعت تقدما سريعا نحو كييف وبقية المناطق دون التعرض لأي مقاومة تذكر، ولهذا فإنها جلبت معها مؤونة تكفي فقط لأسبوعين، وقد نفذت بسرعة. وظهرت مقاطع فيديو تظهر جنودا روس متروكين في الطرقات بجانب عرباتهم، بسبب نفاذ الوقود. كما ظهر جنود يعانون من الجوع يقومون بنهب المحلات وسرقة الدجاج.
ويقول جون سبينسر، رئيس برنامج دراسات حرب المدن في منتدى ماديسون للسياسة: “من المفاجئ أيضا أن هذه القوات افتقدت إلى بعض الوسائل التي تعد أساسية في الحروب الحديثة، مثل مناظير الرؤية الليلية. والأوكرانيون في المقابل كانوا يمتلكون هذه المعدات، وتمتعوا بالتفوق خلال الليل، وأطلقوا هجمات ونصبوا كمائن تحت جنح الظلام، ضد العدو الذي كان عاجزا عن الرؤية.”
كما افتقدت روسيا إلى ما يكفي من الأسلحة التقليدية لتسليح قواتها التي زجت بها في ساحة المعركة. إذ أن بعض الجنود المستجدين في الجبهة الشرقية حملوا بنادق تم تطويرها في القرن التاسع عشر وتوقف إنتاجها منذ عقود، وذلك بحسب وكالة رويترز نقلا عن شهود.
عدم إدراك الضعف اللوجستي
يصف الخبراء العسكريون فشلا لوجيستيا فادحا للروس، حيث أن القوات نفذ لديها الغذاء وباقي المؤن بعد تعثر الخطة الأصلية، وفي تلك اللحظة لم يمتلك قادتهم خطة بديلة لإعادة تزويدهم باحتياجاتهم. وهكذا فإن الدبابات توقفت، والعربات التي عانت من سوء الصيانة فقدت عجلاتها وتعطلت محركاتها، ومثلت جزء من الرتل البالغ طوله 40 ميلا الذي تداولت صوره وسائل الإعلام.
وقد ذكر بوني بيركوفيتس وأرتور غالوتشيا مراسلا الواشنطن بوست أنه “من المعروف في مجال الحروب أنه عندما يتحدث الهواة عن الاستراتيجيا، فإن المحترفين يتحدثون عن الأمور اللوجستية التي هي فعليا أكثر أهمية. ولكن يبدو أن الروس لا يعرفون هذه المقولة، وهو ما أدى إلى سلسلة من التعثرات والفشل اللوجستي.”
تحركات القوات الروسية والمناطق التي سيطرت عليها في أوكرانيا
فبراير/ شباط: مع بدء غزو أوكرانيا، دخلت القوات الروسية من الشمال والشرق والجنوب، وتقدمت بسرعة نحو كييف وخاركيف وخيرسون.
الفشل في تحييد الدفاعات الجوية الأوكرانية
توقع الخبراء العسكريون أن تنجح حملة القصف الروسي في القضاء على الدفاعات الجوية الأوكرانية، ومختلف الأنظمة والقواعد والطائرات المستخدمة ضدهم، قبل إرسال القوات البرية عبر الحدود. ولكن عوضا عن ذلك فإن هذه القوات انخرطت في الحرب دون دعم جوي قوي. ربما يكون تفسير هذا هو الحسابات الخاطئة لقادة الجيش الروسي، الذين توقعوا مقاومة ضعيفة. ويؤكد الملاحظون أن الطيران العسكري الأوكراني لا يزال يحلق في الأجواء حتى بعد سبعة أسابيع.
الهجوم من عدة جبهات
يبدو أن أكبر قوة تم حشدها في القارة الأوروبية منذ الحرب العالمية الثانية لم تكن كافية لإنجاز مهامها القتالية أو السيطرة على المساحة الواسعة التي تمثلها أوكرانيا. إذ أن الغزو الروسي انطلق في البداية من أربعة جبهات، وهي جبهة الشمال نحو كييف، والشمال الشرقي نحو خاركيف، والشرق، والجنوب من شبه جزيرة القرم التي ضمتها موسكو.
ومع ظهور المقاومة، وجدت القوات الروسية نفسها مشتتة على طول الحدود، وكانت صفوفها متباعدة وهو ما أدى إلى ضعف خطوط الإمداد. وبحسب قواعد حساب أعداد الجنود لدى خبراء التكتيكات العسكرية، فإن قوة غازية تحتاج عشرين جنديا لكل ألف من السكان المحليين. وبحسب تأكيدات مايكل كلارك الأستاذ الزائر في قسم الدراسات العسكرية في معهد كينغز في لندن، بالنسبة لبلد في حجم أوكرانيا فإن هذه الحسابات تعني الحاجة إلى 88 ألف جندي روسي. الولايات المتحدة على سبيل المثال غزت العراق بنسبة جنود بلغت سبعة على كل ألف ساكن محلي، ولكن الجيش العراقي كان أضعف بكثير من الأوكراني، ورغم ذلك فإن روسيا اليوم أطلقت عمليتها بمعدل جنود يبلغ أربعة فقط على كل ألف ساكن.
استخدام قنوات اتصال غير مؤمنة
من المفاجئ أن الروس انخرطوا في هذه الحرب الكبيرة مستخدمين هواتف وأجهزة راديو قديمة. وقد تمكن الأوكرانيون من اعتراض هذه الرسائل التي تتناول التحركات الروسية على أرض المعركة، وبالتالي استباقهم ونصب الكمائن لهم. والبعض من الجنرالات السبعة الذين قتلوا في المعارك لقوا هذا المصير لأن الأوكرانيين تنصتوا على اتصالاتهم وكشفوا مواقعهم، وذلك بحسب مسؤول غربي تحدث بشرط عدم الكشف عن اسمه.
الخطة العسكرية الروسية كانت رديئة، من حيث حجم الحشود ومدى استعدادها وقدرتها على التأقلم مع الظروف المتغيرة
ومن شدة سهولة التنصت على اتصالات الجيش الروسي، يبدو أن بعض هواة الراديو تمكنوا من الاستماع لاتصالاتهم وبثها على الانترنت.
بدء الحرب دون سلسلة قيادة واضحة
يعتقد الخبراء أن الجيش الروسي الذي يتصف بمركزية القيادة، لا يمكن لقواته على الميدان اتخاذ قرارات أو إصدار توجيهات بمفردها. والوحدات التي واجهت بعض الصعوبات في أوكرانيا لم تتمكن من تغيير الخطط للتأقلم مع الظروف الجديدة بل اكتفت بانتظار الأوامر الجديدة من القيادات في موسكو.
ويقول الجنرال المتقاعد مارك هارتلينغ، القائد السابق في الجيش الأمريكي: “على عكس الولايات المتحدة والجيوش الغربية الأخرى، فإن الجيش الروسي لا يوجد فيه ضباط صف، وبالتالي فإن القوات تترك في حالة ذهول عندما لا تسمح الظروف بتطبيق الأوامر التي حصلت عليها”.
الفشل في وضع خطة بديلة
من الواضح أن الروس لم يكونوا مستعدين لسيناريو المقاومة التي اصطدموا بها، وفي هذه الحالة يبدو أنهم لم يجهزوا أية خطة بديلة، بل عوضا عن ذلك أصرت القوات على المضي قدما في تطبيق الأوامر والتوجه نحو الكمائن والتعرض للقتل. كما أن بعض المدرعات تلقت أوامر بالانتشار دون وجود مشاة لإسنادها، وهو ما جعلها أهدافا سهلة للأوكرانيين المسلحين بالأسلحة المضادة للدبابات المحمولة على الكتف، على غرار صواريخ جافلين المصنوعة في أمريكا.
وبشكل عام فإن الخطة العسكرية الروسية كانت رديئة، من حيث حجم الحشود ومدى استعدادها وقدرتها على التأقلم مع الظروف المتغيرة.
ولذلك يقول الخبراء العسكريون إن انعدام الكفاءة في مستوى القيادة والتخطيط والتحكم والاتصالات كان صادما.
المصدر: واشنطن بوست