تشير التقارير والإحصاءات الواردة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري إلى أن البلاد تسير بخطوات حثيثة نحو أتون الفقر، حيث بات أكثر من 30 مليون مصري تحت مستوى خط الفقر.
وقد قفزت معدلات الفقر خطوات جنونية خلال العقدَين الماضيَين، من 16.7% عام 2000 إلى 29.7% عام 2021، وسط موجات متتالية من الوعود التي قطعتها الأنظمة الحاكمة على نفسها لتخدير شعوبها، لعلّ أكثرها ضجيجًا تلك التي شهدتها الأعوام السبع الماضية، إذ أطلق الرئيس عبد الفتاح السيسي على عام 2015، وهو العام الثاني لولايته الأولى، “عام الرخاء”.
إلا أنه لم يكن كذلك، فطلب من الشعب التحمُّل لمدة عامَين آخرَين عام 2016، لكن الوضع لم يتغيّر، ثم طالبهم بالصبر في عامَي 2018 و2019 وصولًا إلى عام 2020، حين قال إن مصر بنهاية يونيو/ حزيران من هذا العام ستكون في منطقة أخرى تمامًا من حيث المستوى الاقتصادي والاجتماعي.
في هذا التقرير من ملف “تسونامي الفقر”، نستعرض خارطة الفقر في مصر وأبرز مؤشراته والأسباب الحقيقية التي أدّت إلى تفاقم الأزمة، حتى باتت مصر واحدة من أكثر دول العالم فقرًا رغم امتلاكها الثروات الطبيعية الكبيرة والموقع الجيوسياسي المحوري.
جدلية الأرقام
يعرَّف خط الفقر بأنه الحد الأدنى من الدخل الذي يحتاجه الفرد لتأمين احتياجاته اليومية، وهنا تعاني الحالة المصرية من ازدواجية تجعل من الأرقام الرسمية المعلنة عن معدلات الفقر محل شكّ، فبحسب تقييم البنك الدولي لخط الفقر في مصر فإنه يقف عند 1.9 دولار يوميًّا، أي 894 جنيهًا للفرد شهريًّا و10725 جنيهًا سنويًّا، رغم أن مؤشر الفقر وفق البنك يبدأ من 5.5 دولارات يوميًّا، فيما يُعتبر 1.9 دولار يوميًّا مؤشر الفقر المدقع.
حدد جهاز التعبئة العامة والإحصاء الحكومي المصري، خلال بحث الدخل والإنفاق الذي أجراه مؤخرًا، خط الفقر عند 1.5 دولار يوميًّا، أي 24 جنيهًا مصريًّا، ما يعادل حوالي 735.5 جنيهًا شهريًّا، و8827 جنيهًا للفرد في السنة، ولذا جاءت النتيجة متأرجحة عند حدود 29% و32%.
لكن لو تمَّ حساب المعدل وفق المؤشر المعتمد من البنك الدولي، فإن معدلات الفقر هنا سترتفع إلى 60% من إجمالي الشعب المصري، وهي النسبة التي اعترفَ بها العديد من الخبراء والاقتصاديين طيلة السنوات الماضية، حينما كانت الحكومة المصرية تروج لفكرة تراجع معدلات الفقر وفق المؤشر المحلي.
مرحلة فاصلة
بدأ استشعار الفقر بصورة أكثر ضراوة مع نهاية عام 2016، حين اتخذ البنك المركزي المصري قراره الأكثر جدلًا طيلة العقود الماضية، بتحرير سعر صرف العملة المحلية (الجنيه) لترتفع من 8 جنيهات للدولار إلى قرابة 20 جنيهًا، وذلك ضمن خطة للحصول على قرض 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي.
تضمّنت الخطة تحريرًا مرحليًّا للدعم وصولًا إلى تصفيره لاحقًا، وهو ما تمَّ عبر خطوات متلاحقة كان لها صداها الكارثي على متوسطي ومحدودي الدخل، في ظل ثبات الأجور والرواتب وتراجع قيمتها بصورة كبيرة، مقارنة بما كانت عليه قبل هذا التاريخ.
حينها طالب النظام الشعب بتحمّل تلك الإجراءات القاسية آملًا في جني حصادها قريبًا، لكن الرياح جاءت بما لا تشتهي السفن، إذ زادت معدلات التضخم والبطالة، وزادت الأعباء الضريبية بصورة غير مسبوقة.
في هذا الخصوص، أشار المحلل الاقتصادي أحمد علي، الباحث بمركز الدراسات الاقتصادية (مستقل)، إلى أن كافة المسوح التي جرت على الفقر ومعدلات الإنفاق والدخول منذ عام 2016 وحتى اليوم تشير إلى انحدار كبير في المستوى المعيشي للمواطنين، لافتًا إلى أن معدلات الفقر تسير وفق متوالية هندسية مثيرة للقلق، إذا ما استمرَّ الوضع على ما هو عليه.
ويرى الباحث الاقتصادي في حديثه لـ”نون بوست” أن هناك فجوة كبيرة بين الأرقام الرسمية المعلنة والواقع الفعلي، منوهًا إلى أن نسبة تلك الفجوة تتجاوز أكثر من 50% تقريبًا، وفي بعض المجالات تتجاوز 60%، وهو ما يُظهر البلاد من خلال صورتَين متناقضتَين، الأولى غاية في الإشراق، وهي ما تعكسه بيانات المؤسسات الاقتصادية الدولية التي تعتمد على البيانات الرسمية؛ والثانية غاية في السواد، وهي التي تعكسها شهادات المواطنين ومؤشرات التقييم الميدانية.
ويتفق مع هذا الرأي الخبير الاقتصادي ممدوح الولي، نقيب الصحفيين الأسبق، وذلك في ضوء تعليقه على بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء حول نسبة التضخم في مصر، خلال الفترة من مارس/ آذار 2021 وحتى مارس/ آذار 2022، حيث كشف الجهاز الحكومي أن ارتفاع الأسعار في المدن بنسبة 10.5%، وفي الريف بنسبة 13.7%، وذلك لنحو 945 سلعة وخدمة يقوم الجهاز بقياس التغيرات فى أسعارها دوريًّا.
غير أن تلك المؤشرات -رغم أنها الأعلى منذ 3 سنوات- لا تعكس حقيقة الأسعار ميدانيًّا، والتي يتلمّسها عموم الشعب المصري ليل نهار، بحسب الولي، قائلًا: “يظل السؤال لدى سكان تلك المدن، حول مدى إحساسهم بواقعية تلك الأرقام الرسمية فى ضوء موجة الغلاء الحاد الذى يعاني منه المصريون”.
مؤشرات ومظاهر
اكتشاف مظاهر الفقر في مصر لا يحتاج عناء البحث ولا مشقة التحليل والدراسة، فالأمور تبلغ من الوضوح ما يغنيها عن التوضيح، فليس هناك شارع ولا حارة ولا مدينة إلا وبها واحد أو أكثر من مؤشرات الفقر التي تتزايد يومًا تلو الآخر، ورغم تعددها إلا أن أبرزها ينحصر في 4 مؤشرات رئيسية:
أولًا: انتشار العشوائيات
المستويات المعيشية المتدنية والفقر اللذين يداهمان محدودي الدخل، يدفعهما بطبيعة الحال إلى اللجوء نحو العشوائيات للحياة فيها، كونها الأرخص كلفة والأقل نفقة، وعليه يمكن اعتبار معدلات العشوائيات في مصر أحد المؤشرات القوية التي تستند إليها المسوح الخاصة بالفقر وقياسات مؤشرات الدخل والإنفاق.
في دراسة للمنتدى الاستراتيجي للسياسات العامة “دراية”، أشار إلى أنه حتى عام 2014 كان يعيش نحو 14 مليون مواطن مصري في المناطق العشوائية، فيما ذهبت دراسات أخرى إلى أن الرقم يتجاوز 20 مليون، منهم 1.7 مليون نسمة يقطنون 357 منطقة غير آمنة (بدرجاتها المختلفة)، و12 مليونًا يقطنون مساحة 152 ألف فدان، وهى المناطق العشوائية غير المخططة.
ووفق الدراسة، بلغَ إجمالى مساحة المناطق العشوائية بالجمهورية نحو 160.8 ألف فدان تمثّل 38.6% من الكتلة العمرانية لمدن الجمهورية (37.6% مناطق غير مخططة، 1% مناطق غير آمنة)، تنتشر فى 226 مدينة بجميع المحافظات من إجمالي 234 مدينة، حيث يوجد 8 مدن فقط خالية من المناطق العشوائية بكل من محافظات السويس والشرقية وكفر الشيخ والجيزة، ثم تأتي محافظة الإسكندرية (العاصمة الثانية للبلاد) فى المرتبة الأولى، حيث بلغت مساحة المناطق العشوائية بها 20.1 ألف فدان تمثّل 12.5%، تليها العاصمة القاهرة بمعدل 19.4 ألف فدان تمثّل 12%، ثم محافظة الجيزة 15.5 ألف فدان تمثّل 9.6% من إجمالي مساحة المناطق العشوائية.
وتبذل الدولة جهودًا كبيرة للقضاء على تلك الظاهرة من خلال التخلية والإحلال والتجديد والنقل لمدن جديدة، لكن من الواضح أنها غير كافية للقضاء على تلك الظاهرة المستفحلة منذ عقود طويلة، هذا بخلاف الشكوك التي تثار حول تلك الاستراتيجية، لا سيما فيما يتعلق باستثمار المناطق التي يتم تفريغ سكانها والواقعة في مناطق حيوية، كما هو الحال في مثلث ماسبيرو الذي تتجاوز قيمة الوحدة السكنية فيه بعد تطويره وتحويله لعقارات استثمارية ملايين الجنيهات، فيما حصلَ الأهالي على وحدات عقارية متوسطة المستوى على حدود القاهرة.
ثانيًا: ارتفاع الدين الخارجي
لا شك أن الارتدادات الناجمة عن الدين المتصاعد هي واحدة من العوامل التي تزيد من معدلات الفقر في مصر، إذ تلجأ الدولة لسداد العجز الناجم عن هذا الدين لفرض المزيد من الأعباء على المواطنين، وتقليل معدلات الدعم، ما ينعكس بطبيعة الحال على الوضع المعيشي، ويُفقد الكثير من الأسر القدرة على الوفاء بالحد الأدنى من التزاماتها المعيشية.
تشير الأرقام الرسمية الصادرة عن البنك المركزي أن حجم هذا الدين ارتفع ليسجّل نحو 137.859 مليار دولار في نهاية العام المالي 2021-2020، مقابل نحو 123.490 مليار دولار في نهاية العام المالي 2019-2020 بزيادة سنوية قدرها 14.369 مليار دولار، هذا بخلاف 40 مليار دولار قيمة فوائد هذا الدين، بما يعني أن الرقم الفعلي للدين الخارجي بفوائده قد يصل إلى أكثر من 177 مليار دولار، من دون حساب عوائد السندات.
جدير بالذكر أن الدين الخارجي المصري قفز خلال السنوات الست الماضية، منذ عام 2016 وحتى عام 2022، بنسبة تقترب من 150%، لتستحوذ مصر وحدها على 34% من إجمالي ديون منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال عام 2019 حسب تقرير البنك الدولي، ما تسبّب في التهام الجزء الأكبر من الموازنة السنوية التي يفترض تخصيصها لسدّ حاجات الشعب المعيشية، وبحسب بيانات وزارة المالية المصرية فإن سداد فوائد الديون والأقساط المستحقة تلتهمُ أكثر من 80% من الإيرادات العامة للدولة خلال العام المالي الماضي.
ثالثًا: انخفاض معدلات الادّخار
هناك قاعدة اقتصادية تشير إلى أنه كلما زاد المستوى المعيشي للمواطن كلما زادت مدخراته، والعكس صحيح، فحين يلاحظ تراجع مدخرات المواطن فإن ذلك يعني تراجع مستواه المعيشي إلى الحد الذي ما كان يستطيع توفير أي من مداخليه لصالح الادخار، وتلك المرحلة الأولى في طريق الفقر المليء بالأشواك.
تشير التقديرات إلى تراجع مدخرات الأفراد خلال الفترة 2014-2020 بصورة كبيرة مقارنة بما كانت عليه في السابق، ففي تلك الفترة لم تتجاوز نسبة الادّخار للناتج المحلي 10% في أحسن الأحوال، باستثناء عام واحد فقط هو العام المالي 2018-2019، وذلك فق بيانات التقرير المالي الشهري لوزارة المالية في يونيو/ حزيران 2021.
وبمقارنة تلك المعدلات بنظيرتها خلال الفترة 2005-2010 إبّان عهد حسني مبارك، يلاحَظ حجم التراجع الكبير، إذ لم تقلّ في تلك الآونة عن حاجز الـ 12.6%، وعلى العكس من ذلك ففي بعض السنوات تجاوز الـ 17%، بينما في أفضل سنوات السيسي السبع لم تتخطَّ معيار الـ 10%.
رابعًا: تراجع نصيب الفرد من السلع
في دراسة للمعهد المصري للدراسات، أعدّها الباحث مصطفى إبراهيم، استعرض أبرز مؤشرات الفقر التي من بينها تراجُع نصيب الفرد من الاحتياجات الأساسية في ظل ارتفاع أسعار السلع الرئيسية التي تشكّل وجدان الشعب الغذائي، وعلى رأسها اللحوم والبقوليات والخضروات.
كشفت الدراسة عن تراجع متوسط نصيب المواطن في مصر من اللحوم الحمراء عام 2018 بنسبة 29.4% إلى 9.6 كيلوغرامات عام 2016، مقابل 13.6 كيلوغرامات عام 2015، كذلك القمح ليصل إلى 137.8 كيلوغرامًا مقابل 141.1 كيلوغرامًا، والأرزّ إلى 34.7 كيلوغرامًا مقابل 39.1 كيلوغرامًا، والخضروات إلى 86.3 كيلوغرامًا مقابل 93.1 كيلوغرامًا، والفاكهة إلى 62.6 كيلوغرامًا مقابل 63.6 كيلوغرامًا، ولحوم الدواجن والطيور إلى 10.1 كيلوغرامًا مقابل 10.7 كيلوغرامًا.
واستند الباحث في دراسته إلى معدلات الأجور (ترتبط قضية الأجور بـ 6 ملايين موظف بالقطاع الحكومي فقط، أي حوالي 25 مليون مواطن عند احتساب معدل الإعالة) التي تراجعت بصورة ملحوظة، فأثّرت بشكل سلبي على حصة الفرد من الاحتياجات الأساسية، حيث تراجع معدل نمو الأجور من 25% عام 2013-2014 إلى 5% في موازنة العام 2018-2019، تزامنَ ذلك مع قفزة التضخم من 8% إلى 32% خلال الفترة ذاتها.
وعددت الدراسة عشرات المظاهر التي يمكن اعتبارها مؤشرات واضحة على تفشّي الفقر، منها أن 40% من المصريين لا يستطيعون الوفاء باحتياجاتهم الأساسية، كذلك ارتفاع معدلات البطالة إلى 12.9% في أقل التقديرات، فيما تتضاعف تلك النسبة وفق تقديرات أخرى.
هذا بجانب أن هناك 9 ملايين طفل في مصر يعيشون تحت خط الفقر، وأن نصف الشعب تقريبًا يعيشون على هياكل الدجاج، بسبب ارتفاع أسعار الدواجن والسلع الأساسية، بجانب أن قرابة 80% من الفقراء لا تصلهم خدمات الدعم أو التأمين الاجتماعي، مع احتلال مصر المرتبة الثالثة لارتفاع معدلات الجريمة بسبب انتشار الفقر والبطالة، وارتفاع معدلات الانتحار بين الشباب بسبب الأزمات النفسية الناجمة عن الأزمات المادية.
أسباب الفقر
تذهب نتائج معظم الدراسات والمسوح المستقلة إلى أن أسباب تفشي الفقر في مصر لا تخرج عن محددَين أساسيَّين، يندرج تحت كل منهما العديد من المؤشرات والعوامل الداخلية، فيما يبقى غياب فقه الأولويات المسمار الأبرز في نعش الاقتصاد المصري، الذي بات يسير في خطوط متوازية قد لا تتلاقى سويًّا مستقبلًا إذا ما استمرت على المسارات الحالية ذاتها.
أولًا: السياسات الاقتصادية
يرى البعض أن السياسات الاقتصادية التي تتبنّاها الدولة خلال السنوات الأخيرة عامل رئيسي في انتشار تلك الظاهرة، إذ تعتمد تلك السياسة في مقامها الأول على الاستدانة من الخارج لتنفيذ خطتها التنموية داخليًّا، وهو ما سيكون له ارتداداته الكارثية مستقبلًا على الحالة المعيشية للمواطن.
تلك السياسات التي أعطت الكباري والطرق والمدن السكنية الجديدة الأولوية القصوى مقارنة بالتعليم والصحة والارتقاء بالعنصر البشري، هي ذاتها التي أحدثت شرخًا في النسيج المجتمعي المصري، والذي قسمته إلى صفوة وعامة فيما تآكلت الطبقة المتوسطة بصورة تمهِّد نحو تلاشيها من الخارطة السكانية قريبًا.
كما أن هذه السياسات هي التي منحت المؤسسة العسكرية والشركات التابعة لها الصلاحيات الكاملة نحو احتكار السوق في العديد من المجالات، لا سيما العقارات والبناء، وهو ما أدّى في نهاية الأمر إلى الزجّ بعشرات الآلاف من عمال ومهندسي شركات القطاع الخاص إلى طابور البطالة.
هذه الاستراتيجية التي دفعت بأكثر من 80% من ثروات المصريين بأيدي أقل من 20% من الشعب، فيما تركت الأخير يأكل بعضه بعضًا بحثًا عمّا يسدّ رمقه، بينما يزداد الأغنياء غنى والفقراء فقرًا، في مجتمع يعاني من شروخات كفيلة بهدم قواعده من جذورها.
تلك الآلية التي اعتمدت على المنح والمساعدات الدولية والإقليمية، وقادت في النهاية إلى هروب الاستثمارات الأجنبية من السوق المصري، وهو ما توثّقه التقارير الواردة عن المؤسسات الدولية المعتبرة مثل شبكة “بلومبيرغ”، التي كشفت عن خروج أكثر من 15 مليار دولار من السوق المصري خلال الآونة الأخيرة، لأسباب بعضها يعود للحرب الروسية وأخرى للسياسات الاقتصادية المتّبعة.
ثانيًا: انتشار الفساد
يعدّ الفساد أحد الأسباب الرئيسية وراء تفشّي الفقر في البلاد، إذ يتسبّب في نهب الثروات بما يجهض التوزيع العادل ويهضم حق السواد الأعظم من الشعب لصالح حفنة من الفاسدين، وقد احتلت مصر المركز 117 عالميًّا -من أصل 180 دولة- في مؤشر مكافحة الفساد لعام 2021، بحسب منظمة الشفافية الدولية.
المؤشر الذي يصنِّف 180 دولة وإقليمًا بحسب المستويات المدرَكة لفساد القطاع العام فيها، بمقياس من صفر إلى 100، حيث يكون الصفر الأكثر فسادًا و100 الأكثر نزاهة، وقد حصلت مصر على 33 درجة؛ كشفَ عن تراجع مصر خلال الأعوام الماضية، حيث كانت في المرتبة 105 عام 2018 و106 عام 2019، لتظل في المنطقة الحمراء محتلة رقم 11 عربيًّا و117 عالميًّا.
سلّط التقرير الضوء على الفساد السياسي بحسب الخبير الاقتصادي عادل صبري، الذي يراه “ممنهجًا ويعيق التقدم” ويزيد من الوضعية الحقوقية المتدنية، ويعرقل المسار الديمقراطي، وكل هذا يقود في النهاية إلى سلطوية اقتصادية تنعكس على المستوى المعيشي للمواطنين، لا سيما السواد الأعظم من عامة الشعب.
يشير صبري في تحليله للتقرير إلى “وجود فاسدين، يرتبطون مع بعضهم بسلسلة واحدة، تعيد إنتاج فاسدين جدد” دون وجود محاسبة قوية رادعة لهم، مستشهدًا بتصريحات المستشارة بمنظمة الشفافية العالمية، كندة حتر: “إن الفساد السياسي الواسع في المنطقة لا يتعلق بسجن الفاسدين، وإنما هناك خوف من وجود كبش فداء في النهاية”.
هذا الفساد بطبيعة الحال يسري على المنظومة الحقوقية المتدهورة، حيث قرابة 60 ألف معتقل داخل السجون بحسب التقديرات غير الرسمية، وشرعنة سياسة التنكيل وتضييق الخناق، واستهداف الحريات الإعلامية والسياسية والحياة الخاصة، والانحدار بسقف المسموح به إلى أدنى مستوياته التاريخية.
في الأول من يوليو/ تموز 2013، وخلال بيان الجيش المصري عقب تظاهرات 30 يونيو/ حزيران ضد الرئيس الراحل محمد مرسي، قال وزير الدفاع -آنذاك- عبد الفتاح السيسي جملته المشهورة: “لقد عانى هذا الشعب الكريم ولم يجد من يرفق به أو يحنّ عليه”، وبعد مرور 8 سنوات على تلك العبارة يبدو أن المصريين لم يجدوا بعد من يحنّ عليهم حتى اليوم، لتتحول حنية وزير الدفاع -الذي أصبح رئيسًا للجمهورية فيما بعد- إلى قسوة لم يشهد الشعب مثلها منذ عقود طويلة، وسط توقعات بزيادة معدلات الفقر أكثر وأكثر إذا ما استمرَّ الوضع على ما هو عليه.