ترجمة وتحرير: نون بوست
بعد ستة أشهر من مغادرته البيت الأبيض، حصل جاريد كوشنر على استثمار بقيمة ملياري دولار من صندوق استثماري بقيادة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وسط اعتراضات وشكوك مستشاري الصندوق بشأن مزايا هذه الصفقة. وأشارت اللجنة المعنية بفحص استثمارات صندوق الثروة السيادية السعودي الرئيسي إلى مخاوف بشأن الصفقة المقترحة مع شركة الأسهم الخاصة “أفينيتي بارتنرز” التي أسسها كوشنر حديثًا، وذلك حسب ما أظهرته وثائق لم يتم الكشف عنها سابقًا.
وفقًا لمحضر اجتماع اللجنة في 30 حزيران/ يونيو الماضي، شملت تلك الاعتراضات “قلة خبرة إدارة صندوق التمويل في شركة أفينيتي”، واحتمال أن تكون المملكة مسؤولة عن “الجزء الأكبر من الاستثمار والمخاطر” لا سيما بعد تبيّن أن عمليات الشركة الناشئة “غير مرضية من جميع الجوانب”، هذا إلى جانب رسوم إدارة الأصول المقترحة التي “تبدو باهظة” و”مخاطر العلاقات العامة” من الدور السابق لكوشنر كمستشار كبير للرئيس السابق دونالد ترامب.
لكن بعد أيام، تم نقض اللجنة من قِبل مجلس إدارة صندوق الاستثمار العام البالغ قيمته 620 مليار دولار بقيادة محمد بن سلمان؛ المستفيد من دعم كوشنر عندما كان يعمل مستشارًا للبيت الأبيض.
يقول خبراء الأخلاقيات إن مثل هذه الصفقة الاستثمارية السعودية تأتي في إطار رد الجميل على أعمال كوشنر في البيت الأبيض أو محاولة للحصول على خدمة مستقبلية إذا سعى ترامب إلى خوض الانتخابات وفاز بفترة رئاسية أخرى في سنة 2024، لا سيما أن كوشنر لعب دورًا قياديًا داخل إدارة ترامب في الدفاع عن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بعد أن توصلّت وكالات المخابرات الأمريكية إلى أنه وافق على مقتل وتقطيع جمال خاشقجي في 2018.
كشفت الوثائق أن الصندوق السعودي وافق على استثمار ضعف المبلغ وبشروط أكثر سخاءً مع كوشنر مما فعل في نفس الوقت تقريبًا مع وزير الخزانة السابق ستيفن منوشين – الذي كان أيضًا يؤسس صندوقًا جديدًا – على الرغم من أن منوشين كان لديه سجل ناجح كمستثمر قبل دخوله الحكومة. ولم يتم الكشف عن مبلغ الاستثمار في شركته “ليبرتي ستراتيجيك كابيتال” – مع أن التكهنات تشير إلى أنه في حدود المليار دولار.
فيما يتعلق بعلاقتها مع صندوق الاستثمارات العامة السعودي، صرّح المتحدث باسم شركة كوشنر “إن أفينيتي، مثل العديد من الشركات الاستثمارية الكبرى الأخرى، تفخر بوجود صندوق الاستثمارات العامة وغيره من المنظمات الاستثمارية الرائدة التي لديها معايير فحص دقيقة”، فيما امتنع المتحدث باسم الصندوق السعودي عن التعليق على صفقته الاستثمارية.
ذكرت الصحيفة في الخريف الماضي أن كوشنر كان يسعى للحصول على استثمار سعودي. والآن، تُظهر سجلات ومراسلات الصندوق الداخلية التي حصلت عليها الصحيفة نتيجة وحجم وتوقيت صفقة شركته بالإضافة إلى الجدل الذي أثارته. وتشير هذه الوثائق وغيرها من الإيداعات إلى أن مشروع كوشنر يعتمد في هذه المرحلة بشكل أساسي على الأموال السعودية.
حسب وثيقة أُعدَّت الصيف الماضي لمجلس إدارة الصندوق السعودي، خطط كوشنر لجمع ما يصل إلى 7 مليارات دولار في المجموع، لكن حتى الآن يبدو أنه أضاف بعض المستثمرين الرئيسيين الآخرين.
في 31 آذار/ مارس، أفادت شركة كوشنر في أحدث ملفاتها العامة لدى لجنة الأوراق المالية والبورصات بأن صندوقها الرئيسي يدير 2.5 مليار دولار؛ معظمه من مستثمرين مقيمين في الخارج. ويُقال إن السعودية شاركت بملياري دولار في هذه الصفقة.
تشير الوثائق السعودية التي حصلت عليها الصحيفة إلى أن الصندوق السعودي سيحصل مقابل استثماره على حصة لا تقل عن 28 في المئة في صفقات الاستثمار الرئيسية لكوشنر. وفي ظل غياب قانون أو قواعد تُقيّد الأنشطة الاستثمارية لمسؤولي الإدارة السابقين بعد مغادرة البيت الأبيض؛ استفاد الكثير من كلا الحزبين من العلاقات والخبرات المكتسبة في الحكومة.
لكن روبرت وايزمان، رئيس مجموعة “بابليك سيتيزن”غير الربحية، وصف علاقة كوشنر بالسعوديين بأنها “مقلقة للغاية” مجادلاً بأن موقفه تجاه قيادة المملكة كمستشار كبير “يجعل هذه الشراكة التجارية تبدو أكثر كمكافأة واستثمار لصالح كوشنر”.
يقول المسؤولون السعوديون إن صندوق الاستثمارات العامة الذي يملك حصصا في شركة “أوبر” ونادي نيوكاسل يونايتد لكرة القدم في بريطانيا يعمل بشكل مستقل بهيكل إداري موسع يشمل هيئة استثمارية. لكن الأمير محمد سيطر على الصندوق عندما صعد إلى السلطة في سنة 2015 وأصبح المسؤول عن عملية صنع القرار في السعودية.
لكن كوشنر، الذي لم يكشف عن هدف صندوقه أو مجال تخصصه، يملك خبرة ضئيلة في مجال حقوق الملكية الخاصة. قبل دخوله البيت الأبيض، أدار الإمبراطورية العقارية التجارية لعائلته وكان يحقق أحيانا نتائج مخيبة للآمال. ومن بين الصفقات الأكثر شهرة التي أبرمها صفقة شراء تعود لسنة 2007 بقيمة 1.8 مليار دولار لبرج مكاتب في 666 الشارع الخامس في مانهاتن، حيث أصبحت مسؤولية دفع معاليم الرهن العقاري للمبنى مُرهقة عندما ضرب الركود الاقتصاد في السنة التالية.
أشار دبلوماسيون ومستثمرون وخبراء أخلاقيات خلال إدارة ترامب إلى أن عودته المتوقعة لتولي الأعمال العائلية خلقت تضاربًا محتملاً في المصالح في علاقة كوشنر بالأمير محمد وغيره من الملكيات العربية الغنية بالنفط. ويعد العديد منهم من كبار المستثمرين على المدى الطويل في العقارات الأمريكية، وقد سبق أن تودّدت إليهم عائلة كوشنر.
في منصب مستشار ترامب، طور كوشنر صداقة وتحالفًا غير رسمي مع ولي العهد السعودي. وقد أعرب الأمير محمد عن تفضيله تمتين العلاقات بين “إسرائيل” والملوك العرب في الخليج العربي، التي كانت إحدى أولويات كوشنر أثناء إدارة ترامب. ساعد كوشنر في التفاوض على سلسلة من الاتفاقيات تسمى “اتفاقيات إبراهام” تسمح بربط علاقات دبلوماسية بين “إسرائيل” والأنظمة الملكية العربية الأخرى. بعد ترك الحكومة، أنشأ كوشنر منظمة غير ربحية لتعزيز العلاقات الاقتصادية وغيرها بين الدول.
في واشنطن، توسط كوشنر في مبيعات أسلحة بقيمة 110 مليارات دولار إلى المملكة العربية السعودية على مدى 10 سنوات. كما ساعد في حماية تلك الصفقات وغيرها من صفقات الأسلحة من غضب الكونغرس جراء مقتل خاشقجي والكارثة الإنسانية التي أحدثها التدخل العسكري بقيادة السعودية في اليمن.
كان الجدل داخل الصندوق السعودي حول الاستثمار مع كوشنر في تناقض صارخ مع الموافقة السهلة على الاقتراح المقدم من قبل ستيفن منوشين، الشريك السابق في بنك غولدمان ساكس الذي استثمر في العديد من أفلام هوليوود، بما في ذلك “فيلم ليغو”، وساعد في إنقاذ بنك كاليفورنيا قبل دخول الحكومة.
يُركز صندوق منوشين على الأمن السيبراني والتكنولوجيا المالية والترفيه – أي جميع القطاعات التي تناسب الأولويات السعودية، وذلك وفقا لملخص تنفيذي أعده موظفو الصندوق. وأشار الملخص إلى أن عمل منوشين في الخزانة سمح له بفهم مستقبل النظام المالي الأمريكي”، والتأكد من أن مؤسسي الشركة يملكون “تجربة عميقة في بعض أعلى مستويات نظام الرقابة في الولايات المتحدة المعني بالإشراف ورصد الصناعات.
كما ترأس منوشين، بصفته وزير الخزانة، لجنة مسؤولة عن فحص بعض صفقات الاندماج مع الشركات الأجنبية. وقد ورد في الملخص أن منوشين حاول صياغة الصندوق الجديد بشكل يجعله قادرا على استيعاب الاستثمار من الحكومات الأجنبية مثل المملكة العربية السعودية.
في أحدث ملف لها، بتاريخ 31 آذار/ مارس، صرحت شركة منوشين بجمع 2.7 مليار دولار من إجمالي 33 مستثمرًا مشيرة إلى أن معظم الأموال متأتية من الخارج في حين تقول الوثائق السعودية إن هناك دولا أخرى من الخليج العربي استثمرت في الصندوق أيضًا.
من جانبه، صرّح المتحدث باسم ليبرتي ستراتيجيك كابيتال بأن الشركة “لديها قاعدة مستثمرين متنوعة تشمل شركات التأمين الأمريكية والمكاتب العائلية وصناديق الثروة السيادية والمستثمرين المؤسسيين الآخرين”.
حسب ما ورد في وثائق صندوق الاستثمارات العامة، يعامل كل من صندوق كوشنر ومنوشين الصندوق السعودي باعتباره مستثمرا “أساسيا”، حيث تقدم للسعوديين خصمًا على رسوم إدارة الأصول القياسية البالغة نسبتها 2 في المئة لشركات الأسهم الخاصة بالإضافة إلى خصم من حصة الشركة البالغة 20 في المئة من أي أرباح صندوق، والمعروفة باسم الفائدة المحمّلة.
لكن السعوديين وافقوا على دفع رسوم إدارة الأصول لشركة منوشين بنسبة 1 في المئة فقط، مقارنة بنسبة 1.25 في المئة لشركة كوشنر، وذلك حسب ما ورد في الوثائق. مقابل استثمار بقيمة ملياري دولار، عليهم دفع 25 مليون دولار سنويًا لشركته، دون تضمين حصة من أي أرباح يحققها صندوق أفينيتي. علاوة على ذلك، اتفقت الشركتان على فتح مكاتب إقليمية في الرياض وتقول الحكومة السعودية إنها ستفرض هذا الشرط قريبًا على أي شركة دولية تتعامل مع المملكة.
تمت الإشارة للجنة الاستثمار المكونة من خمسة أعضاء التي تُقيّم اقتراح كوشنر بالاسم الرمزي “مشروع أسترو”. قاد اللجنة ياسر الرميان – خريج كلية هارفارد للأعمال ورئيس مجلس إدارة أرامكو السعودية – عملاق النفط المملوك للدولة. وضمت اللجنة كذلك أندرو ليفريس، الرئيس التنفيذي السابق لشركة داو للكيماويات المولود في أستراليا، وأيمن السياري، نائب محافظ البنك المركزي السعودي.
تساءل أحد أعضاء الفريق في المحاضرة عُرف باسم المعجل – ربما إبراهيم المعجل، رئيس صندوق التنمية الصناعية، والحاصل على شهادة الدكتوراه من ستانفورد ــ قبل الاجتماع الذي عُقد في 30 يونيو/ حزيران 2021 عن مبررات الاستثمار في صندوق كوشنر، حيث قال “لماذا تستحق الفائدة الاستراتيجية المخاطرة؟”، وذلك وفقا لردود مطبوعة.
وجادلت الردود التي أعدها – في الغالب – موظفو الصندوق السعودي بأن مكتب الرياض الموعود لشركة كوشنر “أفينيتي” سيساعد السعوديين على “الانتفاع من قدرات مؤسسي صندوق أفينيتي لفهم العميق لمختلف السياسات الحكومية والنظم الجيوسياسية”.
كان تفسير غياب أي مستثمر مؤسسي أمريكي في صندوق كوشنر الاستثماري هو أنه “يود تجنب جذب انتباه الإعلام”، وذلك حسب ما ورد في الردود الخطية، “وبناءً على ذلك، تقرّبت أفينيتي من المستثمرين المؤسسين بشكل متحفظ”.
أقرت الردود أن افتقار كوشنر للخبرة في مجال الأسهم الخاصة بالإضافة للنتائج “غير المرضية” لمراجعات العناية الواجبة التي أجريت نيابة عن الصندوق السعودي “هي مخاوف في محلها وهامة”، لكنهم عزوا النتائج إلى حقيقة أنه لا يزال ينشئ البنية التحتية لشركته.
أضافت الردود أن الصندوق السعودي “لطف نسبيًا من هذه المخاطر”: فقد اشترط السعوديون على شركة كوشنر سحب 500 مليون دولار فقط من الالتزام الذي بلغ ملياري دولار أميركي قبل “تعيين فريق استثماري مؤهل، وفريق داخلي من الخبراء التنفيذيين الجوهريين وإنشاء لجنة الاستثمار”.
(في أواخر السنة الماضية، وظف كوشنر مستثمريْن من ذوي الخبرة في الأسهم الخاصة هما بريت بيرلمان وأسعد ناقفي؛ وينص ملف الأوراق المالية الأخير على أن “أفينيتي بارتنرز” لديها الآن 20 موظفًا، نصفهم تقريبا من الخبراء الاستثماريين.)
حتى بعد قراءة الردود، ضم ليفرس، الرئيس التنفيذي السابق لشركة داو الكيميائية، والسياري، من البنك المركزي السعودي، شكوكهم إلى جانب شكوك الدكتور المعجل. ويبدو أن الرميان، رئيس الهيئة وكبير المسؤولين التنفيذيين في الصندوق السعودي، يتفق معهم كذلك، وذلك وفقًا لما ورد في المحاضر. ولم يستجب أعضاء الفريق لطلبات التعليق أو تعذر التوصل إليهم.
تسجل المحاضر أن أعضاء الهيئة الأربعة جميعهم والذين حضروا الاجتماع “ذكروا أنهم غير مؤيدين لمشروع أسترو”. واقتضت قواعد الهيئة تصويت أغلبية الحاضرين لإصدار قرار، وذلك وفقًا لملاحظات المحاضر. وقد اقترح الرميان في هذه الحالة رفع “آراء الهيئة وقراراتها” إلى مجلس الصندوق بقيادة ولي العهد. لكن تظهر الوثائق أنه خلال أيام كان مجلس الإدارة قد أصدر قرارًا بالموافقة على الصفقة.
وفي رسالة مؤرخة في 5 تموز/ يوليو الماضي، قام موظفو الصندوق بالتوضيح لأحد أعضاء مجلس الإدارة الذي تساءل عن السبب وراء عدم إمكانية تخفيض حجم الاستثمار. وورد في الرسالة أن “هذا الاستثمار يهدف إلى تكوين علاقة استراتيجية مع صندوق “أفينيتي بارتنرز” ومؤسسه جاريد كوشنر”، وأن تخفيض حجم الاستثمار البالغ ملياري دولار “قد يؤثر سلبًا أو جوهريًا على إطار العلاقة الاستراتيجية والتجارية المتفق عليها”.
المصدر: نيويورك تايمز