أواخر العام المنصرم، قال الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش “إن بلاده ستواصل تسليح نفسها بالأسلحة الروسية والصينية وغيرها، وأنها لا تقبل آراء حول مصادر تسليحها”. وأضاف “إذا اعتقد أي شخص أنه ينبغي لنا أن نطلب من الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي اتخاذ قرار بشأن أسلحتنا، فلنلغ دولتنا”، أتت هذه التصريحات بعد شهور من الاستفزازات الصربية تجاه البوسنيين، فيما بدا أن المنطقة ستدخل في أتون تعقيدات قد تُوصل لحرب كبيرة.
بعد ربع قرن من انتهاء الحرب الدامية التي أتت على كامل البلقان، يلوح في الأفق اليوم شبح حرب جديدة تغذيها الاستفزازات الصربية المعززة بصفقات شراء الأسلحة من دول متعددة، يأتي ذلك في ظل أزمة عالمية جديدة أنتجتها الحرب الروسية على أوكرانيا، وبالطبع فإن صربيا التي تعتمد على الدعم الروسي المستمر باتت بحاجة إلى تنويع مصادرها من السلاح وغير ذلك من أجل تحقيق طموحات قادتها.
بدعم صربي واضح، كان ميلوراد دوديك، زعيم الصرب في البوسنة والهرسك قد هدد بالانفصال عن البوسنة إذا لم تتم العودة إلى “أصل اتفاقية دايتون”، كما هدد دوديك باتخاذ “خطوات متطرفة” تتعلق بنظم الجيش والقضاء في البوسنة والهرسك، وهنا تلتقي المصالح الروسية والصربية من خلال دعم تحركات دوديك الأخيرة، الأمر الذي قد يدفع المنطقة إلى اقتتال أهلي دموي جديد.
يذكر أن الإنفاق الدفاعي لصربيا قفز بين عامي 2015 و 2021، ليزيد بنحو 70% ويصل إلى 1.4 مليار دولار سنويًا، هذه الطفرة في تكديس الأسلحة وإجراء الصفقات، تأتي بعد تلاشي قوة الصرب العسكرية بعد حرب التسعينات، والذي سعى فيه الصرب لتحقيق حلمهم بتكوين صربيا الكبرى، لكن مع العام 2014 قررت الحكومة الصربية البدء في عملية إعادة تسليح للجيش.
صفقات جديدة
الصين
أفادت تقارير أن صربيا، تسلمت منظومة صينية متطورة مضادة للطائرات في عملية “شبه سرية”، يأتي ذلك ضمن مسعى صيني لإنشاء قواعد جديدة في المنطقة، كما تأتي وسط مخاوف غربية من أن تكديس الأسلحة في البلقان يمكن أن يهدد السلام الهش في المنطقة. وقال خبراء إن 6 طائرات نقل صينية هبطت في مطار بلغراد المدني وهي “تحمل أنظمة صواريخ أرض-جو من طراز HQ-22 للجيش الصربي”.
بدوره، أكد الرئيس الصربي، ألكسندر فوتشيتش، تسلم بلاده للنظام الصيني المتوسط المدى والذي تم الاتفاق عليه في عام 2019، قائلًا إنه سيقدم “أحدث فخر” للجيش الصربي. يذكر أن بلغراد تسلمت في عام 2020، تسلمت طائرات تشنغدو بتيروداكتيل-1 بدون طيار، والمعروفة في الصين باسم وينج لونج Wing Loong.
ويرى المحللون أن بكين تسعى من خلال ذلك “أن تصبح صربيا مركزًا اقتصاديًا وسياسيًا في منطقتها، وأن تكون قاعدة للحضور الاقتصادي الصيني في البلقان. جاء ذلك بالتزامن مع رغبة صربيا في البحث عن بديل للدور الروسي المتآكل اقتصاديا وسياسيا رُغم تمدُّده عسكريا في أوكرانيا، ومن ثم يبدو أن الخيار وقع على الصين لتشكيل سياسة موازنة بين الروابط الأوروبية والحضور الصيني من أجل تحقيق مصالح بلغراد”.
كانت واشنطن حذرت بلغراد سابقًا من شراء أنظمة HQ-22 المضادة للطائرات، وقالت إنه “إذا كانت صربيا تريد حقًا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي والتحالفات الغربية الأخرى، فعليها مواءمة معداتها العسكرية مع المعايير الغربية”.
فرنسا
في ذات السياق، وفي طريق إكمالها لمخطط التسلح قال الرئيس الصربي إن صربيا تجري مباحثات مع فرنسا لشراء ما لا يقل عن 12 طائرة رافال، وأشار إلى أن “صربيا كانت تعتمد على الطائرات العسكرية الروسية وتكنولوجيتها، ولكنها ربما تشتري نحو 24 طائرة رافال من شركة داسو للطيران”.
“إسرائيل”
في العام الماضي دخلت “إسرائيل” على خط موردي الأسلحة إلى صربيا، حيث قالت شركة الدفاع الإسرائيلية “رافائيل لأنظمة الدفاع المتقدمة”: “نحن نتعاون في صربيا مع شركة تصنيع المنتجات الدفاعية المملوكة للدولة، ونسعى إلى تسويق صواريخ سبايك إل آر 2″، يأتي ذلك يعد تصريحات للرئيس الصربي بأن بلاده تنوي شراء الأسلحة من “إسرائيل”، لكن فيما يتعلق ببلغراد، تتجاوز الاعتبارات السياسية في هذا المجال أي صفقات دفاعية عادية. يذكر أنه في 2019 حظرت المحكمة العليا الإسرائيلية نشر وثائق حكومية عن تعاون “إسرائيل” مع صربيا في مذابح البوسنة، منذ 1991، واستمر بعد ذيوع أنباء عن المذابح. وتذكر المصادر إن “إسرائيل” كانت مصدراً رئيسياً في إمداد صربيا بالسلاح والمدد”.
تركيا
في خبر مثير للاهتمام، أكدت صربيا على لسان رئيسها أيضًا عزمها شراء طائرات مقاتلة تركية بدون طيار لتعزيز دفاعات البلاد، وقال فوتشيتش “سوف نعزز قواتنا الجوية” وسنزيد عدد الطائرات بدون طيار. وقال فوسيتش إنه طلب من الرئيس رجب طيب أردوغان خلال محادثاتهما تزويد بلاده بطائرات بدون طيار من طراز بيرقدار، مضيفًا “قبل يومين، في لقاء مع الرئيس التركي أردوغان، قلت إننا نريد شراء طائرات بيرقدار من تركيا ووعدني أردوغان بأننا نستطيع الحصول عليها”.
الحرب الأوكرانية الروسية وصربيا
طبعًا، يأتي التسلح الصربي مع استمرار الدعم الروسي لصربيا، سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا، حيث أعطت روسيا وبيلاروسيا لبلغراد عشر طائرات من طراز ميغ-29. وزادتها روسيا 30 دبابة وناقلة جند مدرعة، كما عقدت معها صفقة سلمتها بموجبها نظام للدفاع الجوي. وكان اتفق وزير الدفاع الروسي سيرجي شويغو ونظيره الصربي زيادة وتيرة التعاون الدفاعي، والذي يتماشى مع إعلان الشراكة الإستراتيجية.
اليوم وفي ظل الأزمة الروسية في أوكرانيا لم تخف صربيا عدم مشاركتها في العقوبات على موسكو حليفها الأساسي، وعلى الرغم من أن بلغراد تطمح للإنضمام إلى الاتحاد الأوروبي، إلا أنها لم ترضخ للضغوطات الغربية من أجل المشاركة بالعقوبات على روسيا، حيث أكّد الرئيس الصربي، أنّ بلاده لا تغير قرارها بشأن رفض دعم العقوبات الغربية ضد روسيا، على الرغم من الضغوط السياسية الخارجية.
لكن صربيا ما تزال في موقف حرج أمام الغرب، إذ أنها تريد تحقيق اندماج أكثر مع الأوروبيين، لأن 61% من تجارتها الخارجية مع دول الاتحاد، كما تسعى لتكون الدولة 28 في الاتحاد. أما “الصداقة التقليدية” فهي روابطها مع روسيا، التي تدعم ما تطالب به بلغراد من سيادة على كوسوفو. ومع انطلاقة الحرب الأوكرانية الروسية طالبت دول أعضاء بالاتحاد الأوروبي بتسريع ضم دول غرب البلقان والتي تضم صربيا فيما بينها.
وكان الرئيس فوتشيتش استغل غزو أوكرانيا لمصلحته مثيرًا الهواجس إزاء احتمالات اندلاع موجات عدم استقرار ومقدمًا في الوقت نفسه ضمانات بأنه وحده قادر على الحؤول دون وقوع بلاده في أزمة مماثلة، وذلك في الانتخابات التي فاز بها مجددًا منذ أسبوع، وقال فوتشيتش في رسالة بثت على الهواء “هذا القمح وهذا الملح المستودعات ممتلئة. هذه البازلاء” وكان يعرض صورًا لمخزونات السلع الغذائية الاحتياطية وسط ارتفاع الأسعار وفقًا لما ذكرت “فرانس برس“.
بالمحصلة، تحاول صربيا اليوم اللعب على الأطراف كافة، وكذا فإن الدول تريد زيادة نفوذها في بلغراد لأهميتها الجغرافية كدولة محورية في منطقة البلقان، ولكن المخيف من هذا التجاذب عودة الحرب إلى المنطقة التي عانت من معارك سابقة قضى فيها عشرات الآلاف.